مشاهد للصغار فقط..!!
بدرية البليطيح
يجلس الوالد بمجلسه المعتاد بين يديه دلة تنبعث منها رائحة القهوة العربية ممزوجة بالهيل والزعفران الذي يعصف بالحواس، فينتصب معها بداخله كل شعور توسد السكينة على أثر فلول جيوش الخمول وهي تجر أذيالها منسحبة... يستدني فنجان القهوة فيرتشفها ببطء وهو يأخذ نفساً عميقاً مستمتعاً بنكهتها اللذيذة.. ورائحتها المنعشة..
وفي زاوية المجلس العربي تلفاز صغير يجلس قبالته طفله الصغير ذو الثمانية أعوام هو أيضاً منهمك بلعبته المفضلة (البلاي ستيشن)..
تناول الوالد الورقة والقلم وأخذ يدون به عليها.. مذكراته ولكنها من نوع آخر..!! مذكرات آخر الشهر (الصادر والوارد) مع أن هذه المذكرات بالغالب يشارك بها المرأة وقد يقع عليها الجزء الأكبر منها: قسط السيارة.... .... إيجار المنزل... راتب الخادمة .....الخ.
فجأة تجتاز حبل أفكاره صرخة انطلقت من ذلك الجسد الصغير بزاوية الغرفة.. مردداً بحماس: سأقتلك حالاً... ياااا...!! خذها مني يا مجرم..
نظر لولده مذهولاً...كان واقفاً يقفز تارة ويجثو على ركبتيه تارة أخرى ويقوم بحركات غريبة لم يعهدها به.. صرخ به بكل قوة:
أجلس يا ولد...!!
التفت إليه متعجباً.. يهز كتفيه بلا مبالاة.. جلس وأكمل لعبته أو معركته...
اعتدل الوالد بجلسته موجهاً كل عقله وبصره ومداركه تجاه الطفل وكأنه غريب عنه.. يحدق برأسه الصغير الذي لا يهداً وهو يمارس حركات غريبة لا إرادية ويطلق صرخات فينتفض جسده ويستلقي على الأرض ثم يعاود الكرة.. مد بنظره لما خلف تلك الجمجمة الصغيرة مستكشفاً الأمر وهو يحدق بالشاشة ويقترب منها رويداً رويداً ويده تطمئن على وضع النظارة السميكة أمام ناظريه... كي يرى بوضوح..
كان الطفل يتحكم بحركة مقاتل مدجج بالسلاح عبر الجهاز بين يديه ويستمتع بإطلاق الرصاص بل والقنابل على من حوله مطلقاً الضحكات والقهقهات عندما تقابله أفواج من الناس ويقوم بإبادتهم جميعاً فقانون اللعبة أن يقوم بقتل أكبر عدد من الناس، وإذا قابله أحد واعترض طريقه يفرغ السلاح برأسه ويسرق سيارته... قبل مواصلة الطريق..!
ابتلع الوالد ريقه المر بصعوبة ليبلل حلقه الجاف وهو يتأمل فتاة تظهر بين حين وآخر على جانب الشاشة بلبس بحري عارٍ تشير إليه بأن يتبعها لتدله على الطريق... من خلال حركات يفهمها الصغير تارة تتراقص وتارة ترسل له باقات من الحب والهيام..
الوالد.. فاغراً فاه... والابن منهمك باللعبة دون أن يشعر بالساعات التي يقف بها وهو يصرخ...
يتقدم نحوه زحفاً على ركبتيه وكفيه..
ماهذا ياولد ....؟؟
ينظر الطفل بعفوية شريط أطفال لا تعرفه.. جديد...
من أحضره لك...؟
يضحك الطفل بعفوية أكثر... نسيت ياأبي... أنت اشتريته .؟؟
يتناول المنديل لمسح قطرات العرق على جبينه بالرغم من برودة الأجواء..
كاذب.. أنا لا أشتري هذه الأشياء... يقترب منه.. قل الحقيقة.. من أين لك .؟
أقسم بالله أنت اشتريته لي منذ أسبوعين...
يتراخى جسده... منذ أسبوعين... وأنت تلعب به..؟؟
كل يوم ألعب به هل تباريني يا أبي إنه ممتع... لن تتغلب علي... أتحداك..
تشتد لهجة الوالد..
أعطني الشريط يا قليل الأدب... يتناوله ويكسره...
الطفل يخرج غاضباً باكياً... سأقول لأمي تشتري لي غيره... هذا تمثيل ....ليس حقيقة..!!
يعود الرجل للورقة التي لم يعد ير حروفها من شدة الغضب.. فيدون..
عشرة ريالات ثمن ضياع أخلاق طفلي وعدوانيته...
إنها الأقل ثمناً... بالمصروفات..!!
ياااه..!!
كم يكلفنا هذا الثمن الزهيد...؟؟
وكم يدمر من أشياء جميلة نحتتها أيدينا بالصخر..!!مدارس خاصة.. لغات مختلفة.. مدرسين.. وبالنهاية دروس بالإجرام و.ال.......!
مني واحدة..
من والدته أخرى...
و...و...و..
يصرخ بشده...يا ولد... رجع العشرة التي أعطيتك إياها منذ قليل...!!

أماني2006 @amany2006
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

سعودية اصلية
•
من يحمي ابنائنا من اخطائنا ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!



الصفحة الأخيرة