ما معنى النصحية لكل من: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم..؟!

ملتقى الإيمان

وعن تميم الداري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم.


الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، هذا هو الحديث الثالث، وهو حديث النصيحة، وهو أحد الأحاديث التي نص العلماء على أنها من جوامع الكلم، ومن أصول الدين، إذ ترجع إليها جميع مسائل الدين، كما سيتبين هذا في الكلام على النصيحة لهذه الخمسة.


والنصح؛ هذه الكلمة مدارها على الخلوص والصفاء، قال عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة بعض الرواة يقول: ثلاثا اختصارا، إذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدين النصيحة ثلاثا معناه أنه كرر ذلك ثلاثا، الرسول ما يقول الدين النصيحة ثلاثا يقول: " الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة " ولهذا ذكرها الشيخ بهذا اللفظ الواضح، الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، وهذه الجملة جملة حاصرة، فيها حصر مما قلنا فيما تقدم " إنما الأعمال بالنيات " متضمنة الحصر، حصر الأعمال بالنيات، أيضا هنا فيها حصر الدين بالنصيحة، الدين في النصيحة، كل الدين، ومن طرق الحصر عند أرباب اللغة تعريف الطرفين، يعني تعريف طرفي الجملة، تقول العالم زيد، العالم خالد، يفيد حصر العالمية في زيد، وعلى هذا فقوله - صلى الله عليه وسلم -: الدين النصيحة يقتضي حصر الدين في النصيحة، فالدين كله في النصيحة، والنصيحة متضمنة للدين كله، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم .


إذا فلا بد أن يعرف معنى النصيحة في هذه الأمور المذكورة، قد بين العلماء معنى النصيحة لله، معنى النصيحة للكتاب، معنى النصيحة للرسول، معنى النصيحة لأئمة المسلمين ولعامتهم، وجماع ذلك القيام التام بما يجب بهذه المذكورات،
إذا فالنصيحة لله تتضمن الإيمان به ربا وإلها موصفا بصفات الكمال، فيتضمن ذلك الإيمان بربوبيته، إنه رب كل شيء ومليكه وخالق كل شيء ومدبره، الإيمان بإلهيته، أنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، الإيمان بما له من الأسماء والصفات، تنزيه عن النقائص والعيوب والنظير والشبيه. وكل ما يضاد ذلك فهو ضد النصيحة، فيه الغش والدخل والدغل.


وهذا الإيمان به سبحانه وتعالى على هذا الوجه يتضمن توحيده، أنه لا رب غيره، ولا إله سواه، ولا شريك له، ولا شبيه، كما تقتضي النصيحة طاعته سبحانه وتعالى وتحكيم شرعه، فعلم أن النصيحة لله يجمعها تحقيق التوحيد بعبادته تعالى وحده لا شريك له، وطاعته سبحانه وتعالى في أمره ونهيه، وذلك يتضمن تحقيق العبودية، تحقيق العبودية له، فالعبودية الاختيارية هي مناط شرف العبد، وأقول الاختيارية؛ لأن فيها العبودية القهرية اضطرارية، وهي العبودية العامة.


فالنصيحة لله تكون بتحقيق العبودية له سبحانه وتعالى، ظاهرا وباطنا، عقيدة وعملا.


النصيحة للقرآن، كذلك تتضمن الإيمان به؛ لأنه من عند الله، وأنه كلام الله، منزل غير مخلوق، على منهج أهل السنة والجماعة، تتضمن تحكيمه تحكيم القرآن بالوقوف عند حدوده، الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، كل ذلك داخل في النصيحة لكتاب الله، النصيحة للقرآن، فالنصيحة للقرآن تتضمن أو جماعها الإيمان به، وتحكيمه، وذلك بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، والوقوف عند حدوده، وكذلك صيانته عن التحريف، الذي يفعله المبطلون والجاهلون.


ويدخل في النصيحة الإيمان بأخباره، بما اشتمل عليه من أسماء الله وصفاته، وبما اشتمل عليه من الأخبار عما كان من بدء الخلق؛ خلق السماوات والأرض، وبدء خلق هذه البشرية، والإخبار عن ما سيكون في المستقبل، والإخبار عن الأمور الموجودة.


فالنصيحة للقرآن هي تحقيق الإيمان به، وتحقيق متابعته، تحقيق اتباعه، < اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ > فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى < .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: تكفل الله لمن قرأ القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.


ثالثا: النصيحة للرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا المنوال يدخل فيها الإيمان به، ومحبته فوق محبة النفس والأهل والولد والوالد والناس أجمعين، كما نص على ذلك - صلى الله عليه وسلم - في قوله: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين وقال لعمر: حتى من نفسك، وقال: إنك الآن لأحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر الإيمان به ومحبته وطاعته طاعة مطلقة؛ لأن طاعة الرسول طاعة لله؛ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تجب طاعة الرسول طاعة مطلقة، بخلاف طاعة ولاة الأمر، وطاعة من أمر الله بطاعته من الناس، وذلك يكون بتحقيق متابعته عليه الصلاة والسلام، بتحقيق اتباعه. وهذا يتضمن تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته في أمره ونهيه.


فالنصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام هو معنى ومقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، الإيمان بأنه رسول الله إلى الناس كافة، إلى الثقلين، أنه رسول الله إلى جميع الناس، أنه خاتم النبيين، فهو الصادق المصدوق، وأنه سيد ولد آدم، كما أخبر عليه الصلاة والسلام، ويدخل في ذلك الإيمان بفضائله وخصائصه، وأن من خصائصه المقام المحمود الذي أكرمه الله به؛ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا .


النصيحة " لأئمة المسلمين وعامتهم " أئمة المسلمين ولاة أمور المسلمين، بدأ بالإمام الأعظم، يعني الخلفية أو الملك أو الرئيس إذا سمي رئيسا، فمن دونه ممن له ولاية وسلطان أئمة، الإمام أو الإمامة تقتضي أتباعا، وتقتضي سلطانا وولاية، وهذه تقتضي الطاعة؛ فالنصيحة لأئمة المسلمين، لولاته، وهذا يشمل الأئمة الذين هم الحكام ولاة الأمر، الأمراء، ويشمل العلماء، كما قال المفسرون في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فسرت بالأمراء وبالعلماء، ... الصنفين.


فالنصيحة للأمراء وللعلماء بمحبة الخير لهم، وصلاحهم، وتوفيقهم، نصيحة للأمراء تكون بالدعاء لهم بصلاح الحال، بطاعتهم بالمعروف، بمناصحتهم أيضا، يدخل في ذلك مناصحتهم، هذا من النصح، هذا من نصيحتهم مناصحتهم، وأمرهم ونهيهم بالطرق الممكنة التي توصل إلى المطلوب، السمع والطاعة لهم بالمعروف، كما أمر الله ورسوله.


كذلك النصيحة للعلماء أيضا بمحبتهم، ومعرفة أقدارهم، وإنزالهم منازلهم، وهكذا وعدم الانحراف إلى إفراط أو تفريط؛ العلماء يجب الاعتدال في معاملتهم، وفي الاعتقاد فيهم، فلا يتعصب لأحد منهم، ولا يرفع أحد منهم فوق منزلته، ويعلم أنهم ليسوا بمعصومين، بل كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعدم التفريط في حقهم بعدم احترامهم، وعدم الالتفات لأقوالهم، بل ينبغي الانتفاع بعلومهم، الانتفاع بأقوال الأئمة، أئمة السنة، فهذا كله شامل للنصيحة، يدخل في ذلك محبتهم، معرفة منازلهم، معرفة فضلهم، الانتفاع بعلومهم.


أما النوع الخامس " وعامتهم " عامة المسلمين، فعامة المسلمين يشمل كل الطبقات، عموم المسلمين، الرجال والنساء والعلماء والعامة، ويشمل، عموم؛ عامة المسلمين، يعني عموم المسلمين، الأغنياء الفقراء، الأقارب والأبعاد وعامتهم.


النصيحة لهم تكون أيضا بمحبتهم في الله؛ لأن هناك قدرا جامعا، ورابطة جامعة للمسلمين، وهي أخوة الإيمان، فأخوة الإيمان رباط ووشيجة بين عموم المسلمين، ويدخل في ذلك ما عبر عنه الرسول بقوله: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فمن النصيحة للمسلمين أن تحب لهم من الخير ما تحبه لنفسك، وتكره لهم من الشر ما تكره له لنفسك.


ومن النصيحة أيضا القيام بما شرع الله من واجب ومستحب نحو المسلمين، على اختلاف منازلهم وأحوالهم، ببذل الإحسان بالإحسان، بالواجب والمستحب، وكف الأذى القولي والفعلي؛ فلا يحسد ولا يحقد، ولا يبغض؛ لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض؛ وكونوا عباد الله إخوانا فكل خلق رديء ظاهر أو باطن؛ فإنه ضد النصيحة المسلم أخو المسلم، لا يخذله، ولا يظلمه، ولا يحقره؛ بحسب امرأ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه فكلام الله يفسر بعضه بعضا، وكلام الرسول يفسر بعضه بعضا، ويفسر كلام الله ؟


فهذا الحديث بهذا التصور تبين أنه شامل لكل نواحي الدين، كل أمور الدين ومسائل الدين العلمية الاعتقادية والعملية، سواء منها ما يتعلق بالله والرسول، أو يتعلق بعموم المسلمين بعامتهم وخاصتهم.


فكل الشرائع والواجبات داخلة فيها، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، و الصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، ثم إن هذه الأمور تتداخل، يعني هذه الخمسة إنما ذكرها الرسول بالتفصيل، وإلا تتداخل، يعني مدى الإيمان بالله بمعناه الواسع الجامع تندرج فيه كل هذه الأمور.


الإيمان بالقرآن، والنصيحة للقرآن تندرج فيه كل هذه الأمور، النصيحة للرسول يمكن أن تندرج فيها كل هذه الأمور، لكن للتفصيل وللتنبيه على تعلق النصيحة بكل هذه الأمور؛ نص الرسول عليه الصلاة والسلام عليها؛ لأن هذا أوضح لفهم المطلوب " لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم " نعم. اهـ


شرح الشيخ عبد الرحمن البراك على "جوامع الأخبار"
المصدر
ولمن عنده كتاب "حقوق النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته" فليراجع
5
7K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

jouliana
jouliana
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين





اللهم ارزقنا الحكمة واجعلنا من المصلحين واهلنا وجميع المسلمين امين
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
اللهم اجعلنا ممن يبكون من خشيتك ويبكون فرحا بطاعتك
ولاتضل قلوبنا بعد اذ هديتنا

وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم




سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد
اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه ووزن عرشه ومداد كلماته
أستغفر الله .............................. أستغفر الله.......................... ...أستغفر الله
لا تنسونا من الدعاء









جزاك الله عنا عزيزتي الفاضلة خير الجزاء وأفاض

عليك من نعمه ظاهره وباطنه
ام بودى68
ام بودى68
الامــيــرة01
الامــيــرة01
نورتن الصفحة بمروركن الكريم بارك الله فيكن
الامــيــرة01
الامــيــرة01
رفع الله قـدرك
وفرج الله همك
وأسعد الله أيامك
وألبسك لباس العافية
اسعدني مروركم اسعدكم الرحمن
كل من ردت
الامــيــرة01
الامــيــرة01