محاسبة النفس

ملتقى الإيمان

ابن قيّم الجوزية - رحمه الله - .

محاسبة النفس نوعان :
1- نوع قبل العمل .
2- ونوع بعده .

فأما النوع الأول : فهو أن يقف عند أول همّه وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه .
قال الحسن - رحمه الله -: رحم الله عبداً وقف عند همّه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر .
وشرح هذا بعضهم فقال : إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهمّ به العبد وقف أولاً ونظر : هل ذلك العمل مقدور له أو غير مقدور ولا مستطاع ؟
فإن لم يكن مقدوراً لم يقدم عليه ، وإن كان مقدوراً وقف وقفة أخرى ونظر : هل فعله خير له من تركه أو تركه خير له من فعله ؟
فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه ، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة ونظر : هل الباعث عليه إرادة وجه الله - عز وجل - وثوابه ، أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق ؟
فإن كان الثاني لم يقدم عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله - تعالى - حتى يصير أثقل شيء عليها .
وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر : هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه - إذا كان العمل محتاجاً إلى ذلك - أم لا ؟
فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك – صلى الله عليه وسلم – عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار ، وإن وجده معاناً عليه فليقدم عليه فإنه منصور .

ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال ، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح . فهذه أربعة مقامات يحتاج إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل ، فما كل ما يريد العبد فعله يكون مقدوراً له ، ولا كل ما يكون مقدوراً له يكون فعله خيراً له من تركه ، ولا كل ما يكون فعله خيراً له من تركه يفعله لله ، ولا كل ما يفعله لله يكون معاناً عليه ، فإذا حاسب نفسه على ذلك تبين له ما يقدم عليه وما يحجم عنه .

النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع :

أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله - تعالى - فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي . وحق الله - تعالى - في الطاعة ستة أمور تقدمت وهي :
- الإخلاص في العمل .
- والنصيحة لله فيه .
- ومتابعة الرسول فيه .
- وشهود مشهد الإحسان فيه .
- وشهود منة الله عليه .
- وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .
فيحاسب نفسه : هل وفّى هذه المقامات حقها وهل أتى بها في هذه الطاعة .

الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً له من فعله .

الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد : لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحاً ؟ أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به ؟! .


المصدر : إغاثة اللهفان ، لابن قيّم الجوزية ، ص 81 - 82 .

.



__________________
0
276

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️