( مُعلمتي الـوردةُ .... سـلامٌ وتحيّـة ...!! )

الملتقى العام

وقفتُ انتظرُ أخاً لي قربَ حديقةِ بيته الصغيرة ، فاسترعى انتباهي وجود وردةٍ جميلةٍ بديعةٍ ، كانت هناك ترمقني في دلال ..!!
فأخذتُ أنظرُ إليها في انتشاءٍ ، وأتأملُ في انبهارٍ ، وأتابعُ في زهوٍ ..!!
هذه وردةٌ تتراقصُ على غصنها ، يتلاعبُ بها النسيمُ ، ويرقّصها كما ترقّص الأم الأم طفلتها الحبيبة بين يديها ، وهي تطربُ مع هذا الترقيص ..!
حتى ليخيلُ إليكَ أن هذهِ الوردةَ الساعةَ تبتسمُ ، فيتضوعُ أريجُها مع ابتسامتها ، ليُعطرَ روحكَ قبل أن يعطر أنفكَ ..!!

وردة مصبوغةٌ بألوانٍ أجمل من ألوان الشفق ، مغتسلةٌ بالعطر ، منتشيةٌ كأنها حورية نزلت للتو من الجنةِ .!!
نزلت من خدرها هناكَ لتمنحَ السائرين في دروبِ الحياة وشعابها ، وهم يعانونَ شظف عيشها ونكدها ،
تمنحهم جرعةَ ثقةٍ ، وتشعلُ بين أعينهم إضاءةً تكشفُ لهم عن نعيمٍ أُعدّ لهم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر .
أنْ هم صبروا وصابروا ورابطوا ...
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )

تقولُ للعاقلِ: ما هنالكَ خيرٌ وأفضل وأبقى مما هنا ..فافهم ثم اعملْ !!
وتقول مبتسمة : إنما أنا ( عينةٌ ) تذكّركَ بما ينتظركَ من نعيم وجمال وروائع !!
وتقول له : إن كنتَ تراني بديعةً ، فلا تغفلْ عن من أبدعني ..!!
وإن كنتَ تراني جميلةً ، فسلْ نفسك : مَن جمّلني وزينني وحلاني !؟
وتقولُ له : إن انتشيتَ معي حين مررتَ بي ونظرتَ إليّ ، فتذكّر ما أعدّ لك هناك .. حيثُ لم تر عين ، ولا سمعت أذن ، ولاخطر على قلب بشر ..!!

قال الراوي :
مشهدٌ ربما مر بهِ آلافٌ غيري ، ورآه مئاتُ آلافٌ سواي ، غير أنه زرعَ في نفسي ألواناً من المباهج ، وغرسَ في نفسي فسائلَ من المعاني ، التي أحسبُ أنها ستؤتي أكلها بإذن ربها ولو بعد حين ..
هذهِ الوردةُ البديعةُ التكوينِ ، هي درسٌ قائم بذاته ، عالمٌ من الأسرار ينطوي في أوراقها ، ووراء أريجها ..!!

هي كالبحرِ ، من أين قلبّت النظر فيها خرجَ في يديكَ معنىً بديع ، وسر عجيب ، وحكمة رائعة .. بل حكمٌ تتوالد عن حكم ..!!
ألا ترى كيف شقّ اللهُ سبحانه لها طريقاً من تربة الأرض العفنة ، وقد غطاها سماد لا تكاد تطيق أن تشمهُ ..!!
لم تمنعها ظروفُ الأرض ، ولا نتنُ السماد ، أن تجدَ لها طريقاً نحو السماء ..!
فتشامخت نحو الأعلى في زهوٍ ، لتعطي عطاءها بسخاء لكل من يمر بها ..!!
أليس هذا من أبدع وأروع دروس الوردة ..!؟
فهل استوعبت الدرس أيها العاقل !!!؟

وقالتْ لي وهي تتبسمُ منتشيةً ، أو لعلها تتبسمُ معاتبةً :
ألا ترى أني أتوجهُ نحو السماء ، وأتطلعُ إليها ، وأبقى مشدوداً نحوها ، ولولا عروقي التي تشدني إلى الأرض ، لعرجتُ صُعداً في السماء ..!!
هذا أنا ، وهذه وجهتي وتطلعاتي ..!!
فماذا عنكَ أنتَ ، وما وجهتكَ ، وما هي تطلعاتكَ ..؟!
أنتَ مخلوقٌ للسماءِ ، فلماذا تبقى مشدوداً إلى الأرضِ ..؟!
أنتَ مخلوقٌ للجنةِ ، فلماذا تعشقُ شهوات الدنيا وتتسقط عليها ؟؟!!

وقالتْ لي أيضاً :
إنما خلقني اللهُ لأبث أريجي ، وأعطي رحيقي ، ولأمتع الناظرَ إليّ ، ولأكونَ زينة في وجه الدنيا ..!!
فهل تراني أخللتُ بحكمةِ خلقي التي من أجلها خلقني الله سبحانه ؟!
ولكن ماذا عنكَ أنت أيها العاقل ؟!
هل وفيّتَ بما عهد الله عندك !!؟ فقمتَ قياماً كاملاً بما خلقك اللهُ له ..؟!
ألم يخلقك اللهُ سبحانه لعبادته وحده ، والتعلق به وحده ، وعدم الالتفات بقلبك إلى سواه !!؟
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ..
فماذا فعلتَ في هذا كله ..!!؟

قال الراوي :
وشعرتُ أني أقف مدهوشاً مبهوتاً مروّع القلبِ ، لا أجد جواباً على كل هذه الأسئلة ..!!
ثم سل نفسك :
من لوّنَ أوراق هذه الورود ؟؟
من هندسَ أشكالها ؟؟
من نسّقَ زواياها ؟؟
من أبدعَ صورتها ؟؟.
من عطّرَ أريجها ؟؟
من شقّ لها طريقها وهي الضعيفة وقد كانت مدفونةً ، ثم إذا بها تتطاول كأنما تريد أن تطبع قبلاتها في وجه السماء ..؟!
من غير الله جل في علاه ..!!؟
من غير ربي وربها ورب هذا الكون الفسيح الملئ بالعجائب وأخواتها !!

في منظر هذه الوردةِ الساحرة ببديع ألوانها ، وروعة أريجها ، تلوحُ لك لوحةٌ من لوحات الجنة تتزخرف ..!!
أو ينبثق بين عينيك طرفٌ من حكمة الله سبحانه في خلقهِ وهو ينسق هذا الكون ، ويبث فيه من روائعه وبدائعه وعجائب خلقه ، وينثر في زواياه روائع الإبداع فيه ..
ومع هذا فأكثر الخلق كما قال تعالى :
( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )

ومن دروس الوردة أيضاً :
أنها لا تمنعُ خيرها عن قريب أو بعيد ، أو حبيب أو خصم ..!!
بل عطاؤها عطاء البحر ، لكل وارد عليه نصيب منه ..!!


سبحان خالقها ومبدعها..
م ن ق و ل :26: :26:
0
363

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️