( 8 )
المنصرون يتصدون للعمل !
وكان من مستلزمات عمليات القمع وقطع دابر مدبري الانقلاب السبتمبري الفاشل، أن ألقي القبض على عشرات الألوف ممن ثبتت علاقتهم بالانقلاب، وأودعوا المعتقلات رهن التحقيق.
ولقد سمحت الحكومة للهيئات الدينية أن تقدم خدماتها الإرشادية إلى المعتقلين، رجاء إمكان إصلاحهم وإعادتهم إلى حظيرة الإيمان والعقيدة، فهرع المبشرون من مختلف الطوائف والنحل يباشرون نشاطهم مع هؤلاء البؤساء لا عن طريق الإفلات والإرشاد، ولكن عن طريق استغلال بؤسهم ومحنتهم، فقد كان المبشرون يبدون لهم استعدادهم لإعالة ذويهم وإعاشة أسرهم، شرط أن يوقعوا على صك الاعتراف بانضمامهم إلى الكنيسة التي يبشر المبشرون بها، وهؤلاء البؤساء يعرفون جيدا تردي الأوضاع الاقتصادية آنذاك، وماذا يعني ذلك بالنسبة لذويهم، فقد كانوا من أصحاب الفضل في ذلك أيام تهريجهم مع سوكارنو، لذلك سارعوا في الاستعداد للتوقيع على الاعتراف، واثقين من أن في عملهم ذاك سلامة أسرهم من غوائل الجوع والمسغبة، وهكذا تدرج أسماؤهم تقارير التبشير وعدد الذين تنصر بالرضا والاقتناع.
وهو أسلوب متناه في الإسفاف والدناءة في ابتزاز العقائد، باستغلال البؤس والعوز والفاقة.
الوسائل التي اتخذها سوكارنو لإضعاف الإسلام.
والحق أن المبشرين قد مارسوا نشاطهم التبشيري-كما أسلفنا-منذ أيام سوكارنو، فقد كان سوكارنو يعلم أن الإسلام يعتبر قوة هائلة في البلاد، وأن المسلمين كانوا أصحاب السهم الوافر في حروب الاستقلال ومقاومة المستعمرين، منذ أن وطئت أقدام الاستعمار إندونيسيا، فكان يحاول إضعاف نفوذ الإسلام بشتى الطرق، من ذلك تشظية وحدة العمل الإسلامي بتفريقه إلى عدة أحزاب، ومن ذلك أيضا تنشيط العناصر المقاومة للإسلام الموتورة منه، فقرب إليه الشيوعيين رغم طعنتهم الغادرة للنضال التحرري الإندونيسي سنة: 1948م بثورتهم الرهيبة التي أشعلوها في جاوة الشرقية، ومكنهم من التسلل إلى مختلف المراكز الحساسة في جهاز الدولة.
وساند النشاط التبشيري بمختلف الوسائل حتى نال المبشرون من التسهيلات، ما لم يكونوا يحلمون به في أوج الاستعمار النصراني في إندونيسيا، فقد أصبح المبشرون يفدون إلى إندونيسيا من مختلف مراكز التبشير العالمية، ومن مختلف الملل والنحل، لا يسألهم سائل من أين جاءوا والى أي منطقة في إندونيسيا سيذهبون، وأقيمت الكنائس في المدن والقرى، أما في جاكرتا فكانت كنائسها المستجدة من حيث الكثرة والفخامة تفوق الحد والحصر، خاصة بالنسبة لوزارة الشؤون الدينية أيام سوكارنو، وكانوا يشيدون كنائسهم في الأحياء الإسلامية الصرفة بل تجرأوا على إقامة كنيسة لهم في آتشيه، المنطقة المعروفة بنقائها الإسلامي الصرف.
أهم أسباب تمكين النصارى في إندونيسيا.
أما كيف أمكنهم هذا، فالسبب يكمن في وجود هيئات تبشيرية عالمية ذات إمكانات مادية ضخمة، حيث تتلقى هبات مالية سخية من المؤسسات التجارية ومن شركات البترول التي تستغل بترول العالم الإسلامي، هذه الهيئات التبشيرية العالمية هي التي تمد التبشير في إندونيسيا.
واعترف سوكارنو بالهندوكية والبوذية والوثنيات، كأديان تقف على قدم المساواة مع الإسلام في إندونيسيا، إمعانا منه في إضعاف شأن الإسلام، وحرصا منه على تنحيته من مكان الصدارة والأولوية.
وبفضل جهود سوكارنو عاد للبوذية كيانها في إندونيسيا، وتجرأ البوذيون من مختلف أصقاع العالم على إقامة شعائر دينهم في معبد "بوروبودرو" بجاوة الوسطى، بعد أحقاب طويلة، كان هذا المعبد لا يعدو كونه تحفة من التحف من التحف تحت رعاية مصلحة الآثار والعاديات، وأصبح للبوذية والهندوكية ركن خاص في الإذاعة والتلفزيون.
وبعد سقوط سوكارنو تضاعف نشاط التبشير تضاعفا عظيما، فأصبح المبشرون لا يتورعون عن اقتحام حلقات الدروس الدينية في المساجد والمصليات، يوزعون مطبوعاتهم، ويرتادون بيوت المسلمين في غيبة الآباء، يبشرون النساء والأولاد، مما أثار ردود فعل عنيفة جدا، وأثار أزمات مستحكمة في سنوات 66 و 1967م.
وقد دعا الرئيس سوهارتو إلى عقد مؤتمر للأديان ضم زعماء المسلمين والنصارى والبوذيين، وناشد الأطراف المعنية بأن لا يمارسوا التبشير بين جماعات الطرف الآخر، ولكن المسيحيين اعتذروا وتذرعوا بحجة أن الإنجيل يأمرهم بإنقاذ الحملان الضالة، ودار حديث طويل في جلسات المؤتمر لم يسفر عن تخفيف النشاط المحموم للمبشرين.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️