للجنه إشتياقي
فصل [ عظّم الله يعظّمك الناس ] إخواني : اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبّر . إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يُجِلكم , وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم . ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه , ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق , وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة عمله , وقوة مجاهدته . ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس , ووصفته بما يزيد على ما فيه الخير . ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام , فإذا زاغ مال عنه اللطف , ولولا عموم الستر و شمول رحمة الكريم لافتضح هؤلاء المذكورون , غير أنه في الأغلب تأديب أو تلطف في العقاب كما قيل : ومن كان في سُخطه مُحسنا فكيف يكون إذا ما رضي غير أن العدل لا يحابى , وحاكم الجزاء لا يجور , وما يضيع عند الأمين شيء . فصل [ بادر بالتوبة قبل وقوع العقوبة ] الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي , فإن نارها تحت الرماد . وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت , وربما جاءت مستعجلة , فليبادر بإطفاء ما أوقد من نيران الذنوب , ولا ماء يطفئ تلك النار إلا ما كان من عين العين , لعل خصم الجزاء يرضى قبل أن يبت الحاكم في حكمه .
فصل [ عظّم الله يعظّمك الناس ] إخواني : اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبّر . إنه بقدر إجلالكم لله عز...
فصل


من علم قرب الرحيل عن مكة , استكثر من الطواف , خصوصا إن كان لا يؤمل العود لكبر سنه وضعف قوته . فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلو سنه أن يبادر اللحظات , وينتظر الهاجم بما يصلح له . فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشباب , واسترخى الوتر في المشيب عن سية القوس , فانحدر إلى القلب وضعفت القوى أن يوتر . وما بقي إلا الاستسلام لمحارب التلف , فالبدار البدار أن يؤثر إلى التنظيف ليكون القدوم على طهارة .

وأي عيش في الدنيا يطيب لمن أيامه السليمة تقربه إلى الهلاك , وصعود عمره نزول عن الحياة , وطول بقائه نقص مدى المدة , فليتفكر فيما بين بيديه , وهو أهم مما ذكرناه .

أليس في الصحيح : ما منكم أحد إلا ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله .

فو أسفاً لمهدد كم يقتل قبل القتل , ويا طيب عيش الموعود بأزيد المنى .

وليعلم من شارف السبعين , أن النفس أنين , اعان الله من قطع عقبة العمر على رمل زرود الموت .
للجنه إشتياقي
فصل [ وجوب التأهب للرحيل ] من علم قرب الرحيل عن مكة , استكثر من الطواف , خصوصا إن كان لا يؤمل العود لكبر سنه وضعف قوته . فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلو سنه أن يبادر اللحظات , وينتظر الهاجم بما يصلح له . فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشباب , واسترخى الوتر في المشيب عن سية القوس , فانحدر إلى القلب وضعفت القوى أن يوتر . وما بقي إلا الاستسلام لمحارب التلف , فالبدار البدار أن يؤثر إلى التنظيف ليكون القدوم على طهارة . وأي عيش في الدنيا يطيب لمن أيامه السليمة تقربه إلى الهلاك , وصعود عمره نزول عن الحياة , وطول بقائه نقص مدى المدة , فليتفكر فيما بين بيديه , وهو أهم مما ذكرناه . أليس في الصحيح : ما منكم أحد إلا ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله . فو أسفاً لمهدد كم يقتل قبل القتل , ويا طيب عيش الموعود بأزيد المنى . وليعلم من شارف السبعين , أن النفس أنين , اعان الله من قطع عقبة العمر على رمل زرود الموت .
فصل [ وجوب التأهب للرحيل ] من علم قرب الرحيل عن مكة , استكثر من الطواف , خصوصا إن كان لا يؤمل...
فصل

تفكرت في قول شيبان الراعي لسفيان : يا سفيان عدّ منع الله إياك عطاء منه لك , فإنه لم يمنعك بخلاً , وإنما منعك لطفاً . فرأيته كلام من قد عرف الحقائق , فإن الإنسان قد يريد المستحسنات الفائقات فلا يقدر , وعجزه أصلح له , لأنه لو قدر عليهن تشتت قلبه , إما بحفظهن , أو بالكسب عليهن . فإن قوي عشقه لهنّ ضاع عمره وانقلب هم الآخرة إلى الاهتمام بهن . فإن لم يردنه , فذاك الهلاك الأكبر . وإن طلبن نفقة لم يطقها كان سبب ذهاب مروءته وهلاك عرضه . وإن أردن الوطء وهو عاجز فربما أهلكنه أو فجرن . وإن مات معشوقه هلك هو أسفاً . فالذي يطلب الفائق , يطلب سكيناً لذبحه وما يعلم .

وكذلك إنفاذ قدر القوت فإنه نعمة , وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً "

ومتى كثر تشتتت الهمم , فالعاقل من علم أن الدنيا لم تخلق للتنعيم , فقنع بدفع الوقت على كل حال .
للجنه إشتياقي
فصل [ المنع من الله عطاء ورحمة ] تفكرت في قول شيبان الراعي لسفيان : يا سفيان عدّ منع الله إياك عطاء منه لك , فإنه لم يمنعك بخلاً , وإنما منعك لطفاً . فرأيته كلام من قد عرف الحقائق , فإن الإنسان قد يريد المستحسنات الفائقات فلا يقدر , وعجزه أصلح له , لأنه لو قدر عليهن تشتت قلبه , إما بحفظهن , أو بالكسب عليهن . فإن قوي عشقه لهنّ ضاع عمره وانقلب هم الآخرة إلى الاهتمام بهن . فإن لم يردنه , فذاك الهلاك الأكبر . وإن طلبن نفقة لم يطقها كان سبب ذهاب مروءته وهلاك عرضه . وإن أردن الوطء وهو عاجز فربما أهلكنه أو فجرن . وإن مات معشوقه هلك هو أسفاً . فالذي يطلب الفائق , يطلب سكيناً لذبحه وما يعلم . وكذلك إنفاذ قدر القوت فإنه نعمة , وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً " ومتى كثر تشتتت الهمم , فالعاقل من علم أن الدنيا لم تخلق للتنعيم , فقنع بدفع الوقت على كل حال .
فصل [ المنع من الله عطاء ورحمة ] تفكرت في قول شيبان الراعي لسفيان : يا سفيان عدّ منع الله إياك...
فصل

والله إني لأتخايل دخول الجنة ودوام الإقامة فيها , من غير مرض ولا بصاق ولا نوم ولا آفة تطرأ , بل صحة دائمة وأغراض متصلة لا يعتريها منغص , في نعيم متجدد في كل لحظة , إلى زيادة لا تتناهى . فأطيش ويكاد الطبع يضيق عن تصديق ذلك , لولا أن الشرع قد ضمنه .

معلوم أن تلك المنازل إنما تكون على قدر الاجتهاد هاهنا , فواعجباً من مضيع لحظة يقع فيها . فتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها .

فيا أيها الخائف من فوت ذلك شجع قلبك بالرجاء . ويا أيها المنزعج لذكر الموت تلمح ما بعد مرارة الشربة من العافية . فإنه من ساعة خروج الروح , لا بل قبل خروجها تنكشف المنازل لأصحابها , فيهون سير المجذوب للذة المنتقل إليه . ثم " الأرواح في حواصل طير تعلق في أشجار الجنة "

فكل الآفات والمخافات في نهار الأجل , وقد اصفرت شمس العمر . فالبدار البدار قبل الغروب , ولا معين يرافق على تلك الطريق إلا الفكر إذا جلس مع العقل فتذاكرا العواقب . فإذا فرغ ذلك المجلس , فالنظر في سير المجدّين فإنه يعود مستجلباً للفكر منها شتى الفضائل , والتوفيق من وراء ذلك . ومتى أرادك لشيء هيأك له . فأما مخالطة الذين ليس عندهم خبر إلا العاجلة , فهو من أكبر أسباب مرض الفهم وعلل العقل . والعزلة عن الشر حمية , والحمية سبب العافية .


فصل

تفكرت في نفسي فرأيتني مفلساً من كل شيء ! إن اعتمدت على الزوجة لم تكن كما أريد , إن حسنت صورتها لم تكمل أخلاقها , وإن تمت أخلاقها كانت مريدة لغرضها لا لي , ولعلها تنتظر رحيلي .

وإن اعتمدت على الولد فكذلك , والخادم والمريد لي كذلك , فإن لم يكن لهما مني فائدة لم يريداني .

وأما الصديق فليس ثمّ , وأخ في الله كعنقاء مغرب , ومعارف يفتقدون أهل الخير , ويعتقدون فيهم قد عدموا , وبقيت وحدي .

وعدت إلى نفسي – وهي لا تصفو إليّ أيضاً ولا تقيم على حالة سليمة – فلم يبق إلا الخالق سبحانه , فرأيت أني إن اعتمدت على إنعامه فما آمن ذلك البلاء , وإن رجوت عفوه فما آمن عقوبته , فو أسفاً لا طمأنينة ولا قرار . واقلقي من قلقي , واحرقي من حرقي . بالله ما العيش إلا في الجنة ,حيث يقع اليقين بالرضى , والمعاشرة لمن لا يخون ولا يؤذي , فأما الدنيا فما هي دار ذلك .
للجنه إشتياقي
فصل [ منازل الجنة على قدر الاجتهاد ] والله إني لأتخايل دخول الجنة ودوام الإقامة فيها , من غير مرض ولا بصاق ولا نوم ولا آفة تطرأ , بل صحة دائمة وأغراض متصلة لا يعتريها منغص , في نعيم متجدد في كل لحظة , إلى زيادة لا تتناهى . فأطيش ويكاد الطبع يضيق عن تصديق ذلك , لولا أن الشرع قد ضمنه . معلوم أن تلك المنازل إنما تكون على قدر الاجتهاد هاهنا , فواعجباً من مضيع لحظة يقع فيها . فتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها . فيا أيها الخائف من فوت ذلك شجع قلبك بالرجاء . ويا أيها المنزعج لذكر الموت تلمح ما بعد مرارة الشربة من العافية . فإنه من ساعة خروج الروح , لا بل قبل خروجها تنكشف المنازل لأصحابها , فيهون سير المجذوب للذة المنتقل إليه . ثم " الأرواح في حواصل طير تعلق في أشجار الجنة " فكل الآفات والمخافات في نهار الأجل , وقد اصفرت شمس العمر . فالبدار البدار قبل الغروب , ولا معين يرافق على تلك الطريق إلا الفكر إذا جلس مع العقل فتذاكرا العواقب . فإذا فرغ ذلك المجلس , فالنظر في سير المجدّين فإنه يعود مستجلباً للفكر منها شتى الفضائل , والتوفيق من وراء ذلك . ومتى أرادك لشيء هيأك له . فأما مخالطة الذين ليس عندهم خبر إلا العاجلة , فهو من أكبر أسباب مرض الفهم وعلل العقل . والعزلة عن الشر حمية , والحمية سبب العافية . فصل [ ماالسعادة إلا في الجنة ] تفكرت في نفسي فرأيتني مفلساً من كل شيء ! إن اعتمدت على الزوجة لم تكن كما أريد , إن حسنت صورتها لم تكمل أخلاقها , وإن تمت أخلاقها كانت مريدة لغرضها لا لي , ولعلها تنتظر رحيلي . وإن اعتمدت على الولد فكذلك , والخادم والمريد لي كذلك , فإن لم يكن لهما مني فائدة لم يريداني . وأما الصديق فليس ثمّ , وأخ في الله كعنقاء مغرب , ومعارف يفتقدون أهل الخير , ويعتقدون فيهم قد عدموا , وبقيت وحدي . وعدت إلى نفسي – وهي لا تصفو إليّ أيضاً ولا تقيم على حالة سليمة – فلم يبق إلا الخالق سبحانه , فرأيت أني إن اعتمدت على إنعامه فما آمن ذلك البلاء , وإن رجوت عفوه فما آمن عقوبته , فو أسفاً لا طمأنينة ولا قرار . واقلقي من قلقي , واحرقي من حرقي . بالله ما العيش إلا في الجنة ,حيث يقع اليقين بالرضى , والمعاشرة لمن لا يخون ولا يؤذي , فأما الدنيا فما هي دار ذلك .
فصل [ منازل الجنة على قدر الاجتهاد ] والله إني لأتخايل دخول الجنة ودوام الإقامة فيها , من غير...
فصل

تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه , فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم , ممن رأيناه . فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصاً كامل الصورة , لا عيب في صورته , ولا نقص في خلقته . فتراه حسن الوجه , معتدل القامة , سليماً من آفة في بدنه . ثم يكون كاملاً في باطنه , سخياً جواداً عاقلاً , غير خبّ ولا خادع , ولا حقود ولا حسود , ولا فيه عيب من عيوب الباطن .

فذاك الذي يربيه من صغره , فتراه في الطفولة معتزلاً عن الصبيان , كأنه في الصبا شيخ ينبو عن الرذائل , ويفزع من النقائص , ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها مهتدلاً على أغصان الشباب , فهو حريص على العلم , منكمش على العمل , محافظ للزمان , مراع للأوقات , ساعٍ في طلب الفضائل خائف من النقائص . ولو رأيت التوفيق والإلهام الرباني يحوطه , لرأيت كيف يأخذ بيده إن عثر , ويمنعه من الخطأ إن همّ , ويستخدمه في الفضائل , ويستر عمله عنه حتى لا يراه منه .

ثم ينقسم هؤلاء . فمنهم من تفقه على قدم الزهد والتعبد , ومنهم من تفقه على العلم واتباع السنة . ويندر منهم من يجمع له الكل , ويرقيه إلى مزاحمة الكاملين .

وعلامة إثبات الكمال في العلم والعمل , الإقبال بالكلية على معاملة الحق ومحبته , واستيعاب الفضائل كلها , فلو تصورت النبوة أن تكتسب لدخلت في كسبه .

ومراتب هذا لا يحتملها الوصف , لكونه درة الوجود , التي لا تكاد تنعقد في الصدف إلا في كل ودود , وبين قرون وقرون .

نسأل الله عز وجل توفيقاً لمراضيه وقربه , ونعوذ به من طرده وإبعاده .
للجنه إشتياقي
فصل [ المصطفون الأخيار ] تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه , فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم , ممن رأيناه . فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصاً كامل الصورة , لا عيب في صورته , ولا نقص في خلقته . فتراه حسن الوجه , معتدل القامة , سليماً من آفة في بدنه . ثم يكون كاملاً في باطنه , سخياً جواداً عاقلاً , غير خبّ ولا خادع , ولا حقود ولا حسود , ولا فيه عيب من عيوب الباطن . فذاك الذي يربيه من صغره , فتراه في الطفولة معتزلاً عن الصبيان , كأنه في الصبا شيخ ينبو عن الرذائل , ويفزع من النقائص , ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها مهتدلاً على أغصان الشباب , فهو حريص على العلم , منكمش على العمل , محافظ للزمان , مراع للأوقات , ساعٍ في طلب الفضائل خائف من النقائص . ولو رأيت التوفيق والإلهام الرباني يحوطه , لرأيت كيف يأخذ بيده إن عثر , ويمنعه من الخطأ إن همّ , ويستخدمه في الفضائل , ويستر عمله عنه حتى لا يراه منه . ثم ينقسم هؤلاء . فمنهم من تفقه على قدم الزهد والتعبد , ومنهم من تفقه على العلم واتباع السنة . ويندر منهم من يجمع له الكل , ويرقيه إلى مزاحمة الكاملين . وعلامة إثبات الكمال في العلم والعمل , الإقبال بالكلية على معاملة الحق ومحبته , واستيعاب الفضائل كلها , فلو تصورت النبوة أن تكتسب لدخلت في كسبه . ومراتب هذا لا يحتملها الوصف , لكونه درة الوجود , التي لا تكاد تنعقد في الصدف إلا في كل ودود , وبين قرون وقرون . نسأل الله عز وجل توفيقاً لمراضيه وقربه , ونعوذ به من طرده وإبعاده .
فصل [ المصطفون الأخيار ] تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه , فقد سمعنا أوصافهم...
فصل

العجب ممن يقول : اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى . ولو فطن علم أنه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها . خصوصاً من قد أوغل في السن , فإن شهوته ضعفت , وقواه قلّت , والحواس كلّت , والنشاط فتر , والشعر ابيض . فليعتبر بما فقد , وليستغنِ عن ذكر من فقد , فقد استغنى بما عنده عن التطلع إلى غيره .


فصل

ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها وبكى عليها . وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة , وكأنهم قد قطعوا على ذلك . وهذا أمر غائب , ثم لو غفرت بقي الخجل من فعلها .

ويؤيد الخوف بعد التوبة أنه في الصحاح : " أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون : اشفع لنا فيقول : " ذنبي " . وإلى نوح عليه السلام فيقول : " ذنبي " وإلى إبراهيم , وإلى موسى , وإلى عيسى صلوات الله وسلامه عليهم . فهؤلاء إذا اعتبرت ذنوبهم لم يكن أكثرها ذنوباً حقيقة . ثم إن كانت فقد تابوا منها واعتذروا , وهم بَعدُ على خوف منها . ثم إن الخجل بعد قبول التوبة لا يترفع . وما أحسن ما قال الفضيل بن عياض : واسوأتاه وإن عفوت . فأفّ والله لمختار الذنوب ومؤثر لذة لحظة تبقى حسرة لا تزول عن قلب المؤمن وإن غفر له .

فالحذر الحذر من كل ما يوجب خجلاً . وهذا أمر قلّ أن ينظر فيه تائب أو زاهد , لأنه يرى أن العفو قد غمر الذنب بالتوبة الصادقة . وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل .