مقال من العيار الثقيل

الملتقى العام

يبدو أن هناك قطيعة تامة بين بلدي السعودية، وبين مفردة (الإصلاح).
حين شكل سعد الفقيه حركة معارضة تحت اسم (حركة الإصلاح) لم يجن الناس من حركته العشوائية ، ومراهقاته العبثية سوى المزيد من الإفساد و التشرذم الداخلي.
و مؤخراً حين كثر الحديث في إعلامنا عن شيءٍ يسمونه (مسيرة إصلاح) بحثنا عن حقيقة هذا العنوان، فوجدناه اسماً لا حقيقة له، يضاف للعنقاء وللخل الوفي.

حين كنت استمع لضيوف (قناة العربية)، وهم يتحدثون عن الفرحة العارمة التي شملت (الشارع السعودي) بالتغييرات الوزارية الأخيرة تساءلت إن كانت هناك بلد أخرى اسمها السعودية غير التي أعيش فيها، لأني لم أر في الشارع السعودي أحداً فرح بهذا التغييرات، كما أني لم أر أحداً حزن لأجلها. فباستثناء النخب، فإن الناس هنا لا يجدون في مثل هذه التغييرات سوى مادة تستهلك في حديث المجالس بضعة أيام، ثم يستمرون في حياتهم اليومية دون أن يلمسوا أي تغيير. وقد تعاظم عجبي حين رأيت بعض المتحدثين عن فرح الشارع السعودي يمارسون تملقهم من دبي، وبعضهم الآخر ينافق من (لندن)! فلا أدري كيف رصد هؤلاء من بعيد تلك الفرحة العارمة التي عمت الشارع السعودي الذي لم يعتد –أصلاً- على مقابلة مثل تلك القرارات بفرحٍ ولا حزنٍ، لأن الأسماء طالما تغيرت والنتائج لم تختلف.

وكيف سيفرح الشارع السعودي بتعيين أسماء لا يعرف عنها شيئاً؟!
عموم الناس في السعودية لا يعرفون شيئاً عن وزير التربية الجديد، ولا عن نائبيه، كما أنهم لا يعرفون الكثير عن وزير الإعلام الجديد، ولا عن رئيس المحكمة العليا، ولا عن رئيس المحكمة الإدارية، ولا عن رئيس هيئات الأمر بالمعروف، ولا عن قائد القوات البرية، ولا عن رئيس ديوان المظالم. و قل مثل هذا في رزمة الأسماء الجديدة التي أضيفت لبريستيج مجلس الشورى. فأكثر هؤلاء مجهولين بالنسبة لرجل الشارع ولعامة الناس، والمعرفة بهم مقصورة على فئات معينة من المجتمع. فمن أين جاءت تلك الفرحة العارمة التي تحدث عنها المتملقون؟

المثير للسخرية أن طائفة من تلك الأسماء المنافقة التي رقصت للتغييرات لم تتكرم ولو بكلمة أسف وعزاء لرحيل إياد مدني الذي مكنها من مساحات واسعة في الإعلام السعودي مع أنها لا تملك مؤهلاً للكتابة في صحيفة حائطية بمدارس محو الأمية. فهم بالأمس كانوا يمدحون الوزير ويصفقون له، واليوم يصفقون لقدوم خلفه. وهكذا يكون النفاق الأصيل.

الشارع السعودي منذ سنوات وهو يشكو بؤساً لا تبدو له نهاية، في ظل أكبر وأضخم ميزانية عرفتها البلاد. فمع توفر المال في خزينة الدولة بصورة غير مسبوقة (قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة)، إلا أن أوضاع السعوديين لم تزل في تردٍ مستمر.
فهناك معاناة متزايدة من معدلات البطالة التي عالجها وزير العمل الموقر بكتابة تقريظ لرواية (بنات الرياض).
وهناك ضيق في فرص التعليم لدرجة أصبح دخول الشاب للجامعة يشبه حصول البنغالي على الجنسية السعودية.
وهناك انحدار في الخدمات الصحية للحضيض حتى كادت ممرات المستشفيات تتحول إلى غرف للعناية المركزة، وحتى أصبح البحث عن وساطة لدخول المستشفى أولى خطوات الإسعافات الأولية التي يحفظها السعوديون لإنقاذ مرضاهم.
و هناك اختلالٌ متصاعد في حبل الأمن تنافس فيه سراق البيوت مع سراق السيارات. وهناك فساد إداري ضارب بأطنابه يكاد يدخلنا موسوعة الأرقام القياسية.
وهناك تضخم في أسعار السلع والخدمات في ظل (ريالٍ) ضعيفٍ شاخ قبل أوانه.
وهناك تردٍ في الأوضاع الأخلاقية لشباب المجتمع بصورة تقلق المراقبين الوطنيين.

و مع ذلك كله لم نزل نسمع من متملقي الصحافة حديثاً لا ينقطع عن خرافة اسمها (مسيرة الإصلاح) والتي تبين أنها مسيرة أخطأت طريقها، حين ترك أربابها تلك الكوارث التي يعانيها المجتمع، و وجهوا همتهم لتطوير (المرأة السعودية!!)، والإلحاح على فتح أندية رياضية لها، وإقحامها في دوامة سوف تجعلها في النهاية ضحية جديدة لمسيرة الإصلاح السعودية الحولاء التي تتجاهل مكامن الداء، وتشغل الناس بخصومات لا تمس مشكالهم الحقيقية.

في أوقات مضت كان الناس يشكون من التعدي على المال العام، من خلال الهبات والعمولات والمنح و(الشرهات). أما في السنوات الأخيرة فقد أضيف لذلك فساد جديد، يتمثل في التعدي على (المال الخاص)، عن طريق سلب ما في جيوب الناس، واقتناص مدخراتهم، وإغراقهم في القروض البنكية، تحت ستار الاكتتابات المغشوشة، التي لم يزل الاقتصاديون يتحدثون عن عجائبها و غرائبها.

ومع وجود شخصية شعبية محبوبة على رأس السلطة ممثلة في الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يتفق السعوديون على صدق رغبته في نفع المواطنين وإصلاح أوضاعهم، إلا أن السعوديين يتفقون –أيضاً- على أنه محاط بفئة نفعية فاسدة على الصعيدين (المالي) و (الفكري)، المواطن بعيد كل البعد عن أهدافهم فمن هنا جاء منهج إصلاحهم متوافقاً مع تركيبة شخصياتهم.

نرجع للتغييرات الوزارية الأخيرة، لنتساءل : ما فائدة إحلال أسماء مكان أسماء مع بقاء الأنظمة والحال كما هو؟ ولو فرضنا أن أسماءً أخرى هي عينت في تلك المناصب التي طالها التغيير، فهل سيختلف موقف متملقي الصحافة؟ أو أن الهتاف و التهليل والنفاق حاصل على كل حالٍ؟

يكفي لمعرفة الجواب أن نرجع للتشكيل الوزاري السابق قبل بضع سنوات، لنجد التطبيل والتصفيق كما هو، لكن مع اختلاف الأسماء. فالأسماء التي صفق لها بالأمس، هي التي يصفقون اليوم لتغييرها. وهكذا تظل أسماء تذهب، وأخرى تجيء، ولعل الكثير يلاحظ ظهور ابويارا قد خلا له الجو يتصرف كما يشاء .والخيبة وحدها هي الثمرة المنتظرة. ولم تزل الأيام تؤكد أن الإصلاح الذي ينشده الناس له لا وجودَ له في أجندة المتنفذين داخل الديوان الملكي الذين أتيحت لهم –بعد سبتمبر- فرصةً لم يحلموا بها، فاهتبلوها لتعويض عقودٍ من الحرمان الذي عانوه في مجتمع محافظٍ يرفض شذوذاتهم التي يسمونها (انفتاحاً) و (تطويراً). فهم بعدما أفسدوا معايش الناس، أرادوا أن يضيفوا له فساد أخلاقهم، حين تصدر لتوجيه المجتمع عبر الصحافة فئات لا تعرف من الإصلاح إلا قشرته، مع الاحتفاظ بالتقدير لأقلام قليلة تعاني التهميش إعلامياً.

مجلس الشورى زيد عدده، وأضيفت له أسماء جديدة. وهذا حدثٌ لا جديدَ فيه يوجب التصفيق والرقص، فالمجلس منذ ولادته لم يزل يفرخ و يتضخم عددياً، لكنه ظل يراوح مكانه، حتى صارت اجتماعاته محل تندر المواطنين وسخريتهم. ولو كان هناك إصلاحٌ حقيقيٌّ و رغبةٌ صادقة في مكافحة الفساد الذي ينخر في أسس البلد، لكانت أولى الخطوات وأهمها تبدأ من منح أعضاء المجلس صلاحيات محاسبة الوزراء (وليس مجرد استضافتهم). فحينئذٍ تنتهي الكثير من المعاناة التي يشكو منها الشارع السعودي الذي زعم الأبواق أنه رقص فرحاً بتغييرات لن يستفيد منها أحدٌ سوى متعهد توفير الكراسي داخل المجلس المجمد.

فمع أن المجلس يعين من قبل الدولة، وليس للناس خيارٌ في ترشيحه، إلا أن يد أعضائه لم تزل مكفوفةً عن أهم وظائفه وأعظمها فائدة للناس، وهي وظيفة محاسبة المسؤول، بالرغم من أن المجلس يزخر بالكفاءات الوطنية المخلصة القادرة على القيام بهذه الوظيفة.
و في ظل بقاء المجلس كما هو، فلن يكون لزيادة أعداده ثمرة إلا مزيد من الاستنزاف لميزانية الدولة باستحداث المزيد من الوظائف على الدرجة الممتازة كل ثلاث سنوات، علماً أن عضو مجلس الشورى الواحد يكلف الدولة مئات الألوف سنوياً مقابل جلوسه على الكرسي واستماعه للتقارير المملة.

و من غرائب التغييرات الوزارية الأخيرة، تعيين الدكتور عبدالله الربيعة وزيراً للصحة ، وهو الإجراء الذي يمثل جريمة حربٍ سفك فيها دم موهبة الدكتور وكفاءته النادرة؟!
مثل الدكتور الربيعة إذا أريد وضعه في المكان المناسب، فمحلة إما في غرفة العمليات في أكبر المستشفيات وأرقاها، أو أن يكون أستاذاً في الأقسام المتخصصة في الكليات الطبية، أو في مراكز الأبحاث والمؤتمرات الطبية. أما أن يبرعَ في الجراحة، ليكون موقعه كرسي الوزارة، فهذه طريقة في التكريم لا وجود لها إلا في مسيرة الإصلاح السعودية!

أما التغيير الأهم، فهو المتعلق بالشيخ صالح اللحيدان. ويبدو أن إزاحته هي مصدر ابتهاج المبتهجين ورقصهم.
و مع أن الكثيرين ظلوا يتحدثون عن إعفاء الشيخ، إلا أنه لم يصدر قرارٌ ينص على ذلك، فالذي أعفي في الواقع ليس الشيخ، ولكنه (مجلس القضاء الأعلى) بأكمله، الذي لم يعد له وجودٌ، بعدما قسمت مهامه بين مجلسين : مجلس يحمل اسم (المجلس الأعلى للقضاء)، ومجلس يحمل اسم (المحكمة العليا)، وهو تقسيمٌ يندرج تحت تغييرات أوسع سبق الإعلان عنها تتعلق بتنظيمات جديدة لسلك القضاء.

ذهب المجلس، وذهب معه الشيخ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاحٍ: هل سيكون لهذه التنظيمات الجديدة ثمرةٌ عملية؟ أتمنى ذلك، وفي الوقت نفسه أشك فيه؟!

فكما أن التطوير الحقيقي لمجلس الشورى يكون بتطوير صلاحياته وليس بزيادة أعداده، فإن التطوير الحقيقي للقضاء يكون بإعطائه الاستقلال التام، ثم بسط سلطانه ليكون الجميع تحت طائلته مهما علا مقامه. وتصرفات الفئة النافذة حالياً لا توحي بمثل هذا التوجه.

فمن أبرز المظاهر التي رصدها المتابعون مؤخراً كثرة التدخل في استصدار أوامر ملكية بنقض أحكام قضائية بطريقة مهينة لا تقيم لهيبة القضاء أي اعتبارٍ، تحت مسمى (عفو ملكي)، وهي ظاهرة لم تكن معروفة من قبل في تاريخ القضاء والحكم السعودي. ففي السنوات الأخيرة أصبح الديوان الملكي يمثل (محكمة استنئناف) خاصة تنقض من الأحكام ما لا يروق للفئة المتنفذة هناك. بل قد يصل الأمر إلى سن أنظمة من أجل حماية أشخاص.

فمن أجل حماية شخصية هامشية مثل شخصية الدكتور (حمزة المزيني) الذي صدر بحقه حكم قضائي بسبب شتيمته لزميل له في الجامعة على أعمدة صحيفة الوطن، من أجل حماية مثل هذا يتم استصدار أمر ملكي يمنع المحاكم من النظر في القضايا المرفوعة ضد الصحفيين. لتصبح وزارة الإعلام بعد هذا هي الخصم والحكم في مثل هذه القضايا. وبموجب هذا المرسوم أصبحت السعودية صاحبة سبق في عالم القانون و القضاء. فلك أن تتخيل حين يشتمك صحفي في مقالة، فيكون الإجراء الرسمي (في أحسن الأحوال) أن تحكم الوزارة على الجريدة بدفع غرامة للوزارة، وليس للشخص المشتوم!! فأصبح لوزارة الإعلام مصدر دخل جديد يتمثل في استثمار أعراض المواطنين المنتهكة على أعمدة الصحافة.

وتتكرر القصة حين يرفع رجل أعمال شكوى لديوان المظالم، ضد وزارة العمل حين منعته الوزارة من استقدام عمالة كافية من الخارج، فيصدر حكم الديوان لصالح رجل الأعمال، فتكون النتيجة استصدار أمر ملكي يمنع ديوان المظالم في قضايا استقدام العمالة، مع أن ديوان المظالم يمثل أعلى جهة قضائية في البلد، ومثل هذه القضايا من صميم صلاحياته واختصاصه، وحجب الناس عن رفع دعاواهم ضد وزارة العمل يمثل انتهاكاً واضحاً لصلاحيات القضاء واستقلاله ويمثل مدى نفوذ وزيرها رحم الله ابا فيصل .

فالذي يستصدر مثل هذه الأنظمة شخص لا مبالي، يهدم البلد من أجل مصالح شخصية، ومن الطبيعي أن تحدث مثل هذه القرارات المرتجلة إشكالات قانونية ضخمة، وأذكر هنا أن مستثمراً في سوق المال رفع لهيئة سوق المال السعودية شكوى ضد صحيفة (الجزيرة) التي نشرت خبراً مضللاً تسبب في خسائر ضخمة لحقت بذلك المستثمر. وحين رفع شكواه لهيئة سوق المال، ضد صحيفة الجزيرة، كان جواب (خالد المالك) رئيس تحرير الصحيفة أنه لا الهيئة ولا المحاكم تملك حق محاسبة جريدته.

ولو ذهب ذلك المستثمر الذي خسر الملايين إلى وزارة الإعلام، فسوف تحكم بتغريم الجريدة (5000) ريال تدفع لخزينة الوزارة، وتبقى خسارته هو كما هي، مضافاً إليها أتعاب المحاماة.

فالذي يرسم مثل هذه السياسات، ويستصدر مثل هذه الأنظمة، هل يحق له الحديث عن إصلاح؟! وهل يتوقع أحدٌ أن يستقبل الشارع السعودي أي تغيير بالفرح، وهو لا يرى ثمرة تذكر لهذه التغييرات.

مشاعر الدهشة والمفاجأة هي التي غلبت على الناس، بسبب حجم التغيير ومستواه. وأما الفرح والحزن فكان مقصوراً على فئات محدودة رأت في الشخصيات الراحلة مصدر تكدير لمزاجها، فالمحافظون فرحوا برحيل وزير الإعلام، والآخرون فرحوا برحيل رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الهيئات. وأما سائر الناس فتحدثوا بضعة أيام ثم عادوا لمواجهة بؤسهم.

ومن الطرائف التي تذكر هنا أن رئيس تحرير جريدة الرياض الذي تحدث بفرحٍ عن إعفاء الشيخ اللحيدان، ذكر أن ذلك الإجراء مما أملته الحاجة لضخ دماء جديدة وإتاحة الفرصة لوجوه جديدة كي تقدم المزيد.

لكن رئيس التحرير الموقر، نسي نفسه وهو يتحدث عن ضرورة ضخ الدماء الجديدة، فكرسي جريدة الرياض يكاد يتعفن من تحته، وهو يتحدث عن ضخ الدماء الجديدة في الوزارات.

د. ناصر (مواطن سعودي، لذلك يتألم)
3
437

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بدويه في بريطانيا
:D
ماخاب من إستخار
وش الفايده من المقال؟

ماضيع السعوديه إلا هالمقالات الي تنرفز

وتفسد ماتصلح

مانعرف الوزراء الجدد

لكنهم بإذن الله على خير
أمجاد ومنار
أمجاد ومنار
مقالة رهييييييييييييبة


اعطاك صورة قاتمة عن الوضع الحالي

لكن نسي او تعمد ينسى النظر للجانب الايجابي ويظهر الحسنات حتى يكون منصفا

وفقك الله