مع المرأة
سعيد النورسي
]صاحبة الأبد
ينبغي أن يكون بين الزوجين المومنين الرحمة التي تصل إلى حد التضحية والإيثار. ولا يحصل هذا الاحترام الخالص والرحمة المتبادلة الوفية إلاّ بالإيمان بوجود علاقات صداقة أبدية ورفقة دائمة ومعيّة سرمدية في زمن لانهاية له وتحت ظل حياة لاحدود لها، تربطها علاقات أبوةٍ محترمة مرموقة وأخوّةٍ خالصة نقية وصداقةٍ وفيّة نزيهة حيث يحدّث الزوج نفسه: "إن زوجتي هذه رفيقة حياتي وصاحبتي في عالم الأبد والحياة الخالدة، فلا ضير إن أصبحت الآن دميمة أو عجوزاً، إذ إن لها جمالاً أبدياً سيأتي، لذا فأنا مستعد لتقديم أقصى ما يستوجبه الوفاء والرأفة، وأضحى بكل ما تتطلبه تلك الصداقة الدائمة".. وهكذا يمكن أن يكنّ هذا الرجل حباً ورحمة لزوجته العجوز كما يكنّه للحور العين. وإلاّ فان صحبة وصداقة صورية تستغرق ساعة أو ساعتين ثم يعقبها فراق أبدي ومفارقة دائمة لهي صحبة وصداقة ظاهرية لا أساس لها ولاسند. ولايمكنها أن تعطي إلاّ رحمة مجازية، واحتراماً مصطنعاً، وعطفاً حيواني المشاعر، فضلاً عن تدخل المصالح والشهوات النفسانية وسيطرتها على تلك الرحمة والاحترام فتنقلب عندئذٍ تلك الجنة الدنيوية إلى جحيم لاتطاق.
سعادة النساء
إن العلاج الناجع لإنقاذ سعادة النساء من الإفساد في دنياهن وأخراهن معا، وإن الوسيلة الوحيدة لصون سجاياهن الراقية اللاتي في فطرتهن من الفساد، ليس إلا في تربيتهن تربية دينية ضمن نطاق الإسلام الشامل. وإن الزوج الرشيد لا يبني محبته لزوجته على جمال ظاهري زائل لا يدوم عشر سنوات، بل عليه أن يبني مودته لها على شفقتها التي هي أجمل محاسن النساء وأدومها، ويوثقها بحسن سيرتها الخاصة بأنوثتها، كي تدوم محبته لها كلما شابت. وإنه لا يمكن أن يكون -في هذا الزمان- تنعّم بحياة عائلية وبلوغ لسعادة الدنيا والآخرة وانكشاف لسجايا راقية في النساء إلا بالتأدب بالآداب الإسلامية التي تحددها الشريعة الغراء.
حجاب المسلمة صون من المهانة
إن رفع المدنية السفيهة الحجاب وإفساحها المجال للتبرج يناقض الفطرة الإنسانية. وإن أمر القرآن الكريم بالحجاب - فضلاً عن كونه فطرياً - يصون النساء من المهانة والسقوط، ومن الذلة والأسر المعنوي ومن الرذيلة والسفالة، وهن معدن الرأفة والشفقة والرفيقات العزيزات لأزواجهن في الأبد.
رفيقها الأبدي
تلك الزوجة الضعيفة، إذ هي ليست صاحبته ورفيقته في حياة دنيوية مؤقتة، وإنما هي رفيقته المحبوبة في حياة أبدية خالدة. فيلزم أن يتحابا باحترام أزيد ورحمة أوسع، كلما تقدما في العمر. أما حياة الأسرة التي تتربى في أحضان المدنية الحديثة فهي معرضة للانهيار والفساد، حيث تبنى العلاقة فيها على صحبة مؤقتة يعقبها فراق أبدي.
وكم هي سعيدة تلك الزوجة التي ترى زوجها متدينا فتتمسك بأهداب الدين لئلا تفقد رفيقها الأبدي، فتفوز بسعادة آخرتها ضمن سعادة دنياها! وما أشقاها تلك الزوجة التي تنظر إلى فجور زوجها وفسقه وتقلده بصورة أخرى! إذا ما شاهدت الزوجة فسادا في زوجها وخيانة منه وعدم وفاء، فقامت هي كذلك- عنادا له - بترك وظيفتها الأسرية وهي الوفاء والثقة فتفسدهما، يختل عندئذٍ نظام تلك الأسرة كليا ويذهب هباء منثوراً، كالإخلال بالنظام في الجيش.
أيتها الأخت المومنة
أيتها الأخت المومنة، إن كنت تجعلين الحياة الأخرى غاية المنى وتتخذين هذه الحياة الدنيا وسيلة لها ومزرعة، وسعيتِ لها سعيها فسوف تكونين في جوار سيد البشر صلى الله عليه وسلم العبد العزيز لدى خالقه الكريم وستصبحين الـضيف المكرم الفاضل في هذه الدنيا منتظرة ما وعد الله عباده التوابين من نعيم مقيم في جنة الخلد.
النساء مخلوقات مباركات
إن النساء مخلوقات مباركات خلقن ليكنّ منشأ للأخلاق الفاضلة، إذ تكاد تنعدم فيهن قابلية في الفسق والفجور للتمتع بأذواق الدنيا. بمعنى أن النساء نوع من مخلوقات طيبات مباركات، خلقن لأجل قضاء حياة أسرية سعيدة ضمن نطاق التربية الإسلامية.
فداء الأم
إن فداء الأم بروحها إنقاذاً لولدها من الهلاك من دون انتظار لأجر، وتضحيتها بنفسها بإخلاص حقيقي لأولادها باعتبار وظيفتها الفطرية، تدلان على وجود بطولة سامية رفيعة في النساء، بحيث يستطعن أن ينقذن حياتهن الدنيوية والأخروية بانكشاف هذه البطولة وانجلائها في أنفسهن، إلا أن تيارات فاسدة تحول دون ظهور تلك السجية القيمة القويمة وتمنع انكشافها، أو تصرف تلك التيارات هذه السجية الطيبة إلى غير محالها فتسيء استعمالها.
إن مما يثبت بطولة النساء في تضحيتهن العظيمة دون انتظار لأجر ولاعوض، من دون فائدة يجنينها لأنفسهن ومن دون رياء وإظهار لأنفسهن، هي استعدادهن للفداء بأرواحهن لأجل الولد، أقول إن مما يثبت ذلك هو ما نراه في الدجاجة التي تحمل مثالا مصغراً من تلك الشفقة، شفقة الأمومة وحنانها، فهي تهاجم الأسد، وتفدي بروحها، حفاظا على فراخها الصغار. فإذا ما بدت هاتان النقطتان، الشفقة والشجاعة الفدائية، في تلك الطائفة المباركة، طائفة النساء، فإنهما ستكونان مدار سعادة عظمى في المحيط الإسلامي]

أخت أخوها @akht_akhoha
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️