بسم الله الرحمان الرحيم
كم نقترف من ذنوب و كم تنوء ظهورنا بالخطايا و كم نسرف ونسرف
وكم نحمل من أوزار و آثام و لمم و كم نجترح في حق أنفسنا و نسيء
وقد نؤذي و ربما نميل و بعضنا قد تزل به القدم و ينحرف و ينجرف
و لكن نندم نستغفر ونتوب و نلوذ إلى الركن الرشيد ونعلم أن الله
غفور رحيم عفوكريم يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط
يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل
فلا أعذار أمام كرم المولى و لكن لا بد مزيدا من الحرص و التقرب إليه
جل في علاه
و رمضان فرصة للإغتسال من الأدران والتطهر من السيئات و السعي
لرجحان كفة الحسنات
فالصوم جُنة وتدريب نفسي للسلوك القويم لقلب سليم
نفحات رمضان تهب على أرواحنا لتجلو ما علق بها من أعباء و رزايا
لتصفو النفوس و تزكيها
وترمم ما هدم منها و تبني القيم النبيلة فنتمسك بالخلال الحميدة و الخصال
الفضلى
و الدين ليس عبادات و اعتكاف فحسب بل معاملات أيضا لتتناسق
منظومة الحياة
و في هذا المعترك الحياتي قد نتعرض للكثير من الإساءات والغدر
و للعديد من الطعنات
قد يهتك العرض وقد يؤفك عليك قد ترمى بسهام اللحاظ وتقذف بسموم
الكذب و البهتان ويجترؤ عليك القريب وينهشك الغريب
قد لا تتحمل قلوبنا الصغيرة فنعادي ذاك الظالم و نباعد عن ذاك المعتدي
فتتولد الضغينة و الشحناء و نشحن نفوسنا بالطاقات السالبة كالحقد
و البغضاء
وتتوتر العلاقات ويكون الشقاق و الجفاء ونسقط في حفرة الكراهية
وتعمق الهوة بيننا وبين محيطنا و الآخر
وندخل متاهة الصراعات وكيل الإتهامات ونرفع شعار لن أسامح فلان
ولن أصالح فلتان
وهناك من يشجع للأسف على القطيعة وهذا ما نقرأه على صفحات المنتدى
فهذه تشتكي من خيانة الحبيب وتلك تبكي من طعن الصديق و الأخرى
ضاق صدرها بوابل التصرفات العوجاء والسلوكيات الرعناء
وصفحات من بث الهموم و الفضفضة للتنفس من رزخ التعب و ثقل العناء
مشكلات تعرض و تحسرات وعبرات و حكايات من خلف الأبواب تكتب
كلها إدانات و اتهامات صريحة عادة و مبطنة و كثيرا ما تتحول الأزمة
إلى أزمات لأنه كثيرا من نفتقد لمن يوجهنا للصواب
فغالبا ما ينصحوك بقطع الصلة بالهجر بالفرقة برد الكيل كيلين و عشر
و نبتعد شيئا فشيئا عن مكارم الأخلاق و شيم الكرام و حسن الخلق
فنكون دوما في حالة توثب فكن ذئبا حتى لا تأكلك الذئاب و لكأننا في غابة
و يزداد الضغط ونفتقد المرونة في المعاملات و تنعدم الثقة
و نكثر الظن وننسى أن بعض الظن إثم و تكبر دائرة الأعداء
ويقل الوفاء
ونقطع الصلات و تتفكك الروابط و تضمحل الوشائج وتصدأ القلوب
وقد يعلوها الران و تذكر قول الأخيار
المرء يعرف في الزمان بفضله **وخصال الحر الكريم كأصـله
وإذا صديق قسا عليك بجهله **فاصفح لأجل الود ليس لأجله
كم سيــد متفضل قد سبــــه * *من لا يساوي غرزة في نعـله
البحر تعلو فوقه جيف الفــلا* *والــــدر منبـوذ بأسفل رمــله
وماذا نجني غير مزيدا من الصراع الداخلي ومزيدا من الأسقام و الآلام
أما آن الآوان لنعطي لحياتنا طعما آخر ونمنح لوجودنا معنى أسمى
ونرتفع ونترفع عن هفوات الآخر و نغير ما بأنفسنا عسى يتغير الآخر
صحيح نصوم عن المأكل و المشرب و الشهوات
فلمَ لا نصوم على هذه المشاعر السلبية المقيتة المميتة ؟؟؟
و نخرج من شرنقة الأحقاد ونطفئ نارا تندلع من الداخل و تتأجج
و لا يطفئهاإلا ماء السماح.. إلا مطر الغفران.. إلا مزن العفو
لنسامح لوجه الله الكريم ونغفر لمن أساء ونعفو لمن تسلط علياا
و نحتسب الأجر{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } .
فذاك ليس ضعفا وخسرانا بل كسب وراحة لأنفسنا وانتشالها من وحل
و طين الإنتقام و فتحا مبينا
حتى لا يكون الشيطان حرا طليقا فيزيد الوقيعة في نفوسنا الحبيسة
و يكبر المسألة و يعظم الأمر
فتكون قلوبا خرابا فيعشش غربان الأحزان وتستوطن الأفكار الخبيثة
و نهوي في قاع الأوجاع
لمَ لا نترك خلفنا الجراح و نذروها مع الرياح وننطلق بروح تتمرد عن
هذه المهاترات و الممارسات النابية
ونعلو كالنسور ونحلق بجناح السماح لنحيى بسلام
فباشري أخيتي و اطوي تلك الصفحات أو مزقيها و بادري بالصفح الجميل
فحينما نسامح ونعفو هوخروج من عنق تلك المشاعر الخانقة الحانقة
لنكسر أساورا تضغط علينا فترهقنا وتؤرقنا
لنتخلص من أطواق تعيقنا على التنفس والعيش بحرية و نتحرر
من كل تلك التراكمات والمشادات
بل حتى من أساء حينما يرى منا الدفع بالتي هي أحسن قد يعود إلى رشده
و يبتعد عن غيه و نفتح مغاليق القلوب بالتجاوز و الإحسان
{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
و نستعيد ألوان الحياة و بريقها الجذاب فنشعر بالسكينة وتغشانا الطنئنينة
و نتوازن و نتراحم و نتواصل و نتكاتف في كنف الصفاء والمحبة و الإخاء
في هذا الشهر الفضيل أكثر دعاء وصانا به الرسول عليه الصلاة و السلام
كما ذكرت أمنا عائشة و خاصة إن أصبنا ليلة القدر
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني
أجل الله تبارك يحب العفو أليس طاعة أن نكون من العافين ألا يجدر بنا أن
نحيي هذه الخصلة في هذا الشهرالمبارك
:{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
حتى لنستحق عفوه و ليكون منطلق لحياة أفضل بمفهوم أشمل
دعوة بكل لطف أخواتي و حتى يكون رمضاننا فعلا مختلفا لبث روح
التسامح و التصالح و إحياء تعاليم ديننا السمح و تأسيا برسولنا الأكرم
صلوات ربي و سلامه عليه ألم يعفو عن حبشي و قد قتل أحب الناس إلى قلبه
ألم يسامح القريشيين وقال قولته الخالدة إذهبوا فأنتم الطلقاء
وو ..و .. العديد من المناقب التي علينا الإقتداء بها و كانت علامات مضيئة
في تاريخ الإنسانية
و تذكري ليس مهانة أن نكظم الغيظ و نصبر فنعجل بالصلح و الصلح خير
بل عزا و رفعة و فخراو تزيدك مهابة و هيبة و هالة و ضعي قولة
عمر ابن عبدالعزيز نصب أعينك
إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي ، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها "
فتنحي أختاه عن التصادمات و لا تنحني للسفاسف واحيى بفكرة عظيمة
لتكون لحياتك قيمة ورمضان فرصة روحانية للتغيير و ليكون رمضاننا
مختلف و عفا الله عمّا سلف
بقلم و إمضاء روح الفن :)
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
