عندما أرسل الله الرسل إلى البشر؛ أرسل معهم ما يسمّى بالمعجزات التي لا تكون إلا للأنبياء خاصة؛ لبيان أنهم مرسلون من عند الله، وأن ما معهم ليس سحراً، وإنما هو حقٌّ من الله؛ ليدل على صدق الأنبياء وأنهم مرسلون من الله إلى أقوامهم.. والمعجزة هي ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله، فيكون ما يأتي به النبي معجزاً للناس لا يستطيعون الإتيان بمثله ولو اجتمعوا جميعاً...
وبالنسبة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فإن معجزته الكبرى التي أبهرت وأعجزت البشر هي "القرآن الكريم"، فهو كلام الله، أوحاه إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو معجز بحروفه وكلماته، وتراكيبه، ومعانيه، وأخبار الغيوب التي وردت فيه، فكانت كما أخبر.. كما أنه معجز بالأحكام الشرعية والأمور العقلية التي لا قِبَل للبشر بمثلها، فقال الله تعالى: }قُلْ لئن اجتمعت الإنسُ والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا{، ولذلك فهو محفوظٌ من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يغيّر فيه أو يبدّل كما فعلت بعض الأقوام الأخرى مع أنبيائهم في تحريفهم للكتب التي أنزلت عليهم.. وقد تعهد الله تعالى بحفظه، حيث قال: }إنا نحن نزّلنا الذِّكْر وإنا له لحافظون{، والناظر إلى أمر أهل الدنيا يدرك أن الغلبة للإسلام، وإنْ كثُر المعادون.. وأظلمت الدنيا بوجه من تمسك بالدين.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ انشقاق القمر، وانحباس الشمس، حيث سأل أهل مكة النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية.. فأراهم انشقاق القمر مرتين حتى رأوا جبل حراء بينهما، ونزل قوله تعالى: }اقتربت الساعة وانشقّ القمر..{،
وروي أيضاً أنه لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالعلامة التي في العير؛ قالوا: متى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء.. فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولّى النهار ولم تجئ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة وحُبست عليه الشمس...
ومن معجزاته أيضاً نبْع الماء من بين أصابعه وتكثيره ببركته.. فقد حانت في أحد الأيام صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء، فلم يجدوه، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع يده صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، فرُئي الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ الناس جميعاً، وكانوا زهاء ثلاثمئة رجل..
ومن معجزاته؛ تكثير الطعام ببركته ودعائه، حيث أطعم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب الثمانين أو السبعين رجلاً أقراصاً من شعير؛ حيث جيء بها وأمر الرسول الكريم أن تُفتّ..
وما حدث يوم الخندق؛ حيث أطعم ألف رجل من صاع من شعير وعناق..
وغيرها الكثير من الأخبار عن تكثير الطعام وإطعام الناس.. وكل ذلك لا يَدَع مجالاً لأحد بأن يشك في نبوته صلى الله عليه وسلم.. وكل من عصا وتكبّر على الله ورسوله، ووَضَعَ الحجج أمام معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما هو إلا قرين الشيطان وأخوه في المعصية..
وهناك الكثير الكثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم التي أيّده الله بها لهداية الضلّال.. ولتزداد الدنيا بهاءً بجماله، ويزداد الوجود عشقاً لهذا النبي الذي سكن في القلوب والأرواح.. ومنها.. كلام الشجرة وشهادتها بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ عندما طلب أعرابي من رسول الله آية حتى يسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم شجرةً بشاطئ الوادي أن تأتي، فأقبلت تشق الأرض شقاً، فآمن الأعرابي وأقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم يقبّل يديه ورجليه..
وأيضاً حنين الجذع عندما فارقه وخطب على منبر صنعه له الصحابة..
وشكوى الجمل صاحبه للرسول صلى الله عليه وسلم..
وغيرها الكثير من شفاء المرضى بإذن الله، وسلام الحجر والشجر عليه... وإخباره بالكثير من الأمور الغيبية التي حدثت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.. فقد أخبر الحبيبة الغالية ابنته فاطمة أنها ستكون أول أهله لحوقاً به، وكان كما قال..
وعندما قال عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: "افتح له وبشِّره بالجنة؛ على بلوى تصيبه "... وحدث ما أخبر عنه (ولله درّ من آذى عثمان الذي قال عنه الرسول يوم العسرة: "ما ضر ّ عثمان ما صنع بعد اليوم "واتهمه بأمور باطلة وسبَّه وشتمه ليل نهار.. فالله بالمرصاد لكل من تكلّم في الصحابة من غير حق..).
ومنها أنه أخبر عن زمن تكون فيه النساء كاسيات عاريات متشبّهات بالرجال، وهذا ما يحدث الآن عند أهل الأرض؛ فقد ضاعت المروءة والغيرة عند الرجال، فخرجت نساؤهم كاسيات عاريات متتبّعات نعيقَ أعداء الدين.. فلم تعدْ تميّز المسلمة من غيرها...
ومازال المسلمون وأتباع النبي يزدادون حباً له كلما تحقّقت نبوءاته في وقتهم هذا، ويزدادون يقيناً أن الغلبة للإسلام؛ شاء أعداءهم أم أبوا.. ولسان حالهم ينادي: أي عظمةٍ أنت فيها يا رسول الله.. وأي بهاءٍ أنت فيه.. كنت بينهم يرون جمالك ونورك ويزدادون عشقاً.. تكتحل أعينهم برؤياك ليل نهار.. ومَن للعاشقين الآن وقد تفتتت أكبادهم من حر جمر الشوق..
وهكذا لم يسطّر تاريخ البشر عشقاً وحباً كحب أصحاب محمدٍ محمداً...
جزاك الله خير أختي