مسائل في الصيام
مسألة : إذا قامت البينة أثناء النهار بدخول شهر رمضان، فهل يجب الإمساك والقضاء؟
مثال : أن يكون الذي رأى الهلال في مكان بعيد، وحضر إلى القاضي في النهار، وشهد بالرؤية.
في المسألة قولان : القول الأول : يجب الإمساك والقضاء.
أما وجوب الإمساك فلا شك فيه، ولا يعلم الشيخ فيه خلافاً، ودليله : أن النبي¢حين وجب صوم عاشوراء أمر المسلمين بالإمساك عن الصيام في أثناء النهار فأمسكوا. ولأن هذا اليوم من رمضان فهو يوم له حرمته، ولا يمكن أن تنتهك بالفطر.
أما القضاء فإنه يلزم، لأن من شرط صيام الفرض : أن ينوي قبل الفجر لأنه إذا لم ينو في أثناء اليوم صار الصائم صائماً نصف يوم، وقد قال النبي¢:ƒإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى„ فلا يجزئ، وعلى هذا فيلزمه القضاء لهذه العلة.
القول الثاني يجب الإمساك دون القضاء قال به شيخ الإسلام وتعليله :
أن هؤلاء الذين يأكلون ويشربون قبل ثبوته بالبينة كانوا يأكلون ويشربون بإذن الله، فقد أحله الله لهم، فهم لم ينتهكوا له حرمة، بل هم جاهلون يدخلون في عموم قوله تعالى :)ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا(. وبناء على قوله : لو لم تكن البينة إلا بعد غروب شمس ذلك اليوم لا يلزمهم قضاؤه. فإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً فقد صاموا ثمانية وعشرين يوماً.
وأجاب شيخ الإسلام على قولنا : ويشترط أن ينوي من الفجر :
بأن النية تتبع العلم، والله لا يكلف أحداً أن ينوي ما لا يعلم، والعلم لم يحدث إلا أثناء النهار. أي : لو أخر النية بعد العلم لا يصح صومه، ولا يكلف أن ينوي قبل أن يعلم.
والقياس : أن من أكل ظاناً غروب الشمس فتبين له أنها لم تغرب، أو من أكل شاكاً في طلوع الفجر ثم تبين أنه قد خرج فإن صومه صحيح.
ولا شك أن تعليله قوي يرحمه الله، ولكن يقال : أن من أفطر قبل غروب الشمس ظاناً غروبها، أو من أكل بعد طلوع الفجر ظاناً أن الليل باق كان عنده نية، وهي نية الصوم، فأكل في آخر النهار ظاناً أن الوقت قد انقضى، أما هؤلاء فليس عندهم نية أصلاً، ولهذا كان الخلاف في المسألتين الأخيرتين أشهر من الخلاف في المسألة الأولى.
وكون الإنسان يقضي يوماً ويبرئ ذمته عن يقين خير له من كونه يأخذ برأي شيخ الإسلام رحمه الله وإن كان له حظ من النظر.
مسألة : ما الذي يلزم الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء رمضان، والمسافر المفطر إذا قدم أثناء النهار؟
في المسألة قولان : الأول : أنه يلزمهم الإمساك والقضاء. أما الإمساك فلزوال المانع، وأما القضاء فلعدم توفر النية من أول النهار. الثاني : أنه يلزمهم القضاء دون الإمساك؛ لأن النهار في حق الحائض والنفساء غير محترم؛ إذ يجوز لهما الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً. وكذلك فإن الإمساك لا تستفيدان منه شيئاً، ولكنه مجرد حرمان لهما.
وأيضاً المسافر لأنه يجوز له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، وهذا هو الراجح.
وكذلك يلحق بهذه المسألة : المريض إذا برئ أثناء النهار.
مسألة :إذا تجدد سبب الوجوب. مثلا : إذا بلغ أثناء النهار، أو عقل أثناءه ، أو اسلم كافر :
فإنه يجب عليه إمساك بقية اليوم، ولا يجب عليه القضاء.
مسألة : إذا أفطر الإنسان لكبر أو مرض لا يرجى برؤه :
الحكم : أن يطعم عن كل يوم مسكيناً. (أما كيفية الإطعام وكميته فراجع ص:4)
أحوال المريض، ومتى يجوز له الفطر، ومتى لا يجوز :
1- إذا كان الصوم يشق عليه ويضره، كالمصاب بالكلى والسكر، فالصوم في حقه : حرام لقوله تعالى : )ولا تقتلوا أنفسكم(.
2- إذا كان الصوم يشق عليه ولا يضره : فهذا يكره صومه، ويسن فطره.
3- إذا كان لا يتأثر بالصوم ، مثل : الزكام اليسير، والصداع، وما أشبه ذلك ؛ فهذا لا يحل له الفطر.
مسألة :لو سافر من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه؟
هو كالمقيم تجب عليه الفدية، فيطعم عن كل يوم مسكيناً؛لأن الفدية لا فرق فيها بين السفر والحضر.
مسألة : إن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه :
له الفطر؛ استدلالاً بعموم قوله تعالى :)ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر( يعني فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا الآن سافر وصار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.
وقد جاءت السنة بهذا من حديث جابر رضي الله عنه : أن رسول الله¢خرج إلى غزوة الفتح فصام حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم ... فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه.
والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم كثيرة في هذا الباب.
مسألة : هل يشترط أن يفارق قريته، أو له الفطر قبل أن يفارقها؟
الصحيح : انه لا يفطر حتى يفارق قريته، لأنه لم يكن الآن على سفر، ولكنه ناو للسفر،ولذلك لا يجوز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد.
وله أن يفطر بأي مفطر شاء من أكل، وشرب، وجماع...
مسألة : ما الحكم لو أفطرتا الحامل والمرضع خوفاً على نفسيهما فقط ؟
الحامل إذا خافت على نفسها ولو لو تكن مريضة، وكذلك المرضع فإنه يجوز لهما الفطر، وعليهما القضاء . والدليل : لأن الله فرض الصيام على كل مسلم، وقال تعالى في المريض والمسافر :)فعدة من أيام أخر( مع أنهما مفطرتان بعذر. فإذا لم يسقط القضاء عمن أفطر لعذر من مرض أو سفر فعدم سقوطه عمن أفطرت لمجرد الراحة من باب أولى.
مسألة : ما الحكم لو أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على ولديهما فقط؟
عليهما القضاء والإطعام. أما القضاء فلأنهما أفطرتا، وأما الإطعام فلأنهما أفطرتا لمصلحة غيرهما، فلزمهما الإطعام. قال ابن عباس رضي الله عنه:ƒالمرضع والحبلى إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا„
مسألة : ما الحكم لو أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على نفسيهما وولديهما؟
يلزمهما القضاء دون الإطعام.
لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض والمسافر فقط، وتغليباً لجانب الأم.
مسألة : ما الحكم لو أفطر شخص لمصلحة الغير في غير مسألة الحامل والمرضع؟
مثل : أن يفطر لإنقاذ غريق، أو إطفاء حريق. فيه قولان :
الأول : يلزمه القضاء والإطعام قياساً على الحامل والمرضع.
الثاني : يلزمه القضاء فقط لأن النص إنما ورد في الحبلى والمرضع دون غيرهما.
ولكن قال أصحاب القول الأول : وإن ورد النص بذلك لكن القياس في هذه المسألة تام، وهو أنه افطر لمصلحة الغير.
في هذه الحال مثلا لأجل إنقاذ غريق هل له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟
نعم. لأن هذا الرجل أُذن له في فطر هذا اليوم ، وإذا أُذن له في فطر هذا اليوم صار هذا اليوم في حقه من الأيام التي لا يجب إمساكها.
وكذلك لو أن شخصاً احتيج إلى دمه، ولولم يتدارك هذا المريض بالدم لمات فله أن يأذن في استخراج دمه، وفي هذه الحال يفطر.
مسألة : إذا لزم الحامل والمرضع الإطعام فعلى من يجب؟
الإطعام واجب على من تلزمه النفقة. فمثلاً : إذا كان الأب موجوداً فالذي يطعم الأب؛ لأنه هو الذي تلزمه النفقة على ولده دون الأم.
مسألة : إذا جن الإنسان جميع النهار في رمضان من قبل الفجر حتى غربت الشمس : لا يصح صومه، ولا يلزمه القضاء، لأنه ليس أهلاً للعبادة، ومن شرط الوجوب الصحة والعقل.
مسألة : إذا أغمي على الإنسان جميع النهار : فلا يصح صومه، لأنه ليس بعاقل، ويلزمه القضاء، لأنه مكلف.
مسألة : إذا نام الإنسان قبل أذان الفجر، ولم يستيقظ إلا بعد الغروب، وكان ناوياً للصوم : صح صومه ولا قضاء.
مسألة : يجب في صيام الفرض تبييت النية قبل طلوع الفجر :وهذا لحديث عائشة مرفوعاً : ƒمن لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له„
وما يشترط فيه التتابع كصيام رمضان أو صيام شهرين متتابعين (كفارة) فإنه تكفي فيه النية من أوله ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النية، كمن سافر فإنه إذا عاد يجدد النية.
مسألة : ما الحكم لو قال قائل : أنا صائم غداً إن شاء الله؟
إن قالها متردداً فسدت نيته.
وإن قالها متبركاً (أي مستعيناً بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده) : صح صومه.
مسألة : صيام النفل يصح، ولو بنية من النهار. بشرط أن لا يأتي مفطراً بعد طلوع الفجر. والدليل : ƒأنه ¢دخل ذات يوم على أهله فقال : هل عندكم من شيء، فقالوا : لا، قال : إني إذن صائم„.
مسألة : ما الحكم لو قال : إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فرضي، وإن لم يكن فلا؟
في المسألة : قولان : الأول : لا يصح صومه؛ لأن قوله : (فهو فرضي) وقع على وجه التردد، والنية لا بد فيها من الجزم. الثاني :-وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- أن صومه صحيح، ولعل هذا يدخل في عموم قول النبي¢:ƒحجي واشترطي : أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيتي„. . ولأن تردده مبني على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية.
وعلى هذا ينبغي لنا إذا نمنا قبل أن يأتي الخبر في ليلة الثلاثين من شعبان أن ننوي بأنفسنا أنه إن كان غداً رمضان فنحن صائمون.
مسألة : من نوى الإفطار أثناء الصوم هل يفطر؟
نعم. والدليل قوله¢:ƒإنما الإعمال بالنيات„كما لو نوى قطع الصلاة فإنها تقطع.
المصدر :مختصر كتاب الصيام من الشرح الممتع على زاد المستقنع..
هيزوف @hyzof
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وجعله في ميزان حسناتك