حين تسافر سترى، ورأيت، أزواجاً طاعنين في السن، عجائز جداً، وأنيقين جداً، ومتفائلين جداً، رغم تقدم السن الكبير، رغم بلوغهم الثمانين، وفوق الثمانين، ترى الزوج المسن جداً، مع زوجته العجوز جداً، يداً بيد، يسافرانِ معاً، يتهامسان معاً، ويبتسمان معا، ويحبان بعضهما بعضاً حتى آخر العمر، كل من سافر رأى كثيراً من هؤلاء الأزواج المعَّمرين، والزوجات المعَّمرات، يسوحون في العالم، ويستمتعون بأوقاتهم، ويحتفلون بحياتهم، يذهب الزوج المسن مع زوجته العجوز إلى الأماكن الجميلة، والمطاعم الراقية، والمحافل الحاشدة، والمعالم الأثرية، يدها في يده، وهما في غاية الأناقة والتفاؤل والانشراح، أعمارهم متقدمة، وأرواحهم شباب، يرون الأشياء المدهشة بعين واحدة، ويعيشون المواقف المبهجة بقلب واحد، ويأخذون الصور التذكارية، ويعيشون الحب حتى آخر العمر.
الذي يحصل كثيراً في مجتمعنا، أن الزوجة حين تبلغ الستين، أن لم أقُلْ الخمسين، يزهد فيها الزوج في كثير من الأحيان، ويعدها منسية، (ولا يأسى على ماض تولّى) كأنه لم يكبر، فيحاول أن يعيش حياته وحده، وربما حاول تجديد شبابه - يزعم - بالزواج من شابة، فلا يطعن شريكة العمر الطويل فقط، بل يطعن وفاءَه وماضيه الجميل، بل يطعن كرامته حين يتزوج وهو عجوز شابه فتية، فالعاشق العجوز كالجندي العجوز.
إن حب الجسد فان، لكن حب الروح باقٍ، ليس هذا كلام ****ئي لكنه قاعدة: الجمال يزول، والشباب يروح، ويبقى ما هو أرقى: حب الروح، ليست روح الطرف الآخر فقط ولكن روحك ممزوجة معها على مدى السنين، فالأولاد يذهبون، والأقارب يتفرّقون، وتبقى الزوجة مع هذا الزوج حتى آخر العمر، هذا التلاحم المتواصل والتفاهم المتناغم هو الحب الحقيقي الذي يبقى بل ويكبر حتى آخر نَفَس،
من خلال قراءتي الطويلة في الشعر العربي والشعبي لاحظت أن الحب في معظم ذلك الشعر - إلا أندر النادر - هو حب جسد، جمال جسد، حب صبوة وصبا، لاحب روح وطبع، لا حُبّ مودة ورحمة، لا حب سكن وعشرة وكذلك معظم الأعمال الفنية العربية، من أفلام ومسلسلات تعتمد على حب الجسد وشهوة الجسد، وبريق الجمال الظاهر، وتصمت صماً مطبقاً عن الحب الإنساني الذي ينسجه الزوجان على مدى عمرهما الطويل بجمال الروح والطباع وحسن العشرة والأخلاق وعمق الفهم والإندماج ورباط الذكريات والأولاد وتراكم نبل المواقف الطويلة في السراء والضراء وتكامل الصورة في الداخل والخارج، هذا مع الأسف ما تعكسة الأفلام والمسلسلات والأشعار الأجنبية أكثر، وما لا نكاد نراه في أشعارنا وآدابنا وفي واقعنا، فإذ تجد من النادر أن يسافر زوجان منا وهما مسنان جداً، محبان جدا، وباسمان جدا، ويحبان بعضهما بعضاً، ويتفاءلان بالحياة، تجد أمثال هؤلاء العجائز السعداء يملؤون المعالم السياحية الشهيرة في العالم
غيابك وحده يكسرني @ghyabk_ohdh_yksrny
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
رووووعة احساس
•
يالب قلوب عجايزنا نادرا مانشوفهم متفاهمين الله يرحمهم ويرحم اموات المسلمين
الصفحة الأخيرة