روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
كانت حفصة وعائشة متحابتين، وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه (حفصة)،
، فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، ودخلت حفصة، فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «والله لأرضينك، فإني مسر إليك فاحفظيه»، قالت: ما هو؟ قال: «إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضىً لك».
وكانت حفصة وعائشة تتظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إليها: أن أبشري، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليه فتاته.
فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}
ونلاحظ هنا موقف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومهارة تعامله مع زوجته حفصة رضي الله عنها، وكيف أنه امتص غضبها بأسلوب حكيم وذكي من خلال خلق المداراة، ولكن للقصة تكملة بعدما أشاعت حفصة هذا السر، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدبهــا ويــؤدب باقــي زوجاتــه لأنهـــن شاركن في الموضوع، ففي صحيـــح مسلــم:
عن ابن عباس أنه قال: حدثني عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه (قال: دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه) وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقـال عمـــر:
فقلت: لأعلمن ذلك اليوم، قال فدخلت عليّ عائشة فقلت: يا ابنة أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالت: مالي ومالك يا بن الخطاب! عليك بعيبتك. قال فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت أشد البكاء، فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: هو في خزانته في المشربة، فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر، فناديت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً، ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني لا أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن أرقه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير، فجلست فأدنى عليه إزاره ولبس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظاً في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلق - قال - فاستدَرَّت عيناي. قال: ما يبكيك يا بن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته، وهذه خزانتك! فقال: يا بن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنين معك، وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله عز وجل يصدق قولي (الذي أقوله) ونزلت هذه الآية التخيير: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن}، {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنـين والملائكة بعد ذلك ظهير}، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهـــران على سائر نساء رسول اللـــه صلى الله عليه وسلم ، فقلـــت: يا رسول اللـــه، أطلقتهـــن؟ قـــال: «لا»، قلت: يا رسول الله، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصــى يقولـــون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: «نعـــم إن شئت»، فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه، وحتـــى كشــر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغراً، ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت، فنزلــت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيــده، فقلت: يا رسول الله، إنما كنت في الغرفة تسعاً وعشــرين، قال: «إن الشهــر يكون تسعاً وعشرين»، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلــى صوتــي، لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءهـــم أمر من الأمـــن أو الخوف أذاعوا به ولو روده إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله آية «التخيير».
ونلاحظ هنا للنبي صلى الله عليه وسلم موقفاً آخر مع زوجاته أراد أن يؤدبهم بما فعلوا من إشاعة الخبر وذلك بهجرهم 29 يوماً.
فالمداراة إذن لها حدودها وقيودها، ولكن إذا تمادى الإنسان في سلوكه ونقض الاتفاق، هنا يمكن للزوجين أن يمارسا وسائل أخرى لضبط السلوك.
حوار راق ذو مستو عال
ومن مداراة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته حفصة ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله أنه قال:
أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها.
قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها.
فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها}
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}.
ونلاحظ هنا كيف دارى النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بالرد عليها، ولم يقل في نفسه إنني أنا النبي المشرّع فكيف تردين عليّ في موضوع أنا مختص به أكثر منك، وإنما تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الحدث على أنه مربي ومعلم، ولهذا نلاحظ في النص أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهرها عندما تكلمت من غير دليل، فعندما قالت له: بلى يا رسول الله، انتهرها، ولكنها عندما ذكرت له الدليل {وان منكم إلا واردها} نلاحظ أن النبي رد عليها بلطف ومن غير أن ينتهرها بقوله: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً}، فيظهر من هذا الموقف مدارة النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة صلى الله عليه وسلم ، وقد تكرر معها أكثر من موقف لأن الإنسان كلما ازدادت شدته احتاج الناس عند تعامله للمداراة أكثر.
ولهذا فإن عائشة رضي الله عنها تصف حفصة فتقول: «وكانت بنت ابيها» بمعنى على شدة وشخصية والدها الفاروق رضي الله عنها، حتى حصل مرة أن طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة فدخل عليها خالاها: قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني عن سبع (تعني بغض أو عيب أو نقص) فجاء جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «راجع حفصة فانها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة».
وقد هزّ هذا الطلاق عمر الفاروق رضى الله عنه فحثى على رأسه التراب عندما سمع بالخبر وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد اليوم.
فنكرر هنا ما ذكرنا سابقاً من أن المداراة هي الأصل في الأخلاق مع الناس، إلا إذا اقتضت المصلحة خلافها، ولهذا فإن طلاق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة تشريع للأمة، فقد طلقها النبي بعد الدخول والخلوة كما طلق النبي إحدى زوجاته وهي امرأة من بني غفار فدخل بها فأمرها أن تنزع ثوبها فرأى فيها بياضاً فانحاز عنها، فلما أصبح أكمل لها الصداق، وقال: «الحقي بأهلك».
فالمداراة خلق عظيم وخاصة مع النساء فإنهن أحوج الناس إلى المداراة وذلك لغلبة العاطفة عليهن وسرعة انفعالهن، وهذا ما نتعلمه من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ما الفرق بين المداراة والمداهنة؟
لعل البعض يتساءل ما هــي حــــدود المـــداراة ومــا ضوابطهــا ومـــا معناهـــا ومـــا الفـــرق بينهــا وبـين المداهنـــة؟!
وأسئلة أخرى كثيرة، وقد أعجبني بحث في كتاب (نضرة النعيم) يتحدث عن كل ذلك وذكر أن..
معنى المداراة: الملاينــة والملاطفــة وخفــض الجـنـــاح للنــاس، وليــس الكــلام وتـــرك الإغــلاظ لهــم فــي القـــول.
والفرق بينهما وبين المداهنة: أن المداهن يخفض جناحه للناس ولكن بعمل أمور يكرهها الله تعالى، وقد أنشد علي بن محمد البسامي:
دار من الناس ملالاتهم من لم يدار الناس ملّوه
ومن فوائد المداراة:
1 - الراحة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة.
2 - يتقي بها المداري شر الناس.
3 - يحتاج إليها مع الأصدقاء والأعداء.
4 - أنها دليل كمال العقل وحسن الخلق.
فهذه - وغيرها كثير - من فوائد المداراة، وقد قال منصور بن محمد الكريزي:
أغمض عيني عن صديقي كأنني
لديه بما يأتي من القبــح جاهــــل
ومـا بــي جهــل غيـــر أن خليقتــــــي
تطيق احتمال الكره فيما أحــاول
متـى ما يربني مفصل فقطعتــــــه
بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريــه، وإن صــــــــــــــــح شدنـــي
فإن هــو أعيــــا كــــان فيـــــــه تحامـــــل
بل حتى الأعداء يمكننا مداراتهم فقد قال لقمان لابنه: «يا بني كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ، فإن كان صادقاً فليوقد نارين، ولينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى، وانما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار».
فمعنى المداراة معنى جميل، خاصة إذا تخلق به الإنسان مع زوجته أو أبنائه، فهو ضمان لاستمرارية العلاقة، ولو عرف المتزوجون في واقعنا المعاصر هذا الخلق لما ازدادت حالات الطلاق والمشاكل الأسرية، لأن المدارة تغلفها إلا إذا حصلت مشكلة كبيرة، وإن المتتبع لهدي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يجده خير مثال في مداراة زوجاته وأصحابه، بل إن السلف الصالح كانوا خير مثال في مداراتهم للناس.
فقد جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال: إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألا أخالطهم.
فقال له وهب: لا تفعل، فانه لابد للناس منك ولابد لك منهم، لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعاً، وأعمى بصيراً، وسكوتاً نطوقاً.
وموقف آخر يرويه لنا عقال بن شبّة فيقول:
كنــت رديف ابــي، فلقيــه جريــر على بـغـــل فحـيـاه أبي وألطفــه فلمــا مضى قلـــت: أبعـــد مــا قال لنا مــا قــال!
قال: يا بني، «أفأ وسع جُرحي!». (5)
بمثل هذه الأخلاق تميز سلف الأمة وقادوا العالم ومن يريد أن يقود أسرته بنجاح فعليه بخلق المداراة.
وقد تنبّه الغرب لمثل هذه المهارة فألف (ديل كارنيجي) كتابه الشهير «كيف تكسب الناس؟» وألف بعده (مورييل سولومتون) كتابه «العمل مع أصعب الناس»، ثم ألف (جيمس فان فليت) كتابه «للنجاح مع الناس»، وهذه المؤلفات كلها تتحدث عن خلق المداراة ولكن بأشكال وأساليب متنوعة، وكلها ألفت في الخمسين سنة الماضية، بينما ألف (ابن ابي الدنيا) المتوفى عام 281 هــ كتابه الشهير «مداراة الناس» ومن ينظر إلى محتواه يجد أنه كتاب متميزّ في طرحه وقد دخل مؤلفه في تفاصيل المداراة.
فهذا هو خلق المداراة الذي نتمناه في بيوتنا كما كان يفعله حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد وصفته عائشة رضي الله عنها: عندما سئلت عن حاله إذا خلا بنسـائه فقالت: «كان كرجل من رجالكم، غير أنه كان من أكرم الناس وأحسن الناس خلقاً وكان ضحاكاً بساماً».
وكل هذه الصفات من أصول خلق المداراة.
ملكة جمال المطلقات.. والزواج العمياني
إن الاتجاه العالمي يسير نحو تيسير سبل تفكيك الأسرة، وسرعة فك الارتباط بين الزوجين، ففي بريطانيا تم تطوير برنامج يقدم خدمة تسريع إجراءت الطلاق من خلال ملء استمارة وتقديم وثائق عبر البريد الإلكتروني إلى فريق قانوني عامل بالشركة، وتعتبر هذه الخدمة أرخص من زيارة المحامي وأسرع حيث تتكلف 99 جنيهاً بالإضافة إلى رسوم المحكمة 150 جنيهاً، وفي مصر كانت قضية الطلاق تتداول في المحاكم من أربع إلى ثمانـــي سنوات، إلى أن أقر قانــون «الخلـــع» والذي ينهــي العلاقــة بجلســة أو جلستين، بل ان إحــدى المجلات البريطانية «تشات» دعت إلى مسابقة تحت عنوان «تخلصّــي من زوجك بطــلاق مجاني، واستكتبت القراء بأفكار يقدمونها للزوجة حتى تتخلص من زوجهـــا بطلاق مجانــي، ورصدت المجلة مكافأة 500 جنيه وتصرف هذه المكافأة لمصاريف دعـوى الطــلاق للمشاركـــة.
ودعت المؤتمرات العالمية بدءاً «ببكين» عام 1995 وانتهاءً «بنيويورك» عام 2000 إلى تهوين مسألة الزواج والطلاق وطرح مفاهيم غريبة تخالف الفطـــرة السويــة.
مثل هذه الإجراءات ولدّت مشاكل كثيرة أبرزها كثرة المطلقات والمطلقين من الشباب في العالم وأصبحت هذه الأزمة هاجساً عند الشعوب وتحركت بعض الحكومات بأفكار لعلاج هذه الظاهرة، منها ما طرحه التلفزيون البريطاني من فكرة «الزواج العمياني» بأن يعقد الشاب على الفتاة من غير أن يرى أحدهما الآخر، وتبنت بعض المؤسســات في العالم ومنــها مؤسسة «ميس» الأميركية مسابقة «ملكة جمال المطلقات» وقـــد كسرت بذلك شروطهــا في الموافقة على المرشحات لملكات الجمال لأنها كانت تشترط فيهن عدم السبق في الــزواج بينما سمحت مؤخراً بانضمام المطلقات لأنهن صغيرات في السن وازداد عددهــن في أمريكــا.
هل هذا الحل صحيح؟
أم إن بداية المشكلة كانت خاطئة؟!
إن المدقق في تعاليم الإسلام في مسألة الطلاق يلاحظ أن 90% من أيام السنة لم يسمح الإسلام بالطلاق فيها، وذلك لأن الطلاق ينبغي أن لا يقع على المرأة أثناء حملها أو نفاسها أو أثناء الدورة الشهرية أو في وقت ليس على المرأة دورة شهرية، ولكن زوجها لم يجامعها بعدما اغتسلت، فلو جمعنا هذه الأيام من السنة بنظام محاسبي دقيق لوجدنا أن في السنة 40 يوماً يمكن للرجل أن يوقع الطلاق فيها على زوجته بينما في الأيام الأخرى يسمى الطلاق «طلاقاً بدعياً»..
بمثل هذه المنهجية تعالج قضايا الطلاق بالإضافة إلى تهيئة المتزوجين على مهارة حل المشاكل الزوجية وعمل برامج إرشادية للمطلقين وبث الوعي الاجتماعي بنظام تعدد الزوجات، ومن الغريب في هذا الموضوع أن يعتمد البورد الروسي في الشهر الماضي نظام التعدد في الإسلام كحل لتخليص المجتمع الروسي من ظاهرة العنوسة وكثرة المطلقات، وانتشار حمل السفاح واللقطاء في المجتمع الروسي.
نعم إن الطلاق رحمة إن كان في محله الصحيح، وعذاب إن لم يكن في توقيته الصحيح، والذي يعالج لنا الموضوع هو خلق المداراة بين الزوجين مهما كانت المشكلة ولعل من الطريف أن نذكر المشكلة التي حصلت لعبدالله بن رواحة رضي الله عنهما مع زوجته عندما رأته مع جارية له يقول: إنه أصاب من جارية له، فنددت به امرأته، فأخذت شفرة، ثم أتته، فوافقته قد قام منها، قالت: أفعلتها يا بن رواحة؟
قال: ما فعلت شيئاً.
قالت: لتقرأن قرآناً أو لأبعجنك بها!
قال: ففكرت في قراءة القرآن وأنا جنب، فهبت ذلك، وهي امرأة غيرى، وبيدها شفرة، ولا آمنها، فقلت:
وفينا رسول اللــه يتلـــو كتابـــه إذا انشق مشهور من الصبح ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلــت بالكافـــرين المضاجــع
أرانا الهـدى بـعد العمـــى فقلــوبنا بــه موقنــات أن ما قـــال واقــــع
فألقت السكين وقالت: آمنت بالله وكذبت البصر.
فأتيت رسول الله فأخبرته، فضحك، وأعجبه ما صنعت.
بمثل هذه المداراة تحفظ البيوت، ولا نحتاج أن نعمل مسابقة لملكات الجمال للمطلقات أو مسابقة الزواج العمياني.
فقه المداراة في البيت النبوي
من القصص الجميلة في معنى المداراة ما رواه عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم : ائذنوا له، فبئس ابن العشيــرة أو بئس أخو العشيرة»، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول، فقال: «أي عائشــة»، إن شــر النــاس منزلـــة عند الله من تركـــه أو ودعه النـــاس اتقـــاء فحشــه». إنها قصة جميلة حتى إن الإمام البخاري كتب لها عنواناً «باب المداراة مع الناس»، ثم ذكر كلمة أبي الدرداء «انا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم» وذكر ابن حجر في شرح الحديث أن «المداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتاج إلى تألفه ونحــو ذلـك».
وشرح ابن بطال الحديث بأن المذكور كان منافقاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بما ظهر، لا بما يعلمه في نفس الأمر، وقال آخر لما فيه من شدة فكان لذلك من لسانه بذاءة.
وتبين من القصة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دارى ذلك الرجل لسوء خلق فيه سواءً أكان لسانه بذيئاً أم كان منافقاً اتقاء شره.
وهذا ما عبر عنه أبو الدرداء في كلمته السابقة، وإن المتأمل في المنهج النبوي ليجد الحكمة في مثل هذا الخلق سواء استخدمه الشخص مع زوجته أم أبنائه أم أصحابه، فإن المداراة تحفظ الود والعلاقات، ولو تخلينا أننا أمرنا بأن نخرج كل ما نعرفه عن الناس في وجوههم لفقدنا كل العلاقات الاجتماعية وخسرناها، ولهذا عدّ النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل لهذا الخلق من الصدقة فقال: «مداراة الناس صدقة»
وكذلك أمرنا الله تعالى بأن نداري والدينا، وسماها الله تعالى «بالمصاحبة في المعروف» فقال:
{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لـــي ولوالديك إلى المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهمـــا وصاحبهما في الدنيــا معروفــاً واتبــع سبيـــل من أنـــاب إلــيّ، ثـــم إليَّ مرجعـــكم فأنبئـــكم بما كنتــم تعملون}
فالمداراة إذن خلق مهم وعظيم إذا تخلق به الإنسان حفظ علاقته مع أهله ومجتمعه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرق في المعاملة على حسب الشخص: فلا يعامل الصغير مثل الكبير.
ولا يعامل الرجل مثل المرأة.
ولا يعامل البدوي مثل الحضري.
ولا يعامل حديث الإسلام مثل القديم.
وكل ذلك من المداراة، بل قال عليه السلام: «أقيلـــوا ذوى الهيئـــات عثراتهــم» وهــي أيضـاً مـــن المـــداراة.
كيف نربي أبناءنا على المداراة؟
1 - نعلمهم معنى المداراة وفوائدها ونفرق لهم بينها وبين المداهنة.
2 - نذكر لهم قصصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى.
3 - نشتري لهم كتاب ابن أبي الدنيــا واسمـــه «مداراة النـــاس» ونقرؤه معهم ونناقشـهم فـــي أفكــــاره.
4 - نكون لهم قدوة عملية ليشاهدوا هذا الخلق أمامهم.
5 - إذا لاحظنـــا عليهم تصرفاً يخالف مفهوم المداراة مع أصدقــائهــم فننبههــم عليـــه.
6 - عندما يكــون أبناؤنـــا مقبلين على الــزواج نتحـــدث معهـــم فــي كيفيـــة مـــداراة كـــل واحــد منهـــم للآخـــر.
من كتاب زوجات النبي في واقعنا المعاصر
أ. جاسم المطوع
أم جويرية @am_goyry
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
lawsi
•
الموضوع رائع بل أكثر من رائع
كم والله لقد كانت مؤثرة وفيها من العبر ما لايُحصى ..
بصراحه
مجرد قراءة سيرة المصطفى مع زوجاته ..لانحتاج لأي مراجع أخرى
بارك الله فيك أم الجويريه على هذا النقل المميز
كم والله لقد كانت مؤثرة وفيها من العبر ما لايُحصى ..
بصراحه
مجرد قراءة سيرة المصطفى مع زوجاته ..لانحتاج لأي مراجع أخرى
بارك الله فيك أم الجويريه على هذا النقل المميز
الصفحة الأخيرة
وسامحوني لأن الموضوع طويل قليلاً.