في رحاب الأسماء والصفات : (1) معنى اسم الله * اللطيف *
--------------------------------------------------------------------------------
المعنى اللغوي للاسم:
لَطَف بالفتح من البر والرفق والتحفي، يقال الطفته وألطفه: أتحفته.
ولطُف بالضم من الدقة والخفاء، وقيل هو ما غمض وخفي إما حقيقته أو معناه،
واللطيف صفة لله واسم من أسماءه الحسنى، قال ابن منظور في اللسان :
(وفي التنزيل العزيز: {اللطيف بعباده} وفيه: {وهو اللطيف الخبير} ومعناه و الله أَعلم الرفيق بعباده. قال أَبو عمرو: اللطيف الذي يوصل إِليك أَربك في رِفْق، واللُّطفُ من الله تعالى: التوفيق والعِصمة، وقال ابن الأَثير في تفسيره: اللَّطِيف هو الذي اجتمع له الرِّفق في الفعل والعلمُ بدقائق المصالح وإِيصالها إِلى من قدَّرها له من خلقه).
وروده في القرآن:
ورد هذا الاسم في القرآن سبع مرات منها:
1- (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام (103)
2- (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك (14)
3- (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف (100)
معنى الاسم في حق الله تعالى:
ينتظم هذا الاسم في ثلاثة معاني :
1- اللطيف: بعباده الرفيق بهم الذي يوصل إليهم مصالحهم بالطرق الخفية، قال العلامة السعدي: ومن لطفه ، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه ، ويوصلها إليه بالطرق ، التي لا يشعر بها العبد ، ولا يسعى فيها . ويوصله إلى السعادة الأبدية ، والفلاح السرمدي ، من حيث لا يحتسب، وقال ابن القيم: الذي يوصل الرحمة لعباده بالطرق الخفية، وقال البغوي في تفسيره: الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق،
2- اللطيف: الذي لطف علمه ودق حتى أحاط بالخفيات من الأمور، قال ابن سعدي:
اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء ، وخفياتها ، وسرائرها،
فمن دقة علمه وعظيم إحاطته بخفي ودقيق المعلومات انه يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرّةً إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر, ولا يخفى عليه خافية، وقال الشوكاني في قوله تعالى: (إن الله لطيف ) لاتخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفي.
3- الذي لطف عن أن يحاط به أو يدرك بالكُنه والكيفية، يقول تعالى:
(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ *وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فقد احاط سبحانه بجميع الموجودات، ولم يحط به علما احد من خلقه، وإن علموا شيئا من اسماءه وصفاته، مما تفضل عليهم بتعليمهم إياه، إلا أنهم لم يعلموا حقائقها، ولا كنه ذاته العلية تعالى وتعاظم سبحانه..!،
الآثار الإيمانية والمسلكية لهذا الاسم:
1- الإيمان باسمه اللطيف واثبات ما تضمنه من وصوف الجمال والجلال والعظمة، بلا تعطيل او تحريف ولا تمثيل أو تكييف، وهذا هو مذهب اهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، تنزيه بلا تعطيل، واثبات بلا تمثيل.
2- الإيمان بعظيم علم الله تعالى فلا يخفى عليها من المعلومات شيء وإن دقت وخفيت ولطفت، يقول تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام (59) قال ابن سعدي – رحمه الله- هذه الآية العظيمة ، من أعظم الآيات تفصيلا ، لعلمه المحيط ، وأنه شامل للغيوب كلها ، التي يطلع منها ما شاء من خلقه . وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين ، والأنبياء المرسلين ، فضلا عن غيرهم من العالمين ، ويقول عز من قائل حكيم: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) لقمان (16) قال الشوكاني في تفسيره: "إن الله لطيف لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفي، وهذا يستلزم من العبد تعظيمه سبحانه ومراقبته في السروالعلن، في السكنات والحركات، فكلما زاد يقينه بلطف علم الله تعالى كلما ازداد مراقبة له وحياء منه في خلوته وجلوته.
3- محبة الله تعالى فإن معرفته باسمه اللطيف المتضمن لمعنى عظيم من معاني الجمال* فرفقه-سبحانه- بعباده وايصاله مصالحهم بطرق خفية من وصوف الجمال التي تورث من تحقق بمعرفتها محبته سبحانه والتعلق به.
4- عدم الياس والقنوط من رحمته سبحانه، وإحسان الظن به مهما تكالبت الخطوب واشتدت النوازل، فلرب فرج عظيم في باطن ضيق وهم،ولرب سعادة دائمة غُلفت بشقاء عابر، يقول ابن القيم –رحمه الله- عن يوسف وما جرى عليه من الأحداث : " فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من مفارقة أبيه، وإلقائه في السجن، وبيعه رقيقا، ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه، وكذبها عليه، وسجنه، محنًا ومصائب، وباطنها نعمًا وفتحًا، جعلها الله سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة" ا. ه.، فقضاء الله كله خير للعبد المؤمن إن صبر واحتسب وأحسن الظن في اللطيف الخبير سبحانه.
5- أن من عظيم رفقه سبحانه بعباده أنهم مكلؤون بحفظه ورعايته منذ كان احدهم قطرة في ظهر ابيه، إلى أن تخرج هذه القطر وتلتقي ببويضة الأم في رحمها ثم إذا تدرج في مراحل الخلق من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسو العظام لحما، إلى أن يحين وقت الخروج من الرحم ولا يكون له ذلك إلا بلطف الله ورحمته، ثم ييسر له قوته من أحب وأقرب مكان إليه، ويعرف طريقه، ثم يكون له منه الحفظ والرعاية في جميع الأحوال، واعظم ما رفق من الرب بالعبد ان يوفقه للهداية والصلاح والاستقامة على منهج الله الذي يرضاه من العبد، ويعصمه من الذنوب، وإن وقع في شيء منها يسر له طريق التوبة والرجوع فصار عبدا توابا أوابا.
والله تعالى أعلم وأعظم واحكم..
* قال الشنقيطي في أضواء البيان:اشار في مواضع أُخر إلى أن نفي الإدراك المذكور هنا لا يقتضي نفي مطلق الرؤية كقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌإِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وقوله {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم
* قسم العلماء صفات الله من حيث المعنى إلى صفات جمال تورث المحبة، وصفات جلال تورث التعظيم.
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع: لسان العرب لابن منظور، تفسير السعدي، تفسير ابن كثير، تفسير الشوكاني "فتح القدير"، اضواء البيان للشنقيطي، تفسير البغوي، النهج الأسمى للنجدي، شرح أسماء الله الحسنى لابن القيم جمع وتحقيق وتخريج يوسف علي بديوي و ايمن عبد الرزاق الشوا
علما أني واختصار للوقت والجهد سرت على طريقة النجدي في ترتيبه..أسأل الله ان يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وينفع به أحبتي في الله من الأعضاء والزوار اللهم آمين
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
المهنويه
•
جزاك الله خير وبارك فيك
الصفحة الأخيرة