أوراق الزمن

أوراق الزمن @aorak_alzmn

عضوة شرف بعالم حواء

مخ الطفل يعمل قبل ولادته.. والبيئة والوراثة تشكلان حياته

الأمومة والطفل

العلماء يكتشفون:

مخ الطفل يعمل قبل ولادته.. والبيئة والوراثة تشكلان حياته

التعليم المبكر ضرورة لتحفيز القوى المخية للأطفال المحرومين

يمكن الشفاء من أشكال الخلل المرضي في المخ بالعلاج المناسب

القاهرة ـ محمد الشرقاوي

بعد عشرة أسابيع تقريبا من عمر الجنين داخل رحم الأم يبدأ نشاط المخ وخلايا الأعصاب في إرسال أولى اشاراته الكهربائية، وقد نجح العلماء في جامعة كاليفورنيا في الاستماع إلى هذه الاشارات التي تعطي صوتاً مماثلاً لصوت الشوشرة التي تصدر عن تحريك مفتاح الراديو بين القنوات المختلفة.

ومن بين الحقائق المذهلة التي اكتشفها العلماء أن الانبعاثات المتقطعة للكهرباء تأتي من موجات متناسقة للنشاط العصبي، وان هذه الموجات النابضة تؤثر على شكل المخ وتغيره وتشكل الدوائر العقلية التي تمكن الطفل الوليد فيما بعد من ادراك صوت الأب ولمسة يد الأم. ومن أهم الاكتشافات أيضا التي توصل إليها العلماء في السنوات الأخيرة في هذا المجال أن النشاط الكهربائي لخلايا المخ يغير التكوين البنائي للمخ بأكمله.

فقد نجح العلماء في التوصل إلى ان الاشارات التي ترسلها الخلايا العصبية ليست مجرد نتاج لعملية بناء المخ ولكنها ضرورية وأساسية لهذه العملية، فالعقل ليس مثل الكومبيوتر يتم تجميع أجزائه أولاً ثم يبدأ في العمل، ولكنه في الواقع يعمل قبل أن يكتمل مخ الطفل عند الميلاد، ويحتوي على مائة مليار خلية عصبية وتريليون من الخلايا الأخرى ولـكن في هذه المرحلة لا يكون هناك اتصال مستقر بين الخلايا لأنه حتى هذه المرحلة يكون المخ قد صمم الشكل المبدئي فقط للدوائر الخاصة بالرؤية واللغة والحركة ويبقى دور النشاط العصبي في استقبال سيل الخبرات المتدفقة من حوله وتصنيفها لتعديل واستكمال كل دوائر المخ.

وخلال السنوات الأولى من عمر الطفل يقوم المخ بسلسلة من التغييرات غير العادية تبدأ بعد الميلاد بفترة قصيرة حيث يقوم المخ ببناء مليارات المليارات من الوصلات بين الخلايا العصبية والتي لا يستخدم جزء كبير منها، ولهذا وبدءا من سن العاشرة أو قبل ذلك، يبدأ المخ في التخلص من الوصلات التي لم تستخدم طوال سنوات الخبرة في أعوام حياته الأولى ليترك مخ الانسان بعد ذلك وهو يحمل نموذجاً فكرياً وعاطفياً متميزا عن غيره.

بيئة محفزة

أما إذا حرم الطفل من بيئة محفزة ومنشطة فإن بناء مخه يتأثر سلباً، فقد أثبتت الأبحاث العلمية في احدى جامعات الطب الأمريكية ان الأطفال الذين لا يلعبون كثيرا ولا يتمتعون بالحنان يكون مخهم أصغر حجماً من المخ الطبيعي لمن هم في مثل سنهم وبنسبة تتراوح بين 20 في المائة إلى 30 في المائة، وهذه النتيجة نفسها ظهرت على حيوانات المعامل، فقد أثبتت الأبحاث أيضا ان الفئران الصغيرة التي يتم حبسها في أقفاص غير تقليدية ومليئة بالألعاب تظهر فيما بعد سلوكاً أكثر تعقيدا من الئران التي يتم حبسها في أقفاص عادية.

عبء كبير

كل هذا يؤكد أن الخبرات الخصبة تؤدي إلى عقول خصبة، والدراسات الجديدة في نمو المخ ليست فقط مثيرة ولكنها أيضا تلقي بعبء كبير على الآباء وصانعي السياسة في العالم، وفي ظل الظروف الحالية وبينما يدور الآباء والأمهات في طاحونة العمل لتوفير سبل المعيشة غير أن البحوث التي تخرج من المعامل تؤكد وتزيد من مخاوف ترك الأبناء في رعاية الغير وحاجة الطفل الضرورية للشعور بحنان الأم والأب والتحدث معه منذ لحظة الميلاد وتوفير كل الخبرات المحفزة لكي ينمو مخه بصورة طبيعية.

أهمية التعليم المبكر

كما أن هذه الأبحاث تؤكد لصانعي السياسة أهمية التعليم المبكر وبرامج تأهيل ما قبل المدرسة والتي تصمم من أجل تحفيز القوى المخية للأطفال الذين نشأوا في بيئات فقيرة ومحرومة وبدون هذه البرامج، وكما يحذر الخبراء فإن النتائج بالنسبة لهؤلاء ستكون مدمرة، لأن هناك جدولاً زمنياً لنمو الطفل وأهم سنواته هي السنوات الأولى، فالطفل الذي يهمل أو الذي يعاني في مراحل حياته الأولى نجد انه يحمل بداخله علامات لا يمكن محوها أبداً بسهولة.

ولـكن الأبحاث الجديدة تعطينا أيضا أملاً، فقد اكتشف العلماء أن المخ خلال السنوات الأولى يكون قابلاً للتشكيل بصورة كبيرة جدا، والتأهيل ما قبل المدرسة والتي يتم اعدادها جيداً يمكن ان يساعد الطفل في التغلب على أية إعاقة في البيئة المحيطة بالطفل، كما انه بالعلاج المناسب يمكن الشفاء من بعض أشكال الخلل المرضي في المخ مثل ضعف القدرة على القراءة، وإن كانت الدراسات والأبحاث العلمية لم تنجح حتى الآن في علاج بعض المشاكل الوراثية التي قد تعرض أطفال معينين للخطر الشديد أكثر من غيرهم.

العلاقة بين البيئة والجينات

ومن الاكتشافات المذهلة التي توصل إليها العلماء في السنوات الأخيرة إن مادة الـ«دي.إن.إيه» (الحاملة للجينات الوراثية) والتي تستخدم في بناء مخ الجنين هي نفسها التي تؤثر على عمليات أساسية من عمليات المخ في مراحل العمر المتقدمة مثل التعلم والذاكرة، ومن هنا بدأ العلماء في دراسة العلاقة الخفية بين نشاط المخ وبناء المخ ونجحوا بالفعل في بناء كوبري فوق الهوة التي كانت تفصل في الماضي بين الجين الوراثي وبين البيئة. واتفق العلماء حالياً على أن الطفل لا يأتي إلى الحياة وهو سابق الإعداد من حيث التركيب الوراثي أو مجرد صفحة بيضاء تتأثر تماماً بالبيئة وهي نفس النظرية التي ظلت زمناً طويلاً تحير العلماء والفلاسفة، هل هي الطبيعة أم التنشئة التي تؤثر في الهواية على سلوك الفرد؟

علاقة تنافسية

ولـكن ما أثبته العلماء حديثاً ان العلاقة بين البيئة والجين الوراثي ليست علاقة تنافسية ولكنها كما أطلقوا عليها «علاقة راقصة». وهذه الرقصة تبدأ في حوالي الاسبوع الثالث من الحمل عندما تبدأ طبقة سميكة من الخلايا في الجنين النامي في تكوين ما يسمى بالأنبوب العصبي، حيث تنمو وتتزايد بداخله الخلايا العصبية بمعدلات مذهلة تصل الى 250 ألف خلية في الدقيقة داخل هذا الأنبوب، ويبدأ المخ والحبل الشوكي في تجميع نفسه في سلسلة من الخطوات المتناسقة والمنسجمة، وحتى هذه المرحلة فإن الطبيعة تلعب الدور الأساسي في عملية بناء المخ.

ولـكن البيئة رغم هذا يمكن أن تلعب دوراً مساعداً، فالتغيير في بيئة الرحم ـ على سبيل المثال ـ سواء بسبب سوء تغذية الأم أو تعاطي المخدرات أو حدوث عدوى مرضية يمكن ان تدمر خطوط التجميع العصبي، مما يتسبب في ظهور حالات التخلف العقلي أو الصراع وغيرها من الأمراض الخطرة.

ورغم كل ما توصل إليه العلماء حتى الآن في هذا المجال إلا انهم مازالوا يكتشفون كل يوم المزيد من الحقائق المثيرة لما يحدث في مراحل تكوين مخ الجنين داخل رحم الأم.

ويؤكد العلماء ان النظام العصبي المركزي للجنين ليس نموذجاً مصغرا للنظام العصبي للشخص البالغ ولكنه مرحلة من مراحل تكوينه، وانه أثناء تكوين مخ الجنين فإن الخلايا التي تتكون في الأنبوب العصبي تنتقل فيما بعد إلى مواقع معينة داخل الدماغ ثم تبنى الوصلات التي تربط أجزاء المخ، ولـكن بالاضافة إلى هذا فإن مخ الجنين يقوم ببناء العديد من الهياكل المؤقتة التي تختفي نهائياً بعد ذلك كما يختفي الأنبوب العصبي.

مشكلة الأسلاك

وبعد الميلاد تصبح أهم المشكلات التي يواجهها النظام العصبي النامي هي بناء شبكة الأسلاك التي تربط الخلايا العصبية ببعضها وتتم هذه العملية على مراحل في البداية، تقوم الخلايا بتكوين ما يشبه بأسلاك مصنوعة من «الفيبر» والتي يطلق عليها المحاور العصبية (وهي التي تقوم بارسال الاشارات) وأيضا تفرعات عصبية (وهي التي تستقبل الاشارات) والهدف هو بناء شبكة يمكن من خلالها ان يرسل المحور العصبي للخلية إشارة تستقبلها التفرعات العصبية لخلية أخرى.

والمخ لحظة الميلاد يكون قد استكمل فقط بناء الوصلات في المنطقة التي تسيطر على العمليات الحيوية مثل ضربات القلب والتنفس ولـكن في المناطق الأخرى التي تسيطر مثلاِ على حاسة السمع والرؤية والشم والحركة فإن الوصلات بين الخلايا العصبية تكون ضعيفة ولـكن بعد أشهر قليلة من الميلاد تبدأ الشبكة في الاكتمال وبحلول العام الثاني من عمر الطفل نجد أن مخه يحتوي على ضعف عدد الوصلات والشبكات الموجودة في مخ الانسان البالغ، أي حوالي 15 ألف شبكة لكل خلية عصبية يستمر هكذا حتى يصل الطفل إلى سن العاشرة أو الحادية عشرة كما ان مخه يستهلك ضعف الطاقة التي يستهلكها الشخص البالغ.

خبرة مبكرة

وتلعب خبرة الطفل في أيامه وشهوره الأولى من الحياة الدور الأساسي في تكوين الوصلات بين الخلايا العصبية في المخ وتطوير قدراته على الرؤية والإحساس والكلام والحركة، وتشير الأبحاث إلى أنه في الشهر الثاني تنمو مراكز الحركة في المخ وتتطور إلى حد أن الطفل يستطيع الإمساك بالأشياء القريبة منه، وبحلول الشهر الرابع تبدأ مراكز الرؤية في الاكتمال، وبحلول الشهر الثاني عشر تكتمل مراكز الكلام وينطق بأول كلماته.

ولـكن عندما لا يستقبل المخ منذ البداية المعلومات الصحيحة والمناسبة فإن النتائج تكون مدمرة، ولهذا فإن العبء الأكبر يقع على الآباء فقد ثبت مثلاً أن قيام الآباء بالتحدث المستمر مع الطفل الوليد باسلوب منظم يساعد على الاسراع من عملية اكتمال الوصلات الخاصة بالكلام في مخ الطفل.

ومن بين الأدوار الكثيرة المهمة التي يقوم بها الآباء دورهم في بناء الدائرة العصبية التي تساعد الطفل على تنظيم استجابته للضغوط، فقد وجد ان الطفل الذي يتعرض للعقاب البدني في مراحل حياته المبكرة يكون نمو مخه أكثر توقعاً واستشعارا، فعند حدوث أدنى تهديد تبدأ ضربات قلبه في الزيادة وتزداد هرمونات الضغط العصبي وينشط المخ لمواجهة هذا التهديد، كما ان الحرمان له التأثير نفسه، فقد أجرى العلماء أبحاثاً على أطفال ولدوا لأمهات يعانين من الاكتئاب النفسي، فوجد أن نشاط المخ في الجزء الخاص بمشاعر السعادة والمرح يقل الى حد كبير، كما عانى هؤلاء الأطفال في سن متقدمة من ضعف القدرة على القراءة.

وبدءا من سن شهرين تبدأ أحاسيس الطفل الوليد في التطور الى مشاعر أكثر تعقيداً من السعادة الى الحزن إلى الشعور بالكبرياء والخجل.

ومن ثم فإن الحب والحنان في هذه المرحلة يوفران لمخ الطفل الاسلوب الأمثل من أجل تحفيزه عاطفياً، وإهمال الطفل يمكن أن ينتج عنه كبت لمشاعر السعادة.

أما القدرة الحركية للطفل فتكون غير متناسقة، وينصح العلماء بأن تعطى للطفل حرية حركة بقدر الامكان لاكتشاف قدراته بنفسه، كما يجب في مرحلة مبكرة جداً تشجيع الطفل على ممارسة أنشطة مثل اللعب والرسم.
2
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم شذا
أم شذا
جزاك الله خير اختي الغاليه اوراق الزمن:26:

اختك : ام شذا:24:
أوراق الزمن
أوراق الزمن
الله يعطيك العافيه اختي ام شذا على الرد ويبارك فيك