كثيراً ما نسمع من يردّد مقولة عمر -رضي الله عنه-: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي، ومقولته الأخرى: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها،ولكن حين يتشجّع ناصح، ويحاول أن يقتحم الحصون، يُواجَه بأسوار الغرور الخفيّ، والتواضع الكاذب، تقف ـ بصلابة ـ وراء تلك الدعوات الملحّة، والتوسّلات المتتابعة، التي كان يهتف بها لمن حوله: كم أنا محتاج إليكم، وأنا أتخطّى مراحل الطفولة في حياتي! لا تتركوني أفكّر وحدي، وأخطّط وحدي، وأنفّذ وحدي، وأصارع نفسي العصيّة، وبريق الجاه الذي نما من حولي من الصفر، بعد كل هذه الادّعاءات يخفق في الاختبار ..ليس الاختبار الأول ولا الثاني ولكن الثالث أو الرابع .. بعد أن كان استفاد من آراء الآخرين في بداية أمره في بناء شخصيّته علمياً أو فنياً أو إدارياً، فإذا هو ـ بعد ذلك ـ يرمق الناصح بعين هي أكبر من أن تراه، لأنه يستحضر ـ حينها ـ كل أعماله المشهود له فيها بالتفوّق، وكل شخصيّته التي تبلورت ونالت شهرتها العريضة، ومهابتها المرجوّة أمام الآخرين، ويرى أنه تواضع كثيراً حين قبل أن يجالس هذا الناصح، وأنه صبر عليه كثيراً حتى تجرّأ أن يحدّثه فيما يعدّه من خصوصياته.
والسؤال الذي يصرخ في وجوهنا حينما نكتشف أننا من هؤلاء
:لماذا كنا بالأمس نبحث عن النصيحة ونعمل بها .. وبعد أن بلغنا بعض ما نطمح إليه أصبحنا نستثقل سماعها، ونأنف من قائلها؟
هل يمكن أن يصل الإنسان منا إلى الكمال في يوم من الأيام بحيث لا يحتاج إلى رأي أحد، ولا إلى نصح أحد؟
هل يعقل أن يستغني إنسان منا -مهما كان علمه وفضله وجاهه- عن عقول الآخرين ونظراتهم الصائبة فيما يفعل أو يقول؟
هل لأيّ مخلوق الحقّ في أن يحكم على تصرفاته بنفسه صوابها أو خطئها؟
إن الشعور بالكمال هو الطريق إلى النقص.
وإذا كان الإخفاق قد يؤدّي إلى النجاح .. فإن النجاح أيضاً قد يؤدّي إلى الإخفاق.
وحينما يعلّق العاقل نواقصه بين عينيه دائماً فقد يدفعه ذلك ليسعى بطبيعته الشغوفة بالكمال إلى إصلاحها وتجاوزها فيزداد نجاحاً بإذن الله وعونه.
وحينما يضع نجاحاته دائماً بين عينيه متغافلاً عن سبل التطوير وحسن الأداء التي حصل بسببها على هذا النجاح، فقد يقوده ذلك إلى الإخفاق الذريع.. أو السقوط من برجه إلى هُوّة سحيقة ..وهناك لن يجد حتى من يضع له رداءه ليتلقفه.
وعودٌ على بدء أقول: إن الكشف عن أيّ نقص في الشخصيّة الممتلئة بذاتها ومصارحتها به، إنما هو في حقيقة الأمر مداهمة خطيرة لأكبر معاقلها؛ ذلك لأن هناك من سدّ عليها نوافذ استقبال النقد الصريح، وفتح لها أبواب المجاملات الشخصيّة، والتركيز على الإيجابيّات التي لا يخلو منها أحد، حتى خدعها بأن كل ما يصدر عنها صواب لا يقبل الخطأ، وأنها أصبحت كالشمس تعطي ولا تأخذ، وتشعّ ولا تقبل أشعة من أي كوكب آخر..
بصمة
مصيبةٌ كُبرى حين يتعرّض ظهر النجاح الباهر لخناجر الغرور الخفيّ.
*****
الإسلام اليوم
حاشجيات @hashgyat
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
زهرة سدير
•
مشكوره00وجزاك الله خير00
الصفحة الأخيرة