مقالات في القصّاص

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقال ابن الجوزي : " وكره بعض السلف القصص لأحد ستة اشياء " :

1-لأن القصص بدعة لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- لندرة صحة اخبار المتقدمين .

3- لأن القصص يشغل عن قراءة القرآن ورواية الحديث والتفقه في الدين .

4- لأن في القرآن والسنة من العظة ما يكفي عن غيره مما لم يصح .

5- لأن القصص في واقعه أفسد قلوب العوام .

6- لأن معظم القصاص لا يتحرون الصواب .


وقــال : وأنما ذم القصّاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ،ثم غالبهم يخلط فيما يورده . وربما اعتمد على ما أكثره محال .


وقــال : كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء ،وقد حضر مجلس عبيد بن عمير عبدالله بن عمر وكان عمر بن عبدالعزيز يحضر مجلس القاص . ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال ، فبعد عن الحضور عندهم المميزون من الناس ، وتعلق بهم العوام والنساء فلم يتشاغلوا بالعلم واقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة ، وتنوعت البدع في هذا الفن .

مــن آفاتهــم :

فمن ذلك ان قوما منهم يضعون احاديث الترغيب والترهيب ، ولبّس عليهم ابليس باننا نقصد حث الناس على الخير ، وكفهم عن الشر وهذا أفتئات منهم على الشريعة ، لأنها عندهم – على هذا الفعل – ناقصة تحتاج الى تتمة، ثم قد نسوا قوله صلى الله عليه وسلم : " من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".


ومــن ذلك انهم تلمحوا ما يزعج النفوس ويطرب القلوب ، فنوّعوا فيه الكلام ، فتراهم ينشدون الاشعار الرائقة الغزلية في العشق ، ولبس عليهم باننا نقصد الاشارة الى محبة الله عز وجل ، ومعلوم ان عامة من يحضرهم العوام الذين بواطنهم مشحونة بحب الهوى ، فيضل القاص ويضل .


ومــن ذلك من يظهر من التواجد والتخاشع زيادة على ما في قلبه ، وكثرة الجمع توجب زيادة تعمّل ، فتسمع الناس بفضل بكاء وخشوع . فمن كان منهم كاذبا فقد خسر الاخرة ومن كان صادقا لم يسلم صدقه من رياء يخالطه .


ومنهــم من يتحرك الحركات التي يوقع بها على قراءة الالحان ، والالحان التي اخرجوها اليوم مشابهة للغناء ، فهي الى التحريم اقرب منها الى الكراهة . والقارىء يطرب ، والقاص ينشد الغزل مع التصفيق بيديه ، وايقاع برجليه فتشبه السكر ، ويوجب ذلك تحريك الطباع وتهييج النفوس ، وصياح الرجال والنساء ،وتمزيق الثياب ، لما في النفوس من دفائن الهوى ، ثم يخرجون فيقولون كان المجلس طيبا ، ويشيرون بالطيبة الى ما لا يجوز.


ومنهــم من ينشد الاشعار على الموتى ويصف ما يجري لهم من البلاء ويذكر الغربة ومن مات غريبا ، فيبكي بها النساء ويصير المكان كالمأتم ، وانما ينبغي ان يذكر الصبر على فقد الاحباب لا ما يوجب الفزع .


ومنهــم من يتكلم في دقائق الزهد ومحبة الحق سبحانه ، فلبس عليه ابليس انك من ضمن الموصوفين بذلك ، لأنك لم تقدر على الوصف حتى عرفت ما تصف وسلكت الطريق . وكشف هذا التلبيس ان الوصف علم والسلوك غير العلم .


ومنهــم من يتكلم بالطامات والشطح الخارج عن الشرع ويستشهد باشعار العشق . وغرضه ان يكثر في مجلسه الصياح ولو على كلام فاسد . وكم منهم يزوق عبارة لا معنى لها.


واكثر كلامهم اليوم في موسى والجبل ، وزليخا ويوسف ، ولا يكادون يذكرون الفرائض ولا ينهون عن ذنب. فمتى يرجع صاحب الزنا ومستعمل الربا ؟ وتعرف المرأة حق زوجها ؟ وتحفظ صلاتها ؟
هيهات !! هؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم ولهذا نفقت سلعهم لأن الحق ثقيل والباطل خفيف.


ومنهــم من يحث على قيام الليل ، ولا يبين للعامة المقصود ، فربما تاب الرجل منهم وانقطع الى زاوية ، او خرج الى جبل فبقيت عائلته لا شيئ لهم .

ومنهــم من يتكلم في الرجاء والطمع من غير ان يمزج ذلك بما يوجب الخوف والحذر فيزيد الناس جرأة على المعاصي . ثم يقوى ما ذكر بميله الى الدنيا من المراكب الفارهة ، والملابس الفاخرة ، فيفسد القلوب بقوله وفعله .

ومنهــم من اشرب الرئاسة قلبه مع الزمان ، فيحب ان يعظم ، وعلامته انه اذا ظهر واعظ ينوب عنه او يعينه كره ذلك . ولو صح قصده لم يكره ان يعينه.

ومنهــم من يخلط في مجلسه الرجال والنساء ، وترى النساء يكثرن الصياح وجدا على زعمهن ، فلا ينكر ذلك عليهن جمعا للقلوب عليه . ولقد ظهر في زماننا هذا من القصّاص ما لا يدخل في التلبيس لانه امر صريح من كونهم جعلوا القصص معاشا يستمنحون به الامراء والظلمة ، والاخذ من اصحاب المكوس ، والتكسب به في البلدان .

ومنهــم قوم شق عليهم الحفظ ... وربما رأوا ان الحفظ معروف فأتوا بما يغرب مما يحصّل مقصودهم فهولاء قسمان :


احدهما القصاص ، ومعظم البلاء منهم يجري لأنهم يريدون احاديث تنفق وترقق ، والصحاح تقل في هذا ...


والقسم الثاني الشحاذون فمنهم القصاص ومنهم غير قصاص.

وقــال : لقد ادخل المتزهدون في الدين ما ينفر الناس منه ، حتى انهم يرون افعالهم فيستبعدون الطريق . واكثر ادلة هذه الطريق القصاص ، فان العامي اذا دخل مجلسهم وهو لا يحسن الوضوء كلموه بدقائق الجنيد واشارات الشبلي ، فراى ذلك العامي ان الطريق الواضح لزوم زاوية ، وترك الكسب للعائلة ، ومناجاة الحق في خلوة على زعمه ، مع كونه لا يعرف اركان الصلاة ولا ادب العلم ، ولا قوّم اخلاقه شيء من مخالطة العلماء ، فلا يستفيد من خلوته الاّ كما يستفيد الحمار من الاصطبل ، فان امتد عليه الزمان في تقلله زاد يبسه ، فربما خايلت له ( الماليخوليا (ضرب من الجنون )..) اشباحا يظنهم الملائكة ثم يطأطىء راسه ويمد يده للتقبيل .

والسلام عليكم

من كتاب ( القصّاص والمذكرين لابن الجوزي
من مقدمة المحقق.)

منقول
4
490

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الاثريه
الاثريه
جزاك الله خير ......استمري في نشر هذا الخير لان الكثير قد عميا عنها وغفل وظن ان القصص والقصصاصين علما ومشايخ يرجع لهم واصبح الواحد يستميت في الدفاع عنهم
عدة الصابرين
عدة الصابرين
بارك الله فيك وثبتك على دينه0
بنت المحبه
بنت المحبه
ربي يجزاك خير على القصص القيمه

ولك احترامي اختي الغاليه
أم ثوبان
أم ثوبان
جزاك الله خيرا أختي فتاة تحب السلفية على موضوعاتك المتميزة

وكان شيخنا الفاضل أيمن سامي قد أخبرنا أنه يعد موضوعا عن ضرر هؤلاء على أمة الإسلام منذ القديم وحتى الحديث .