بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا حقاً، ولا يدل إلا على الحق، بل ولازم كلام الله ورسوله حق؛ فكيف بمنطوقه.
ولكن بعض الناس: لقصور فهمه، أو لسوء طويته، أو لضعف نشأته، أو لتأثره ببيئته، يفهم من بعض النصوص ما لا يدل عليه النص.
ومثال ذلك: لو قال قائل: إن قوله تعالى {فويل للمصلين} يدل على أن الهلاك خاص بالمصلين!؟؟ لعد هذا الكلام منه جنونا إن كان غير مكلف، أو جناية إن كان ذا عقل.
فجميع العقلاء يعلمون أن النص لا يؤخذ معناه من مجرد لفظه؛ بل ينبغي النظر في السياق والسباق؛ فإذا نظر الإنسان إلى سياق الآية وأخذ ما قبلها وما بعدها فهم الآية فهماً جليا واضحاً لا إشكال فيها {أرأيت الذي يكذب بالدين*فذلك الذي يدع اليتيم*ولا يحض على طعام المسكين*فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون*الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون}؛ فالويل إنما هو لمن كذب بالدين، ولمن صلى ساهيا مرائيا.
وهكذا في المسألة المعنون لها؛ فبعض الحلولية قد يستدل بالحديث القدسي: "أنا الدهر" على الحلول، ولو أخذ النص بتمامه لعلم أن المراد من ذلك غير مراده؛ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْر،ِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْر؛ِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ؛ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ؛ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا" .
فدل الحديث بتمام سياقه أن هناك مقلِّباً -بكسر اللام- ومقلَّبا -بفتح اللام-؛ فالله تبارك وتعالى هو المقلِّب للدهر الذي هو الليل والنهار، وهو القابض لهما إن شاء، والدهر هو المقلَّب والمقبوض.
فأين ما فهمه الحلولية من السياق!!؟؟
قال العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-: (وقوله: "أنا الدهر" أي مدبر الدهر ومصرفه؛ كما قال الله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، كما قال في هذا الحديث: "أقلب الليل والنهار" والليل والنهار هما الدهر.
ولا يقال: بأن الله نفسه هو الدهر، ومن قال ذلك فقد جعل المخلوق خالقاً، والمقلَّب مقلِّباً.
فإن قيل: أليس المجاز ممنوعاً في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفي اللغة؟
أجيب: بلى، ولكن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وهنا في الكلام محذوف تقديره: "وأنا مقلب الدهر " لأنه فسره بقوله: "أقلب الليل والنهار" ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الخالق الفاعل هو المخلوق المفعول)]
فتأمل أن من سب الدهر فقد سب مقلِّبه، ولهذا جاء النهي، ونسبة الفعل إلى فاعله أمر معلوم جوازه وصحته عقلاً ولغة؛ كقول العرب: أنا الضارب.
وأيضاً فإن نسبة المفعول إلى فاعله أمر جائز أيضاً لغة وعقلا؛ كقول: ناقة الله، وعبد الله، ودهر الله.
وهنا حصر الخبر على المبتدأ دليل على الملكية الخاصة، التي لا يتصرف فيها معه غيره مطلقاً بوجه من الوجوه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
بريق مسلمة @bryk_mslm
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
( شمس الجنوب )
•
جــزاك الله خــير
الصفحة الأخيرة