waft air

waft air @waft_air

محررة ذهبية

معاناة الإنسان.. حينما تأتي المنح من المحن

الملتقى العام

بين معاناة الحق ومعاناة الباطل:
لكنْ مِن الناس مَن يكابد المعاناة في الحق كما هو حال النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ومِن الناس مَن يُفني عمره من أجل رسالة باطلة، ويقطع سَرَاة نهاره وآناء ليله في أمر لا يزيد ميزانه إلا سيئاتٍ تلو سيئات.
ومثال الأخير: ذلكم الذين يُسعِّر الله بهم النار، وإن كان في ظاهر أعمالهم الصلاح والجهد المبذول؛ إذ أفنوا أعمارهم في تلك الأعمال العظيمة، إلا أنها أعمالٌ كانت من قلوب مريضة مرائية، لم تُقدم تلك الأعمال خالصةً لله.
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآن،َ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِى النَّارِ.
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ" .
نسأل الله العافية والإخلاص في السر والعلن!
ومثل هؤلاء يأتي ما صنعوه.. ما كابدوا فيه الصعاب، فيجعله الله تراباً: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} .
فهم شقوا في سبيل ذلك في الدنيا والآخرة.
بين المعاناة الحقيقة والمعاناة الوهمية:
ذلك بأن أصحاب الهمم السقيمة يضخمون أعمالهم، ويجعلون من الحبَّة قبَّة، ومن النملة فيلاً؛ كزعماء الباطل الذين يملأوُن الدنيا ضجيجاً بتوافه الأعمال، ومثاله: فرعون، حينما بنى صرحاً إعلامياً كبيراً؛ ليعلوه، ولِيثْبت للناس –بزعمه- كذب دعاوى موسى عليه السلام:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} .
صرحاً عالياً يراه القاصي والداني؛ وليقول الجميع: إنَّ الفرعون قد ارتقى هذا الصرح ولم يرَ الإله الذي يتحدث عنه موسى.
وينسب لنفسه ما ليس له:
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .
ويدَّعي لنفسه ما ليس له:
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} .
فشتان بين معاناة حقيقية وبين خبالات العجزة.
كيف نواجه المعاناة -أو كيف نصنع من الليمون شراباً حلواً-؟
ولمََّا كان لكل إنسان نصيبه الحتمي من المعاناة في هذه العاجلة؛ كان عليه أن يواجه متاعب الحياة أفضل مواجهة، ويتصرَّف نحوها كما يحب الله، ويتأسى في ذلك برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليجعل من مرارة المعاناة عذباً فراتاً، يتحصل منه على الثواب الأخروي، ويثقل به نفسه في خبرات الحياة، وإنما الحياة تجارب.
لذا كانت تلك النصائح والتوصيات التي تهمُّ كل أحد:
1- استشعر -دائماً- الثواب الذي يظفر به المؤمن إذا ما صبر في كل مصيبة أو أزمة، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} .
أي: أولئك الصابرون المسترجعون، عليهم صلواتٌ من ربهم: يُثني عليهم في الملأ الأعلى.. يباهي بهم ملائكته، وصلاته عليهم؛ رحمةٌ لازمة، ومغفرةٌ دائمة.
ومن ثَمَّ يكون قوله: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} من باب عطف الشيء على مرادفه ؛ تأكيداً للرحمة المستحقة للصابرين.
وأولئك الذين صبروا وصدقوا هم أهل الهداية، وهم على الصراط المستقيم، ولا سيما في ساعات الفتن، حيث تزيغ الأبصارُ والقلوب، وتنتشر الأراجيفُ والمذاهب الضالة، ويُصبح الرجلُ مؤمناً ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا.
هذا، وحبذا مدارسة شيء من سير الصابرين {الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}، وحبذا حديثُ خباب بن الأرت الذي سلف.
2- احذر أن يتسلل اليأسُ إلى قلبك، {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، وقال تعالى على لسان الخليل إبراهيم: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} .
3- اهرع إلى الصلاة عند كل مدلهِمَّة، و{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} ، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة.
4- احرص على دعاء الكرب عند النوازل والبلايا: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" .
5- لا تنادم المُتشائم اليائس، أو أسير الغفلة.. ثم احرص على مجالسة أهل الهمم، وأصحاب المعاناة الثابتين، وأولي التجارب الجسام...
6-اجمعْ دوماً بين الفضيلتين: إصلاح النفس، وإصلاح الغير، وكن من الذين يثبِّتون الناس عند كل محنة، واحذر أن تكون من المعوقين، وليراك اللهُ داعيةً في نفسك، وداعية في بيتك، وداعية في مجتمعك: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} .
7-كن شجاعاً عند كل محنة، فلا تَجْبُنْ أبداً، فلحظة الجبن تورث المذلة والضِعَة، إذ المؤمن شجاع الوقفة، لا يخشى في الله لومة لائم، ويطمح دائماً إلى منزلة: "سَيِّدُ الشهداءِ حمزةُ، ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله".
قال أبو الطيب المتنبي:
فَطَعْمُ المَوْتِ فيْ أمرٍ حقيرٍ *** كطعمِ الموتِ فيْ أمرٍ عظيمِ
وقال:
وإذا لمْ يكنْ منَ الموتِ بدٌّ *** فمنَ العارِ أنْ تموتَ جباناً
8- اعترف بخطئك؛ فأنت السبب في كثير من مواقف المعاناة التي كانت في حياتك، إن ذلك أحرى بك للاستفادة، وأقرب لك من عدم تكرار الأخطاء.
9- وقت الفتن لا تنساق وراء الشائعات، ولتكن الشائعة مقرها إليك فلا تتجاوزك، وإياك أن تكون (محطة) في رحلتها التعسة.
10- في مواجهة المعاناة، تعلَّمْ فقه الشورى، واستفد من آراء أهل العلم وأصحاب التجارب، وما خاب من اسشتار، واقرأ ما تيسر لك في فقه الشورى.
وما أعظم الشورى! أن يأمر اللهُ تعالى بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- صراحة: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} ، ويجعلها الله من سمات المؤمنين، ويجعلها بعد إقامة الصلاة، فقال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} .
وأحوج ما يكون أهل الشورى إلى آراء الشيوخ وأصحاب الخبرة -مِمَن ركبوا الأهوال، وتجشموا الصعاب- فقد أحنت ظهورهم التجارب، وشابت رؤوسهم في الحوادث.
11- احذر التردد بعد العزيمة، والرجوع في الأمر بعد الإجماع عليه، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
12- تزودْ بالثقافات اللازمة، والمعارف المختلفة في السياسة والاجتماع، والجغرافيا والاقتصاد، والتنمية والإنتاج، وغيرها من فروع المعارف التي تمكِّنك من فهم الحياة وطبيعتها.
***
إن لحظات المعاناة حتماً ستمر، فلا تخرجنَّ منها خاوي الوفاض.
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
آمين.للكاتب :_محمد مسعد ياقوت
7
565

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

waft air
waft air
أب
فيونكه.
فيونكه.
الله يصلح نيتنا ..
waft air
waft air
آمين
بساط الريح
بساط الريح
جزاك الله خيرا
✿ أم مــصــعـــب ✿
(إن لحظات المعاناة حتماً ستمر، فلا تخرجنَّ منها خاوي الوفاض.)


كلام جدا رائع .. يسطر بمداد العيون..
غاليتي Waft air أسأل الله أن يعلي منزلتك على هذا النقل الجميل كجمال قلبك..