سيدة الوسط

سيدة الوسط @syd_alost

عضوة شرف في عالم حواء

متى نشفى من مرض الإستهلاك الترفيهي؟

الملتقى العام

"ليس للمريض أن يشكو عندما يكون الشفاء في كمه"
- مونتاين -
نشر في جريدة "الرياض" في العدد الصادر في 1423/4/17ه ان "عشرة ملايين وخمسمائة الف ريال ينفقها الشباب والشابات بمكة المكرمة شهرياً على شراء أجهزة الجوال الحديثة".
ونشر في موقع "اسلام اون لاين" عبر الانترنت في 2001/4/17م ان شركة "آي. بي. كيه انترناشيونال" المتخصصة في أبحاث السياحة والسفر ومراقبة حركة السفر العالمي كشفت في تقريرها السنوي الذي صدر الاثنين (2001/4/16م) أن الخليجيين أنفقوا 27مليار دولار العام الماضي على السياحة في الخارج، فيما أنفق الأوروبيون , 25مليار دولار في الخليج خلال نفس الفترة.
وجاء السعوديون في المقدمة في عدد الرحلات حيث وصلت عدد رحلاتهم إلى , 46ملايين رحلة و 160مليون ليلة، وفي دراسة قام بها الدكتور "حسن أبوركبة" عن سلوك المستهلك السعودي خلص إلى أن 40- 60% من دخل الأسرة السنوي ينفق على الغذاء، و 15- 20% على الكساء، ومثلها على الترفيه والعلاج والسياحة، و 5- 10% على التأثيث ومثلها على الأجهزة الكهربائية و 5- 15% على التعليم ومثلها على السكن ومثلها كمدخرات.
هل نحن بالفعل نعاني من مرض الاستهلاك الترفي؟
ولماذا نتصدر الشعوب في الانفاق فكيف نبني إذن؟
إن حضارات الشعوب تقام على الإنتاج وليس الاستهلاك!!

مرض الاستهلاك الترفي
من المؤسف ان احصاءات الاستهلاك تشير إلى أن معظمنا مصاب بهذا المرض فنحن ننفق المال على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية، بهذا يعرف الأستاذ "أحمد التويجري" الاستهلاك الترفي ويؤطره بشوائب كالاسراف والتبذير بقصد التباهي وحب الظهور وتعويض نقص اجتماعي معين.
إذن فهناك أنواع من السلع نحن لا نقدرها لصفاتها الذاتية، أو لاحتياجنا الفعلي لهذا ولكن وفقاً لما تمثله من مكانة اجتماعية.
الحقيقة انه لا خيار لنا كمستهلكين كما يقول الدكتور "زيد الرماني" (فالسلوكيات الاستهلاكية بدأت تتغير اليوم، إما بسبب ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة، أو لأننا ننتهج مسلكاً استهلاكياً لاخفاء شيء في نفوسنا، كمستوانا المالي أو الثقافي مثلاً، ولذلك كان خيارنا عشوائياً، حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني في التلفزيون).
والاستهلاك الترفي يعد مرضاً اقتصادياً اجتماعياً لمخاطره وآثاره ولعدة أسباب يحددها الأستاذ (محمد محفوظ) بالتالي:
1- غياب الضابط الاجتماعي في عملية الاستهلاك الترفي، فالكثير من الامكانات التي لا يستفاد منها بشكل صحيح، بامكانها أن تشارك في عملية التكافل الاجتماعي.
2- هدر الامكانات الاقتصادية: فالثروات الاقتصادية ينبغي في الدرجة الأولى، أن تتوجه إلى تقوية البنية التحتية للمجتمع، والاستهلاك الترفي، هو ضرب من ضروب هدر الامكانات والقدرات الاقتصادية في غير موضعها الطبيعي.
3- إن الحضارات والمدنيات لدى المجتمعات الإنسانية قاطبة، لا تقوم على الاستهلاك وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.. بل على المزيد من توجيه الثروات إلى عمليات الإنتاج في إطار مؤسسات وجمعيات ترجع بالنفع على الجميع.

ورث أولادنا:
نمط السلوك الاستهلاكي يتأصل لدى الطفل منذ الصغر، وعملية التنشئة الاستهلاكية هي عملية مستمرة يتعلم الطفل من خلالها المعارف والمهارات والاتجاهات التي تتناسب مع حصوله على المنتجات.
ومما لاشك فيه أن دور الأسرة مهم فالطفل يتعلم السلوك الاستهلاكي داخل أروقتها قبل أن يخرج إلى العالم الخارجي.
وتستطيع الأسرة الواعية أن تدرب الطفل على التعامل مع المواقف الاستهلاكية كعملية الشراء ومفهوم الميزانية مثلاً لكن ذلك يحدث نادراً لدى أسرنا فقد طالت حمى الاستهلاك الترفي أصحاب الدخل المحدود في مجاراة للنمط العام.
وهناك عدد من العوامل يشير الخبراء إلى تأثيرها في عملية اكتساب الطفل مهارات الاستهلاك وهي:


1- التقليد والمحاكاة وأهمية وجود القدوة السليمة وبخاصة "سلوك الأم الاستهلاكي" في فترة الطفولة إذ يساعد على سرعة التعلم وغرس العادات والقيم والاتجاهات الصحيحة نحو الاستهلاك والتركيز على المفاهيم الخاصة بترشيده.
2- مستوى الدخل النقدي.
3- وسائل الإعلام وفنون الدعاية والإعلام.
4- تعليم الأم للطفل، وتفاعل الأمهات مع الأطفال في أثناء اتخاذ القرارات الاستهلاكية.
5- عامل الدين.
6- الموقع الجغرافي والبيئة الاجتماعية.
7- العوامل النفسية.
8- العوامل الاقتصادية.. ان الطبقة الاجتماعية تلعب دوراً أكبر من جميع العوامل في تحديد نمط الانفاق الاستهلاكي والتعامل بالنقود.
9- تدريب الأسرة للطفل للمشاركة في عمليات الاختيار والشراء، مع تعويد الطفل على الاقتصاد والتوفير وتقليل الفاقد في كل نواحي الحياة الاستهلاكية.
والسؤال هل تعرف الأسرة لدينا دورها ومسؤوليتها في تنمية شخصية المستهلك الصغير الذي سيغدو يوماً كبيراً!!
أبعد من الاستهلاك
القضية ليست سلعاً نشتريها وبضائع نستهلكها الموضوع أعمق من ذلك بكثير، يحكي أحد الكتاب التونسيين تجربة غربته فيقول: (عندما ذهبنا نحن أبناء المغرب العربي إلى فرنسا للدراسة كان لدينا يقين بأن فرنسا تفتح لنا كل فضاءاتها لنتعلم ونستفيد من نتاجها الحضاري الرفيع، لكن الرئيس (جورج بومبيدو) القى يوماً كلمة قال فيها لكل الفرنسيين: (علموا هؤلاء القادمين من الشرق اللغة والثقافة الفرنسية ليشتروا كل شيء فرنسي بعد ذلك!) يومها كتب الكاتب إلى والدته في ريف تونس طالباً منها كتباً عربية يتحصن بها ضد اختراق (بومبيدو) لوجدانه، قال لها: "لا أريد أغطية أو بقلاوة أو مصاريف زيادة، أريد القبض على ذاتي، لأنهم يصادرونني جهاراً في فرنسا".
لقد تخلصت الشعوب العربية من الاستعمار، لكننا اليوم نعاني استعماراً من نوع آخر.. فالعولمة أدت إلى حدوث اختراق لكل شعوب العالم ومن أهم ما جنته المجتمعات العربية انها أصبحت مجتمعات استهلاكية.
القضية ليست أن ندعو إلى ترشيد الاستهلاك، فنبدأ في الضغط على الأبناء في مصروفاتهم، وإنما الترشيد سياسة للتعامل مع المال الذي هو من عصب الحياة.
ترشيد الاستهلاك هو نمط يتوجه إلى انماء النعم والثروات، عن طريق العمل على تحويل هذه النعم إلى مصادر دخل دائمة لصالح المواطن المستهلك، إنه نقل هذه الثروات من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الإنتاج.


ظواهر استهلاكية:
مشكلتنا في التعامل مع المال ان مفهومنا تجاهه ناقص بمعنى اننا نعتبره وسيلة انفاق عملية ولكن الصحيح ان الاستثمار والانتاجية يمثلان أوجه أخرى لفاعلية المال وعليه يقرر كتاب (الواقع الاستهلاكي للعالم الإسلامي) لمؤلفه د. زيد الرماني بعض الظواهر السلوكية الاستهلاكية التي تسود العالم الإسلامي مثل: (ظاهرة المجتمع الاستهلاكي: وهو مجتمع يسوده المال وذلك من ناحيتين من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب ليتمكن من استهلاك أوفر ورفاهية أفضل، ومن حيث ان حركة الاستهلاك موجهة بالفعل ومخطط لها بشكل مدروس ومبرمج).
- ظاهرة الشراء النزوي (التلقائي): ويقصد بها شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخول المتجر.
- ظاهرة حمى الشراء أو النهم الاستهلاكي: لأن الادمان على الشراء لا يقل خطراً ودماراً نفسياً عن خطر الادمان على الكحول أو المخدرات.
- ظاهرة الاستهلاك الترفي: وهو الانفاق على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية.
- الانفاق الاستهلاكي: كنتيجة طبيعية لضعف الالتزام بقواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك وزيادة الاتكالية والاعتماد على الخدمات الحكومية والزيادة المفرطة في الاستيراد للسلع وا لخدمات للترفيه والانفاق البذخي، وكان من نتيجة هذا المسار الانفاقي المغلوط اضافة إلى المسار التنموي المغلوط في البلاد الإسلامية ان لجأت الدول الإسلامية إلى محاولة سد العجز بالاعتماد على الاحتياطي العام وعلى الاستثمار الخارجي.
أريد فقط أن نتمعن في الظواهر السابق ذكرها فأي منها لا يعاني منه مجتمعنا!!

من نحن:
هل درس الباحثون لدينا الشخصية السعودية وسلوكياتنا الايجابية والسلبية؟ على الأقل لنفهم لماذا نسلك بعض السلوكيات الخاطئة بل ونصر عليها.
لقد قام خبراء مركز الاتصال المتقدم CCA التابع لمجموعة "انيروكوم هافاس" بباريس في مارس 1989م بدراسة استغرقت عامين وكانت عن أساليب الحياة السياسية وانماط الاستهلاك ووسائل الإعلام في 23بلداً أوروبياً.
وقد تمخضت الدراسة عن اكتشاف تنويعات عديدة في الشخصية الأوروبية وقدمت ستة عشر نمطاً مثل البريطاني الذي يمثل النمط الهادي للأجانب، السعيد بالعيش في مجتمع الغابة، الذي لا يأبه كثيراً للمسؤولية الاجتماعية.
إننا في الغالب متلقون لما يتلى علينا، ولما تمثله سيطرة الإعلانات التجارية تلك السيطرة التي تصرف عليها دول عالمية أموالاً باهظة.. ففي دراسة أعدتها صحيفة "الصنداي تايمز" عام 1989م أثبتت أن (الأموال المخصصة لدراسة الإعلان والأسواق تقدر بنحو خمسة مليارات دولار في العالم كله، وأن هناك مجموعات أربع عالمية تسيطر على سوق الإعلان هي الأمريكية والبريطانية والفرنسية واليابانية، وأن العناوين الإعلانية الكبيرة هي: البنوك، السيارات، العطور).
ما الذي تبقى لنا من وعينا إذا كنا نؤذي أنفسنا والبيئة من حولنا بالاستهلاك الترفي إذ ان الاحصاءات تشير إلى أن من العوامل التي تمثل نمطاً في الحياة - يؤذي البيئة - هي: (السيارات، والبيوت الفخمة، ومراكز التسوق الكبرى، والسلع الاستهلاكية، ونوع الطعام المرتكز على الافراط في أكل اللحوم، والغذاء غير الصحي).
وأظن تلك العوامل مجتمعة تشكل نمط الحياة لدى معظمنا.. فالناس يشترون السلع وهم لا يعرفونها متبعين الدعاية والإعلان سواء من الناس أو من وسائل الإعلام.. إننا بحاجة إلى إعلام يدرك أهمية أن يكون المتلقي خاضعاً للاستهلاك دون وعي!!

حماية المستهلك:
لن أتحدث عن وقاية المستهلك من الوقوع تحت ظروف الاستغلال أو الغش في مختلف النواحي الاجرائية أو التنظيمية أو الإدارية أو المدنية، كما يشير تعريف هذا المفهوم.. فبرأيي ان وعي المستهلك لا يقل أهمية عن انشاء هيئة تقوم بحمايته ومنع أي عوامل من شأنها الاضرار بمصالحه أو حقوقه أو أن تؤدي إلى خداعه وتضليله.
وبالرغم مما قامت به المملكة العربية السعودية من إصدار العديد من الأنظمة التي تسعى إلى الحفاظ على حقوق المستهلك منذ نظام المحكمة التجارية عام 1350ه، إلا أن الجهات الرسمية المعنية بحماية المستهلك مثل:
وزارة التجارة، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الصحة، وزارة الزراعة، الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس.. لا تستطيع أداء مهمتها في ظل غياب وعي الجهات غير الرسمية، وعلى رأسها المواطن بالدرجة الأولى فهو المعني بحماية نفسه أولاً وحماية مجتمعه ثانياً.
وهناك جهات أخرى غير رسمية مثل اللجان الهندسية ولجنة المحاسبين القانونيين ولجنة الاقتصاديين السعوديين و لجنة توعية المستهلك الجمعيات الأخرى والغرف التجارية والجامعات لكن وعي المواطن يأتي في المرتبة الأولى من الأهمية.
وعي المواطن الذي يشتري السلعة دون قرار.. الذي يشهد غش البائع له أو لغيره فلا يلجأ للتبليغ عنه.. الذي لا يعرف مسؤولية أن المال ليس مسؤولية فردية و انه مسؤول عنه يوم الحساب كيف جمعه وفيم أنفقه..
هذا المواطن هو الورقة الرابحة في زمن العولمة.. زمن امتزاج الثقافات بوعينا وليس سحق الثقافات العربية.

استشراف المستقبل:
نشرت جريدة "الشرق الأوسط" في 7نوفمبر 2002م ان المملكة سجلت تحسناً ايجابياً في تكاليف المعيشة لمواطنيها خلال العام الجاري حيث انخفض الرقم القياسي العام بمقدار , 11في المائة ليصل إلى , 1107درجة وذلك منذ بداية العام وحتى شهر سبتمبر الماضي.
وجاء في التقرير الصادر عن وزارة التخطيط السعودية ان تكاليف المعيشة لسكان المدن العشر الرئيسية شهدت تحسناً مرضياً خلال عام 2002مقارنة بالأعوام الخمسة السابقة حيث سجلت الأعوام من 1996م وحتى 2001م أرقاماً بلغت ,1155، 115، ,1148، ,1133، ,1126، , 1117درجة على التوالي.
لكن علينا أن نعترف أن زمن الطفرة انتهى وزمن أطفالنا مختلف عن زمننا والامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم)، ولا يمكننا اهمال ظاهرة الاستهلاك الترفي لدى الأطفال فهم جيل المستقبل ومن الجناية عليهم ألا نعلمهم معنى الترشيد الاستهلاكي وعلماء الاقتصاد يقترحون بعض وسائل العلاج مثل:
أولاً: أهمية تقديم القدوة الصالحة في مجال الاستهلاك.
ثانياً: أهمية دور وسائل الإعلام والإعلان في توعية الأطفال وتوجيه برامج إعلامية لتوعية الأطفال بأهمية وكيفية ترشيد استهلاكهم.
ثالثاً: عرض أصول التربية الاقتصادية السليمة على أفراد المجتمع والدعوة للأخذ بها..
رابعاً: التأكيد على الحرية المسؤولة "رفض أن يتصرف كل شخص كيفما يشاء وسط المجتمع".
أما في عالم الكبار فيؤكد الاقتصاديون والاجتماعيون على معالجة الاستهلاك الترفي عن طريق:
1- زيادة الوعي الاقتصادي: حيث يتضح للأفراد الآثار السيئة للاستهلاك الترفي، ليس عن طريق توضيح مضار وسلبيات الاستهلاك الترفي وحسب.. وإنما أيضاً عن طريق بيان حسنات استثمار الثروات، بما يرجع بالخير على الفرد والمجتمع.
2- التخلص من القيم الاستهلاكية السلبية، وتهذيب اشباع الحاجات والرغبات.
3- تشجيع الأفراد على الادخار وفتح قنوات فعالة لاستثمار مدخراتهم.
4- تقديم الكميات المطلوبة والاهتمام بالجودة والنوعية.
5- احضار العامل الديني، الذي يؤكد على ضرورة ترشيد الاستهلاك، وينبذ الاسراف والترف بكل أشكاله.
6- توجيه جزء من الثروة إلى عملية الانتاج، بما يخدم حاضر الإنسان ومستقبله.


ناهد باشطح
الرياض
0
409

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️