السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
من موقع " التميز لإدارة الحلقات القرآنية "
أهدي إليكم هذا البحث المتميز الذي أرجو أن ينفعكم الله تعالى به ، وان يعينكم على ان تنفعوا به غيركم ....
وهو للأستاذ : "أحمد بن محمد "،
وعنوانه الأصلي

الحمد لله الذي شـرف من يشـاء من عباده المؤمنين، بأن شملهم بقول خـير المرسلين : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ، فجعلهم من خدام القرآن وحامليه ، ومتعلميه ومعلميه ، ومحبيه ومتبعيه ، وحـافظيه ومتقنيه يبشرون به العامل ، ويوقظون به الخامل ، ويجيبون به السائل ، يعلمونه الصغار ، ويقرئونه الكبار ، وينشرونه في سائـر الأمصار ، ويقومون به الليل والنهار ، يرجـون به وجه الواحـد القهار ، العزيز الغفار .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
مهما استفحلت علل الأمم ففي كتاب الله شفاؤها . ومهما تراكمت غياهب الظلم ففي نور القـرآن جلاؤها ومهما ران على القلوب ففي آي الذكر الحكيم نقاؤها وصفاؤها .
( )
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بإذن ربه حول العرب من رعاة للغنم ، إلى قادة للأمم ، وحولهم إلى عمالقة أقاموا ميزان العدل وازدانت بهم الخلافة ، صـلوات الله علـى الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، والأسوة المرتضاة ، والمربـي الـذي سينجح المربون ما ترسموا خطاه ، وسلم تسليماً كثيراً ما سجدت لله جباه ، وترنمت بذكره شفاه .
وبعد …
فقد كانت البشرية تعيش في تخبط وتيه ، توزع ولاءاتها بين طواغيتَ ، وأصنام وكهان ومشعوذين ، حيث أسلمت يدها _ كالأعمى _ لهؤلاء يقودونها كيف شاءوا ، وأينما أرادوا .
فجاء كتاب الله ليعدل مسارها ، ويرفع قدرها ، وينظم سيرها ، فقال تعالى :
( ) ، فتحولت هذه الأمة من همج رعاع ، إلى دعاة خير جابوا به الأصقاع ، فبنوا بالأخلاق الفاضلة قلاعاً ، وتفانوا في ذات الله حباً وانصياعاً .
ثم دار الزمان دورته ، وأصبح الحال كما قال الشاعر :
( )
واليوم بدت تباشير العودة المحمودة ، واليقظة الرشيدة ، من إقبال الشباب إلى كتاب ربهم ، يتحلقون حوله ويتنسمون عبيره ، ويقبسون أنواره ، ويشهدون أسـراره ، ويلتفون حول مشايخه ومعلميه ، وينهلون من علمهم ويتتلمذون على أيديهم ، في حلقات المسـاجد المبـاركة والتي أقامتها جمعية تحفيـظ القرآن الكـريم بالطائف ، ومثيلاتها في بلد الحرمين الشريفين ، وما يشابهها من خلاوي وكتاتيب حفظ القرآن الكريم في البلاد الإسلامية .
شكر وتقدير
ومن الواجب على المسلم الذي يحب الله وكتابه أن يدعو لهؤلاء القائمين على جمعيات التحفيظ الخيرية عامة وللقائمـين علـى جمعيـة تحفيظ الطـائف خـاصة بالتـوفيق في مسيرتهم وأن يشكرهم على حسن صنيعهم . حتى يعم الخير ، ويسكن القرآن كل قلب ، ويـحرك كـل لســان ، ويعطـر كل أذن ، ويسعـد كل بيت . ومـا ذلك على الله بعزيز ، وفقهـم الله فيمـا يعملـون ، وجزاهم خيرا على ما يقدمون .
أولاً : أسباب اختيار المعلم كموضوع للبحث
1_ إن معلم القرآن هو تاج رأسنا ، وغرة جبيننا ، وإنسان عيننا ، وواسطة عقدنا ، فالآمال عليه معقودة ، والأنظار إليه مصوبة ، فأردتُ أن يكون هذا الحديث معه حباً صافياً ، ونصحاً خالصاً ، ليعتز برسالته ، ويقوم بمهمته .
2_ أن معلم القرآن هو محور ارتكاز العملية التعليمية وكل ما حوله وسائل مساعدة ، وعناصر مساندة ، إذا غابت فلربما تأثر دوره لكنه لا ينعدم ، على العكس ما إذا توفرت كل العوامل والوسائل والعناصر وغاب هو ، فلا عمل ولا تحفيظ ولا حلقات.
3_ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ خيركم من تعلم القرآن وعلمه } ( ) وتلك شهادة ممن لا ينطق عن الهوى تفيد أن متعلم القرآن ومعلمه هو خير زمانه ، وأفضل عصره ، فيُنتظَرُ ممن جمع قطبي الخيرية على قدره ، ويؤَّملُ منه على حجمه .
( ).
ولا أكبر من مهمة إرجاع أمة بأسرها ، إلى كتاب الله ، ولا يفترض أن يكون أكبر همة ، ولا أوفر عزمة ممن شهد له بالخيرية ، واستضاء باطنه بالأضواء الربانية .
4_ المعلم هو الأهم : لأن كل إنسان يحتاج أن يكون معلماً ولو لبعض الأحيان وهو في بيته ، أو في الشارع ، أو في المسجد ، لذلك قيل هي مهنة من لا مهنة له ، وليس كل إنسان في حاجة أن يكون مديراً ، أو طبيباً ، أو مهندساً لذلك فضلت التحدث في هذا الموضوع .
5_ لأن المعلم هو الشخص الذي سيتولى تنفيذ التعليمات والقرارات والعمل بالتعميمات ، والمتابعة المباشرة للطالب ومواجهة المشكلات ، ولن يستطيعها إلا معلم ناجح ، حدد مهمته ، وحمل رسالته ، وعرف وجهته .
6_ إن حامل القرآن هو صنعة الله في أرضه ، ومنحته لخلقه ، قال تعالى : ( ) قـال ابن عباس رضي الله عنهما وأبو رزين وغير واحد : { ربانيين : أي حكماء علماء حلماء وقال الحسن : فقهاء ، بما كنتم تعلمون : من التعليم } .
وهذا أمر الله لرسوله أن يطلب كل الناس أن يكونوا علماء بكتاب ربهم ، حافظين له ، معلمين لـه ، فاستحق صاحب هذه المكانة أن يوجه الخطاب إليه ، وتعلق الآمـال _ بعد الله _ عليه .
7_ كما أن في المستشفيات من المصحات ، ووسائل العلاج واستئصال الداء ، والمساعدات من أَسِرَّةٍ ، وأجهزة وحاملات ، ومختبرات ، وأجهزة قيـاس ، وإدارات ، ولكن الطبيب هو الذي يقرر ماذا يستعمل ، ومتى ، وكيف وبأي قدر ، كـذلك فمعلم القرآن هو فارس الميدان ، وبطل الحلبة ، وقائد المعمعة ، وطبيب المصحـة ، الذي يعايش الطالب ويسمعه ، ويرقبه ، ويشهد تصرفاته ، ويعرف مستـواه ، ويتابع أحواله ، ويؤثر فيه ويعرف مواطن الخلل فيه فيصف الدواء بحكمته ، ويستأصل الداء بمهارته ، بعد فضل الله وتوفيقه . لذلك فضل الباحث التحدث عنه والكلام إليه .
ثانيــــــــاً : تحيـــــــــة
تحية إلى من يطأ الثرى بقدميه ، ويستنشق الهواء برئتيه ، تحية إلى من ينفق من مشاعره وأحاسيسه قبل أن ينفق من أوقاته ، وينفق من دمه ونفسه أضعاف ما ينفق من تعليمه وتـوجيهاته ، تحية إلى من يحاول أن يرد المعوج إلى طريقه والمنحرف إلى سبيله ، والناد إلى جادته ، والعاق إلى بره ، والجافي إلى عقله ، والمفـرط إلى صوابه ، والفاسق إلى دينه تحية إلى من حجز لنفسه في المسجد جلسته ، ليحجز لنفسه في الجنة درجته . وجعل من أبناء المسلمين أبناءه ، فغدا عليهم شفيقاً ، وبهم رفيقاً ، يسعى لزيادتهم كما وكيفاً ، ويجتهد في تعليمهم شتاءً وصيفاً .
تحية إلى من حبس حاجته في صدره ، ولم يبح إلا بحاجة واحدة هي أن يتفيأ الجيل المسلم ظلال القرآن ، ويستنشق عبير الإيمان ، ويفيء إلى طاعة الرحمن ، ولأجل هذا يضحي بالغالي والرخيص ، ويجود بالبسيط والنفيس .
تحية إلى من لم يشغل نفسه بماذا أخذت ؟ ولكنه يسأل : كم أعطيت ، كـم وجهت ، كم علمت ، كم أفدت ونصحت ، ماذا أثرت ، سؤالَ اللائم نفسَه ، وقبل أن يتهم طلابه يتهم نفسه ، يقول : لعلي لم أجرد نيتي ، لعلي لم أحسن طريقتي ، لعلي زدت في قسوتي ، لعلي أفرطت في تجاوزي ومسامحتي ، تحية إلى خير الأمة ، كما شهد بذلك نبي الأمة ، حين قال كما روى البخاري ، عن فضـل المقـرئ والقارئ : ، فحاز الخيرية من طرفيها تعلم وعلـم ، وقـرأ وأقرأ ، وصلح وأصلح ، ورشد وأرشد ، تحية إلى من سكن القرى والهجر واصطحب معه النور الذي لا يخبو يبدد الظلام ، ويوقظ النيام ، ويبارك به الأيام .
الناس في متاجر الدنيا وهو في متجر الآخرة ، ومعية الملائكة
الناس أرصدتهم في البنوك ، ورصيده هو في القلوب .
الناس تبني مدائن من تراب ، وهو يبني مدائن من فكر وقيم وآداب ، ويعلي قلاع القرآن تناطح السحاب .
يتبع ,,,,,,,,
أ _ شرف هذا العمل
ليس هناك أشرف ولا أفضل ولا أسمى من عمل ، كلام الله مادته ، وبيت الله مكانه ، وحـامل كـلام الله معلمـه ، وقلـوب يـانعة ونفـوس طاهـرة تلامـذته ، تتوافر فيه الطهارة الحسيـة والمعنوية ، وتنقطع فيه العلاقة بالأمـور الدنيويـة وكفـى قول الحبيب المصطفى صلـى الله عليـه وسلـم وقوله : .
ذكر النووي _ رحمه الله _ قوله : . فليس أفضـل من متجرد محتسب حبس نفسه ، وأقعد جسمه ، يذكِّر بالقيم الخـالدة ، ويغرس المبادئ الطاهرة ، ويسكب النور في قلوب الشباب ، يضيء جوانحهم ، وينير حياتهم ، ويبارك عمرهم ، ويرقى بهم من سفوح البهيمية ، إلى ذرا الطهر والنورانية .
ب _ العوامل الدافعة لإتقان العمل ، وإعطائه حقه
1_ تقوى الله تعالى ومراقبته : بأن يستشعر المعلم قول الله سبحانه :
وقول النبي صلى الله عليه وسلم { إنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها وأدى الذي عليه فيها }
وقول سلمان رضي الله عنه : { اتق الله عند همك إذا هممت ، وحكمك إذا حكمت ، ويدك إذا قسمت }
فحاور نفسه دائماً : مـاذا قلت لهم ، ماذا قـومت من سلوكهم ، ماذا أفدتهم ، ما مدى تأثيري عليهم هل نجحت في تحبيبهم في القـرآن ؟ أم كنت _ على أنفسهم _ عوناً للشيطان ؟ .
هذا الشعور لو سيطر على إحساس المعلم ، وألهب مشاعره ، سيدفعه إلى بذل المزيد ، واقتراح الجديد ، والنهوض بطلابه في مسيرة حفظهم لكلام ربهم .
2_ إدراك شرف هذا العمل : فلا يغيب عن ذهن المعلم أبداً قول الرسول صلى الله عليـه وسلم : خيركـم من تعلم القرآن وعلمـه ، ولا يغفـل عن قوله : { من علم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت } ولا ينسى قوله صلى الله عليه وسلم : { لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم }
فإذا أدرك شرف عمله كان على مستواه ، ومن أدرك شرف الكتاب الذي يحمله كان على قدره خلقاً ومنهجاً .
فالقرآن حكيم فليكن صاحبه حكيماً .
والقرآن عزيز فليكن صاحبه عزيزاً .
والقرآن روح فليكن معلمه روحاً لا تلامس شيئاً إلا حركته بفضل الله .
والقرآن مهيمن فليكن معلمه مهيمناً على من حوله ، قائداً لهم ، مؤثراً فيهم .
والقرآن شفاء فليحمل صاحبه هذا الشفاء ، وليحسن تقديمه .
أمـا يوم يحقر المعلم نفسه ، ويرى عمله دون الأعمال ، ويرى نفسه أقل من الناس ، ولا يبصر جلال رسالته ولا شرف مهنته ، ولا يرى أنه _ حقاً _ على ميراث الرسول ، وأنه عن تبليغه وتعليمه مسؤول ، وأنه حامل النور إلى القلوب والعقول ، فإذا وقع في ذلك فقد تمت هزيمته ، وفشلت مهمته .
3_ فهمه للواقع المحيط به : فمعلم القرآن أمل أمته البسام ، وفجرها الوليد ، وفهمه لحاضر أمته ، وما تُستَهدف به حتى تنصرف عن كتاب ربها ، يجعلـه يستميت في رسالته ، ويتفانى في مهمته ، فهل يدرك معلم القرآن
هذا الجيل بهرته الأضواء المرتعشة فتهاوى فيها كما يتهاوى الفراش في النار الموقدة ، في الليل البهيم . فإليك يا حامل الذكر الحكيم ، ويا
معلم القرآن الكريم :يا من إلى الله تدعو
لك المدائح تترى
إنا نعيش بعصر
الخير فيه توارى
وكم رأينا شباباً
عن الهدى قد تخلى
ويلبسون ثياباً
لا يستر الثوب جسماً
وترتجي منه أجرا
شعراً وإن شئت نثرا
يموج ظلماً ونكرا
وأنت بالعصر أدرى
في لجة الغي سكرى
وقال قد عشت حرا
ويطلب الجسم سترا
من الحياء تعرى
فاستنقذ من استطعت ، وافهم واقع أمتك
لقد زار بعض الدعاة أحد السجون ، فلما كلموهم ودعوهم قال السجناء : أين أنتم قبل أن ندخل السجن ؟ لقد تأخرتم كثيراً .
فانتشل أبناء المسلمين من هوة الضياع ، من أزقة الدنيا ، وشوارع الهوى ، ومن نواصي الحياة ، وأجمعهم على مائدة القرآن بشوق ولهف ، وحب وشغف .
فإذا أدركت ذلك كلـه سيشتد عزمك ، ويتضاعف همك ، ولن يبقـى لديك وقت لتشكـو من طلابك ، لأن وقتك كله قد استنفـذ في استنقاذهم ، والأخذ بأيديهم .
4_ بعد النظر وعمق البصيرة : فالصغير الذي أمامك سيغدو عما قريب رجلاً . والمراهق الذي أزعجك قد يكون في قادم الأيام بطلاً .
فلا تقف بفكرك عند حاله اليوم ، ولكن تخيله غداً ، فهذا يجدد أملك ، ويضاعف صبرك ، فتمهل
ولا تتعجل ودائما تأمل قول من سبقك :
أنت نشء وكلامي شعلٌ
منتهى أملي قريباً أن أرى
عل شدوي مضرمٌ فيك حريقاً
قطرة فيك غدت بحراً عميقاً
فلا تيأس فلرب قطرة تغدو بحرا عميقا ، ولرب كلمة تعيد إلى قدمه طريقاً ، والبذرة التي أودعتها تربتها لو لم تتهيأ لها عوامل الإنبات اليوم ، ستبقى مخبوءة حتى تتهيأ لها تلك العوامل ، وتشق طريقها إلى عالم الأحياء ، بإذن فالق الحب والنوى .
5_ هم يصبحه ويمسيه : فالفرق بين حامل الرسالة وصاحب الأمانة ، كالفرق بين النائحة الثكلى والأخرى المستأجرة
لقد كـان الأنبيـاء منتهى أملهـم أن يُخلَّـي بينهم وبين النـاس ، والمعـلم _ ولله الحمد _ قد خُلي بينـه وبين طلابه ، فمـاذا هو فاعل ، وماذا هو إذا لم يحسن استغلال الفرص لربه قائـل ؟! .
الآن بين يديـك قلوب عطشى ، وأرواح ولـهى ، وعقـول حيرى ، فاسكب _ يا رعاك الله _ فيها أنوار ما تحمله ، وارو غليلها بفيض ما ترتله .
واعلم أن : .
فَفَجِّر في قلبك بركان الغيرة ، واحمل هموم جيل يعاني من الحيرة ، قال جعفر بن سليمان : .
ولك في رسـولك أسوة ، وفي منهجـه قـدوة ، حين خـوطب : .
فيا من حملت الكتاب المنـزل على محمد ، هذه حياة محمد ، ويا من أخذت ميراثه فهذه تركته ، فاحمل وتحمل وغير مفاهيم نفسك يتغير كل ما حولك .
ج _ شخصية معلم كتاب الله تعالى
المقصود بشخصية معلم القرآن : انسجام مجموعة صفات وسمات مع بعضها البعض لتميزه عن غيره ، وإذا كـانت الإنس والجن قد انبهروا بسماع القرآن ، حُقَّ لمن يرى حامله ومعلمه أن ينبهر به وبشخصيته وسلوكه .
ولهذه الشخصية مقومات تقوم عليها
1_ مقومات عقدية :
فيشترط أن يكون معلم القرآن سلفيَّ العقيدة ، سُنيَّ المنهج ، يلتزم بالفرائض والواجبات ، ويجمل به أن يأتي بالنوافل والمستحبات ، حتى يخاطب طلابه بفعاله قبل مقاله ، وحتى يستفيد الطلاب بلحظه قبل لفظه ، وبرؤيته قبل روايته ، وبصمته قبل كلامه .
2_ مقومات سلوكية أخلاقية :
فيتصف بأخلاق الصلحاء من زهد ، وترفع ، وتعفف ، وقناعة ، فيزهد فيما عند الناس ، ليطمح الناس فيما عنده
ذكر في ترجمة أبي سعيد _ الحسن البصري رحمه الله _ أن رجلا غريبا مر بالبصرة وهو لا يعرفها ، فسأل من قابله : ما هذه البلدة ؟ قال : البصرة ، قال : من سيد البصرة ؟ ، قال : الحسن ، قال : بم سادهم ؟ ، احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم !
والناس جبلوا على أن من نظر لما في أيديهم يزهدون فيه والعكس صحيح .
ولصـاحب القرآن ومعلمـه أن يختار نهجه ويبني لنفسه في نفوس من حوله احتراماً وتقديراً .
قابل هشام بن عبد الملك سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عند الكعبة ، فقـال يا سالم : سلني حاجتك ، قـال سـالم : أستحي أن أسـأل في بيـت الله غير الله . فانتظر هشام حتى خرج سالم من المسجد الحرام ، فتبعه وقال : الآن خرجنا فسلني حاجتك ، قال سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ قال هشام : من حوائج الدنيا ، أما حوائج الآخرة فلا يقدر عليها إلا الله ، قال سالم : عجباً ، فإني لم أسأل الدنيا ممن يملكها ، فكيف أطلبها ممن لا يملكها .
ولك عزيزي المعلم أن تتصور كم ارتفع قدر سالم وكبر في عين هشام على الرغم أنه رفض عرضه ، ولربما أصابه بالحرج .
وهكذا الناس ، يطمعون في نفيسك إذا ترفعت عن رخيصهم ، ويزهدون فيك ، وينفضون أيديهم منك إذا استشرفت لعاعة في أيديهم ، كذلك حرص كل نبي داعية أن يعلنها لقـومه في بـداية الأمـر وأول المشـوار بقوله : ، جعلك الله أفقر خلقه إليه ، وأغنى الناس عن الناس به .
ومن المقومات الأخلاقية تفقد أحوال طلابه ، ومعرفة أخبارهـم ، قال ابن جمـاعة :
ومن المقومات الأخلاقية تجنب مواضع التهم حتى لا يساء به الظن ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ، أعظم الأسوة ، وأفضل القدوة .
فيجب أن يدرك معلم القرآن أن صمته تعليم ، ونطقه تعليم ، وجلوسه تعليم ، وتعليمه تعليم ، وهذا عمرو بن عتبة يقول لمعلم ولده : .
3_ مقومات تتعلق بالمظهر :
منها : خلو الجسم من الأمراض المعدية ، أو العوائق الشديدة التي تمنع من القيام بالعمل ، ومنها : سلامة الصوت وخلوه من عيوب النطق كالفأفأة ، والتأتأة ، وحبس اللسان ، وضعف الصوت .
ومنها : المظهر الحسن ، والملبس النظيف ، والهندام الطيب ، والرائحة الزكية ، فاللباس من أول الأشياء التي تعطي انطباعا للآخرين عن لابسه مبدأيا ، فليراع لونه ، وبساطته ، ونظافته ، وتناسقه ، وقبل هذا كله شرعيته مع أناقة غير مبالغ فيها .
4_ مقومات مهنية :
من حفظ للقرآن كاملاً ، مجوداً ، إذ لا يليق أن يطالب غيره بما لم يلزم به نفسه .
ومنها : حسن التصرف في المواقف بلباقة اجتماعية ، وحضور سريع .
ومنها حسن التعاون مع الإدارة حتى تتناغم الجهود ولا يعاكس بعضها بعضاً ، فالمطلوب التناغم لا التصادم والتآزر لا التناحر .
5_ الملامح :
وتشمل نبرات الصوت ، وتعابير الوجه .
أ_ الصوت : إن الكلام هو وسيلة الاتصال ، وهل كانت معجزة القرآن الكريم التي خضعت لها رقاب العرب إلا في البلاغة والفصاحة ؟! ولقد أجرى العلماء أبحاثا وخرجوا بنتائج منها : أن نسبة تأثير الكلمات والعبارات في المستمع 7 % ، ونبرات الصوت 38 % ، بينما تعابير الوجه والجسم والعيون 55 % .
ب_ الوجه : البر شيء هين ؛ وجه طليق ؛ وكلام لين . فالتجهم والعبوس يمثل حواجز عالية بين المعلم وطلابه وينسف جسور المودة ، والوجه هو مرآة صاحبه ، قال تعالى : ، وقال سبحانه : ، وقـال صلى الله عليه وسلم : .
فليتصدق المعلم على طلابه وليوقن أن طالبه قبل أن يقرأ عليه آيات ربه ، يقرأ أولاً ملامح وجهه ، وسطور جبينه .
وليحذر المعلـم من ابتسامـة ساخـرة تخرج ميتة فتصيب الآخـرين بالإحباط والصدود .
6_ التجربة :
المعلم الناجح يبدأ من حيث انتهى الآخرون ، ويستفيد بما مر به المعلمون ، فهو دائم السؤال لغيره ، ودائم الاتصال بزملائه ، يسأل عن موقف مشابه كيف تصرفوا فيه ، وعن مشكلة قريبة كيف تغلبوا عليها .
فالخبرة في عالم الواقع من خلال تجربة أبلغ من التعاميم النظرية ، أو التعليمات الإدارية ، ويوم تنقل الخبرات أو التجارب من معلم إلى معلم أو من حلقة إلى حلقة فهي بمثابة شرايين تضخ في جسم العمل كله .
وهذا من بـركات الشورى التي مـدح الله بها المؤمنين بقوله : .
والتي أثنى عليها عمر بن عبـد العزيز بقوله : المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاح بركة ،
لا يضل معهما رأي ، ولا يفقد معهما حزم :
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعنْ
ولا تكن الشورى عليك عضاضةً
برأي نصيح أو نصيحة حازمِ
فإن الخوافي قوةٌ للقوادمِ
فالسؤال عن التجربة تجرد وتواضع ، وحرص وجهد واجتهاد ، وسعي للأفضل . وإهداء التجربة سمو ، وإخلاص وحكمة ، وفهم ، وبصيرة .
وبالعموم فإن البحث عن التجربة من المقومات الأساسية للشخصية السـوية .
تجربة من الواقع : سأل معلم معلماً آخر عن طالب مبرز في حفظه ، ذكي في عقله ، حسن في صوته ، ولكنه انقطع ولا أدري ماذا أفعل . قال الآخر : سأقول لك شيئاً فعلته مع شبيهه ، قال : قل . فقال : اذهب إلى مدرسته ، وقابل مرشده ، واجتمع به عنده ، فإن ذلك سيشعره بمدى اهتمامك به ، وحرصك عليه . وكان ، فذهب وكانت الزيارة المدرسية نهاية انقطاعه ، وبداية انتظامه من نفس اليوم حتى ختم القرآن الكريم بفضل مولاه .
ولا يعيبني أن أضم تجارب وعقول الآخرين إلى عقلي ، كما لا يضيرني أن أضيف تجاربي إلى الآخرين . فالعقول يلقح بعضها بعضاً ، ولا قيمة لما عندي بدون أناس يستفيدونه ، والعكس صحيح فكما أفيد أستفيد ، وكما أعطي آخذ وكما أكمل غيري فغيري يكملني .
إن بعض القول فنٌ
إن تجد حسنا فَخذه
تك كالحقل يردُّ
ربما كنتُ غنياً
ربَّ غيمٍ صار لمَّا
ما لصوتٍ أغلقت
يا أخانا أنت إن
وإذا طفت بكرمي
قد سكبتُ الحب كي
فهو بالإنفاق يبقى
فاجعل الإصغاءَ فنا
واطَّرحْ ما ليس حسنا
الكيلَ للزارع طنا
غير أني بك أغنى
لامسته الريح مُزْنا
مـن دونه الأسماع معنى
راعيت فجري صار أسنى
زدته خصبا وأمنا
تشرب فاشرب مطمئنا
وهو بالإمساك يفنى
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع