الجلسة الخامسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة بصوته وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ بتاريخ 20 / 5 / 1422 هــ فأجاز نشرها .
السؤال الأول :
ما حكم تولية المرأة للقضاء والوزارة وجعلها أحد أعضاء مجلس الشورى ؟
الجواب :
نحن نعلم من قواعد الفقهاء والأصوليين أن كل أمر انعقد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عصر الصحابة ولم يفعلوه مع إمكانية فعله فإنه بدعة ولا يجوز عمله ولا إقراره .
ولا أعلم أحداً من الصحابة ولا التابعين رخص للمرأة أن تكون ملكة أو أميرة على الرجال أو وزيرة أو قاضية أو عضواً في مجلس الشورى .
بل الأمر بعكس ذلك كانوا ينهون عن ذلك ولا يرون للمرأة شأناً في مثل هذه المسائل التي هي من خصائص الرجال .
وقد كان في عصر الصحابة مجلس شورى ولم يكن من بينهم امرأة على رجحان عقول كثير منهن ولا سيما أمهات المؤمنين .
وفي صحيح البخاري من طريق عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال . لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدتُ أن الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
فهذا دليل على منع المرأة من تولي الولايات العامة والقول بأن الحديث خاص بالإمامة العظمى غير صحيح فقد ذكر الأصوليون بأن الحكم الواقع على العام واقع على كل فرد من أفراده .
وهذا الذي فهمه الصحابة حين منعوا المرأة من الولايات العامة .
والمتأمل في طبيعة المرأة ونقص غريزة عقلها والفروق الكثيرة بين الرجال والنساء وخصائص كل منهما عن الآخر لا ينازع في منع المرأة من الولايات العامة وهذا رأي أكثر أهل العلم وذكره جماعة من العلماء اتفاقاً .
ولأبي حنيفة وبعض فقهاء المالكية رأي في تولية المرأة للقضاء فيما تجوز فيه شهادتها .
وذهب ابن حزم إلى جواز ولايتها القضاء مطلقاً وفيه نظر ورأي الجمهور أقوى دليلاً وتعليلاً والله أعلم .
السؤال الثاني : ما الحكم في المساجد المبنية على القبور ؟
الجواب :
بناء المساجد على القبور أو اتخاذ القبور على المساجد محرم بالكتاب والسنة واتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة .
وهذا العمل معدود عند طائفة من الفقهاء من كبائر الذنوب .
فالواجب حينئذٍ هدمُ المساجد المبنية على القبور ونبش الأموات إذا دفنوا في المساجد فلا يجتمع في دين المسلمين مسجد وقبر كما تفعله اليهود والنصارى وفي صحيح البخاري ومسلم من طريق الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ماصنعوا .
وفي صحيح مسلم من طريق زيد بن أبي أُنسية عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النجراني عن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك . )) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الهيّاج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته .
والأدلة على تحريم بناء المساجد على القبور متواترة ولا ينازع في ذلك أحد من أهل العلم .
بيد أنك ترى بعض العامة والأغبياء في كثير من المجتمعات الإسلامية يتسابقون لفعل الصلاة في مسجد فيه قبر رجاء بركة الميت أو غير ذلك .
وهذه الصلاة في مثل هذه المساجد محرمة وفي إجزائها قولان للفقهاء .
الأول : أنها تصح مع الإثم وهذا قول الأكثر .
الثاني : أنها لا تجزي بل يجب إعادتها وهذا مذهب أحمد بن حنبل واختاره أبو محمد بن حزم رحمه الله .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ . إذا كان المسجد بُني على القبر ولم يمكن إزالة المسجد وأمكن إزالة القبر فما الحكم ؟
الجواب :
يجوز على الصحيح نبش القبر وإزالته وإن كان الأسبق إذا تعذر إزالة الطارئ . والضابط في ذلك مراعاة المصلحة وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أنه إذا كان المسجد بُني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر .
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب إزالة المتأخر وهذا صحيح مع القدرة وانتفاء المفسدة والله أعلم .
السؤال الرابع :
ما هو المعنى الصحيح للعلمانية ؟
الجواب :
المعنى الصحيح للعلمانية هو اللادينية وذلك فصل الدين عن الحياة بحيث تقوم الحياة على غير دين الله وعلى غير شرعه .
فيبقى الإسلام معزولاً عن الحياة العملية معزولاً عن سياسة الحكم فلا يتدخل في الشئون الاقتصادية ولا الشئون الإدارية ولا يعالج مشكلات الحياة .
هذا ما يقوله المتشائمون من هذا الدين الجاهلون بأحكامه وتشريعاته فهم يُقصون الدين عن الحياة ويجعلون الحكم للشعب لا لله.
والأمر المحزن هو أن ترى هذا الفكر الساذج قد حضي بهالة إعلامية في بلاد المسلمين ولقي رواجاً وتقبُّلاً من أكثر الحكومات العربية وهذا بلاء عظيم نسأل الله السلامة والعافية .
السؤال الخامس :
ماهي عقيدة السلف في ترك جنس العمل ؟
الجواب :
إن تارك جنس العمل أي أعمال الجوارح مطلقاً كافر باتفاق المسلمين ولا ينفعه حينئذٍ قوله ولا اعتقاده فإن ذلك لا يصح بدون عمل .
وترى هذا مبيناً بطولٍ في الشريعة للآجري والإبانة لابن بطة وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية وأوائل المجلد الأول من فتح الباري للحافظ ابن رجب .
وليس هذا بلازم لتكفير أصحاب الكبائر كما يقوله أهل الإرجاء فإن السلف متفقون على أن من الأعمال أركاناً للإيمان يكفر تاركها ومنها واجبات لا يكفر تاركها .
وفي فتح الباري لابن رجب قال سفيان بن عيينة : المرجئة سمّوا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ، لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر .
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقرّوا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
ونقل حرب عن إسحاق قال . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصـوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره ، يُرْجى أمرُه إلى الله بعد ، إذ هو مُقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم يعني أنهم مرجئة ... ) .
ومن دعاوى أهل الإرجاء أنه لا يكفر أحد بالفعل مالم يستحل أو يكذب أو يعاند الحق ويبغضه ويستكبر عنه .
وهذا قول غلاة الجهمية وهو خلاف الكتاب والسنة والإجماع فإن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافرُ بالاتفاق دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء على كفر المستهزئ بالدين دون ربط ذلك بالاعتقاد بل يكفر بمجرد الاستهزاء الصريح ولو كان هازلاً أو مازحاً قال تعالى { قل أبا الله وآياته ورسوله كنـتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فمناط الكفر هو مجرد القول .
وكذلك أجمع العلماء على كفر الحاكم المبدل لشرع الله الذي يضع القوانين الوضعية ويجعلها قائمة مقام حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان ، قال رحمه الله : من ترك الشرع المحكم المنـزل على محمد بن عبد الله r خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .
وقول ابن عباس في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } كفر دون كفر . لايصح عنه رواه الحاكم في مستدركه من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس وهشام بن حجير ضعيف الحديث قاله الأئمة يحي بن معين وأحمد بن حنبل والعقيلي وغيرهم وقال الإمام سفيان بن عيينة . لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير مالا نجده عند غيره .
والمحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( هي كفر ) رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق عبد الله عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وسنده صحيح .
وهذا المنقول عن أكابر الصحابة .ولا أعلم عن أحد منهم خلافاً في ذلك .
فأصحاب القوانين الوضعية والأنظمة الجاهلية والتشريعات المخالفة لحكم الله كفار :
1 _ بترك الحكم بما أنزل الله .
2- وكفار بتبديل شرع الله .
3- وكفار في حكمهم بهذا التشريع الجاهلي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
والاعتذار عن هؤلاء المشرّعين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .... يقال عنه .
* بأن المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون هذه الشهادة ويصومون ويصلون وليس هذا بنافع لهم .
* والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء . يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزل القرآن بكفرهم ، كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
* والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
* والرافضة الإثنا عشرية يتكلمون بالشهادتين .
* والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بهما .
* وبنو عبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد . وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم .
فالاعتذار عن تكفير المبدّلين لشرع الله من أجل التكلم بالشهادتين مجرد تلبيس وتعمية للحقائق ومساهمة في استمرار الشرك في الأرض ونفوذ سلطان البشر مكان شرع الله .
وقد اعتذر عنهم آخرون بأنهم لا يفضلون القانون على الشرع ويعتقدون أنه باطل !! وهذا ليس بشيء ولا أثر له على الحكم فعابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن قال أنا أعتقد أن الشرك باطل .
فضيلة الشيخ هل يعذرون بالجهل ؟
الجواب : الذي منشأ ضلاله وكفره الإعراض عن العلم والعلماء والصدود عن الحق والتفريط الواضح في البحث عن سبيل الأنبياء والمرسلين فهذا غير معذور قال تعالى { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وقال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون } .
والذي منشأ ضلاله وتلبسه بالشرك أو الكفر الجهل المعتبّر مثل عدم بلوغ العلم أو التأويل الذي لـه وجه في العلم ونحو ذلك فإنه لا يُكفَّر حتى تقوم عليه الحجة .
وذلك أنَّ الجهل نوعان :
الأول مقبول : وهذا مانع من ثبوت الأحكام الشرعية فإن الحكم لا يترتب إلا على من توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع .
الثاني غير مقبول : وقد بينت ذلك في غير موضع وفصلت في المسألة وذكرت الأدلة على ذلك ومذاهب أهل العلم والله أعلم .
المحايد @almhayd_1
عضو مميز
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️