مفاتيح في تربية وبناء النفس ...
عبد الله بن سعيد آل يعن الله
مقدمة ...
لا شك أن الإنسان يمتلك قدرات عظيمة ، ومواهب جمّة سواء كان ذلك في الجوانب العملية ، أو الجوانب العلمية ، أو غيره ...
لكن ...
هناك مصدر أساسي للتفوق والنجاح ، وأعتقد أنه من المهم أن نعطي هذا المصدر الإهتمام البالغ ، سواء كان ذلك في تربية النفس ، أو تربية الغير ...
هذا المصدر هو إصلاح النفس ، وتربيتها التربية المثالية التي يريدها الله عز وجل منا ...
وسوف ألفت انتباهك أيها القارئ ، إلى 14 مفتاحا ، علها أن تسهم في بناءك للنفس ، وتكون مجرد مفاتيح لسر البناء الذاتي ...
وطريقتي في هذا الموضوع هو الإشارة والتذكير ببعض الأمور التي احسب بأنها لا تغيب على أحد ، واخترت 14 مفتاحا من بين مئات المفاتيح لبناء النفس ، لأني أشعر بأهميتها والتركيز عليها في تهذيب النفس وبناءها ...
وهناك أمور كثيرة تساعد في تربية وتهذيب النفس ، ولعل الإنسان يطلع على مكنوناتها في أحد الكتب أو الأشرطة المسموعة ...
المفتاح الأول /
الإعتناء بالقرآن الكريم ...
القرآن الكريم له أثره العظيم في إصلاح النفوس وتزكيتها ، وهذا كان إهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه ، وخير شاهد على ذلك ما قاله جندب بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة( 1 ) فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً ( 2 ) .
فالإعتناء بالقرآن تلاوة ، وحفظا ، وتدبرا ، مفتاح المفاتيح التي تبني النفس الإنسانية ...
ومن الوسائل العملية التي تساعد الإنسان في الإعتناء بكتاب الله عز وجل ما يلي :-
1- سماع شريط عن فضل القرآن وأهميته ، كشريط أنيس الروح للشيخ راشد بن عثمان الزهراني ) ، ( وشريط تاج الوقار للشيخ نبيل العوضي ) ، ( وشريط ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر " منوع " ) وكذلك ) القرآن يصنعك للشيخ محمد حسين يعقوب ) ...
2- قراءة كتاب عن فضل القرآن وأهميته ، ( ككتاب مفاتيح تدبر القرآن للدكتور خالد اللاحم ) فهذا الكتاب نفيس جدا جدا جدا ثم بعد ذلك ، ( كتاب حفظ القرآن الكريم للشيخ محمد بن عبد الله الدويش ( ...
3- الانضمام إلى حلقة تحفيظ القرآن سواء كان ذلك في الحي أو البلدة التي يعيش فيها الإنسان ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) ( 3 ) ...
4- " أن يُحَسِّنَ نظرته للقرآن وينظر له على أنه كتاب شامل ‘ ومنهج حياة متكاملة ، فإن الزاوية التي ينظر منها والصورة التي يرسمها للقرآن مرتبطة ارتباطاً مباشراً في كيفية التعامل مع القرآن والإعتناء به " ( 4 )0
5- ”المحافظة على جو النص القرآني ‘ وعدم الانشغال بأي شاغل أثناء التلاوة ، ويحرص على أن يحضر الإنسان كل أجهزة وأدوات الاستجابة والتأثر " ( 5 )0
6- أن يختار الوقت المناسب في جدوله اليومي وقتاً مخصصاً للقرآن ‘ وهذا الوقت غير أوقات الصلوات ...
فمثلا ...
• لو خصص الإنسان مقدار ثلث ساعة يوميا ، تختص بتلاوة القرآن بتدبر ، ويصطحب معه أثناء القراءة تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكلام المنان للشيخ عبد الرحمن السعدي من أجل الوقوف على بعض الآيات التي لا يعرف تفسيرها ، ويكون ذلك يوميا ، ويحاول الإنسان أن يزيد في هذه المدّة ولا ينقص عنها حتى يصبح ذلك شيء أساسي في أيامه كلها ... وكذلك
• لو خصص وقتا مثل ذلك للحفظ ، فيحفظ كل يوم نصف وجه ، ويراجع ما حفظه خلال الأسبوع يوم الجمعة عند من يجيد التسميع والمتابعة أو أحد أفراد الأسرة ، وإن لم يوجد معين على التسميع فعن طريق أحد الأشرطة ... وكذلك
• أن يخصص الإنسان أوقات محددة من أسبوعه لمتابعة قناة المجد للقرآن الكريم ، وأوقات أخرى لسماع إذاعة القرآن ... وكذلك
• أن يحاول الإنسان استخدام المرتل الإلكتروني ، ويكون له أوقات محددة من أسبوعه في التعلم عن طريقه ...
7- أن يعوِّد الإنسان نفسه على سماع القرآن الكريم بتلاواته المتعددة ، فلا يكون سماع الأناشيد ، والمحاضرات ، أكثر من سماع القرآن ...
8- شراء مصحف مجود ، والتعلم عن طريقه ، كمصحف د 0علي الحذيفي ، والشيخ إبراهيم الأخضر ...
9- التخليه ... والتحليه --- وطريقة ذلك أن يتخلى الإنسان عن بعض الإعتقادات الخاطئة عن تعامله مع القرآن ، كأن يقول أنا غير قادر على تلاوة القرآن ... أو أنا غير قادر على المحافظة على جدولي الأسبوعي مع القرآن وهكذا من الخيالات المثبطة عن التعامل مع القرآن بإعتناء ، والواجب أن يحدث الإنسان نفسه بأنه يستطيع التخلي عن المعوقات التي تعيقه عن الإعتناء بالقرآن ، ويحدث نفسه بأنه سوف يحفظ ويتقن القرآن ... وغير ذلك من الشعور الذي يفضي إلى النفس حبّ القرآن والأنس به ...
10- صحبة أهل القرآن " وهذ خير معين على الإعتناء به "
11- كثرة التفكير في القرآن 0
12- الدعاء ، وكان ذلك هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول في دعائه ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ) ...
يقول عبد الله بن مسعود /
ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بِلَيْله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون..
وأنشد ذو النون:
مَنََع القُرانُ بوعده ووعيده مُقَلَ العيون بليلها لا تهجعُ
فهموا عن المولى العظيم كلامه فهمًا تُذَلُّ له الرقاب وتخضع
المفتاح الثاني /
ذكر الله عز وجل ...
من الوسائل العملية على ذلك :-
1- قراءة القرآن الكريم بتدبر وتمعن ( راجع المفتاح الثاني )0
2- حفظ الأوراد التي تقال بعد الصلاة وفي الصباح والمساء وغير ذلك من الأوراد التي تقال في مواضع كثيرة في حياة الإنسان0 وأنصح بشراء وقراءة كتيب " حصن المسلم " للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني0
3- بعد ذلك المحافظة عليها محافظة جيدة وعتاب النفس على تفويت ذلك 0
4- الخلوة من أجل ذكر الله عز وجل وتهيئة الأوقات المناسبة لذلك0
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله غي ظله يوم لا ظلّ إلا ظله (( رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )) متفق عليه0
5- تعويد اللسان على الذكر المطلق من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار سواء كان ذلك أثناء الجلوس في مجلس أو المشي على الطريق أو الجلوس على النت أو غير ذلك ... فمثلا لو جلس الإنسان على النت ساعة أو ساعتين ماذا ينقصه لو حرك لسانه بذكر الله ؟!!
6- الجلوس مع صاحب يذكرك دائما بأن تذكر الله سواء كان ذلك بقوله أو بفعله 0
7- قراءة فوائد الذكر في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لإبن القيم الجوزيه ، وهي أكثر من 73 فائدة 0
8- سماع شريط ( الأذكار الشرعية بين الإهتمام والإهمال للشيخ محمد المنجد ) ، وشريط ( الذكر للداعية عمرو خالد ) 0
9- الدعاء لله عز وجل بالإعانة على ذلك 0
10- الذهاب للأماكن التي تكون سببا لإعانتك على ذكر الله كالذهاب للحرم المكي ، والحرم المدني ، والجلوس في المساجد ، وزيارة المقابر ، وطلعة التفكر في مخلوقات الله ، والدروس والمحاضرات 0
11- تذكر عيوب النفس وسيئاتها ، وأن مثل هذه الأذكار سوف تذهب السيئات لما تشمل من الحسنات العظيمة ... قال تعالى ( إن الحسناتِ يذهبن السيئات )0
اللجوء إلى الذكر عند حصول الحزن والهم والغم 0
13- الجلوس بعد الفجر في المسجد سواء كان ذلك للرجال ، أو في البيت للنساء لأن هذا الوقت وقت هادئ يستطيع الإنسان أن يهيئ نفسه لإغتنامه بالذكر - وقد كان ذلك هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ... وكان ابن تيمية إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار ويقول هذه غدوتي لو لم أفعلها سقطت قواي 0
14- قراءة الأحاديث الصحيحة التي تشحذ من الهمم في الإكثار من الذكر ، وأيضا التي تبين الأجور المترتبة على ذلك وعلى سبيل المثال :-
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه : كيف يكسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال : ( رواه مسلم ) . وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة0
15- اصطحاب مصحف في الجيب من أجل أن تقرأه في حِلٍّك وترحالِك 0
16- تذكر قول الله تعالى ( والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ** أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيما )0الأحزاب35
17- الأذان للرجال ... فيحرص الإنسان أن يكون مؤذنا في مسجده أو في عمله أو مدرسته 0
وأخيرا /
كلما زاد حبك لله فإنك تزداد من ذكره ، لأن المرء إذا أحبَّ شيئا فإنه يكثر من ذكره0
المفتاح الثالث /
البكاء من خشية الله ...
من الوسائل المعينة على ذلك : -
1- التأمل والتدبر في هذا الحديث ...
عَن أبي مَسعودٍ -رضي اللَّه عنه- قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "اقْرَأْ علَّي القُرآنَ" قلتُ: يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟، قالَ: " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } قال: " حَسْبُكَ الآن" فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. متفقٌ عليه ...
تأمل ...
فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ ...
نسأل الله من فضله ...
2- قراءة وتدبر كتاب الله عز وجل ( راجع المفتاح الأول ) ...
3- حضور أو سماع المواعظ التي ترقق القلب ...
4- الإكثار من الخلوات بالله عز وجل ... قال صلى الله عليه وسلم ( ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) متفقٌ عليه ...
تأمل ...
( ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )
5- التأمل أيضا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( وعَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير-رضي اللَّه عنه- قال: أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ )0
تأمل ...
ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ
6- قول عبد الله بن عمرو بن العاص ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا، ويكون هذا في الخلوة وليس أمام الناس ( ولا يعتمد الإنسان على التباكي من أجل أن لا يفقد إذراف الدموع من الخدين من غير تكلف قال ابن القيم - بعد ذكره أنواع البكاء - :
وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي وهو نوعان : محمود ومذموم
فالمحمود : أن يُستجلب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرياء والسمعة ،
والمذموم : يُجتلب لأجل الخلق ...
7- تذكر ذنوبك عندما تتذكر وقوفك بين يدي الجبار سبحانه وتعالى ووقوفك على جسر جهنم ...
8- ترديد الآيات مع التمعن فيها ...
وكان هذا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ...
9- محاسبة النفس وتذكر عيوبها ...
10- عن عبيد بن عمير رحمه الله : (( أنه قال لعائشة - رضي الله عنها :- أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : فسكتت ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي .
قال : (( يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي ))
قلت : والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك .
قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي .
قالت : فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !
قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !
قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : (( أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... } الآية كلها ))
salmaسلميه @salmaslmyh
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
مرووج
•
جزاك الله خير
الصفحة الأخيرة