ماذا إذا صحوت في الصباح ونظرت إلى المرآة، وكان طفلك قد هشم تلك المرآة فتركها كما تبدو في الأفلام ذات زوايا ومركز، تنظر فيها فترى وجهك مشوها تماما، وكأنه لم يكن أبدا وجهك، ماذا لو لم تكن هذه المرآة مكسورة ـ سليمة يعني ـ ولكنك ترى فيها وجهك منبعجا، مشوها، مضطربا، شكله مختلف وملامحه غريبة. إذن فعليك إذا تكرر الأمر أن تحدد عما إذا كنت تعاني من ذلك المرض الخفي:(اضطراب تشوه صورة الجسد) واختصاره المتعارف عليه علميا بين أطباء النفس هو BDD Body Dysmorphic Disorder
إن ملايين الناس يعانون من هذا الوسواس السري .
الناس توسوس بشكلها وكيف يبدون للآخرين. إنهم واثقون ان شكلهم غير مريح وربما كان مفزعا، يحس الشخص مثلا أن أنفه كبيرة جدا، وقد تحس المرأة أن صدرها صغير إلى حد مقلق، أو أن جلدها مليء بالبقع والنمش، وأن شعرها خفيف وعلى وشك السقوط، أو إن هيئة الجسم وقوامه غير متناسق، بمعنى إن أي جزء أو عضو من الجسم يصبح بين يوم وليلة المحور الذي يركز عليه المريض، بمعنى أن يصبح همه، بل يصبح جزء الجسد هذا هو كل الهم ؟.. وربما يصيح الأخ أو زميل العمل لمَ أنت حائرة، لم أنت قلقة، أنت في منتهى الجمال، أنت جميلة وملامحك وقسماتك لطيفة ولا غبار على مظهرك وهيئتك، لكن الكلام سهل لا يزيل الهم ولا يمحو الوسواس، فالذي يعاني من هذا الاضطراب يتألم لأن الآخرين لا يحسون به .
المشكلة في الداخل لكنها تظهر على الجسد ومن ثم يتعذب الانسان وفي كثير من الأحيان يحاول الانتحار .
بعيدا عن المرض والاضطراب كل منا يهتم بشكله، طبعا بنسب مختلفة نهتم بمظهرنا ونسعى إلى تحسينه دائما. في دراسة علمية حديثة تم مسح 30000 شخص في إحدى الولايات الأمريكية وجد أن 93 % من النساء و 82 % من الرجال يهتمون بمظهرهم ويعملون على تحسينه .
وفي دراسة أخرى تبين إن الكثير من الناس غير راضين عن نواح معينة في مظهرهم، فتقول الست مثلا: ( أنا لا أبدو جذابة بالقدر الكافي). ويقول الرجل (أنا لست أنيقا فالكل ـ تقريبا ـ يريد بشرة ناعمة، وعينين زرقاويتين أو سوداويتين ساحرتين، لا نريد كرشا ظاهرا أو أردافا ممتلئة ، تضع المرأة المكياج، تشتري ثيابا مثيرة، تخطو كعارضات الأزياء خطوة القطة أمام المرآة، تنظر بطرف عينها إلى قوامها وفستانها وتحاول رسم صورة إلى جسدها كله، ولهذا فان المرايا الطويلة تقبع في الزوايا وعلى صدور غرف النوم .
ذات الشعر الأكرت ترد شعرا ناعما، والأوربية الشقراء تريد شعرا أكرت مجعد، والطرفان يدفعان بسخاء حتى يتغير لون الشعر وحتى يتزين الرأس، لكن لكل هذه الهموم التي تبدو طبيعية حدود، بمعنى أنها تقف على حافة الوسواس .
الإنسان العادي تظهر عليه بعض الأعراض، لكن كل الأعراض، كلها تساور المريض بالـ BDD .
هؤلاء المرضى مشغولون ليل نهار بشكلهم يقلقون بإفراط، وللأسف فانهم محاصرون ـ ليس لديهم اختيار. فهم حقا يرغبون في ألا يقلقوا أبدا لكنهم لا يستطيعون، البعض يعترف انه موسوس والكل يعاني. إن الانشغال المرضي بشكل الإنسان يتسبب في ألم نفسي كبير يعكر صفو الحياة.
هذا المرض قد لا يبدون مرضا للناس، فالمصابين به يستمرون في حياتهم العملية بشكل عادي، على الرغم من قلقهم واضطرابهم ، ولا يعلم أحد حولهم أنهم تعساء.
سوزانا بنت في منتصف العقد الثاني من عمرها ، تقلق بشدة على نمش بسيط ظهر على وجهها وتقلق أكثر لصغر حجم ثديها، تأخرت عن عملها بسبب إصرارها على التدقيق في وجهها أمام المرآة، بحثا عن طريقة لإخفاء النمش البسيط الذي قد يبدو فعلا جميلا ومناسبا لها، تلى ذلك اعتذارها عن حضور حفلات ومناسبات عامة لأنها أحست بأن ( شكلها وحش) ومع ذلك فلها أصدقاء كثر، وتؤدي وظيفتها على ما يرام.
إن قلق هؤلاء المضطربين يبدو غريبا على الناس العادية؟ ويسألون لم هي منزعجة لحال شعرها، وهو الذي يبدو جميلا ؟.. ولمَ تنزعج الزوجة لوجود بعض التجاعيد ـ لزوج تقدم في السن ـ ولا تأبه لتعليق زوجها بخصوص أناقتها وروعتها ككل دون التركيز
فقط – على تجاعيد الرقبة ؟!..
لكن الكلام سهل ولا يحل المشكلة ولا يعالجها.
في العيادة النفسية في شمال إنجلترا دخل شاب عمره 21 سنة قال بالحرف الواحد: "إن هذا الوسواس هو التعذيب الكامل والمحكم" .أني افضل العمى أو إن تبتر ذراعاي. سأكون سعيدا إذا ما أصبت بالسرطان، لأنني لن أكون وحيدا كما أنا الآن. سيدرك الناس أنني مصاب ومريض فعلا، وسيهتمون بي وسأتمكن من محادثتهم وسيتفهمون لكنني الآن وبهذا الشكل وبهذا التفكير معذب تماما ".
هؤلاء الناس يعالجون، ويرتاحون، ويرتاح أصدقاؤهم وأهلهم وأحباؤهم، الذين ما برحوا يطمئنونهم ويحملون لهم المرايا في كل اتجاه ـ دون فائدة. وقد يندفع الأهل إلى دفع مبالغ لإجراء جراحات تجميل غير ضرورية، وأحيانا لا يدرك المريض ولا يدرك أحباؤه أين تكمن المشكلة، وقد يعتقدون أن الأمر محض اكتئاب وانعزال وخوف من مواجهة الآخرين .
لكن إذا ما صارح المريض أو المريضة أحد أقربائه سيكون محرجا للغاية ـ ببساطة لأن هذا الاضطراب الجسدي غير شائع وغير معروف. إنه اضطراب مثير للاهتمام يجب أن يخرج إلى النور. حتى يعرف المصابون به ماذا أصابهم ، فالكثيرين قد يستمدون من معاناتهم في صمت، خجلة، محرجون، منعزلون وغير مفهومين.
كانت أمراه متزوجة منذ خمسين عاما لم تخبر زوجها مطلقا عن قلقها ووسواسها الشديد بخصوص مظهرها، كان ذلك بمثابة حاجز سميك وقوى بين الزوجين، فالمرأة فالمرأة تفكر وتنشغل وتنزعج كثيرا بالأمور التي تخص مظهرها وشكلها، ولم تتمكن قد من مشاركة الهم مع زوجها ويظل الأمر سرا لا يذاع ولا يباح به إلا إلى الطبيب .
وأهم سبل العلاج يعتمد على البوح لغير الطبيب لأن سرية العرض هي أهم جزء من عملية الاضطراب، لكنهم دون مساعدة لا يجرءون على الكشف عن سرهم لان الأمر ينطوي على ما يشبه (الإذلال).
وعلى خلاف ما يعتقد فإن الاضطراب موجود لا يشخصه الأطباء بسهولة، ويحتاج إلى صبر وجهد ومهارة خاصة للإجابة على أسئلة مركبة معقدة قد تستدعي بحوثا وجهدا ليس بالهين أبدا
lolo aldlo3a @lolo_aldlo3a
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
لوزانا2
•
جزاك الله خير قد سمعت عن هالمرض
الصفحة الأخيرة