ما هكذا تُورد الإبل
جاء الحوار الوطني الثالث في هذه الفترة العصيبة والتي تُعد بحق من أصعب الفترات التي تمر بها الأمة عموماً والدولة خصوصاً .
ولكن السؤال ما لذي حققه هذا الحوار وما هو الهدف منه وإلى أين يتجه وما هي والآمال المرجوة من هذا الملتقى ؟؟؟؟؟ .
والحقيقة أن هذا الملتقى ليس له هدف واضح ولا وجهة محددة ، فالحاضرين كل له هدف ، فالعلماني جاء لعلمانيته ، والمرأة جاءت للمطالبة بحقوق المرأة ، والإسلامي جاء لإسلامه ، والشيعي جاء لشيعيته ، والحداثي جاء لحداثيته . وكلُُ منهم وراءه من يدعمه ويأزه ويُوأزره ، وكل يريد أن يكون الملتقى وقراراته تسير وفق هواه ووفق نزواته وتُويد قوله وفكرته وإلا فالحوار فاشل ، وكل من يقول بغير قولي فهو عدوي أعلن عليه العداء والحرب سراً وجهاراً ، حتى أصبح الحوار ساحة للمشادات الكلامية والمهاترارات والسباب والشتائم وإضراب وخروج من الحوار وربما إلى التهديد بالضرب ، ولم تبقى هذه الفضائح حبيسة أروقة قاعات الحوار بل انتقلت إلى الصحف والإعلام ومواقع الإنترنت بل وحتى رسائل الجوال ، وربما وصلت إلى الشكاوى والدعاوى ، فقد خرج المجتمعون من صالة الحوار إلى أروقة المحاكم .
وإذا كان الحوار وطنياً يمثل مختلف شرائح المجتمع ، فأين الذين يمثلون شريحة الشباب والتي تمثل أكثر من نصف المجتمع ، وأين الذين يمثلون الطبقة الكادحة والفقيرة في المجتمع بالرغم من أنهم الأكثرية ، فالمجتمعون من الطبقة الغنية والثرية في المجتمع أصحاب الملايين والمناصب العالية وهم من سن الخمسين فما فوق والقليل منهم يصغر هذا السن بقليل ، وإذا كان اللقاء له تأثير وله غاية فأين قرارات اللقاء الأول ولثاني ، أم أنها عبارات إنشائية منمقة وحبر على ورق .
هل يُعقل أن تتحد أوربا على اختلاف لغاتها وأعراقها وعاداتها والعداءات التاريخية بينها ، ونختلف نحن أهل الدين والعرق واللغة والوطن الواحد ، من السبب في اختلافنا وتفرقنا حتى أصبح يقتل بعضنا بعضا ويلعن بعضنا بعضا . من علمنا نظرية ( إن لم تكن معي فأنت عدوي ) ومن غرس فينا ألأنانية وحب الذات حتى في الرأي .
لما أرادت كوريا أن تخرج من تخلفها وجهلها ، وقررت أن تكون دولة صناعية تنافس الدول ، اجتمعوا و قالوا إذا أردنا أن ننجح في ذلك فعلينا أن نبدأ بالتعليم ، ولكي نصلح التعليم عندنا فيجب أن نصرف ميزانية الدولة كاملة لمدة سبع سنوات في التعليم ، أي أنه لا يصرف ريال واحد من الميزانية في غير التعليم ، والنتيجة هي أنه مقابل كل براءة اختراع واحدة للدول العربية مجتمعة يخرج ( 16000 ) براءة اختراع كوريه ، بالرغم من أن التصنيع بدأ في الدول العربية وكوريا في نفس الوقت .
وقف الكوريون صفاً واحداً ، همة عالية وهدف سامي جمع شتات كوريا التي أهلكتها الديون و مزقتها حروب كان الأخ يقتل فيها أخاه والابن يقتل أباه وبالرغم من قلة الموارد إن لم تكن معدومة ، هؤلاء تركوا الاختلاف والأهواء جانباً واتحدوا جميعاً من أجل هدف واحد ، والسبب هو أن المجتمعون الكوريون كان فيهم صدق لوطنهم وأمتهم ولذلك وقف خلفهم كل كوري فوافق على الاستغناء عن كل الخدمات لمدة سبع سنوات فلا بلديات ولا مياه ولا ولا ... الخ ، فأين نحن يا أهل الموارد الغزيرة والوطن الواحد والعرق الواحد وقبلها أهل الدين الواحد .
كوريا خصصت للتعليم سبع سنوات وصرفت عليه ميزانية السبع سنوات كاملة ، ومن أجل التعليم ضحى الشعب الكوري بكل ما يملك ووقفوا صفاً واحداً شعباُ وحكومة خلال سبع سنوات عجاف حتى حققوا حلمهم ، بينما نحن خصصناً للتعليم دقائق معدودة من وقت الحوار والباقي ذهب في نقاش هل تقود المرأة السيارة أم لا ، وتحول اللقاء من جلسة حوار إلى ساحة مهاترات وسباب وشتائم بين المؤيدين من جهة والمعارضين من جهة أُخرى ، وأصبحت قضية قيادة المرأة للسيارة شغلنا الشاغل وكأنها إذا قادة السيارة أننا حلينا جميع مشاكلنا وجئنا بما لم يأت به الأولون والآخرون ، هل هذه أكبر مشاكلنا أم أن هذه هي العقبة الوحيدة في طريق الإصلاح .
كل هذا ليعلم العالم كله أننا أصبحنا أصحاب هوى وشهوات , وأصحاب همم دنية ، أليس من هؤلاء المجتمعون رجل رشيد يقول لهم أيها الناس أفيقوا إلى رشدكم أين أنتم سائرون وإلى أين أنتم ذاهبون لقد تركتم معالي الأمور و خضتم في سفاسفها ، قفوا !! فأنتم تجرون المجتمع والأمة إلى الهاوية .
في الحرب العالمية الثانية اجتمع العالم كله على ألمانيا واليابان ، حتى ضُربت اليابان بالقنابل الذرية ، وضُرب عليها حصار طويل ، ومع ذلك فقد فكروا أنهم في سفينة واحدة إذا نجت نجوا جميعا وإذا غرقت هلكوا جميعا ، فتركوا أهوائهم وخلافاتهم جانباً و اتحدوا في صف واحد ضد العالم كله حتى غزت اليابان العالم بصناعتها واقتصادها وركعت أكبر الدول اقتصاديا بما فيها أمريكا ، وهذه ألمانيا هزمت شر هزيمة وقُسمة إلى قسمين ، ولكنها اجتمعت بعد شتات واتحدت بعد فُرقة وصارت أكبر اقتصاد في أوربا ، وأصبح العالم كله يحسب لها ألف حساب ، فهل يا ترى يأتي اليوم الذي نفكر فيه بهذه العقلية .
وهذه أمريكا التي اجتمع أهلها من كل عرق وبلد لا يربطهم بهذه الأرض رابط ولكنهم لما فكروا بعقلية الجماعة ضحوا بكل شيء من أجل أمريكا ، وكان أول ما بدءوا به دولتهم هو كتابة صحيفة المعاهدة التي يحفظونها أبنائهم من الصف الأول الابتدائي .
فهل ينجح ألامريكيون في بلد لايربطهم به شيء ونفشل نحن الذين جذورنا ضاربة في وطننا منذ قدم التاريخ أضف إلى ذلك أن فيه قبلتنا وقبلة كل مسلم ومهبط الوحي ومنبع الرسالة وإليه تهفوا النفوس وفيه مهاجر المصفى عليه الصلاة والسلام وسيرته ، وهل ينجح الياباني الملحد الذي لا يؤمن برب ولا إله ولا دين ولا مبدأ ، ونفشل نحن أهل الدين والعقيدة وبهذه العقيدة والدين أخرجنا العالم كله من الضلال إلى النور .
إذا أردنا أن ننجوا وأن نحل مشاكلنا فما علينا سوى :
أولاً : أن نضع لنا هدفاً أو أهدافً سامياً ، تظهر فيها الهمة العلية وروح التحدي ، نؤمن بها
كلنا ونلقنها
للأجيال من بعدنا ويكون وقت تحقيقه محدد بمدة معينة .
ثانياً : أن نربي له جيلاً جديداً يستطيع تحقيقه و يؤمن بمبادئه ويتحمل مسؤولية تحقيقه والذود عنه ، ولا
يمكن أن نُخرج هذاالجيل إلا بالتعليم و تربية النشء الجديد عليه .
ثالثاً : أن نضحي بالغالي والنفيس من أجله وأن نتحد صفاً واحداً من أجل تحقيقه ، ونترك أهوائنا وخلافاتنا
جانباً ، وأن نسخر له كل الطاقات والإمكانيات من مال وإعلام وقبل هذا كله التعليم .
وعلينا قبل هذا كله وقبل عمل الأسباب وبعدها بالتوكل على الله تعالى والصدق والإخلاص معه ، والتضرع والدعاء إلى الله تعالى أن يسددنا وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير ، وأن يصلح فساد قلوبنا وأن يؤلف بين قلوبنا ، وفي الختام فإن هذه الأمور كالها من اتخاذ ألأسباب والاستفادة من تجارب الآخرين إنما هي من سنن الله تعالى الكونية التي من أخذ بها نجى ومن تركها هلك ، لا فرق في ذلك بين مسلم أو كافر .
والله تعالى أعلم وأحكم و صلى الله وسلم على نبينا محمد واله وسلم .

ساره ام اسامه @sarh_am_asamh
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️