HADOO86 @hadoo86
عضوة نشيطة
مضااار الترف على الأمه
لونبسم الله الرحمن الرحيمالترف والمترفونأيها المسلمون : نتقلب بحمد الله في نعه ، سعة في اﻷرزاق ، وصحة في اﻷبدان ، وأمن في اﻷوطان ، أتتنا الدنيا ، وانفتحت علينا اﻷبواب ، فتوسعنا في المآكل والمشارب ، والمساكن والمراكب ، وتنافسنا في جمع الدرهم والدينار ، وخلدنا إلى الدعة والترف ، نسينا أن الراحة ﻻ تنال بالراحة ، وأن الجنة حفت بالمكاره ، والنار حفت بالشهوات ،وﻻ يدرك السيادة من لزم الوسادة ، والموت في سبيل الله سعادة وشهادة ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ . قال ابن القيم رحمة الله : الخيرات و اللذات ، ﻻ تنال إﻻ بحظ من المشقة ، و ﻻ يعبر إليها إﻻ على جسر من التعب .فﻼ فرح لمن ﻻ هم له ، وﻻ لذة لمن ﻻ صبر له ، وﻻ نعيم لمن ﻻ شقاء له ، وﻻ راحة لمن ﻻ تعب له . بل إذا تعب العبد قليﻼً ، استراح طويﻼً ، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة ، نال أبد السعادة .عباد الله : إن التباهي في المﻼبس الفاخرة ، والسيارات الفارهة ، والبيوت المزخرفة ، والمبالغة في إقامة الحفﻼت والوﻻئم ، بالتكاليف الباهظة، وإن اﻹغراق في الملذات ، واﻹكثار من تناول المشتهيات ، والتوسع في مطالب الحياة ، والمبالغة في البحث عن رقيق الثياب ، وفاره الدور ، وعالي القصور ، إن ذلك كله من الترف المذموم، ولقد ذم الله المترفين ، وبين مفاسد الترف في كتابه المبين، فأخبر أن المترفين هم أعداء الرسل﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِﻻَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ وأخبر أن الترف هو سبب هﻼك اﻷمم ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ وأخبر سبحانه أن المترفين يعملون على نشر الفساد في اﻷرض ويقاومون الصﻼح، قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾قال ابن كثير رحمه الله: أي استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك ، حتى فجأهم العذاب، وأخبر الله أن الترف من اﻷسباب التي توجب دخول النار ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * ﻻَ بَارِدٍ وَﻻَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾أيها المسلمون : الترف يقضي على الرجولة والشهامة ، ويحل محلها النعومة والكسل ، والميل إلى الراحة والبطالة، وبهذا تفقد اﻷمة قوتها ، ويتغلب عليها أعداؤها ، وتسقط هيبتها .أيها المؤمنون : إن من أخطر اﻷدواء التي تودي بحياة اﻷمة ، الترف . وما أدراك ما الترف : داء عضال ، مقت ووبال ، يقتل النخوة ، يقضي على البطولة ، يخمد الغيرة ، يغرز الوهن ، يكبت المروءة ، يضعف الهمة ، يفرز جيﻼً متسكعاً ، يعيش بﻼ عقل ، ويقول بﻼ علم ، و يعمل بﻼ تفكير ، همه ما يأكله ، وقيمته ما يخرجه ، يذكر اليوم وينسى الغد ، أشباح بﻼ أرواح . والداعي هو الترف . حقوق الله تنتهك ، وحدوده تتجاوز ، وأوامره تهمل ، والداعي هو الترف . يركن إلى الظلمة ، و يحارب الله بالربا ، والداعي هو الترف ، تثقل الكواهل بالديون ، والداعي هو الترف ، سقطت فئة من شباب اﻷمة ، بأوحال المسكرات والمخدرات ، وعلى رأس اﻷسباب الترف ، امتﻸت البيوت بالخدم والسائقين ، والداعي هو الترف ، سرف شائع ، وحق ضائع ، والسبب هو الترف .عباد الله : يدخل عمر رصي الله عنه وأرضاه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير، وقد أثر في جنبه صلى الله عليه وسلم . فدمعت عين عمر. وقال يا رسول الله : كسرى وقيصر على الحرير يتنعمون، وأنت رسول الله تنام على الحصير ! فيقول صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا اﻵخرَةُ». كانت بيوته في غاية البساطة ، رغم اشتهار المدينة بالحصون العالية ، لكنه صلى الله عليه وسلم جمع همه لعمل اﻵخرة ، فكانت أبياته من جريد وطين ، يظل اليوم يتلوى من شدة الجوع ، ما يجد من الدقل ما يمﻸ به بطنه . هذا هو اﻷسوة والقدوة صلى الله عليه وسلم والسبيل سبيله ، والسنة سنته ، لم تكن الدنيا يوماً مقصده وغايته ، إنما هي بلغة ووسيلة ، يروح إذا راح في المعسرين وإن أيسر الناس لم يوسر ،أما والله ما كان يغدى عليه بالجفان وﻻ يراح ، وﻻ تغلق دونه اﻷبواب ، وﻻ تقوم دونه الحجاب ، بل يجلس على اﻷرض ، ويوضع طعامه على اﻷرض ، يلبس الغليظ ، ويركب الحمار ويردف خلفه ، ويلعق يده ، يخصف نعله ، يرقع ثوبه ، أعرض عن الدنيا بقلبه ، أمات ذكرها من نفسه ، لم يتخذ منها رياشا ، ولم يعتقدها قرارا ، لم يرج بها مقاما ، ولم يضع لبنة على لبنة ، حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه .الخطبة الثانية:هاهو أبو هريرة رضي الله عنه يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملئ بطنه ، يقول : ولقد رأيتني ، وإني ﻷخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشياً علي ، فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ، ويرى أني مجنون ، ووالله مابي من جنون ، والله ما هو إﻻ الجوع .ويقول رضي الله عنه كما في البخاري لقد رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الصفة ، ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء ، قد ربطوه في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين ، فيجمعه بيده كراهة أن ترى عورته . جاعت البطون ، وحفيت اﻷرجل ،وعريت الظهور .وهاهي فاطمة رضي الله عنها ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري أنها شكت ما تلقى من أثر الرحى ، فقد أثرت في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ، وقمت البيت حتى أثرت في هيئتها ، علها تعطى من السبي من يخدمها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم و قال لها ولعلي : أﻻ أعلمكما خيراً مما سألتماني ؟ قلنا بلى يا رسول الله . قال : «إذا أخذتما مضجعكما ، فسبحا 33 ، واحمدا 33 ، وكبرا 34 ، فهو خيرٌ لكما من خادم» فما تركاها بعد رضي الله عنهماأما مصعب بن عمير فقد كان أترف غﻼم بمكة ، كان يغدو في حلة ، ويروح في أخرى ، وتقرب إليه صحفة ، وترفع له أخرى ، الطيب يتلوه الطيب . فقد كان أعطر أهل مكة . حتى إذا ما أسلم لله واستسلم ، منع هذا كله ، وﻻقى من أمه ما ﻻقى ، ثم هاجر إلى الحبشة ،و ارتدى المرقع البالي ، خرج من النعمة الوارفة ،إلى شظف العيش والفاقة ، يأكل يوماً ويجوع أياماً . علم أن غمسة في الجنة ، تنسي كل بؤس وشقاء ، وأن موضع السوط فيها ، خير من الدنيا وما فيها ، فهان عليه ما يلقى ، يقول سعد بن أبي وقاص فقد رأيته ، وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية.وكان صلى الله عليه وسلم مع ذلك ﻻ يخشى عليهم الشدة والفقر ، فيقول : «والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان قبلكم ؛ فتنافسوها كما تنافسوها ؛ فتهلككم كما أهلكتهم».فهل قعدت بهم هممهم ؟ هل تنازلوا عن مبادئهم ؟ كﻼ والله . فقد تهيؤا للسباق ، ورفعت لهم أعﻼم السعادة ، نصروا بالرعب وجاوزوا الشهب وإذا بهم يقفون على أعتاب مملكة فارس والروم .إنها النفوس الشريفة ، ﻻ ترضى من اﻷشياء إﻻ بأعﻼها ، ولو كان في ذلك أذاها ، ولما أقبلت عليهم الدنيا ، جعلوها في أيديهم ، وسخروها في مرضاة ربهم ، أرقتهم حتى إذا ما أخرجوها في مرضاة ربهم ، نام الواحد منهم قرير العين ، هادئ البال .الرئيسة مركز شيخ اﻹسﻼم جامع شيخ اﻹسﻼم ابن تيمية حلقات تحفيظ القرآن الكريم مكتبة اﻹمام ابن القيم العامةجميع الحقوق محفوظة لموقع جامع شيخ اﻹسﻼم ابن تيمية
3
446
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة