مراحل الجهاد في سبيل الله( 51 )

ملتقى الإيمان

===== الفرع الأول المرحلة المكية =====
مرت بالبشرية فترة انقطع فيها الوحي، وطُمست معالم الرسالة، وانتشرت راية الشرك والظلم والطغيان، فاختلَّت الموازين والقيم، وبدا الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق.
وأصبح القوي هو الآمر الناهي، والضعيف المنفِّذ المطيع، وكثرت المصائب والفتن والحروب، وغدت الأرض – على سَعَتها – كسجن ضاق بأهله.
وكانت البشرية في غاية الضرورة لهداية إلهية تنقذها ممّا حل بها من بؤس وشقاء، فقد حُرِّفت الكتب السماوية السابقة وكتم أهلها الحق الذي بقي عندهم، وألبسوه بالباطل، فاستحقوا لعنة الله وغضبه.
وكان العرب في الجزيرة العربية أشد أهل الأرض جهلاً وأعظمهم فرقة وتناحراً، كما كانوا معرَّضين لغزو الفرس والروم والأحباش.
وكان اليهود في يثرب ( المدينة المنورة ) يؤججون نار الحقد بين الأوس والخزرج الذين لم يلقوا السلاح عن عواتقهم طول حياتهم، كما كانوا – أي اليهود – يهدّدون الأوس والخزرج بأن نبياً منهم – أي من اليهود – سيبعث قريباً وسيقضون به عليهم.
وفي هذه الفترة ولد محمد صلى الله عليه وسلم، ومات أبوه، وهو في ببطن أمه، ثم توفيت أمه آمنة قبل أن يبلغ سبع سنين، وكفله جده عبد المطلب الذي توفي وعمر محمد صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، ثم انتقلت كفالته صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب الذي طالت به الحياة إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من عمره، فكان يحميه ويدافع عنه أذى قريش، ولكنه لم يدخل في الإسلام، بل مات على الشرك، ولله حكمة في ذلك وفي غيره.
حُبِّب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة الخَلاَء، فكان يخلوا بغار حراء يتعبد فيه، ثم جاءه جبريل بسورة اقرأ فنبَّأه الله بها، ثم يعد ذلك أنزل الله عليه سورة المدَّثِّر: ( يا أيها المدَّثِّر، قم فأنذِر، وربَّك فكبِّر، وثيابَك فطهِّر، والرُّجْزَ فاهجر، ولا تَمْنُنْ تستكثرْ، ولربِّك فاصبر ) أمره الله بالتبليغ فقام صلى الله عليه وسلم بما أمره به ربه سبحانه.
====== الدعوة سرا =========
وكان صلى اله عليه وسلم في أول الأمر يدعو إلى ربه سراً مَنْ يظن أنه يستجيب له، فاستجاب له أبو بكر رضي الله عنه، وأخذ يؤازره في الدعوة إلى الله، واستجاب لدعوة أبي بكر عثمان بن عفان، وطلحة بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص.
وكانت خديجة رضي الله عنها من السابقين إلى الإسلام، كما بادر إلى الإسلام على بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان ابن ثمان سنوات، وزيد بن حارثة.
ودخل الناس واحداً واحداً في الإسلام وقريش لا تنكر ذلك .
=============== الجهر بالدعوة ===============
ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة: ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين ) ، وأن يبدأ بعشيرته الأقربين: ( وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتَّبعك من المؤمنين ) ( وقل إني أنا النذير المبين ) .
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفياً، ثم أعلن في الرابعة، فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، ولهم الجنة، فلم يجد أحداً ينصره ولا يجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم، فإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب، فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد، ويؤذونه ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك، وهو يدعوهم إلى الله ويقول: اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا ) .
ولقد كان الله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة الحكيمة والموعظة اللطيفة والمجادلة بالتي هي أحسن، ويأمره بالصبر، وينهاه عن الأسف والحزن على أولئك القوم الذين يريد لهم السعادة الأبدية، وهم يأبون إلا الشقاء والخسارة، ويطمئنه بأنه معه ومن كان الله معه فالعاقبة له: ( ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تَكُ في ضَيْق ممَّا يمكرون، إن الله مع الذين اتَّقوا والذين هم محسنون ) .
وأمره تعالى أن يبلِّغ الناس أنه جاءهم بالحق لهدايتهم، وأن من استجاب له فقد اهتدى وفائدة اهتدائه عائد إليه، ومن أبى فقد سلك سبل الضلال وعاقبة ضلاله عليه، وأنه – أي الرسول صلى الله عليه وسلم – ليس وكيلاً عليهم فلا يملك أن يهدي الضال إذا لم يهده الله، ثم أمره الله أن يتَّبع وحي الله في ذات نفسه، ويصبر على أذى قومه حتى يحكم الله: ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضلَّ فإنما يضلُّ عليها وما أنا عليكم بوكيل، واتَّبع ما يُوحَى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) .
وأمره الله بالتذكير وحصر مهمته في ذلك، وأخبره بأنه ليس مسيطراً على القوم، أي ليست هدايتهم بيده، وأن حسابهم على الله تعالى: ( فذكِّر إنما أنت مذكِّر، لست عليهم بمسيطر إلا من تولَّى وكفر، فيعذبه الله العذاب الأكبر، إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) .
0
457

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️