يقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في كتابه :
قوله (( كنت خلف النبي )) : يحتمل أنه راكب معه ، و يحتمل أنه يمشيء خلفه ، و أيا كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصية العظيمة .
قال : (( إني أعلمك كلمات )) قال ذلك من أجل أن ينتبه لها .
(( احفظ الله يحفظك )) هذه كلمة (( احْفظ الله )) يعني : احفظ حدوده ، و شريعته بفعل أوامره و اجتناب نواهيه ، يحفظك في دينك و أهلك و مالك و نفسك ؛ لأن الله عزوجل يجزي المحسنين بإحسانهم ، و علم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل ، و في هذا الترغيب على حفظ حدود الله عزوجل .
الكلمة الثانية :قال (( احفظ الله تجده تجاهك )) . و نقول في قوله (( احفظ الله )) كما قلنا في الأولى .
و معنى (( تجده تجاهك )) : أي تجده أمامك يدلك على كل خير ، و يقربك إليه ، و يهديك إليه .
الكلمة الثالثة :(( إذا سألت فأسأل الله )) . إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ، و لا تسأل المخلوق شيئاً ، و إذا قدر أنك سألت مخلوق ما يقدر عليه ، فاعلم أنه سبب من الأسباب ، و أن المسبب هو الله عزوجل ، فاعتمد على الله تعالى .
الكلمة الرابعة : (( و إذا استعنت فاستعن بالله )) . فإذا أردت العون و طلبت العون من أحد فلا تطلب العون إلا من الله ؛ لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات و الأرض و هو يعينك إذا شاء ، و إذا أخلصت الاستعانة بالله و توكلت عليه أعانك ، و إذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه سبب ، و أن الله هو الذي سخره لك .
الخامسة :(( و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك )) . الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، و على هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة ؛ لأنه هو الذي كتب له .
و هذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ، و نعلم أن الآمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله .
السادسة :(( و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك )) . و على هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم الله قد كتبه عليك ، فارض بقضاء الله و قدره ، و لا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك ؛ لأن الله تعالى يقول : { و جزاء سيئة سيئة مثلها } .
السابعة :(( رفعت الأقلام و جفت الصحف )) . يعني : أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى ، فالأقلام رفعت ، و الصحف جفت ، و لا تبديل لكلمات الله .
رواه الترمذي و قال : حديث حسن صحيح صحيح . و في رواية غير الترمذي (( احفظ الله تجده أمامك )) و هذا معنى (( احفظ الله تجده تجاهك )) ، (( تعرف إلى لله في الرخاء يعرفك في الشدة )) . يعني : قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء في حالة الصحة في حال الغنى (( يعرفك في الشدة )) إذا زالت عنك الصحة ، و زال عنك الغنى ، و احتجت إلى الله عرفك بما سبق لك ، أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل .
(( و اعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، و ما أصابك لم يكن ليخطئك )) يعني ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك ، بل لا بد أن يقع ؛ لأن الله قدره .
و أن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً ، فالأمر كله بيد الله ، و هذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ، ثم قال : (( و اعلم أن النصر مع الصبر )) فهذه الجملة فيها الحث على الصبر ؛ لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الأنسان يصبر من أجل أن ينال النصر .
و قوله : (( و أن الفرج مع الكرب ، و أن مع العسر يسرا )) .
الفرج : انكشاف الشدة و الكرب الشديد ، جمعه كروب . كما قال تعالى : { فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا }
و في حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - فوائد
أولاً ملاطفة النبي صلى الله عليه و سلم لمن هو دونه حيث قال (( يا غلام إني أعلمك كلمات )) .
و من فوائد الحديث :
أنه ينبغي لمن ألقى كلاماً ذا أهمية يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال : (( يا غلام إني أعلمك كلمات )) .
و من فوائده :
أن من حفظ الله يحفظه ؛ لقوله (( احْفظ الله يحفظك )) و سبق معنى احفظ الله يحفظك .
و من فوائد الحديث :
أن من أضاع الله _ أي : أضاع دين الله _ فإن الله يضيعه و لا يحفظه ، قال تعالى : { و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون }
و من فوائد هذا الحديث :
أن من حفظ الله عزوجل هداه و دله على ما فيه الخير ، و أن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر ؛ إذ قوله : (( احفظ الله تجده تجاهك )) كقوله في اللفظ الآخر : (( تجده أمامك )) .
و من فوائد هذا الحديث :
أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ، و لكن لا مانع أن يستعين بغير الله ممن يمكنه أن يعينه ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( و تعين الرجل في دابته فتحمله عليها ، أو ترفع له عليها متاعه صدقة )) .
و من فوائد الحديث :
أن الأمة لن يستطيعوا أن ينفعوا أحداً إلا إذا كان قد كتبه الله له ، و لن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه .
و من فوائد هذا الحديث :
أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عزوجل ، و أن لا يلتفت إلى المخلوقين ، فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً و لا نفعاً .
و من فوائد هذا الحديث :
أن كل شيء مكتوب منتهى منه .
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات و الأرض بخمسين ألف سنة .
و من فوائد الحديث :
في رواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة و الرخاء ، عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به و أعانه و أزال شدته .
و من فوائده :
أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه ، و أن الله لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه .
و من فوائد هذا الحديث :
البشارة العظيمة للصابرين ، و أن النصر مقارن للصبر .
و من فوائده :
البشارة العظيمة أيضاً بأن تفريج الكربات و إزالة الشدائد مقرون بالكرب ، فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه .
و من فوائده أيضاً :
البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر ، و قد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن فقال : { فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا } .
فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عزوجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده .
منقول
فتاة تحب السلفية @fta_thb_alslfy
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
الله يجزاك خيييييير على هذا الموضوع المفيد وعسى ربي يبارك لك في مجهوداتك الرائعه