مـــن أيــــن جاءنــــا فكـــــر التكفيـــــر .. ؟!

الملتقى العام

من أين جاءنا فكر التكفير...؟

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق (*)

جريدة الجزيرة السعوديّة

الأحد 28 ,رمضان 1424 .. العدد 11378

الكثير يتساءل من أين جاءنا فكر التكفير وهناك من ينفي وجود تكفيريين

في هذا المجتمع وهناك وهناك وفي الحقيقة أن فكر التكفير دخل

مجتمعنا بطريقة سرية مغلفة غير مكشوفة ومعلنة كما يفعله عصابات

المخدرات ومروجوها في حيلهم لإدخال تجارتهم الكاسدة عبر منافذ

حدود الدول.

إليكم أعزائي القراء إجابة لهذا التساؤل آنف الذكر من أين جاءنا فكر

التكفير؟

في المرحلة الجامعية وفي الدراسات العليا أذكر أن أحد أساتذتنا غفر

الله له طلب منا إحضار كتاب معالم في الطريق لسيد قطب تجاوز الله

عنه فطلب منا قراءته كاملاً وكان يشرحه ويعلق عليه وإليكم بعضاً من

قول سيد قطب في هذا الكتاب ولكم الحكم بعد ذلك يقول: (يدخل في

إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها تقدم

الشعائر التعبدية لغير الله ولكنها تدخل في هذا الإطار أنها لاتدين

بالعبودية له وحده في نظام حياتها... فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا

الله تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله

فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها

وتقاليدها... موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة

واحدة أن يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها). معالم في

الطريق طبعة دارالشروق ص101-103.

ويقول أيضاً: (ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت

عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله) في

ظلال القرآن دار الشروق 2/1057.

وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وّاجًعّلٍوا بٍيٍوتّكٍمً قٌبًلّةْ} بعدأن بينا فيما

سبق دخول مسلمي العصر في إطار المجتمع الجاهلي يقول: (وهنا

يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية - مساجدها- واتخاذ بيوت العصبة

المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي) في

ظلال القرآن (3/1816- دار الشروق).

وقال أيضاً: (إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها

العذاب إلا بأن تنفصل عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من

قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها وإلا تشعر شعوراً كاملاً

بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما

دخلت في جاهلية) في ظلال القرآن (4/2122- دار الشروق).

وقال: (إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم

قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي) في ظلال القرآن

4/2122- دار الشروق.

هذه بعض أقوال سيد قطب التي يقررها محبوه بل الغالون فيه إلى اليوم

ومن وراء الكواليس على تلاميذهم ومريديهم سواءً في بعض

المؤسسات التعليمية الرسمية أو الأهلية أو في الملتقيات الخاصة سواءً

كانت مخيمات دعوية أو استراحات أو غيرها.

وما يشهده واقعنا اليوم من خروج فئة تعتقد وجوب البدء بمقاتلة مرتدي

المسلمين وهم علماؤنا وحكامنا بل نحن أيضاً قبل البدء بمقاتلة اليهود

والنصارى يؤكد تأثر هذه الفئة المنحرفة عقديا بما اشرنا اليه من اقوال

سيد قطب ومن الحقائق المرة التي ينبغي بيانها هنا ان الكثير من

المحسوبين على طلبة العلم في ساحتنا اليوم ومن خريجي جامعاتنا

الموقرة قد تلقوا هذا الفكر فمنهم من اشربه وسار في عروقه ومنهم

من هو اقل من ذلك ومنهم من رفضه ولم يستجب له وهم قلة، ومن

الحقائق المرة ايضا والتي يجب ان نعرفها جميعا ان جميع مؤسساتنا قد

اخترقت من قبل هؤلاء بل لا أبالغ ان قلت ان بعض كبار مسؤولينا قد

تمكن محبو سيد من التأثير في قراراتهم.

قادة هذا الفكر ومنظروه يعملون في مجتمعنا ليل نهار ومنذ قرابة

خمسين عاما ينظرون ويقررون وينفثون سمومهم وقد رسموا لأنفسهم

خطة محكمة وفق تخطيط دقيق جدا وقد وزعوا ادوارهم ومسؤولياتهم،

وتعالوا معي نستعرض سويا واقعنا وما نشهده من احداث مؤسفة جدا

ألا تدركون معي ان بعضا من طلبة العلم هداهم الله حينما يظهر على

الشاشة أو في المذياع ضمن برنامج أو ندوة عن الأحداث يتسم حديثه

بالميوعة والغبش حيال تجريم مثل هؤلاء والمبالغة في تشنيع فعلهم

والتحذير منهم بل نرى ونسمع من يحرص على محاولة إقناع السامع أو

المشاهد بأنهم اخواننا بغوا علينا وانهم من الكفر فروا وقد تكرر هذا كثيرا

عبر وسائل اعلامنا فأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم «يمرقون

من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وإذا قررنا ان هؤلاء قد تلقوا

في رحلتهم الجهادية التدريبية في حقيقتها كتاب «الكواشف الجلية في

كفر الدولة السعودية» وأنهم الآن وبعد ان تدربوا على السلاح انتقلوا

الى مرحلة التنفيذ بعد مرحلة التخطيط فالتدريب في برنامج فكرهم

المنحرف وعودوا ان شئتم الى مصنفات قادة فكرهم تجدون تفصيل هذه

المراحل وبيانها والتأكيد عليها بكل دقة.

التساؤل الذي يرد هنا أين دور كبار علمائنا وأين جهد مؤسساتنا

الاعلامية وأين جهد مؤسساتنا الدعوية بل أين جهد خطباء مساجدنا

وجمعنا في التصدي لهذا الفكر الخطير والخطير جدا؟

لعلكم تدركون معي جيدا الضعف الشديد في مواجهة هذا الفكر

والتصدي له بل من المؤسف والمؤسف جدا انه حينما يظهر من يحاول

فضح هذا الفكر والتحذير منه يواجه بحرب شعواء وتعنيف شديد وتخطئة

وتجريح ولا ادل على ذلك من محاولة صاحب السمو الملكي الأمير نايف

بن عبد العزيز حفظه الله فضح هذا الفكر ومثالبه والتحذير منه ولا يخفى

على الجميع سلبية الجميع في مؤازرة سموه وتأييده والتأكيد على ما

ذكره بل من المؤسف ان بعض طلبة العلم قد تطوع في الرد على سموه

وتفنيد ما قرره.

اختم مقالي هذا بنداء لمسؤولينا وفقهم الله بضرورة تخصيص ميزانية

كبرى لمواجهة هذا الفكر وتسخير بل تجنيد كل الامكانيات وتوجيه جميع

المؤسسات الرسمية ذات الاختصاص لمواجهة هذا الفكر وفضح نوايا

هذه الفئة ومنظريها قبل ان يستفحل الامر ويتسع الخرق على الراقع.

والله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ان يجعل تدبيرهم

تدميرهم وان يرد كيدهم في نحورهم وان يكفينا شرورهم وهو المسؤول

جل وعلا ان يحفظ لهذا البلد أمنه وولاة امره وصلى الله على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


(*) عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية
3
578

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ملكه النحل
ملكه النحل
اخي في الله اسير الدليل فك التكفي جائنا من الفكر الظال من الجهل ومن قل لديه العلم والدين والعياذ بالله من فكرهم

وانا اعرف واحد قريبي يكفر ولا كن ماذا افعل ؟ هداه الله واصلحه ويمكن الحديث يجيب معاهم نتيجه ! ربما .

واسمك مر على وووين ؟؟؟ الظاهر بالحقوق اوبالفوائد والله مادري يمكن؟ المهم شكرا لبحثك بالحل هنا بالمنتدي النسائي حــــــــــــــــواء....
أسير الدليل
أسير الدليل
ملكة النحل ..

مشكوووورة على المرور ..

وربي يعطيك العافية ..
أسير الدليل
أسير الدليل
من أين جاءنا فكر التفجير؟

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق ( * )

جريدة الجزيرة السعوديّة

العدد 11402

الاربعاء 23 ,شوال 1424


تضمن مقالي السابق والذي نشر في هذه الجريدة بعددها رقم 11378 تاريخ الأحد

28/9/1424هـ. بيان منهج سيد قطب في الحكم على المسلمين عموماً بالكفر دون فقه منه،

عفا الله عنا وعنه، لمفهوم لا إله إلا الله ولا عجب في ذلك فلا يعرف عنه طلب العلم بأي شكل

من أشكاله ، نعم ، هو كاتب وأديب ومفكر يستطيع بأسلوبه الأدبي إقناع القارئ بما يريد.

وما أود إضافته إلى ما سبق في المقال آنف الذكر هو إفتاؤه بل حثه وتحريضه لشعوب

المجتمعات الإسلامية بضرورة الثورة العارمة على حكامها وأنظمتها عموماً في مشارق الأرض

ومغاربها وقد رجعت إلى هذا القول والمسطر في مصنفه في ظلال القرآن وإليكم نصه: «... لعلك

تبينت مما أسلفنا آنفاً أن غاية الجهاد في الإسلام هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه وإقامة

حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها. وهذه مهمة إحداث انقلاب

إسلامي عام - غير منحصر في قطر دون قطر بل مما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث

هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى الذي يطمح

إليه ببصره إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم

بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها» المرجع في

ظلال القرآن سيد قطب ج3/ص1451 طبعة دار الشروق.

هذا هو قول سيد ومفهومه نصاً دون تأويل ، التشريع لهؤلاء التفجيريين بالقيام والسعي لتغيير

النظم الحالية عبر ما أشار إليه إمامهم في قوله آنف الذكر من ضرورة إحداث انقلاب عام في

جميع أقطار المعمورة لا يختص بقطر دون قطر وهذا ما برر ويبرر ما يعيشه واقع العالم

الإسلامي ليس مختصاً بقطر دون قطر الشروع في مهمة إحداث الانقلاب في مشارق الأرض

ومغاربها.

أدعو القراء جميعاً إلى فقه عقيدة أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية في تكفير المسلم ومتى

يحكم بالكفر وما هو الكفر البواح وقول العلماء في الشروط التي تجيز إحداث الانقلاب العام الذي

يشير إليه سيد في مقاله السابق، بل أدعو القراء إلى العودة إلى الآيات القرآنية والأحاديث

النبوية التي توجهنا بكيفية وأسلوب التعامل مع الحاكم المسلم الذي يشهد ألاّ إله إلا الله وأن

محمداً رسول الله وكتب العقيدة مليئة ببيان الحق ومنها العقيدة الطحاوية وغيرها.

ولعل من الضرورة بيان شيء من الأسباب التي أوصلتنا إلى الواقع المرير الذي نعيشه

وساعدت في انتشار هذا الداء الخطير والمرض القاتل.

أولاً: عدم إدراك أصحاب القرار في أقطار المعمورة خطورة فكر جماعة الإخوان المسلمين

وإغفاله وعدم الحزم المبكر بإعلان الحرب على هذا الفكر وتفنيد أقوالهم بل وعذراً إعطاء

الفرص لمنظري هذا الفكر بالتمكين لهم بكل ما يعني التمكين بهدف احتوائهم واستراتيجية

الاستفادة منهم في بعض القضايا المستقبلية وإن أدى هذا الاحتواء دوراً إيجابياً إلا أنه استثمر

من قبل أولئك في خدمة الفكر وبثه وإعمال المنصب في الاستفادة من كافة الوسائل الإعلامية

والمؤسسات الرسمية والأهلية والتعاونية في دعمه فكرياً ومادياً وحسياً ومعنوياً.

ثانياً: الاتهام الجريء من حملة هذا الفكر لكل من يدين الله تعالى من العلماء وطلبة العلم

بخطورة فكرهم ويحذر منه ويسعى لفضحه وبيان مكامن الخطر فيه بأنه رجل مباحث وغايتهم في

ذلك الإساءة إلى سمعته في أوساط المجتمع وتنفير الشباب منه أو يتهم بأنه يريد تفريق

المسلمين أو يرمي إلى الشهرة أو يريد بعمله هذا إرضاء المسؤول ليحظى بمنصب أو مكرمة

دنيوية وأعرف عدداً من مشايخنا الأفاضل أوذي بهذا الأسلوب فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا

الله ونعم الوكيل.

وأقول سبحان الله ومتى شققنا عن قلوب البشر لنعلم نواياهم ومقاصدهم ولقد كانوا هم يرددون

هذه العبارة حينما يؤول قول أحد منظريهم بالتأويل السيء سمعنا ولا زلنا نسمع أنتم تتهمون

النوايا.

ولما ابتلي به عالمنا وأوقعنا اليوم من ظهور التعصب المقيت بأنواعه سواء التعصب الحزبي أو

التعصب الثقافي أو التعصب الشهواني، كل ذلك على حساب التعصب الديني، استطاع قادة هذه

الأحزاب أن يؤثروا في الرعاة والرعية وأن يوجدوا لهم قاعدة عريضة وشعبية كبيرة وأن

يقصوا ويهمشوا الدور الأسمى لعلمائنا الكبار بل وأن يضعفوا دور المرجعية الشرعية كما

استطاعوا أن يوجدوا فجوة كبيرة بين العلماء والأمراء وبين العلماء والشباب وبين العلماء

والعامة واستطاعوا أن يقنعوا الناس عامة بأن دور العلماء ينحصر في قضايا الحيض والنفاس

والطلاق وغيره أما القضايا المهمة الفكرية والاقتصادية والتعليمية وغيرها فهم أبطالها

وفرسانها فشاركوا في الإمساك بالزمام والمشاركة في كبينة القيادة ليقودوا المجتمعات إلى ما

يعيشه واقعهم اليوم، فجاؤونا بالاحتفالات البدعية وحسّنوا لنا ضرورة إعادة النظر في المناهج

بدعوى أنها تنمي الإرهاب وأحدثوا مركزاً ليكون منبراً لهم ولأمثالهم من أصحاب الملل

المنحرفة، كي يبثوا منه أفكارهم وعقائدهم المنحرفة وأحدثوا وزالوا الكثير من التغييرات وعلى

جميع المستويات.

أقول أيضاً نحن أمة وفقنا الله لحمل لواء الزعامة الدينية وأكرمنا الله ومكن لنا حينما بنينا

قواعدنا على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووفقنا لتطبيق شرعه وحدوده

فمكانتنا في أعماق قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا لأننا المملكة العربية

السعودية.. ولكن لعنايتنا الخاصة والمشكورة بمقدسات المسلمين وللجهود العظيمة والمواقف

الكبيرة المباركة التي بذلها ويبذلها قادتنا وفقهم الله تجاه المسلمين عموماً فهل يريد قادة هذه

الأفكار أن نكون مثل شيلي أو شيكوسلوفاكيا أو النبيال أو غيرها من الدول التي تقع على هامش

الواقع.

إنه لا نجاة لنا، رعاة ورعية، إلا بالعودة إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه

وسلم وإعادة دور المرجعية الشرعية كما كان معمولاً به لدى أسلاف مؤسسي هذا الكيان

العظيم والذي ما كان ليقوم لولا التعاهد والتواثق على العمل بالكتاب والسنة وتطبيق شريعة الله

وتنفيذ حدوده في كل صغيرة وكبيرة وتقريب العلماء واستشارتهم والعمل بنصائحهم، فلن يصلح

آخرها إلا ما صلح به أولها، ولن يصلح آخر هذا المجتمع، رعاة ورعية، إلا ما صلح به أوله

والعاقل من اتعظ بغيره واللبيب من اعتبر بحوادث الدهر والجميع يعلم تماماً ولنتعظ بما مر بنا

من محن ومصائب وفتن عبر عدة سنوات فوالله ما أوتينا إلا من قبل أنفسنا فإلى متى ونحن في

طريقنا إلى الهاوية فكرياً وأمنياً وسلوكياً..؟

ألا نستيقظ ونراجع حساباتنا قبل فوات الأوان.

والله من وراء القصد و هو المستعان والهادي إلى سواء السبيل.


( * ) عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية