مدونة رالوكا: ابقٍ بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم

الملتقى العام

ـ في السعودية شعرت بالأمان .. و6 أشهر كانت الأروع في حياتي
ـ العباءة أكسبتني ثوب الحياء الإسلامي .. والحجاب حارسي الشخصي
ـ هذا المشهد أصابني بالرعشة .. وتلك الواجبات الأكثر معنى في حياتي

"ابقي بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم".. بهذه الكلمات أنهت رالوكا زينجا تدوينة طويلة تختتم بها حديثها عن العيش في المملكة العربية السعودية لمدة 6 أشهر برفقة زوجها الإيطالي والتر زينجا المقال من تدريب فريق النصر الأول لكرة القدم.

رالوكا - الرومانية العاشقة للرياض وأهلها – توجهت في مقالها الأخير وباللغة الإنجليزية إلى جميع متتبعي تدويانتها في رسالة وداع مؤثرة أثنت فيها كثيرا على التجربة السعودية القصيرة، وأهم المكتسبات التي ظفرت بها بعد العيش بين أظهر المسلمين مثنية على كل ما حظيت به من كرم، وحفاوة في الاستقبال، وراحة نفسيه بالعيش في جو إسلامي متكامل.

وخلال التدوينة، عرجت رالوكا بالحديث على الكثير من القضايا، ووصف الكثير من الأماكن الشعبية والتاريخية في الرياض، وانتهت بالحديث عن السبب الذي دفع نادي النصر إلى الاستغناء عن زوجها بعد 6 أشهر فقط من تعيينه مديرا فنيا للنادي العاصمي.

وحرصا على نقل الصورة كاملة آثرنا في "قووول أون لاين"، أن نقوم بنقل التدوينة كاملة للقارئ الكريم.

النص:

قررت أن أكتب هذا المقال باللغة الإنكليزية تكريما لقرائي العرب (أعرف مسبقا أن قرائي الرومان لن يكون لديهم مشكله في فهم المقال)، فالفراق محزن خصوصا وأن التجربة لم تكن طويلة.


فبعد 6 أشهر من العيش في الرياض أجرأ علي القول بأن تجربة الحياة هنا كانت الأروع خلال حياتي. الكثيرون لا يصدقون ذلك، ولكني ما أزال أشعر أني بالفعل أشعر بالانتماء إلى هذا المكان وكأنه وطني، وتكيفت على المعيشة هنا بشكل لا يصدق. وحتى هذا اليوم ما زلت أقول لنفسي بأني أستطيع أن أعيش هنا إلى الأبد .. أستطيع أن أعيش في هذه الأرض الرملية الصلبة والقاحلة.

في السعودية شعرت بالأمان وأنا أعيش في مجتمع محافظ، وأكسبتني عباءتي ثوب الحياء الإسلامي وأنا أندمج مع المجتمع في عاداته وتقاليده، وكان الحجاب حارسي السري. اندمجت مع المجتمع بشكل كامل وكما أريد من أجل أن أفهمه بشكل كامل بعيدا عن الانطباعات المسبقة.

لم آت إلى هنا دون معلومات، فقد تعمقت في دراسة تاريخ الجزيرة العربية والسعودية ولغتي العربية ليست بذلك السوء، وبالتأكيد كنت ككثيرين أتخوف من الإسلام.

في الرياض لم أشعر للحظة بالضيق أو العزلة، كان شغلي الشاغل يوميا هو أن أعيش في الرياض، وأن أتنقل بين الناس لأتعرف على عالمي الجديد.


إلا أن هناك لحظة لا يمكن أن أنساها خلال تواجدي في الرياض، وهي زيارتي لساحة العدل للمرة الأولى، ففي زيارتي الأولى لساحة العدل (الساحة الكبيرة بين قصر المصمك والمسجد الكبير في الديرة – عند مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تجرأت أنا وصديقتي على الدخول إلى تلك المنطقة والتي طالما اعتقدنا بأنها منطقة محرمة علينا، وجلسنا على كرسي نراقب غروب الشمس وهو ينهدل على الرياض ليكسبها لونا ورديا سلسا، اشترينا كأسي شاي وقطع حلوى من خلال الشباك الصغير المخصص للنساء.

في البداية شعرنا بنوع من الخوف والريبة، ولكن لم نلبث أن تنبهنا فبعباءتينا الطويلتين ووجوهنا المنقبة لم نكن إلا كأي سيدتين تنتظران انتهاء الصلاة لتكملا التبضع فشعرنا بطمأنينة مفاجئة.

في هذه الأثناء، شعرت وكأن الوقت قد توقف وأحسست بأن هذا المكان هو المكان الوحيد الذي لن تسرقه الحداثة والحياة المعاصرة، فالناس هم الناس والمشاهد هي المشاهد كما كانت منذ القدم وكما ستكون لأي شخص قادم من المستقبل، فهاهو الرجل العجوز في ثوب ملون يلبس ثوبا وشماغا أحمر يتدلى على كتفيه وبيده سبحته يتجه لأداء الصلاة، والنساء يلاعبن أطفالهن بأيديهن المغلفة بالسواد وعباءاتهن تتطاير مع هبوب النسمات وكأنها أشرعة السفن ليبدو ظلهن غريبا.


لحظات من الصمت، بددها صوت المؤذن في الجامع الكبير في الرياض، وبدأ الصوت في السير بكل اتجاه وكأنه سقط من السماء لتلتقط أصداؤه الأماكن الخالدة ويتخلد على جدرانها.

لحظات أخرى، وانضم بقية المؤذنين لمؤذن الجامع الكبير، جسمي يرتعش وخفقات قلبي تزداد، لحظات الصمت تعود من جديد ومرة أخرى تبدأ الإقامة ويمتلئ الكون بذكر الله.

نظرت في عيني صديقتي الجميلتين من خلال نقابها، فرأيتها تبتسم وعيناها تقولان لست وحدك من يرتعش جسمك ويخفق قلبك.

سقط علينا الليل، وتزين المكان بلون الذهب وانبعث اللون الأصفر من عواميد الإنارة الطويلة .. اختلطت مشاعري وتداخلت أحاسيسي بين المكان والزمان، وللحظة تمنيت أن أقبض على هذه اللحظة من حياتي بأصابعي لأخلدها ولا أفقد جمال نهايتها أو تضيع من ذاكرتي.

أحد الهوايات المحببة لدي في الرياض، كان التجول والشراء من داخل الأسواق القديمة، صحيح أن الواجهات تبدو منهارة إلا أنها من الداخل عالم لامع من الكنوز الصغيرة، ففي الداخل توجد محلات العطارة والتوابل والعطور العربية والزيوت المعطرة، والبخور والمباخر الخشبية والنحاسية.

أخذنا السرور في الشراء، فاشترينا الفساتين السعودية التقليدية التي من شأنها أن نرتديها تحت العباءات، ومررنا على سوق الذهب وأشرقت أعيننا بفرح في أسواق الذهب ونحن نرى القطع المعروضة، ومنها حلي الأعراس التقليدية والتي تجعل رأس الفتاة يبدو وكأنها تقطر ذهبا، وعملات معدنية، جواهر مع مجموعات من الأقراط، ورزمة من الأساور.


خلال أوقات الانتظار بين الصلوات، تعلمنا أن نجلس على الأرض كباقي المتسوقات، وأن نتربع على سجادة الصلاة، ونأكل الشاورما والفطاير اللذيذة الساخنة كفطاير اللبنة وعش البلبل مع الشاي بالنعناع، هذه الوجبة بالنسبة لي كانت الوجبة الأكثر معنى في حياتي.

كان من السهل الدخول في حوار مع النساء في السعودية، وذلك باحترام مشاعرهن وتقاليدهن، فكنت كلما رأيت شيئا جميلا أسارع إلى القول ما شاء الله، وكنت أقول لهن بأن بنتي اسمها سميرة، وكذلك في طريقة ارتدائي للحجاب كتعبير عن احترامي لعاداتهن وتقالديهن حتى وأنا غير مسلمة.

في السعودية، وجدت المرأة المتعلمة العاملة، ووجدت ربة المنزل المتفانية، ووجدت المرأة الجامعة للصنفين، الكثير عزمنني لمنازلهن لشرب الشاي والتحدث عن الأفراح المقبلة أو العزائم العائلية في الثمامة أو لأكل المندي المطهي في الحفر المدفون في التراب.

كعاشق مغصوب على فراق حبيبته، كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى كل مكان جميل تعلق به قلبي في الرياض لأودعه، لذا كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى الدرعية عاصمة نجد الأولى ونقطة تجمع القبائل العربية تحت قيادة آل سعود، فذهبت لزيارة أطلال الدرعية مستمتعة بغروب الشمس الجميل على جدران قصر سلوى في منظر خالد .

زيارة أخيرة الى البطحاء، حيث أزمة المرور لا تنتهي، هنا يلتقي العالم في قلب الشرق الأوسط: الهنود، الباكستانيون، العرب، السعوديون، اليمنيون، فكل الناس يتزاحمون على الأرصفة وبين العربات، من النادر جدا أو المستحيل أن تشاهد غربيا في هذا المكان، ولعل وجود النساء هنا يعد مغامرة كدخول مترو الأنفاق في ساعات متأخرة من الليل في العواصم الغربية إلا أن حصولي على طبق "براذاز" و"قلاب جامون" طازج من مطعم باكستاني لا يكاد يرى في أحد الأزقة يستحق كل هذه المغامرة.

وأخيرا، حدائق المربع، وساحات المتحف الوطني لعلها آخر المرات التي أرى فيها أسر عربية في نزه يفترشون الأرض ويلهون مع أطفالهم بسلام.

جولة تسوق أخيرة في أسواق الأندلس، حيث من الممكن أن تجدي أي شيء ابتداء من العود وحتى أحدث التصاميم المقلدة لأهم بيوت الأزياء في العالم .

خلال حديثي هذا لم أقصد أن أطيل على القارئ الكريم، ولكن لم أستطع أن أمسك نفسي عن الكتابة والتعبير عن مشاعري وعن تجربتي في العيش في الرياض، الكثير سيقولون وما أدراك أنت عن الرياض وأنت لم تعيشي هنا إلا 6 أشهر، ولعلك أيضا قضيتيها داخل المجمع السكني الذي يقطنه بالتأكيد غربيون إلا أنني أعتقد بأنني خلال الأشهر الـ6 وصلت وتعلمت جوهر هذه البلاد وأحببت هذه البلاد حتى آخر لحظة.
ـ في السعودية شعرت بالأمان .. و6 أشهر كانت الأروع في حياتي
ـ العباءة أكسبتني ثوب الحياء الإسلامي .. والحجاب حارسي الشخصي
ـ هذا المشهد أصابني بالرعشة .. وتلك الواجبات الأكثر معنى في حياتي

"ابقي بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم".. بهذه الكلمات أنهت رالوكا زينجا تدوينة طويلة تختتم بها حديثها عن العيش في المملكة العربية السعودية لمدة 6 أشهر برفقة زوجها الإيطالي والتر زينجا المقال من تدريب فريق النصر الأول لكرة القدم.

رالوكا - الرومانية العاشقة للرياض وأهلها – توجهت في مقالها الأخير وباللغة الإنجليزية إلى جميع متتبعي تدويانتها في رسالة وداع مؤثرة أثنت فيها كثيرا على التجربة السعودية القصيرة، وأهم المكتسبات التي ظفرت بها بعد العيش بين أظهر المسلمين مثنية على كل ما حظيت به من كرم، وحفاوة في الاستقبال، وراحة نفسيه بالعيش في جو إسلامي متكامل.

وخلال التدوينة، عرجت رالوكا بالحديث على الكثير من القضايا، ووصف الكثير من الأماكن الشعبية والتاريخية في الرياض، وانتهت بالحديث عن السبب الذي دفع نادي النصر إلى الاستغناء عن زوجها بعد 6 أشهر فقط من تعيينه مديرا فنيا للنادي العاصمي.

وحرصا على نقل الصورة كاملة آثرنا في "قووول أون لاين"، أن نقوم بنقل التدوينة كاملة للقارئ الكريم.

النص:

قررت أن أكتب هذا المقال باللغة الإنكليزية تكريما لقرائي العرب (أعرف مسبقا أن قرائي الرومان لن يكون لديهم مشكله في فهم المقال)، فالفراق محزن خصوصا وأن التجربة لم تكن طويلة.


فبعد 6 أشهر من العيش في الرياض أجرأ علي القول بأن تجربة الحياة هنا كانت الأروع خلال حياتي. الكثيرون لا يصدقون ذلك، ولكني ما أزال أشعر أني بالفعل أشعر بالانتماء إلى هذا المكان وكأنه وطني، وتكيفت على المعيشة هنا بشكل لا يصدق. وحتى هذا اليوم ما زلت أقول لنفسي بأني أستطيع أن أعيش هنا إلى الأبد .. أستطيع أن أعيش في هذه الأرض الرملية الصلبة والقاحلة.

في السعودية شعرت بالأمان وأنا أعيش في مجتمع محافظ، وأكسبتني عباءتي ثوب الحياء الإسلامي وأنا أندمج مع المجتمع في عاداته وتقاليده، وكان الحجاب حارسي السري. اندمجت مع المجتمع بشكل كامل وكما أريد من أجل أن أفهمه بشكل كامل بعيدا عن الانطباعات المسبقة.

لم آت إلى هنا دون معلومات، فقد تعمقت في دراسة تاريخ الجزيرة العربية والسعودية ولغتي العربية ليست بذلك السوء، وبالتأكيد كنت ككثيرين أتخوف من الإسلام.

في الرياض لم أشعر للحظة بالضيق أو العزلة، كان شغلي الشاغل يوميا هو أن أعيش في الرياض، وأن أتنقل بين الناس لأتعرف على عالمي الجديد.


إلا أن هناك لحظة لا يمكن أن أنساها خلال تواجدي في الرياض، وهي زيارتي لساحة العدل للمرة الأولى، ففي زيارتي الأولى لساحة العدل (الساحة الكبيرة بين قصر المصمك والمسجد الكبير في الديرة – عند مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تجرأت أنا وصديقتي على الدخول إلى تلك المنطقة والتي طالما اعتقدنا بأنها منطقة محرمة علينا، وجلسنا على كرسي نراقب غروب الشمس وهو ينهدل على الرياض ليكسبها لونا ورديا سلسا، اشترينا كأسي شاي وقطع حلوى من خلال الشباك الصغير المخصص للنساء.

في البداية شعرنا بنوع من الخوف والريبة، ولكن لم نلبث أن تنبهنا فبعباءتينا الطويلتين ووجوهنا المنقبة لم نكن إلا كأي سيدتين تنتظران انتهاء الصلاة لتكملا التبضع فشعرنا بطمأنينة مفاجئة.

في هذه الأثناء، شعرت وكأن الوقت قد توقف وأحسست بأن هذا المكان هو المكان الوحيد الذي لن تسرقه الحداثة والحياة المعاصرة، فالناس هم الناس والمشاهد هي المشاهد كما كانت منذ القدم وكما ستكون لأي شخص قادم من المستقبل، فهاهو الرجل العجوز في ثوب ملون يلبس ثوبا وشماغا أحمر يتدلى على كتفيه وبيده سبحته يتجه لأداء الصلاة، والنساء يلاعبن أطفالهن بأيديهن المغلفة بالسواد وعباءاتهن تتطاير مع هبوب النسمات وكأنها أشرعة السفن ليبدو ظلهن غريبا.


لحظات من الصمت، بددها صوت المؤذن في الجامع الكبير في الرياض، وبدأ الصوت في السير بكل اتجاه وكأنه سقط من السماء لتلتقط أصداؤه الأماكن الخالدة ويتخلد على جدرانها.

لحظات أخرى، وانضم بقية المؤذنين لمؤذن الجامع الكبير، جسمي يرتعش وخفقات قلبي تزداد، لحظات الصمت تعود من جديد ومرة أخرى تبدأ الإقامة ويمتلئ الكون بذكر الله.

نظرت في عيني صديقتي الجميلتين من خلال نقابها، فرأيتها تبتسم وعيناها تقولان لست وحدك من يرتعش جسمك ويخفق قلبك.

سقط علينا الليل، وتزين المكان بلون الذهب وانبعث اللون الأصفر من عواميد الإنارة الطويلة .. اختلطت مشاعري وتداخلت أحاسيسي بين المكان والزمان، وللحظة تمنيت أن أقبض على هذه اللحظة من حياتي بأصابعي لأخلدها ولا أفقد جمال نهايتها أو تضيع من ذاكرتي.

أحد الهوايات المحببة لدي في الرياض، كان التجول والشراء من داخل الأسواق القديمة، صحيح أن الواجهات تبدو منهارة إلا أنها من الداخل عالم لامع من الكنوز الصغيرة، ففي الداخل توجد محلات العطارة والتوابل والعطور العربية والزيوت المعطرة، والبخور والمباخر الخشبية والنحاسية.

أخذنا السرور في الشراء، فاشترينا الفساتين السعودية التقليدية التي من شأنها أن نرتديها تحت العباءات، ومررنا على سوق الذهب وأشرقت أعيننا بفرح في أسواق الذهب ونحن نرى القطع المعروضة، ومنها حلي الأعراس التقليدية والتي تجعل رأس الفتاة يبدو وكأنها تقطر ذهبا، وعملات معدنية، جواهر مع مجموعات من الأقراط، ورزمة من الأساور.


خلال أوقات الانتظار بين الصلوات، تعلمنا أن نجلس على الأرض كباقي المتسوقات، وأن نتربع على سجادة الصلاة، ونأكل الشاورما والفطاير اللذيذة الساخنة كفطاير اللبنة وعش البلبل مع الشاي بالنعناع، هذه الوجبة بالنسبة لي كانت الوجبة الأكثر معنى في حياتي.

كان من السهل الدخول في حوار مع النساء في السعودية، وذلك باحترام مشاعرهن وتقاليدهن، فكنت كلما رأيت شيئا جميلا أسارع إلى القول ما شاء الله، وكنت أقول لهن بأن بنتي اسمها سميرة، وكذلك في طريقة ارتدائي للحجاب كتعبير عن احترامي لعاداتهن وتقالديهن حتى وأنا غير مسلمة.

في السعودية، وجدت المرأة المتعلمة العاملة، ووجدت ربة المنزل المتفانية، ووجدت المرأة الجامعة للصنفين، الكثير عزمنني لمنازلهن لشرب الشاي والتحدث عن الأفراح المقبلة أو العزائم العائلية في الثمامة أو لأكل المندي المطهي في الحفر المدفون في التراب.

كعاشق مغصوب على فراق حبيبته، كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى كل مكان جميل تعلق به قلبي في الرياض لأودعه، لذا كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى الدرعية عاصمة نجد الأولى ونقطة تجمع القبائل العربية تحت قيادة آل سعود، فذهبت لزيارة أطلال الدرعية مستمتعة بغروب الشمس الجميل على جدران قصر سلوى في منظر خالد .

زيارة أخيرة الى البطحاء، حيث أزمة المرور لا تنتهي، هنا يلتقي العالم في قلب الشرق الأوسط: الهنود، الباكستانيون، العرب، السعوديون، اليمنيون، فكل الناس يتزاحمون على الأرصفة وبين العربات، من النادر جدا أو المستحيل أن تشاهد غربيا في هذا المكان، ولعل وجود النساء هنا يعد مغامرة كدخول مترو الأنفاق في ساعات متأخرة من الليل في العواصم الغربية إلا أن حصولي على طبق "براذاز" و"قلاب جامون" طازج من مطعم باكستاني لا يكاد يرى في أحد الأزقة يستحق كل هذه المغامرة.

وأخيرا، حدائق المربع، وساحات المتحف الوطني لعلها آخر المرات التي أرى فيها أسر عربية في نزه يفترشون الأرض ويلهون مع أطفالهم بسلام.

جولة تسوق أخيرة في أسواق الأندلس، حيث من الممكن أن تجدي أي شيء ابتداء من العود وحتى أحدث التصاميم المقلدة لأهم بيوت الأزياء في العالم .

خلال حديثي هذا لم أقصد أن أطيل على القارئ الكريم، ولكن لم أستطع أن أمسك نفسي عن الكتابة والتعبير عن مشاعري وعن تجربتي في العيش في الرياض، الكثير سيقولون وما أدراك أنت عن الرياض وأنت لم تعيشي هنا إلا 6 أشهر، ولعلك أيضا قضيتيها داخل المجمع السكني الذي يقطنه بالتأكيد غربيون إلا أنني أعتقد بأنني خلال الأشهر الـ6 وصلت وتعلمت جوهر هذه البلاد وأحببت هذه البلاد حتى آخر لحظة.
ـ في السعودية شعرت بالأمان .. و6 أشهر كانت الأروع في حياتي
ـ العباءة أكسبتني ثوب الحياء الإسلامي .. والحجاب حارسي الشخصي
ـ هذا المشهد أصابني بالرعشة .. وتلك الواجبات الأكثر معنى في حياتي

"ابقي بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم".. بهذه الكلمات أنهت رالوكا زينجا تدوينة طويلة تختتم بها حديثها عن العيش في المملكة العربية السعودية لمدة 6 أشهر برفقة زوجها الإيطالي والتر زينجا المقال من تدريب فريق النصر الأول لكرة القدم.

رالوكا - الرومانية العاشقة للرياض وأهلها – توجهت في مقالها الأخير وباللغة الإنجليزية إلى جميع متتبعي تدويانتها في رسالة وداع مؤثرة أثنت فيها كثيرا على التجربة السعودية القصيرة، وأهم المكتسبات التي ظفرت بها بعد العيش بين أظهر المسلمين مثنية على كل ما حظيت به من كرم، وحفاوة في الاستقبال، وراحة نفسيه بالعيش في جو إسلامي متكامل.

وخلال التدوينة، عرجت رالوكا بالحديث على الكثير من القضايا، ووصف الكثير من الأماكن الشعبية والتاريخية في الرياض، وانتهت بالحديث عن السبب الذي دفع نادي النصر إلى الاستغناء عن زوجها بعد 6 أشهر فقط من تعيينه مديرا فنيا للنادي العاصمي.

وحرصا على نقل الصورة كاملة آثرنا في "قووول أون لاين"، أن نقوم بنقل التدوينة كاملة للقارئ الكريم.

النص:

قررت أن أكتب هذا المقال باللغة الإنكليزية تكريما لقرائي العرب (أعرف مسبقا أن قرائي الرومان لن يكون لديهم مشكله في فهم المقال)، فالفراق محزن خصوصا وأن التجربة لم تكن طويلة.


فبعد 6 أشهر من العيش في الرياض أجرأ علي القول بأن تجربة الحياة هنا كانت الأروع خلال حياتي. الكثيرون لا يصدقون ذلك، ولكني ما أزال أشعر أني بالفعل أشعر بالانتماء إلى هذا المكان وكأنه وطني، وتكيفت على المعيشة هنا بشكل لا يصدق. وحتى هذا اليوم ما زلت أقول لنفسي بأني أستطيع أن أعيش هنا إلى الأبد .. أستطيع أن أعيش في هذه الأرض الرملية الصلبة والقاحلة.

في السعودية شعرت بالأمان وأنا أعيش في مجتمع محافظ، وأكسبتني عباءتي ثوب الحياء الإسلامي وأنا أندمج مع المجتمع في عاداته وتقاليده، وكان الحجاب حارسي السري. اندمجت مع المجتمع بشكل كامل وكما أريد من أجل أن أفهمه بشكل كامل بعيدا عن الانطباعات المسبقة.

لم آت إلى هنا دون معلومات، فقد تعمقت في دراسة تاريخ الجزيرة العربية والسعودية ولغتي العربية ليست بذلك السوء، وبالتأكيد كنت ككثيرين أتخوف من الإسلام.

في الرياض لم أشعر للحظة بالضيق أو العزلة، كان شغلي الشاغل يوميا هو أن أعيش في الرياض، وأن أتنقل بين الناس لأتعرف على عالمي الجديد.


إلا أن هناك لحظة لا يمكن أن أنساها خلال تواجدي في الرياض، وهي زيارتي لساحة العدل للمرة الأولى، ففي زيارتي الأولى لساحة العدل (الساحة الكبيرة بين قصر المصمك والمسجد الكبير في الديرة – عند مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تجرأت أنا وصديقتي على الدخول إلى تلك المنطقة والتي طالما اعتقدنا بأنها منطقة محرمة علينا، وجلسنا على كرسي نراقب غروب الشمس وهو ينهدل على الرياض ليكسبها لونا ورديا سلسا، اشترينا كأسي شاي وقطع حلوى من خلال الشباك الصغير المخصص للنساء.

في البداية شعرنا بنوع من الخوف والريبة، ولكن لم نلبث أن تنبهنا فبعباءتينا الطويلتين ووجوهنا المنقبة لم نكن إلا كأي سيدتين تنتظران انتهاء الصلاة لتكملا التبضع فشعرنا بطمأنينة مفاجئة.

في هذه الأثناء، شعرت وكأن الوقت قد توقف وأحسست بأن هذا المكان هو المكان الوحيد الذي لن تسرقه الحداثة والحياة المعاصرة، فالناس هم الناس والمشاهد هي المشاهد كما كانت منذ القدم وكما ستكون لأي شخص قادم من المستقبل، فهاهو الرجل العجوز في ثوب ملون يلبس ثوبا وشماغا أحمر يتدلى على كتفيه وبيده سبحته يتجه لأداء الصلاة، والنساء يلاعبن أطفالهن بأيديهن المغلفة بالسواد وعباءاتهن تتطاير مع هبوب النسمات وكأنها أشرعة السفن ليبدو ظلهن غريبا.


لحظات من الصمت، بددها صوت المؤذن في الجامع الكبير في الرياض، وبدأ الصوت في السير بكل اتجاه وكأنه سقط من السماء لتلتقط أصداؤه الأماكن الخالدة ويتخلد على جدرانها.

لحظات أخرى، وانضم بقية المؤذنين لمؤذن الجامع الكبير، جسمي يرتعش وخفقات قلبي تزداد، لحظات الصمت تعود من جديد ومرة أخرى تبدأ الإقامة ويمتلئ الكون بذكر الله.

نظرت في عيني صديقتي الجميلتين من خلال نقابها، فرأيتها تبتسم وعيناها تقولان لست وحدك من يرتعش جسمك ويخفق قلبك.

سقط علينا الليل، وتزين المكان بلون الذهب وانبعث اللون الأصفر من عواميد الإنارة الطويلة .. اختلطت مشاعري وتداخلت أحاسيسي بين المكان والزمان، وللحظة تمنيت أن أقبض على هذه اللحظة من حياتي بأصابعي لأخلدها ولا أفقد جمال نهايتها أو تضيع من ذاكرتي.

أحد الهوايات المحببة لدي في الرياض، كان التجول والشراء من داخل الأسواق القديمة، صحيح أن الواجهات تبدو منهارة إلا أنها من الداخل عالم لامع من الكنوز الصغيرة، ففي الداخل توجد محلات العطارة والتوابل والعطور العربية والزيوت المعطرة، والبخور والمباخر الخشبية والنحاسية.

أخذنا السرور في الشراء، فاشترينا الفساتين السعودية التقليدية التي من شأنها أن نرتديها تحت العباءات، ومررنا على سوق الذهب وأشرقت أعيننا بفرح في أسواق الذهب ونحن نرى القطع المعروضة، ومنها حلي الأعراس التقليدية والتي تجعل رأس الفتاة يبدو وكأنها تقطر ذهبا، وعملات معدنية، جواهر مع مجموعات من الأقراط، ورزمة من الأساور.


خلال أوقات الانتظار بين الصلوات، تعلمنا أن نجلس على الأرض كباقي المتسوقات، وأن نتربع على سجادة الصلاة، ونأكل الشاورما والفطاير اللذيذة الساخنة كفطاير اللبنة وعش البلبل مع الشاي بالنعناع، هذه الوجبة بالنسبة لي كانت الوجبة الأكثر معنى في حياتي.

كان من السهل الدخول في حوار مع النساء في السعودية، وذلك باحترام مشاعرهن وتقاليدهن، فكنت كلما رأيت شيئا جميلا أسارع إلى القول ما شاء الله، وكنت أقول لهن بأن بنتي اسمها سميرة، وكذلك في طريقة ارتدائي للحجاب كتعبير عن احترامي لعاداتهن وتقالديهن حتى وأنا غير مسلمة.

في السعودية، وجدت المرأة المتعلمة العاملة، ووجدت ربة المنزل المتفانية، ووجدت المرأة الجامعة للصنفين، الكثير عزمنني لمنازلهن لشرب الشاي والتحدث عن الأفراح المقبلة أو العزائم العائلية في الثمامة أو لأكل المندي المطهي في الحفر المدفون في التراب.

كعاشق مغصوب على فراق حبيبته، كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى كل مكان جميل تعلق به قلبي في الرياض لأودعه، لذا كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى الدرعية عاصمة نجد الأولى ونقطة تجمع القبائل العربية تحت قيادة آل سعود، فذهبت لزيارة أطلال الدرعية مستمتعة بغروب الشمس الجميل على جدران قصر سلوى في منظر خالد .

زيارة أخيرة الى البطحاء، حيث أزمة المرور لا تنتهي، هنا يلتقي العالم في قلب الشرق الأوسط: الهنود، الباكستانيون، العرب، السعوديون، اليمنيون، فكل الناس يتزاحمون على الأرصفة وبين العربات، من النادر جدا أو المستحيل أن تشاهد غربيا في هذا المكان، ولعل وجود النساء هنا يعد مغامرة كدخول مترو الأنفاق في ساعات متأخرة من الليل في العواصم الغربية إلا أن حصولي على طبق "براذاز" و"قلاب جامون" طازج من مطعم باكستاني لا يكاد يرى في أحد الأزقة يستحق كل هذه المغامرة.

وأخيرا، حدائق المربع، وساحات المتحف الوطني لعلها آخر المرات التي أرى فيها أسر عربية في نزه يفترشون الأرض ويلهون مع أطفالهم بسلام.

جولة تسوق أخيرة في أسواق الأندلس، حيث من الممكن أن تجدي أي شيء ابتداء من العود وحتى أحدث التصاميم المقلدة لأهم بيوت الأزياء في العالم .

خلال حديثي هذا لم أقصد أن أطيل على القارئ الكريم، ولكن لم أستطع أن أمسك نفسي عن الكتابة والتعبير عن مشاعري وعن تجربتي في العيش في الرياض، الكثير سيقولون وما أدراك أنت عن الرياض وأنت لم تعيشي هنا إلا 6 أشهر، ولعلك أيضا قضيتيها داخل المجمع السكني الذي يقطنه بالتأكيد غربيون إلا أنني أعتقد بأنني خلال الأشهر الـ6 وصلت وتعلمت جوهر هذه البلاد وأحببت هذه البلاد حتى آخر لحظة.
ـ في السعودية شعرت بالأمان .. و6 أشهر كانت الأروع في حياتي
ـ العباءة أكسبتني ثوب الحياء الإسلامي .. والحجاب حارسي الشخصي
ـ هذا المشهد أصابني بالرعشة .. وتلك الواجبات الأكثر معنى في حياتي

"ابقي بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم".. بهذه الكلمات أنهت رالوكا زينجا تدوينة طويلة تختتم بها حديثها عن العيش في المملكة العربية السعودية لمدة 6 أشهر برفقة زوجها الإيطالي والتر زينجا المقال من تدريب فريق النصر الأول لكرة القدم.

رالوكا - الرومانية العاشقة للرياض وأهلها – توجهت في مقالها الأخير وباللغة الإنجليزية إلى جميع متتبعي تدويانتها في رسالة وداع مؤثرة أثنت فيها كثيرا على التجربة السعودية القصيرة، وأهم المكتسبات التي ظفرت بها بعد العيش بين أظهر المسلمين مثنية على كل ما حظيت به من كرم، وحفاوة في الاستقبال، وراحة نفسيه بالعيش في جو إسلامي متكامل.

وخلال التدوينة، عرجت رالوكا بالحديث على الكثير من القضايا، ووصف الكثير من الأماكن الشعبية والتاريخية في الرياض، وانتهت بالحديث عن السبب الذي دفع نادي النصر إلى الاستغناء عن زوجها بعد 6 أشهر فقط من تعيينه مديرا فنيا للنادي العاصمي.

وحرصا على نقل الصورة كاملة آثرنا في "قووول أون لاين"، أن نقوم بنقل التدوينة كاملة للقارئ الكريم.

النص:

قررت أن أكتب هذا المقال باللغة الإنكليزية تكريما لقرائي العرب (أعرف مسبقا أن قرائي الرومان لن يكون لديهم مشكله في فهم المقال)، فالفراق محزن خصوصا وأن التجربة لم تكن طويلة.


فبعد 6 أشهر من العيش في الرياض أجرأ علي القول بأن تجربة الحياة هنا كانت الأروع خلال حياتي. الكثيرون لا يصدقون ذلك، ولكني ما أزال أشعر أني بالفعل أشعر بالانتماء إلى هذا المكان وكأنه وطني، وتكيفت على المعيشة هنا بشكل لا يصدق. وحتى هذا اليوم ما زلت أقول لنفسي بأني أستطيع أن أعيش هنا إلى الأبد .. أستطيع أن أعيش في هذه الأرض الرملية الصلبة والقاحلة.

في السعودية شعرت بالأمان وأنا أعيش في مجتمع محافظ، وأكسبتني عباءتي ثوب الحياء الإسلامي وأنا أندمج مع المجتمع في عاداته وتقاليده، وكان الحجاب حارسي السري. اندمجت مع المجتمع بشكل كامل وكما أريد من أجل أن أفهمه بشكل كامل بعيدا عن الانطباعات المسبقة.

لم آت إلى هنا دون معلومات، فقد تعمقت في دراسة تاريخ الجزيرة العربية والسعودية ولغتي العربية ليست بذلك السوء، وبالتأكيد كنت ككثيرين أتخوف من الإسلام.

في الرياض لم أشعر للحظة بالضيق أو العزلة، كان شغلي الشاغل يوميا هو أن أعيش في الرياض، وأن أتنقل بين الناس لأتعرف على عالمي الجديد.


إلا أن هناك لحظة لا يمكن أن أنساها خلال تواجدي في الرياض، وهي زيارتي لساحة العدل للمرة الأولى، ففي زيارتي الأولى لساحة العدل (الساحة الكبيرة بين قصر المصمك والمسجد الكبير في الديرة – عند مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تجرأت أنا وصديقتي على الدخول إلى تلك المنطقة والتي طالما اعتقدنا بأنها منطقة محرمة علينا، وجلسنا على كرسي نراقب غروب الشمس وهو ينهدل على الرياض ليكسبها لونا ورديا سلسا، اشترينا كأسي شاي وقطع حلوى من خلال الشباك الصغير المخصص للنساء.

في البداية شعرنا بنوع من الخوف والريبة، ولكن لم نلبث أن تنبهنا فبعباءتينا الطويلتين ووجوهنا المنقبة لم نكن إلا كأي سيدتين تنتظران انتهاء الصلاة لتكملا التبضع فشعرنا بطمأنينة مفاجئة.

في هذه الأثناء، شعرت وكأن الوقت قد توقف وأحسست بأن هذا المكان هو المكان الوحيد الذي لن تسرقه الحداثة والحياة المعاصرة، فالناس هم الناس والمشاهد هي المشاهد كما كانت منذ القدم وكما ستكون لأي شخص قادم من المستقبل، فهاهو الرجل العجوز في ثوب ملون يلبس ثوبا وشماغا أحمر يتدلى على كتفيه وبيده سبحته يتجه لأداء الصلاة، والنساء يلاعبن أطفالهن بأيديهن المغلفة بالسواد وعباءاتهن تتطاير مع هبوب النسمات وكأنها أشرعة السفن ليبدو ظلهن غريبا.


لحظات من الصمت، بددها صوت المؤذن في الجامع الكبير في الرياض، وبدأ الصوت في السير بكل اتجاه وكأنه سقط من السماء لتلتقط أصداؤه الأماكن الخالدة ويتخلد على جدرانها.

لحظات أخرى، وانضم بقية المؤذنين لمؤذن الجامع الكبير، جسمي يرتعش وخفقات قلبي تزداد، لحظات الصمت تعود من جديد ومرة أخرى تبدأ الإقامة ويمتلئ الكون بذكر الله.

نظرت في عيني صديقتي الجميلتين من خلال نقابها، فرأيتها تبتسم وعيناها تقولان لست وحدك من يرتعش جسمك ويخفق قلبك.

سقط علينا الليل، وتزين المكان بلون الذهب وانبعث اللون الأصفر من عواميد الإنارة الطويلة .. اختلطت مشاعري وتداخلت أحاسيسي بين المكان والزمان، وللحظة تمنيت أن أقبض على هذه اللحظة من حياتي بأصابعي لأخلدها ولا أفقد جمال نهايتها أو تضيع من ذاكرتي.

أحد الهوايات المحببة لدي في الرياض، كان التجول والشراء من داخل الأسواق القديمة، صحيح أن الواجهات تبدو منهارة إلا أنها من الداخل عالم لامع من الكنوز الصغيرة، ففي الداخل توجد محلات العطارة والتوابل والعطور العربية والزيوت المعطرة، والبخور والمباخر الخشبية والنحاسية.

أخذنا السرور في الشراء، فاشترينا الفساتين السعودية التقليدية التي من شأنها أن نرتديها تحت العباءات، ومررنا على سوق الذهب وأشرقت أعيننا بفرح في أسواق الذهب ونحن نرى القطع المعروضة، ومنها حلي الأعراس التقليدية والتي تجعل رأس الفتاة يبدو وكأنها تقطر ذهبا، وعملات معدنية، جواهر مع مجموعات من الأقراط، ورزمة من الأساور.


خلال أوقات الانتظار بين الصلوات، تعلمنا أن نجلس على الأرض كباقي المتسوقات، وأن نتربع على سجادة الصلاة، ونأكل الشاورما والفطاير اللذيذة الساخنة كفطاير اللبنة وعش البلبل مع الشاي بالنعناع، هذه الوجبة بالنسبة لي كانت الوجبة الأكثر معنى في حياتي.

كان من السهل الدخول في حوار مع النساء في السعودية، وذلك باحترام مشاعرهن وتقاليدهن، فكنت كلما رأيت شيئا جميلا أسارع إلى القول ما شاء الله، وكنت أقول لهن بأن بنتي اسمها سميرة، وكذلك في طريقة ارتدائي للحجاب كتعبير عن احترامي لعاداتهن وتقالديهن حتى وأنا غير مسلمة.

في السعودية، وجدت المرأة المتعلمة العاملة، ووجدت ربة المنزل المتفانية، ووجدت المرأة الجامعة للصنفين، الكثير عزمنني لمنازلهن لشرب الشاي والتحدث عن الأفراح المقبلة أو العزائم العائلية في الثمامة أو لأكل المندي المطهي في الحفر المدفون في التراب.

كعاشق مغصوب على فراق حبيبته، كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى كل مكان جميل تعلق به قلبي في الرياض لأودعه، لذا كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى الدرعية عاصمة نجد الأولى ونقطة تجمع القبائل العربية تحت قيادة آل سعود، فذهبت لزيارة أطلال الدرعية مستمتعة بغروب الشمس الجميل على جدران قصر سلوى في منظر خالد .

زيارة أخيرة الى البطحاء، حيث أزمة المرور لا تنتهي، هنا يلتقي العالم في قلب الشرق الأوسط: الهنود، الباكستانيون، العرب، السعوديون، اليمنيون، فكل الناس يتزاحمون على الأرصفة وبين العربات، من النادر جدا أو المستحيل أن تشاهد غربيا في هذا المكان، ولعل وجود النساء هنا يعد مغامرة كدخول مترو الأنفاق في ساعات متأخرة من الليل في العواصم الغربية إلا أن حصولي على طبق "براذاز" و"قلاب جامون" طازج من مطعم باكستاني لا يكاد يرى في أحد الأزقة يستحق كل هذه المغامرة.

وأخيرا، حدائق المربع، وساحات المتحف الوطني لعلها آخر المرات التي أرى فيها أسر عربية في نزه يفترشون الأرض ويلهون مع أطفالهم بسلام.

جولة تسوق أخيرة في أسواق الأندلس، حيث من الممكن أن تجدي أي شيء ابتداء من العود وحتى أحدث التصاميم المقلدة لأهم بيوت الأزياء في العالم .

خلال حديثي هذا لم أقصد أن أطيل على القارئ الكريم، ولكن لم أستطع أن أمسك نفسي عن الكتابة والتعبير عن مشاعري وعن تجربتي في العيش في الرياض، الكثير سيقولون وما أدراك أنت عن الرياض وأنت لم تعيشي هنا إلا 6 أشهر، ولعلك أيضا قضيتيها داخل المجمع السكني الذي يقطنه بالتأكيد غربيون إلا أنني أعتقد بأنني خلال الأشهر الـ6 وصلت وتعلمت جوهر هذه البلاد وأحببت هذه البلاد حتى آخر لحظة.
في السعودية شعرت بالأمان .. و6 أشهر كانت الأروع في حياتي
ـ العباءة أكسبتني ثوب الحياء الإسلامي .. والحجاب حارسي الشخصي
ـ هذا المشهد أصابني بالرعشة .. وتلك الواجبات الأكثر معنى في حياتي

"ابقي بخير يا أيتها الأرض الطاهرة .. وإلى لقاء قادم".. بهذه الكلمات أنهت رالوكا زينجا تدوينة طويلة تختتم بها حديثها عن العيش في المملكة العربية السعودية لمدة 6 أشهر برفقة زوجها الإيطالي والتر زينجا المقال من تدريب فريق النصر الأول لكرة القدم.

رالوكا - الرومانية العاشقة للرياض وأهلها – توجهت في مقالها الأخير وباللغة الإنجليزية إلى جميع متتبعي تدويانتها في رسالة وداع مؤثرة أثنت فيها كثيرا على التجربة السعودية القصيرة، وأهم المكتسبات التي ظفرت بها بعد العيش بين أظهر المسلمين مثنية على كل ما حظيت به من كرم، وحفاوة في الاستقبال، وراحة نفسيه بالعيش في جو إسلامي متكامل.

وخلال التدوينة، عرجت رالوكا بالحديث على الكثير من القضايا، ووصف الكثير من الأماكن الشعبية والتاريخية في الرياض، وانتهت بالحديث عن السبب الذي دفع نادي النصر إلى الاستغناء عن زوجها بعد 6 أشهر فقط من تعيينه مديرا فنيا للنادي العاصمي.

وحرصا على نقل الصورة كاملة آثرنا في "قووول أون لاين"، أن نقوم بنقل التدوينة كاملة للقارئ الكريم.

النص:

قررت أن أكتب هذا المقال باللغة الإنكليزية تكريما لقرائي العرب (أعرف مسبقا أن قرائي الرومان لن يكون لديهم مشكله في فهم المقال)، فالفراق محزن خصوصا وأن التجربة لم تكن طويلة.


فبعد 6 أشهر من العيش في الرياض أجرأ علي القول بأن تجربة الحياة هنا كانت الأروع خلال حياتي. الكثيرون لا يصدقون ذلك، ولكني ما أزال أشعر أني بالفعل أشعر بالانتماء إلى هذا المكان وكأنه وطني، وتكيفت على المعيشة هنا بشكل لا يصدق. وحتى هذا اليوم ما زلت أقول لنفسي بأني أستطيع أن أعيش هنا إلى الأبد .. أستطيع أن أعيش في هذه الأرض الرملية الصلبة والقاحلة.

في السعودية شعرت بالأمان وأنا أعيش في مجتمع محافظ، وأكسبتني عباءتي ثوب الحياء الإسلامي وأنا أندمج مع المجتمع في عاداته وتقاليده، وكان الحجاب حارسي السري. اندمجت مع المجتمع بشكل كامل وكما أريد من أجل أن أفهمه بشكل كامل بعيدا عن الانطباعات المسبقة.

لم آت إلى هنا دون معلومات، فقد تعمقت في دراسة تاريخ الجزيرة العربية والسعودية ولغتي العربية ليست بذلك السوء، وبالتأكيد كنت ككثيرين أتخوف من الإسلام.

في الرياض لم أشعر للحظة بالضيق أو العزلة، كان شغلي الشاغل يوميا هو أن أعيش في الرياض، وأن أتنقل بين الناس لأتعرف على عالمي الجديد.


إلا أن هناك لحظة لا يمكن أن أنساها خلال تواجدي في الرياض، وهي زيارتي لساحة العدل للمرة الأولى، ففي زيارتي الأولى لساحة العدل (الساحة الكبيرة بين قصر المصمك والمسجد الكبير في الديرة – عند مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تجرأت أنا وصديقتي على الدخول إلى تلك المنطقة والتي طالما اعتقدنا بأنها منطقة محرمة علينا، وجلسنا على كرسي نراقب غروب الشمس وهو ينهدل على الرياض ليكسبها لونا ورديا سلسا، اشترينا كأسي شاي وقطع حلوى من خلال الشباك الصغير المخصص للنساء.

في البداية شعرنا بنوع من الخوف والريبة، ولكن لم نلبث أن تنبهنا فبعباءتينا الطويلتين ووجوهنا المنقبة لم نكن إلا كأي سيدتين تنتظران انتهاء الصلاة لتكملا التبضع فشعرنا بطمأنينة مفاجئة.

في هذه الأثناء، شعرت وكأن الوقت قد توقف وأحسست بأن هذا المكان هو المكان الوحيد الذي لن تسرقه الحداثة والحياة المعاصرة، فالناس هم الناس والمشاهد هي المشاهد كما كانت منذ القدم وكما ستكون لأي شخص قادم من المستقبل، فهاهو الرجل العجوز في ثوب ملون يلبس ثوبا وشماغا أحمر يتدلى على كتفيه وبيده سبحته يتجه لأداء الصلاة، والنساء يلاعبن أطفالهن بأيديهن المغلفة بالسواد وعباءاتهن تتطاير مع هبوب النسمات وكأنها أشرعة السفن ليبدو ظلهن غريبا.


لحظات من الصمت، بددها صوت المؤذن في الجامع الكبير في الرياض، وبدأ الصوت في السير بكل اتجاه وكأنه سقط من السماء لتلتقط أصداؤه الأماكن الخالدة ويتخلد على جدرانها.

لحظات أخرى، وانضم بقية المؤذنين لمؤذن الجامع الكبير، جسمي يرتعش وخفقات قلبي تزداد، لحظات الصمت تعود من جديد ومرة أخرى تبدأ الإقامة ويمتلئ الكون بذكر الله.

نظرت في عيني صديقتي الجميلتين من خلال نقابها، فرأيتها تبتسم وعيناها تقولان لست وحدك من يرتعش جسمك ويخفق قلبك.

سقط علينا الليل، وتزين المكان بلون الذهب وانبعث اللون الأصفر من عواميد الإنارة الطويلة .. اختلطت مشاعري وتداخلت أحاسيسي بين المكان والزمان، وللحظة تمنيت أن أقبض على هذه اللحظة من حياتي بأصابعي لأخلدها ولا أفقد جمال نهايتها أو تضيع من ذاكرتي.

أحد الهوايات المحببة لدي في الرياض، كان التجول والشراء من داخل الأسواق القديمة، صحيح أن الواجهات تبدو منهارة إلا أنها من الداخل عالم لامع من الكنوز الصغيرة، ففي الداخل توجد محلات العطارة والتوابل والعطور العربية والزيوت المعطرة، والبخور والمباخر الخشبية والنحاسية.

أخذنا السرور في الشراء، فاشترينا الفساتين السعودية التقليدية التي من شأنها أن نرتديها تحت العباءات، ومررنا على سوق الذهب وأشرقت أعيننا بفرح في أسواق الذهب ونحن نرى القطع المعروضة، ومنها حلي الأعراس التقليدية والتي تجعل رأس الفتاة يبدو وكأنها تقطر ذهبا، وعملات معدنية، جواهر مع مجموعات من الأقراط، ورزمة من الأساور.


خلال أوقات الانتظار بين الصلوات، تعلمنا أن نجلس على الأرض كباقي المتسوقات، وأن نتربع على سجادة الصلاة، ونأكل الشاورما والفطاير اللذيذة الساخنة كفطاير اللبنة وعش البلبل مع الشاي بالنعناع، هذه الوجبة بالنسبة لي كانت الوجبة الأكثر معنى في حياتي.

كان من السهل الدخول في حوار مع النساء في السعودية، وذلك باحترام مشاعرهن وتقاليدهن، فكنت كلما رأيت شيئا جميلا أسارع إلى القول ما شاء الله، وكنت أقول لهن بأن بنتي اسمها سميرة، وكذلك في طريقة ارتدائي للحجاب كتعبير عن احترامي لعاداتهن وتقالديهن حتى وأنا غير مسلمة.

في السعودية، وجدت المرأة المتعلمة العاملة، ووجدت ربة المنزل المتفانية، ووجدت المرأة الجامعة للصنفين، الكثير عزمنني لمنازلهن لشرب الشاي والتحدث عن الأفراح المقبلة أو العزائم العائلية في الثمامة أو لأكل المندي المطهي في الحفر المدفون في التراب.

كعاشق مغصوب على فراق حبيبته، كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى كل مكان جميل تعلق به قلبي في الرياض لأودعه، لذا كان لابد لي من زيارة أخيرة إلى الدرعية عاصمة نجد الأولى ونقطة تجمع القبائل العربية تحت قيادة آل سعود، فذهبت لزيارة أطلال الدرعية مستمتعة بغروب الشمس الجميل على جدران قصر سلوى في منظر خالد .

زيارة أخيرة الى البطحاء، حيث أزمة المرور لا تنتهي، هنا يلتقي العالم في قلب الشرق الأوسط: الهنود، الباكستانيون، العرب، السعوديون، اليمنيون، فكل الناس يتزاحمون على الأرصفة وبين العربات، من النادر جدا أو المستحيل أن تشاهد غربيا في هذا المكان، ولعل وجود النساء هنا يعد مغامرة كدخول مترو الأنفاق في ساعات متأخرة من الليل في العواصم الغربية إلا أن حصولي على طبق "براذاز" و"قلاب جامون" طازج من مطعم باكستاني لا يكاد يرى في أحد الأزقة يستحق كل هذه المغامرة.

وأخيرا، حدائق المربع، وساحات المتحف الوطني لعلها آخر المرات التي أرى فيها أسر عربية في نزه يفترشون الأرض ويلهون مع أطفالهم بسلام.

جولة تسوق أخيرة في أسواق الأندلس، حيث من الممكن أن تجدي أي شيء ابتداء من العود وحتى أحدث التصاميم المقلدة لأهم بيوت الأزياء في العالم .

خلال حديثي هذا لم أقصد أن أطيل على القارئ الكريم، ولكن لم أستطع أن أمسك نفسي عن الكتابة والتعبير عن مشاعري وعن تجربتي في العيش في الرياض، الكثير سيقولون وما أدراك أنت عن الرياض وأنت لم تعيشي هنا إلا 6 أشهر، ولعلك أيضا قضيتيها داخل المجمع السكني الذي يقطنه بالتأكيد غربيون إلا أنني أعتقد بأنني خلال الأشهر الـ6 وصلت وتعلمت جوهر هذه البلاد وأحببت هذه البلاد حتى آخر لحظة.


بعد كل هذا .. عمرا مديدا أيها المملكة .. سنعود يوما ما .. إن شاء الله""

كبيرة السعودية دام عزك ياوطني ..........


2
502

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نفس مطمئنه
نفس مطمئنه
ياقلبي عليك كم مره عدتيه
عدلي الموضوع
ويعطيك العافيه ويارب يمن عليها بالاسلام
وصف رائع منها ماشالله
بنت التوباد
بنت التوباد
الله يفتح على قلبها وينوره بنور الايمان
من سوء حظها ان زوجها راح لنادي الفقر مع احترامي لمشجعيه

ياليتها جلست اكثر يمكن يصير شي الله اعلم
كلامها بيزعل ربعنا اللي مضيقهم الحجاب
بارك الله فيك ياصاحبة ال سمو