قصص المتسولين في مدينة جدة غريبة ومثيرة وغالباً ما تشغل حديث المجالس وتنال نصيباً من اهتمامهم وتستثير شغفهم وحب استطلاعهم بما فيها من احداث ومستجدات لا تنطقع في مدينة مثل جدة عرفت منذ قدم عهدها بمدخل الحرمين الشريفين الذي يفد عن طريقه ملايين البشر قصداً لأراضي والمشاعر المقدسة، وعرفت ايضا بما تحمله من مقومات تجارية وسياحية وتسويقية واهمية اقتصادية عالمية تستهدف انظار الجميع بالبقاء فيها والاستقرار ولو لفترات معينة من الوجود فيها، لذلك كانت ولا تزال محط انظار هؤلاء المتسولين عندما يفدوا للمملكة بمبررات واسباب اداء الحج او العمرة او حتى طريق التهريب الحدودي بالدخول غير المشروع.
وظاهرة التسول ليست جديدة وانما قديمة جدا في مدينة جدة ولكن حيلها واساليبها وخدعها التي تمارس على الناس من اجل الحصول على الاموال بطرق اساسها الزيف والكذب او عن غير حاجة رغبة في جمع الاموال والبحث عن الثراء السريع.
لذلك فانه من المؤكد بان مكتب مكافحة التسول في مدينة جدة بالذات يلقى عليه الدوام وابل العتب وجملة الانتقادات نتيجة توسع المدينة المستمر وانتشارها السكاني والعمراني والتجاري المطرد حيث ينتشر المتسولون بين الاحياء الفارهة وامام الاسواق التجارية والمراكز التسويقية وعند المساجد وبين اشارات المرور وامام ابواب بعض القصور والفلل وفي كل موقع تمتد اليه اقدامهم بهدف الاستكشاف وممارسة التسول جمعا للاموال.
والمعاناة الكبرى التي تواجه رجال المكافحة على الدوام هو المواقف السلبية التي يتعمدها بعض المواطنين اثناء الحملات الميدانية للقبض عليهم بالتوسط ومحاولة التدخل للشفاعة بحجة انهم محتاجون ومساكين وفقراء بينما لا يتراجع رجال المكافحة صدهم وقفل باب الشفاعة من اجلهم ليقينهم الثابت وقناعتهم الراسخة ان هؤلاء من المحتالين والمخادعين والمراوغين الذين يدّعون حاجتهم للمال واستجداء شفقة الناس وعطفهم بالاكاذيب والحيل رغبة في الحصول على المال عن غير حاجة وهو امر مرفوض شرعا وقانونا ويستحقون القاء القبض عليهم ومحاسبتهم وكشف كل من يقف خلفهم ان وجد للقضاء على هذه الظاهرة واقتلاعها من جذورها المنتشرة سواء كانوا من السعوديين او من المقيمين والمتخلفين.
فإلى الحوار مع الاستاذ سعد علي الشهراني مدير مكتب مكافحة التسول بمدينة جدة.
لسنا وحدنا في الميدان
"الرياض": ظاهرة التسول المنتشرة في مدينة جدة، هل يرتبط مشروع القضاء عليهم بجهدكم المحدود قياسا بتوسع المدينة ونشاطها المتنامي، ام ان القصور له اسباب اخرى من وجهة نظركم؟
- الهشراني: ردي علي هذا السؤال يتعلق بمشاركة الجميع لدورنا ومسؤولياتنا، فالتصدي لهذه الفئة ليست قاصرة على جهدنا ونشاطنا لان الدور سيكون حينها قاصرا ومحدودا، وانما هي مسؤولية كافة القطاعات الامنية وهو دور امني شامل من حيث تتبعه والعمل على القضاء عليه، كما ان هناك جهات مشاركة في المسؤولية مثل الشرطة والجوازات فاغلبية المتسولين حسب الاحصاءات الشهرية والسنوية هم من المتخلفين الاجانب، اما بالنسبة لجهدنا ونشاطنا فهو يتزايد ويتنامى فتم مؤخرا زيادة أعداد السيارات وقامت وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية بتوجيهات وكيلها الاستاذ عوض الردادي بدعم المكتب بالامكانات والموظفين لمواجهة زيادة اعداد المتسولين مع بدء موسم العمرة ونحن مستمرون في هذا التوسع مما نتج عن ذلك السيطرة على مواقع التسول بالمحافظة ووضع الخطط اللازمة بالتعاون مع الجهات المشاركة للقضاء على هذه الظاهرة.
شفاعة مرفوضة تماماً
"الرياض": ما هي ابرز المعقوات التي تواجه رجال مكفاحة التسول في الميدان لا سيما التي تتعق بتعاون المواطن والمقيم؟
- الشهراني: من ابرز العوائق هو تدخل بعض المواطنين هداهم الله في اعمال حملاتنا للوعظ والارشاد وممارسة التوسط والشفاعة لاطلاق سراح (الممسوكين) بحجة انهم محتاجون ومساكين، وقد قامت وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية بطباعة ونسخ بعض المطبوعات والاشرطة بكميات هائلة تجاوزت عشرات الألوف، وقام المكتب بتوزيع العديد منها على المواطنين والمقيمين بهدف توعيتهم وتوضيح الرأي الشرعي في التسول ورأي العلماء والمشايخ في هذا الشأن وكذلك توضيح بعض اساليب وحيل المتسولين وكشف بعض خططهم للناس وحث الاخوة المواطنين والمقيمين على تقديم الصدقات والتبرعات للجهات الخيرية التي تعرّف الاسر المحتاجين بعد الدراسة والبحث حرصا على وصول الاموال والصدقات والتبرعات الى مستحقيها ومحتاجيها الحقيقيين.
جماعات منظمة
"الرياض": تنتشر في المتنزهات والاستراحات شمال جدة ظاهرة تسول مجموعات من الاطفال بصورة قد تعكس ان خلفهم جماعات منظمة تدير مسار اتجاهها وتخطط بالبحث عن اي سبل جديدة في ممارسة وامتهان التسول؟
الشهراني: الحقيقة غالبا ما يتم القبض على افراد من المعاقين والاطفال بالذات ويتم احالتهم للشرطة للتحري عنهم ومعرفة من يكون وراءهم، واذكر انه في احدى الحملات الميدانية تم القبض على طفلين في احد المنتزهات بجوار شبك المطار شمال المدينة، اعمارهما لا تتجاوز التاسعة، يقومون بالتسول، وبعد القبض عليهما فورا واحضارهما للمكتب حضر والدهما سائلا عنهما ويرغب في تسليم نفسه وتم احالتهم جميعا وبمجرد احضارهم للمكتب يلحق بنا آباؤهم لمراجعتهم والسؤال عنهم ما يعني ان هؤلاء الاطفال تقف خلفهم جماعات تتابعهم لجمع الاموال التي يحصدونها من جراء التسول.
حالات خاصة
"الرياض": كيف تنظمون الحملات واعداد برامج العمل لملاحقة المتسولين والكشف المستمر عن مواقع تواجدهم وتجمعهم؟
- الشهراني: هناك حملات ميدانية يومية مقسمة على ثلاث فترات صباحية ومسائية بعد العصر ومتأخرة بعد صلاة العشاء بحيث تغطي جميع الفترات، ويشارك فيها سائق وجندي ومراقب ويتم العمل على أساس تقسيم مدينة جدة الى مربعات بحيث تغطي الحملة المربع المحدد لها وتقوم بمسح الميادين والشوارع والمساجد والاسواق والكورنيش والمتنزهات، بالاضافة الى وجود مشرف ميداني بسيارة خاصة يقوم بالتعقيب على تنفيذ الحملات وملاحظة اماكن تواجد المتسولين لوضع الخطط اللازمة لتغطية مختلف المواقع وذلك لصعوبة القبض على المتسولين عند الاشارات المرورية على سبيل المثال بدون تخطيط مسبق ويتم ذلك بالتنسيق مع الشرطة.
وهناك حالات خاصة يتم مراقبتها بعناية في بعض المواقع حيث يلاحظ هروب المتسول قبل وصول سيارة المكافحة ما يعني معرفة المتسول بمجيء الحملة فتتجه الحملة بواسطة المشي على الاقدام او باستخدام سيارات خاصة لذلك نحن نشدد دائما على القول بان مكافحة التسول هي مسؤولية جميع القطاعات الامنية ولا يقتصر الامر على جهود رجال المكافحة حيث التعليمات الصادرة في هذا الخصوص تنص على ضرورة مشاركة الشرطة والجوازات ومكافحة التسول وصولا الى النتائج الجيدة في مدينة مثل مدينة جدة بوابة الحرمين الشريفين كون وضعها حرجا جدا وأكثر المتسولين هم من (المتخلفين) غير المقيمين وآخر احصاءاتنا ان المكتب قبض على "3500" متسول خلال الستة اشهر الماضية.
النساء سريعات التصديق
"الرياض": ألم تخرج خبراتكم وتجاربكم باهمية تشديد الجهد والعطاء في أكثر الأوقات التي تشهد خروج المتسولين وأكثر المناطق والأماكن التي تتعرض لوجودهم لقطع الطريق عليهم والتقليل من حدة انتشار الظاهرة؟
- الشهراني: لا يوجد ادنى شك في أن اعين المتسولين تتجه دائما الى الاحياء الفارهة والاسواق التجارية وامام المحلات والمراكز المعروفة وبالذات في نهاية الشهر حيث استلام الناس لمرتباتهم الشهرية ونحن نبذل قصارى جهدنا وغاية امكاناتنا خلال تلك الفترة وفي تلك المواقع بالذات، ولكن قلة وعي بعض المواطنين باضرار هذه الظاهرة يحول دون القضاء عليها واجتثاثها من جذورها فالمواطن يجهل الاساليب والخدع التي يستخدمها المتسولون وغالبا ما يواجهونهم بسرعة التصديق لما يسمعون من اكاذيب ومن خلال تجربتنا الميدانية العمل يتضح لنا باستمرار ان قصص المتسولين مكررة تكاد تكون يوميا ولكن تسرد باساليب مختلفة والموظفون في المكتب ومراقبو المكافحة لديهم الخبرة الكافية للكشف عن حقيقتهم ويقومون بدورهم في هذا الشأن ولاحظنا هنا ان النساء هم اكثر الفئات التي تقع في تصديق حيل وأكاذيب المتسولين وسرعان ما يغدقون عليهم الأموال بعد الوقوع في نصاب الفخ من الاكاذيب والقصص الوهمية.
هاتف للبلاغات والملاحظات
"الرياض" الا تحاولون تطوير علاقاتكم بالجمهور وذلك باستقبال ملاحظاتهم او بلاغاتهم باعلان رقم هاتفي محدد لهذا الغرض؟..
- الشهراني: نحن نسعى على الدوام لتطوير هذه العلاقة لانها لو تحسنت وتطورت وحققت التفاعل الايجابي فسنتمكن من القضاء على ظاهرة التسول تماما ودون الحاجة الى الجهود الجبارة والامكانات الاخرى ومن اهم اهدافنا توعية الناس باضرار التسول وتعريف الناس بالصورة والصوت وجميع الوسائل المتاحة اعلاميا وتوعويا بضرورة تعاون الجميع لتخليص المجتمع والمدينة من سوء هذه الظواهر وسلبياتها ولدينا هاتف مباشر للابلاغ عن وجود المتسولين (6871762) وأماكن تواجدهم او الادلاء باي معلومات قد تعين في معرفة من يؤوي هؤلاء وبعض المواطنين يتعاونون معنا بايجابية وتفاعل مثمر وبناء سواء بالاتصال المستمر او بالمجيء والابلاغ المباشر فبعض المتسولين يصل بهم الحال بطرق البيوت للسؤال وسرد القصص الواهية وهو امر فيه خطورة فينبغي ان يتعاون الجميع لازالتها ومكافحتها.
التجار هم السبب
"الرياض": ملاحظة تجمع اعداد كبيرة في بعض الأحيان امام الفلل والقصور في بعض الاحياء فهل هذا تسول مشروع يتم برضى وموافقة جميع الأطراف؟
- الشهراني: بعض التجار يقومون بتوزيع مبالغ مالية على الناس امام منازلهم او امام متاجرهم بصورة علنية واضحة ويحدث في نهاية الامر تجمهر عدد كبير من المتسولين امام القصور والمتاجر طلبا في الصدقة، وادعاء الحاجة ويتيح الامر لكل من يريد الحصول على المال ان يذهب امام المتجر او القصر لطلب المال والالحاح بالطلب بتجمهر عدد كبير امامه، ويتسبب اصحاب هذه المتاجر او اصحاب هذه المساكن في استمرار التسول من خلال عطاءاتهم الجهرية الواضحة التي تسيل لعاب كثيرين اخرين عند علمهم بمن يوزع الاموال امام بيته او تجارته، وكثيرا ما نفاجأ باتصالهم وطلبهم للعون للامساك بالمتسولين الذين يواصلون البقاء طلبا للعطاءات المالية ونذهب بفرقنا ورجالنا للامساك بهم ومنعهم من الوقوف مرة أخرى بهذه الطريقة المزعجة، وهي ممارسة سلبية في نهاية الامر وننصح هؤلاء التجار والميسورين بان يقدموا اموالهم للجمعيات الخيرية عند الرغبة في التصدق والتبرع بالاموال دون الحاجة الى الدفع امام البيوت وداخل الاحياء، واذا اراد الاجتهاد عليه ان يذهب للمتعففين الذين لا يسألون الناس في اماكنهم بعد السؤال والبحث اذا اراد مزيدا من الاجر والثواب، أما توزيع الاموال لكل من يطرق الباب فهذا يتيح المجال لمن يستحق او لا يستحق لممارسة التسول بصورة تسبب له ازعاجا يقوده الى طلب العون لابعادهم ومنعهم من الوقوف والطلب مرة أخرى.
محاولات جادة للاصلاح
"الرياض": كيف تحاولون او تسعون لاصلاح حال المتسول وتغيير مسار حياته بعد القبض عليه كان سعوديا او اجنبيا في اطار المسؤولية الاجتماعية التي تقتضي عدم الوقوف عند حاجز قطع الظاهرة وانما علاجها اجتماعيا وسلوكيا؟
- الشهراني: لا شك باننا نهدف الى أن نصلح حال الاشخاص الذين يمارسون مهنة التسول بالدراسة الاجتماعية وتقديم الحلول التي تضمن استقامة حاله فيما بعد بتوفير وتأمين ما يناسب حالته من خدمة ورعاية، فبالنسبة للمتسول السعودي عند القبض عليه يتم احضاره للمكتب وتحرير محضر قبض من قبل افراد الحملة ويتم عرضه على الاخصائي الاجتماعي لمعرفة الدوافع والاسباب التي دفعته لممارسة التسول وتقديم الخدمة له في اطار ما تقدمه الوزارة من خدمات مثل الضمان الاجتماعي او احالته لاحدى الجمعيات الخيرية واذا ثبت بعد دراسة حالته انه قادر على العمل يوجه الى مكتب العمل والعمال لتأمين وظيفة له تغنيه عن السؤال والحاججة وتجعله انسانا صالحا ومنتجا ومفيدا لمجتمعه ووطنه. اما اذا كان المتسول يتيما وليس هناك اسرة ترعاه يتم احالته الى دور التربية الاجتماعية وفيما لو كان متقدما في السن وليس هناك من يقوم باعالته فيتم تقديمه لاحدى الدور الاجتماعة ليقيم فيها ويلقى الخدمة المناسبة ونادرا ما يكرر المتسول السعودي ممارسة التسول بعد تقديم الخدمة له وبعد اتخاذ الاجراءات المناسبة حياله ولو حدث وكرر التسول عن غير حاجة بهدف جمع الأموال بهذه الطريقة غير المشروعة فيتم على الفور تسليمه للشرطة لسجنه.
وبالنسبة للمتسول الاجنبي فعند القبض عليه سواء كان رجلا او طفلا او امرأة فيتم تسليم المقبوض عليهم الى الشرطة مباشرة ليتم التحقيق معهم ومعرفة من يقوم بمساعدتهم على التسول ومن يقوم بايوائهم ومن ثم احالتهم لادارة متابعة ومراقبة الوافدين بالجوازات لتطبيق النظام والتعليمات بحقهم.
الرياض

سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️