- مطابقة الأقدار لعلم الله تعالى
- الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
- من كتاب: بيان للأمة عن الأحداث
الحمد لله الذي استأثر بالخلق والتدبير، وأيأس الناس أن يكون لهم من ذلك صغير أو كبير، والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه كلمات دعاني إلى إخراجها إبراء الذمة، وإلحاح الأمة، وجسامة الأحداث، التي لا زلنا في أولها ونسأل الله أن يجعل عاقبتها خيراً. وقد كتبتها رجاء أن ينفع الله بها، وأدعوه جل شأنه أن يغني المسلمين عنها بما هو خير منها، وهي حقائق وتنبيهات وتساؤلات تشير إلى ما وراءها مما لا يسعف الوقت لتفصيله، أو لم يتمكن الفكر حتى الآن من تصوره وتحليله، وما كنت أريد إلا أن تكون دراسة متكاملة، ولكن الاستعجال الذي ابتليت به الأمة - وشباب الدعوة خاصة - جعلني أبادر بإخراجها مختصرة في فقرات، لعلها تغنيني عن تكرار الحديث يومياً مرات وكرات، مع مجموعات من هؤلاء، وإن اقتضى الأمر تفصيل شيء منها أو إعادة النظر فيه فستأتي في وقتها بإذن الله.
وقد حاولت اقتفاء منهج القرآن في تجاوز تفصيلات الحدث إلى التنبيه إلى العبر والتذكير بالواجب.
وأول الحقائق الواجب معرفتها والتذكير بها: أنه لا يقع في هذا الكون حادث صغير ولا كبير، مما يفرح له الناس أو يحزنون أو يتفرقون فيه، إلا بقدر سابق سطره القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة - وعرش الرحمن على الماء - مطابقاً لعلم العليم الحكيم، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، فلا تهمس شفة ولا تنـزل قطرة ولا تستقر أو تتحرك ذرة، إلا بمقتضى ذلك - عَلِمَ من علم وجهل من جهل، ورضي من رضي وغضب من غضب - ومن هنا أخرس العارفون ألسنتهم عن السؤال والاعتراض، وأخبتت قلوبهم لأحكام القضاء، وهان عليهم الصبر على البلاء والشكر على السراء، وزادوا على الإيمان بأنه تعالى:


بأن فوضوا الأمر إليه وسألوه المغفرة والرحمة:

