(في بيت الفضيل بن عياض وعنده سفيان بن عيينة يدخل عليهما عبد الله بن المبارك)
ابن المبارك : السلام عليكم يا ابن عياض.
الفضـيل : وعليك السلام ورحمة الله. زيارة غير منتظرة. أهلاً بك يا ابن المبارك.
الفضيـل : خيراً يا ابن المبارك إن شاء الله.
ابن المبارك : أنت هنا يا ابن عيينة. الحمد لله. لقد كنت أريد أن أمر على بيتك.
الفـضيل : أدركه المطر في الطريق فألجأه إلى بيتي.
ابن عيينة : وحسبني فيه. أما أنت يا ابن المبارك فكأنك لم تبال بالمطر فرحت تتجول في الشوارع حتى ابتلت ثيابك.
الفـضيل : ابن المبارك لا يفوته شيء يا ابن عيينة. هذا غيث الرحمة أنزله الله بعدما هلك الناس.
ابن عيينة : صدقت. كان ينبغي لنا أن نتعرض لهذا الغيث كما فعل ابن المبارك.
الفضـيل : إني أراك ترتجف يا ابن المبارك. هل آتيك بثياب من عندي حتى تجف ثيابك؟
ابن المبارك : كلا لا حاجة بي إلى ذلك. إني لا أشعر بأي برد.
الفـضيل : لكنك ترتجف.
ابن المبارك : ليس من البرد أرتجف بل من شيء آخر.
ابن عيينة : من أي شيء؟
ابن المبارك : من شيء عظيم يا أخويّ. رأيت اليوم امرأ عجبّا لم أر مثله في حياتي قط.
الفضـيل : خيرا يا ابن المبارك إن شاء الله. حدثنا ماذا رأيت؟
ابن المبارك : شهدتما صلاة الاستسقاء اليوم في المسجد الحرام؟
الفضـيل : نعم كنا هناك أنا وسفيان والتمسناك فلم نرك.
ابن المبارك : وانصرفتما حين انصرف الناس؟
الفضـيل : أجل.
ابن عيينة : ما أنصرفنا إلا بعدما أجمعوا أن يعاودوا الاستسقاء من الغد.
ابن المبارك : فهل رأيتما أي أثر للمطر إذ ذاك؟
ابن عيينة : ولا قزعة سحاب.
ابن المبارك : فهل توقع أحد أن ينزل اليوم أي غيث؟
الفضـيل : لا.. ولكن رحمة الله قريب في كل حين.
ابن عيينة : وقد شاء الله أن يستجيب لهم بعدما انصرفوا من صلاتهم ودعائهم.
ابن المبارك : أجل.. كنت أقول هذا الذي قلتماه الآن لو لم أشهد ما شهدت.
الاثنـان : ماذا شهدت يا ابن المبارك. حدثنا بالله عليك.
ابن المبارك : واحسرتاه يا أخويّ.
ابن عيينة : ويحك علام تتحسّر؟
ابن المبارك : حريٌّ بكما أن تتحسرا مثلي.
الفضـيل : هذا مقام الحمد يا ابن المبارك. حريّ بنا أن نحمد الله على ما أنعم.
ابن عيينة : ألم يثلج صدرك أن الله أغاث المسلمين؟
ابن المبارك : بلى يا ابن عيينة ولكنا سُبقنا.
الفضـيل : سبقنا إلى من يا ابن المبارك؟
ابن عيينة : أفصح.
ابن المبارك : سبقنا إلى الله يا أخويّ.
ابن عيينة : إلى الله؟
ابن المبارك : أجل سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا.
الفضـيل : بالله عليك يا أخي إلا ما أفصحت.
ابن عيينة : فكفيتنا هذه الحيرة.
ابن المبارك : كنت منصرفاً مع المنصرفين من الناس مما يلي با بني شيبة إذ لمحت غلاماً أسود عليه قطعتا خيش قد أتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فكأنما علقت به عيني فلم أستطع أن أصرفها عنه.
الفضـيل : هات يا ابن المبارك أتمم.
ابن المبارك : رأيته ينسلّ من بين صفوف الناس ميمماً نحو الكعبة، فتبعته لا أدري لماذا أتبعته فوجدته يطوف مع الطائفين فأخذت أطوف معهم وأنا أراه أمامي ثم انتقل إلى أحد الأروقة فانتبذ له مكاناً خفياً فوقف فيه وأخذ يرفع يديه كأنه يدعو الله، فقلت لأعرفن سر هذا الغلام. فمشيت على أطراف أصابعي حتى وقفت خلفه دون أن يشعر بي فقد كان مستغرقاً في دعائه وابتهاله فسمعته يقول:
(ميمون)
الغــلام : إلهي ما كنت لأدعوك لولا رقة غلبتني على عبادك هؤلاء الذين خرجوا اليوم ينسفونك بألسنتهم وهم يحملون في قلوبهم ما من أجله منعتنا غيث السماء. اللهم إن اغترارهم بحلمك ورجاءهم في رحمتك قد أنسياهم الخوف من غضبك وعذابك.. اللهم فاجعل ذلك لهم لا عليهم يا واسع الرحمة يا غنيا عن العالمين. يا إلهي إني ما دعوتك لنفسي يوماً إلا استجبت لي فضلاً منك وكرماً وهأنذا أدعوك اليوم لعبادك هؤلاء من أمة نبيك وحبيبك محمد × فإن لم تستجب لي خشيت على نفسي الاغترار بأنك اصطفيتني وحدي عبدا لك من دونهم أجمعين. إلهي يا حليما ذا أناة من لا يعرف عباده منه إلا الجميل إن كنت تحبني كما أحبك فاسقهم الساعة. الساعة. الساعة.
ابن المبارك : فلم يزل يردد الساعة الساعة حتى تجلت السماء بالغمام.
الفضـيل : (هاتفاً) الله أكبر. الله أكبر. طوبى لذلك الغلام. طوبى لذلك الغلام.
ابن المبارك : ثم لمع البرق وجلجل الرعد ثم انهمر الغيث شآبيب في كل مكان.
ابن عيينة : أجل كنا ساعتئذ في الطريق إلى بيوتنا.
الفضـيل : ثم ماذا صنع الغلام يا ابن المبارك؟
ابن المبارك : جلس مكانه يسبح فما ملكت دمعي فأخذت أبكى. فكأنما سمع نشيجي فالتفت فرآني فانتفض مذعوراً كأنما لسعته عقرب ثم انطلق يعدو حتى خرج من المسجد.
الفضـيل : ويلك أتركته يفلت منك؟
ابن المبارك : كلا. فقد نهضت خلفه وتبعته أينما سار فكنت أخب إذا خب واتئد إذا تأد، وأنا أجتهد طول الوقت ألا يشعر بمكاني فما زال يدخل بي في زقاق ويخرج بي من رقاق حتى انتهى إلى دار كبيرة فانسرب في بابها المفتوح وهممت أن أدخل وراءه ولكني لم افعل إذ تبين لي أن تلك الدار هي التاجر الكبير عبد المولى المدني وقلت لنفسي يكفيني أني عرفت موضعه وكررت راجعاً حتى جئت إليكما الساعة.
الفضـيل : أحسنت إذ أتيتنا يا ابن المبارك فلا ينبغي لمثل هذا الخير أن يفوتنا.
ابن المبارك : قلت أخبركما واستشيركما في أمره.
ابن عيينة : أقلت إنه غلام أسود؟
ابن المبارك : أجل لكنه جميل الخلقة مديد القامة ولولا الخيش الذي عليه لحسبته أميراً من أمراء الحبشة.
الفضـيل : ويحك يا ابن المبارك قم بنا نذهب إليه.
ابن المبارك : الآن.
الفضـيل : نعم! خير البر عاجلة.
ابن المبارك : كلا يا ابن عياض ليس هذا بالوقت الملائم ولا يصح أن نذهب نحن الثلاثة إليه فنروّع الغلام ونطمع سيده فينا.
ابن عيينة : أجل هذا هو الرأي يا ابن عياض.
ابن المبارك : غدا سأذهب إلى دار المدني وأسأله عن غلامه هذا فانتظراني هنا بعد صلاة العصر فإني أرجو ألا أعود إليكما إلا به.
ـ 2ـ
(في دار الشيخ عبد المولى المدني)
المدني : من؟ عبد الله بن المبارك في دارنا. مرحباً بك يا أبا عبد الرحمن..أهلاً وسهلاً:
ابن المبارك : إني جئت إليك اليوم يا عبد المولى في حاجة.
المـدنـي : حاجتك مقضية يا أبا عبد الرحمن.
ابن المبارك : أحتاج إلى غلام أسود.
المـدنـي : عندي عدة منهم فاختر أيهم شئت.
ابن المبارك : دعني أراهم لأختار من بينهم.
المـدنـي : بل سأختار لك أفضلهم. (ينادي) ياقوت. تعال يا ياقوت.
ياقــوت : لبيك يا مولاي.
المـدنـي : أنظر: هذا غلام جلد محمود العاقبة أرضاه لك.
ابن المبارك : لكنه ليس بحاجتي.
المـدنـي : كأنك تريد غلاماً معيناً قد رأيته من قبل؟
ابن المبارك : نعم.
المـدنـي : صفه لي.
ابن المبارك : مديد القامة. ليس بأفطس، عليه قطعتا خيش.
المـدنـي : هذا ميمون. أين رأيته يا أبا عبد الرحمن؟
ابن المبارك : في المسجد الحرام أمس.
المـدنـي : عند صلاة الاستسقاء؟
ابن المبارك : نعم.
المـدنـي : أجل. هذا غلام صالح لا يصلي إلا في المسجد الحرام، ولكن ماذا تصنع به إنه لا يصلح لشيء.
ابن المبارك : لكني لا أريد غيره. أدعه لأراه حتى أتأكد أنه هو.
المـدنـي : (ينادي) ميمون. تعال يا ميمون.
ميـمـون : لبيك يا مولاي (يدخل).
المـدنـي : هذا هو؟
ابن المبارك : (بصوت خافت) نعم هو بعينه. أصرفه الآن.
المـدنـي : اذهب الآن يا ميمون.
ابن المبارك : بكم تبيعه لي؟
المـدنـي : كلا. هذا لا سبيل إلى بيعه يا أبا عبد الرحمن.
ابن المبارك : ولم يا عبد المولى؟
المـدنـي : قد تبركت بموضعه من هذه الدار.
ابن المبارك : فدعني أيضاً أتبرك بموضعه من داري.
المـدنـي : إن كان فيه بركة حقاً فأنا أحوج إليها منك.
ابن المبارك : بل أنا والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة أحوج إلى وجوده بيننا منك.
المـدنـي : تريدونه أنتم الثلاثة؟
ابن المبارك : نعم.. الفضيل وسفيان أرسلاني إليك لأشتريه منك.
المـدنـي : إنكم من وجوه أهل العلم والصلاح في هذا البلد، فلا يصح لي أن أبيعه لكم حتى أخبركم بما فيه من عيب.
ابن المبارك : لا بأس. نحن لا نريد منه أية خدمة أو منفعة.
المـدنـي : بل عيب آخر يعنيكم أمره أكثر مما يعني غيركم.
ابن المبارك : ماذا تعني؟
المـدنـي : إنه على صلاحه هذا شهواني لا يؤتمن على الحُرَم.
ابن المبارك : معاذ الله يا عبد المولى. لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً. لعلك إنما قلت ذلك لتصرفنا عنه.
المـدنـي : لا والله يا ابن المبارك. إن شئت دعوت لك الجارية السوداء التي دأب حينا يراودها عن نفسها حتى شكته إليّ.
ابن المبارك : هذا كلام عظيم يا عبد المولى، لا يمكن أن أصدقه أبداً فيه. لابد أنها افترت عليه.
المـدنـي : لكنه أعترف بذنبه لما كلمته، وطلب مني أن أسامحه.
ابن المبارك : لابد أن في الأمر سرّا يا عبد المولى.أما أنا فإني لا أصدق أبداً أن شيئاً كهذا يمكن أن يصدر منه.
المـدنـي : قد ذكرت لك ما فيه من عيب، فإن كنت راغباً فيه بعد فخذه مباركاً لك فيه.
ابن المبارك : جزاك الله خيراً فكم تريد فيه؟
المـدنـي : خذه بالثمن الذي اشتريته به. عشرين ديناراً.
ابن المبارك : قد قبلت.
ـ 3ـ
(ابن المبارك وميمون وهما يمشيان في الطريق)
ابن المبارك : والله يا ميمون ما فرحت في حياتي قط فرحي بك اليوم.
ميـمـون : لا تعجل بالثناء يا مولاي حتى تبلوني.
ابن المبارك : لا تدعني يا مولاي فلست بمولاك وإنما أنا أخوك.
ميـمـون : يا سيدي إنك اشتريتني فأنت مولاي.
ابن المبارك : فادعني يا سيدي إن شئت.
ميمــون : يا سيدي عندي سؤال لك.
ابن المبارك : لبيك يا حبيبي هات ما عندك.
ميمــون : إنك تحرجني يا سيدي. لا تقل لي لبيك فالعبد أولى أن يلبى من سيده.
ابن المبارك : أنت أخي يا ميمون ولست بعبدي، فقل لي ما سؤالك.
ميمــون : ما حملك على شرائي وأنا ضعيف البدن كما ترى لا أطيق الخدمة وقد كان لك في غيري سعة.
ابن المبارك : لا يراني الله أستخدمك ابداً يا ميمون، ولكني سأشتري لك منزلاً وأزوجك وأخدمك أنا بنفسي.
ميمــون : (يبكي) لا حول ولا قوة إلا بالله. لا حول ولا قوة إلا بالله.
ابن المبارك : ويحك يا أخي ماذا يبكيك؟
ميمــون : أنت لم تفعل هذا إلا وقد عرفت سري وإلا فلم اخترتني من بين أولئك الغلمان؟
ابن المبارك : ويحك ليس فيما عرفته عنك ما يدعوك إلى البكاء يا ميمون.
ميمــون : سألتك بالله إلا ما أخبرتني ماذا عرفت عني؟
ابن المبارك : عرفت أنك مجاب الدعوة.
ميمــون : سمعت دعائي أمس في المسجد الحرام؟
ابن المبارك : نعم.
ميمــون : يغفر الله لك. ما كان لك أن تسترق السمع إلى ما بيني وبين مولاي.
ابن المبارك : ويحك تلك نفحة من نفحات الله فلم تريد أن تحر منيها؟
ميمــون : لعلك قد ظننت أن الله إنما أنزل الغيث استجابة لدعائي؟
ابن المبارك : إني ما ظننت ظناً بل أيقنت.
ميمــون : اسمع يا سيدي. إني أحسبك رجلاً صالحاً. إن الله عزوجل خيره من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من قد ارتضى.
ابن المبارك : بشرتني يا ميمون. بشرك الله بالخير.
ميمــون : إلى أين يا سيدي أنت ماض بي الآن؟
ابن المبارك : إلى منزل فضيل بن عياض فهو يحب أن يراك.
ميمــون : فضيل بن عياض يحب أن يراني؟
ابن المبارك : وسفيان بن عيينة كذلك.
ميمــون : أطلعتهما أنت على سري؟
ابن المبارك : بل أخبرتهما بسر الله فيك.
ميمــون : سامحك الله. هل لك يا سيدي أن تدخل بنا المسجد أولاً فقد بقيت عليّ ركعتان من البارحة؟
ابن المبارك : إن الفضيل وسفيان ينتظراننا الآن فلو ذهبنا إليهما أولاً ثم توجهنا جميعاً إلى المسجد لصلاة المغرب؟
ميمــون : لا يا سيدي.. أمر الله لا يؤخر . وهي في المسجد أفضل.
ابن المبارك : ذلك الفرض يا ميمون. أما النفل ففي البيت أفضل.
ميمــون : ومن قال لك إنه نفل؟ إنه يا سيدي الفرض الذي لا فرض بعده.
ابن المبارك : لا فرض بعده؟ ماذا تعني يا ميمون؟
ميمــون : أعني يا سيدي لا فرض يعلو عليه.
ابن المبارك : كما تشاء يا ميمون. هلم بنا إلى المسجد. تعال ندخل من باب الباعة فهو أقرب.
ـ4ـ
(في المسجد الحرام)
ابن المبارك: انتهيت يا ميمون من ركعاتك؟
ميمــون : الحمد لله.
ابن المبارك : ألا نقوم الآن إلى دار الفضيل فإنه ينتظرنا؟
ميمــون : يا سيدي ينتظرني هنا أمر أكبر من لقاء الفضيل.
ابن المبارك : ويحك ماذا تعني؟
ميمــون : هل لك أن تحتسب العشرين دينارا التي دفعتها ثمنا لي؟
ابن المبارك : تعني أنك تريد مني أن أعتقك؟
ميمــون : كلا يا سيدي فسيعتقني الله عنك.
ابن المبارك : ويحك.. إياك أن تعني..
ميمــون : الانصراف يا سيدي.. الانصراف.
ابن المبارك : إلى أين؟
ميمــون : إلى الآخرة.
ابن المبارك : متى؟
ميمــون : الساعة.
ابن المبارك : كلا لا تفعل يا ميمون. دعني اسر قليلاً بك، واستمد من نورك، وأنل من بركتك.
ميمــون : لا مناص يا سيدي من ذلك. فما عدت احتمل هذه الحياة.
ابن المبارك : فيم يا ميمون؟
ميمــون : إنما كانت تطيب الحياة لي حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى، فأما إذا اطلعت عليها أنت وصاحباك فسيطلع عليها غيركم، فلا حاجة لي في ذلك.
ابن المبارك : لكني اريد أن انتفع منك بشيء قبل أن تنصرف إلى الآخرة.
ميمــون : ماذا تريد مني؟
ابن المبارك : أن تخبرني عن الطريق الذي سلكته إلى الله حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
ميمــون : وتسامحني في العشرين ديناراً وتحتسبها عند الله؟
ابن المبارك : لو احتسبت كل ما أملك لكان ذلك قليلاً في جنب هذا المطلب العظيم.
ميمــون : فاستمع إذن إلى قصة حياتي فستجد فيها ما تريد. كان أبي من كبار تجار البصرة. تسرى جارية له حبشية فولدتني له ومنها أخذت سواد اللون.
ابن المبارك : كأنك كنت حرّا في الأصل؟
ميمــون : ومن أسرة ذات غنى وجاه.
ابن المبارك : فهل خطفك اللصوص وأنت صغير فاسترقوك وباعوك؟
ميمــون : كلا. ما خطفني ولا استرقني ولا باعني أحد. ولكني خطفت نفسي وأنا شاب في العشرين واسترققت نفسي ثم بعت نفسي.
ابن المبارك : كيف يا ميمون؟
ميمــون : غادرت البصرة دون أن يعلم أبي أو أحد من أهلي ولحقت بمكة فاتفقت مع رجل من أهلها، فزعم أني عبد وباعني لعبد المولى المدني الذي اشتريتني منه.
ابن المبارك : وما حملك على ذلك ويحك؟
ميمــون : الرغبة في الوصول إلى الله.
ابن المبارك : بأن جعلت نفسك عبداً وأنت حر؟
ميمــون : أجل. لأقهر نفسي وأذيقها المذلة والهوان ولا أعبأ بأي شيء في الدنيا وأكون من الثلاثة الذي يدخلون الجنة أول الناس كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة.
ابن المبارك : الشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وفقير متعفف ذو عيال.
ميمــون : أجل. سمعت هذا الحديث وأنا في البصرة فقلت لنفسي لأكونن العبد المملوك الذي لا يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه.
ابن المبارك : أهذا كل ما هناك يا ميمون؟
ميمــون : كلا. كان هذا بداية الطريق أتاح لي ألواناً من المتاعب والمشاق وصنوفاً من المحن كابدتها صابرا محتسبا غير متبرم ولا متضجر، أحمد الله عليها كما يحمده غيري على النعمة والعافية. فالغلمان الذين عند سيدي كانوا يسخرون من حرصي على صلاة الجماعة في المسجد الحرام. ويحرضون السيد على منعي من ذلك حتى لا يتعطل عملي فيما يزعمون.
ابن المبارك : فهل استجاب لهم السيد؟

حواءامي @hoaaaamy
عضوة جديدة
مسرحية بعنوان الدعوة المستجابةبقلم الأديب الكبير الأستاذ: علي أحمد باكثير
0
507
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️