
في مجتمع الغواية .. حيث يباع الشرف ويشترى
قد تكون هنالك قلوباً طاهرةً أرغمت صاحباتها على إتيان الفاحشة
تنتظر معجزة تنقذها من حمأة الرذيلة ..
وهي الضعيفة المغلوبة على أمرها ...
كيف لا تكون كذلك وقد وقعت في قيد الرقّ. .. وأسر العبودية ؟!
واتخذت وسيلة لجلب المال الحرام لمالكيها ؟!
.....
فلندخل مجتمع المدينة المنورة ..
حيث كانت لاتزال رحى المعارك تدور بين الحق والباطل ..
آخذة صوراً متعددة خفية تتمثل في مواجهة المسلمين لليهود والمنافقين
الذين جاهدوا ليشوهوا صورة الإسلام ..
.....
وعلى رأس المنافقين تمثل ذلك الحاقد ..( عبد الله بن السلول )..
الذي كان يعد ملكاً متوجاً في يثرب .. ثم سلبت منه تلك المكانة
حين شع نور الإسلام في المدينة ..!
فلجأ إلى النفاق يتظاهر بالحب للإسلام والمسلمين ..
ويبطن العداوة والبغضاء ويتحالف سراً مع اليهود .
وكانت إحدى صور حقده محاولة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا .
***
امتلك عبد الله جيوباً للدعارة تضم فتيات جميلات يهوديات ومن غيرهن
وكانت بيوت الدعارة تلك تعرف وتميز بالراية الحمراء المنصوبة عليها ..
ومن بين هؤلاء الفتيات .. كانت هناك إحداهن وتدعى ( مسيكة ) ..
سمعت هذه الفتاة من أبن السلول يوماً أنه سيرصد مكافأة ..
لمن تستطيع منهن أن تغوي مسلماً وتوقع به في المعصية..
.....
- لم كل هذا الحقد يحتشد في صدر ابن السلول على الإسلام ؟!
ماالدعوة التي يضمها هذا الدين والتي أثارت فيه روح العداء الشديد؟!
بي من الأشواق مايملك عليّ أقطار نفسي في معرفة هذا الدين ..!!
.....
هكذا كانت مسيكة تحدث نفسها .. ومالبثت أن بدأت تقترب من
نساء الأنصار المسلمات.. وتسمع منهن القرآن الكريم .. فدخل نوره قلبها .
وظلت بعد ذلك تسأل عن أساس الإسلام وعن الشهادة .. وعن الذي يقترف الذنوب
وما موقف هذا الدين منه .. فسمعت مافتح أمامها أبواب الأمل في التوبة ..
عرفت أن الإنسان يجب أن لاييأس من رحمة الله ومن مغفرته..
وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب
مسيء الليل...
ولكن كيف العمل ومولاها ابن السلول لايشبع من مال ..
بل يريد منها ومن غيرها المزيد من بيع أجسادهن ..؟!
أي فرق عظيم هذا بين دعوته للغواية وجشعه ..
وبين هذه الدعوة التي ترشد إلى الخير والصلاح ؟!

كان ابن السلول يزداد غيظاً يوماً بعد يوم .. ذلك لأن موارده من دور الحرام
صارت آقل مما كانت عليه ..
قال يوماً : إن محمداً قد سلبني تاجي ومكانتي ، ثم جعل الناس ..
يبتعدون عن فتياتي لأنهن يتمسكن بتلك التعاليم التي يدعو إليها ..
لأقعدنّ له ولأكيدن لدينه مااستطعت ..!
وبقي قلبه يمور حقداً...
وينتهز كل فرصة ليوقع العداوة والبغضاء ويثير الفتن بين المسلمين واليهود.!
***
وذات يوم جاءته جماعة من سادة تميم تعود حضورهم كل عام ..
كانوا في طريق عودتهم من رحلة الشام .. وجاءوا ينشدون قضاء ايام
من المتعة قبل العودة إلى الديار ...
هؤلاء السادة كانوا ينفقون كل مرة بسخاء عند ابن السلول. ..
ولذا تراه وقد استقبلهم بأقصى الحفاوة ..
وهش لهم وبش ... وقدم الراح وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث ..
وهنا سأل أحدهم :
- أين تلك الفتاة الحسناء التي أرسلتها لنا في المرة السابقة .. ؟
- أتعني مسيكة ؟
- أجل إنها هي فلقد غاب عني اسمها وتذكرتها الآ ن..
- سأرسلها لكم حالاً ومعها غيرها ..
- عجل ياأبا الحباب ، ولا تهتم لأمر المال فسوف نجزل لك العطاء .
.....
تهلل ابن السلول فرحاً وأسرع يأمر قيّم الدار أن يهيء مسيكة وأخريات ..
لكنه فوجئ بالقيم وهو يقول :
- مسيكة تأبى ذلك الأمر ..!
- ولم تأبى ؟ ! وكيف لايكون عندي خبر بذلك ؟! سأذهب لأرى ماذا دهاها ..!
****
أسرع إلى غرفة مسيكة غاضباً ودفع الباب بقدمه.. ففوجئ بها تصلي !!
كما يصلي المسلمون ... !! فاهتاج وصرخ في وجهها :
- الويل لك .. لقد أغواك محمد فتركت دينك وحياتك وتبعت دينه !!
- بل هداني للحق ..!
عند ذلك فقد صوابه وانهال عليها ضرباً وركلاً حتى شدخ رآسها ..
ثم قال قبل ان ينصرف مهدداً: سأعيدك إلى صوابك بطريقتي ..!
***
دخل القيّم ومعه فتاة من صاحبات الراية الحمراء وامرها ان تضمد جراح مسيكة
وتظاهر بالعطف عليها وذكرها أن لسيدها الحق فيما فعل وعليها أن لاتخالفه
فقالت : والله لن أعود إلى المعصية مهما فعل بي ..!
أجاب : بل ستعودين مرغمة فاهدأي وفكري بعقلك في الأمر ..
.....
أخذت مسيكة تقلب الرأي فيما تفعل.. وأدركت أنها إن لم تجد مخرجاً
فهي هالكة لامحالة ..!!
وأخيراً حدثتها نفسها أن خير خطوة تتخذها هي المضي إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم .. وطرح المسألة أمامه ..!
***
و بعدما أرخى الليل سدوله .. ومضى الوقت ..
وانصرف ابن السلول وقيٰم دار البغاء
تاركاً بقية الفتيات مع الرجال الذين جاءوا طلباً للمتعة الحرام ..
تسللت مسيكة بحذر من الدار .. وفرت مسرعة يسترها الظلام ..
ولكن إلى أين تذهب في هذه الساعة وقد انتصف الليل ..؟
وتذكرت أن هنالك امرأة عجوز مسلمة تعيش وحدها .. وهي التي
كانت تسمع القرأن عندها فقصدتها وطرقت الباب طالبة إيوائها حتى الصباح .
....
رحبت المرأة بها وقدمت لها شيئاً لتتناوله .. ثم جلست إلى جوارها..
تواسيها وتستمع إلى فصول قصتها وماجرى عليها ..
.....
وفي الصباح مضت العجوز مع مسيكة إلى مسجد الرسول الكريم
كي تعرض عليه أمرها ..
وعند باب المسجد قابلها أبو بكر فهاله مارأى من جراحها ..

وعندما علم بخبرها دخل إلى الرسول الكريم وقص عليه الأمر ...
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مايأخذه حيث ينزل عليه الوحي..
لقد جاء من الله تعالى الحكم في أياته البينات :
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور 33
وعلمت مسيكة بما تنزل في شأنها من السماء يؤازرها...
فرفعت يديها إلى السماء وقلبها ممتلئ راحة ، وعيناها ممتلئة بدموع الشكر
وقالت :
ماأعظمك يارب وما أكرمك وما أحلمك .. !
لك الحمد ولك الشكر ..!
.....
انتشر أمر مسيكة بين الناس ، وانكشف موقف بن ابي السلول .. الذي بقي
يمشي ويقول متعجباً : محمد يبلغنا عن مملوكتنا ..!!!!
.....
لقد أنقذ الله تعالى مسيكة من هذه المحنة ، وآزر توبتها .. وذكرها القرآن الكريم
مثلاً طيباً للمرأة المسلمة حين يعمر قلبها بالإيمان وتتوب إلى الله سبحانه
فهو سبحانه غافر الذنب وقابل التوب الرحيم بعباده .
التوقيع0