المقدمــة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً -.
أما بعد:
فغير خافٍ على من عنده أدنى إلمام بعلم العقيدة - ما لتوحيد الألوهية من الأهمية؛ فهو توحيد العبادةِ، والعبادةُ هي الغاية المرضية والمحبوبة لله - عز وجل - وهي الغاية العظمى والمقصود الأسمى؛ فلأجلها خلقت الجنة والنار، وقام سوق الجهاد بين المؤمنين والكفار، ولأجلها أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل.
ثم إن توحيد الألوهية دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، ومن اقتفى أثرهم من العلماء، والدعاة والمصلحين.
وفيما يلي من صفحات سيكون الحديث عن توحيد الألوهية، وذلك من خلال المباحث التالية:
- تعريف توحيد الألوهية.
- أسماؤه الأخرى.
- أهمية توحيد الألوهية.
- أدلتـــــه. - أركانــــه.
- تعريف العبادة لغةً، واصطلاحاً.
- الفرق بين العبادة وتوحيد العبادة.
- متى تقبل العبادة؟.
- أهمية الإخلاص والمتابعة.
- أركان العبادة.
- أيُّهما يغلب، الرجاء أو الخوف؟.
- الخوف الواجب والخوف المستحب.
- أنواع العبادة.
- عبودية الخلق لله - عز وجل -.
- فضائل توحيد الألوهية.
- أسباب نمو التوحيد في القلب.
- طرق الدعوة إلى توحيد الألوهية في القرآن الكريم.
- علاقة توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية في القرآن الكريم.
- ما ضد توحيد الألوهية؟.
- الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية.
هذا ما تيسر جمعه وتقييده في هذا الباب، فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن ينفع بهذه الصفحات، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ام هاني 10 @am_hany_10
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ام هاني 10 :
تعريف توحيد الألوهية عرف العلماء توحيد الألوهية بتعريفات متقاربة، إلا أن بعضها قد يكون أطول من بعض، فمن تلك التعريفات مايلي: 1- هو إفراد الله بأفعال العباد. 2- هو إفراد الله بالعبادة. 3- هو إفراد الله - تعالى - بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة، والباطنة، قولاً، وعملاً، ونفي العبادة عن كل من سوى الله - تعالى - كائناً من كان. 4- وعرفه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله - بتعريف جامع ذكر فيه حد هذا التعريف، وتفسيره، وأركانه، فقال: " فأما حدُّه، وتفسيره، وأركانه - فهو أن يعلم، ويعترف على وجه العلم، واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله - تعالى -. فإذا عرف ذلك واعترف به حقَّاً أفرده بالعبادة كلها؛ الظاهرة، والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله، وحقوق خلقه. ويقوم بأصول الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشره لله. لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربِّه، وطلب ثوابه، متابعاً في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة، وأعماله وأفعاله ما شرعه الله ورسوله، وأخلاقه، وآدابه الاقتداءُ بنبيه - صلى الله عليه وسلم - في هديه، وسمته، وكل أحواله. قال الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - عن هذا النوع في منظومته سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد: هـذا وثاني نوعي التوحيد * إفرادُ ربِّ العرش عن نديد أن تـعبد الله إلـهاً واحداً * مـعترفاً بحقه لا جاحداتعريف توحيد الألوهية عرف العلماء توحيد الألوهية بتعريفات متقاربة، إلا أن بعضها قد يكون أطول من...
أسمــاؤه الأخـــرى
توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها:
1- توحيد الألوهية - كما مر - وسمي بذلك، باعتبار إضافته إلى الله، أو باعتبار الموحِّد، ولأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة.
2- توحيد العبادة؛ باعتبار إضافته إلى الموحِّد وهو العبد، ولتضمنه إخلاص العبادة لله وحده.
3- توحيد الإرادة؛ لتضمنه الإخلاص، وتوحيد الإرادة والمراد، فهو مبني على إرادة وجه الله بالأعمال.
4- توحيد القصد؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
5- التوحيد الطلبي؛ لتضمنه الطلب، والدعاء من العبد لله.
6- التوحيد الفعلي؛ لتضمنه لأفعال القلوب والجوارح.
7- توحيد العمل؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده.
أهميتـــــه
توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد، فمن أجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين.
يقول الشيخ حافظ الحكمي عن أهميته في منظومته.
وهـو الـذي بـه الإله أرْسلا * رسْـلَـه يـدعون إلـيه أولا
وأنــزل الـكتابَ والـتبيانا * مـن أجـله وفـرَّق الفرقانا
وكـلف الله الرسولَ المـجتبى * قـتالَ مـن عنه تولى وأبى
حـتى يكونَ الدينُ خـالصاً له * سـراً وجـهراً دقَّـه وجـلَّه
وهـكـذا أمـته قـد كـلفوا * بذا وفي نص الكتاب وصفوا
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيناً أهمية توحيد العبادة: " وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها كما قال الله - تعالى - : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) .
وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) .
إلى أن قال - رحمه الله -: " وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال - تعالى - : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) .
وذم المستكبرين عنها بقوله : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) .
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال - تعالى - : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ) وقال : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) ".
وقال رحمه الله في موطن آخر: "واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً - ليس له نظير فيقاس عليه، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة.
فإن حقيقةَ العبدِ قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا يطمئن بالدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته، ولابد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه، ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرورٌ بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ - غير منعمٍ ولا ملتذٍ له، بل قد يؤذيه اتصالُه به، ووجوده عنده، ويضره ذلك.
وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت، وأينما كان فهو معه، ولهذا قال إمامنا إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - : ( لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ) .
وكان أعظم آية في القرآن الكريم : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ".
وقال - رحمه الله - : " فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله - سبحانه - ومن عبد غير الله - وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا، ونوع من اللذة - فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم ".
وقال - رحمه الله -: " واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه ".
وقال : " فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثرُ مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار بالاستقراء.
وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثرُ من نفعه؛ فصارت المخلوقات وبالاً عليه، إلا ما كان لله وفي الله؛ فإنه كمال وجمال للعبد.
وهذا معنى ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ".
وقال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا النوع: " وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها، وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجنَّ والإنسَ لأجله، وخلق المخلوقات، وشرع الشرائعَ لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر بحق من حقوقه، أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين ".
ومما يدل على أهميته أن قبول الأعمال متوقف عليه، وأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد فكلها تدخل فيه؛ فمن اعتقده فهو معتقد لغيره من الربوبية والأسماء والصفات، ومن اكتفى بغيره دونه لم يدخل في دين الإسلام.
توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها:
1- توحيد الألوهية - كما مر - وسمي بذلك، باعتبار إضافته إلى الله، أو باعتبار الموحِّد، ولأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة.
2- توحيد العبادة؛ باعتبار إضافته إلى الموحِّد وهو العبد، ولتضمنه إخلاص العبادة لله وحده.
3- توحيد الإرادة؛ لتضمنه الإخلاص، وتوحيد الإرادة والمراد، فهو مبني على إرادة وجه الله بالأعمال.
4- توحيد القصد؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
5- التوحيد الطلبي؛ لتضمنه الطلب، والدعاء من العبد لله.
6- التوحيد الفعلي؛ لتضمنه لأفعال القلوب والجوارح.
7- توحيد العمل؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده.
أهميتـــــه
توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد، فمن أجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين.
يقول الشيخ حافظ الحكمي عن أهميته في منظومته.
وهـو الـذي بـه الإله أرْسلا * رسْـلَـه يـدعون إلـيه أولا
وأنــزل الـكتابَ والـتبيانا * مـن أجـله وفـرَّق الفرقانا
وكـلف الله الرسولَ المـجتبى * قـتالَ مـن عنه تولى وأبى
حـتى يكونَ الدينُ خـالصاً له * سـراً وجـهراً دقَّـه وجـلَّه
وهـكـذا أمـته قـد كـلفوا * بذا وفي نص الكتاب وصفوا
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيناً أهمية توحيد العبادة: " وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها كما قال الله - تعالى - : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) .
وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) .
إلى أن قال - رحمه الله -: " وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال - تعالى - : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) .
وذم المستكبرين عنها بقوله : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) .
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال - تعالى - : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ) وقال : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) ".
وقال رحمه الله في موطن آخر: "واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً - ليس له نظير فيقاس عليه، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة.
فإن حقيقةَ العبدِ قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا يطمئن بالدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته، ولابد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه، ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرورٌ بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ - غير منعمٍ ولا ملتذٍ له، بل قد يؤذيه اتصالُه به، ووجوده عنده، ويضره ذلك.
وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت، وأينما كان فهو معه، ولهذا قال إمامنا إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - : ( لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ) .
وكان أعظم آية في القرآن الكريم : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ".
وقال - رحمه الله - : " فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله - سبحانه - ومن عبد غير الله - وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا، ونوع من اللذة - فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم ".
وقال - رحمه الله -: " واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه ".
وقال : " فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثرُ مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار بالاستقراء.
وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثرُ من نفعه؛ فصارت المخلوقات وبالاً عليه، إلا ما كان لله وفي الله؛ فإنه كمال وجمال للعبد.
وهذا معنى ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ".
وقال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا النوع: " وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها، وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجنَّ والإنسَ لأجله، وخلق المخلوقات، وشرع الشرائعَ لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر بحق من حقوقه، أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين ".
ومما يدل على أهميته أن قبول الأعمال متوقف عليه، وأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد فكلها تدخل فيه؛ فمن اعتقده فهو معتقد لغيره من الربوبية والأسماء والصفات، ومن اكتفى بغيره دونه لم يدخل في دين الإسلام.

ام هاني 10 :
أسمــاؤه الأخـــرى توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها: 1- توحيد الألوهية - كما مر - وسمي بذلك، باعتبار إضافته إلى الله، أو باعتبار الموحِّد، ولأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة. 2- توحيد العبادة؛ باعتبار إضافته إلى الموحِّد وهو العبد، ولتضمنه إخلاص العبادة لله وحده. 3- توحيد الإرادة؛ لتضمنه الإخلاص، وتوحيد الإرادة والمراد، فهو مبني على إرادة وجه الله بالأعمال. 4- توحيد القصد؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده. 5- التوحيد الطلبي؛ لتضمنه الطلب، والدعاء من العبد لله. 6- التوحيد الفعلي؛ لتضمنه لأفعال القلوب والجوارح. 7- توحيد العمل؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده. أهميتـــــه توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد، فمن أجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين. يقول الشيخ حافظ الحكمي عن أهميته في منظومته. وهـو الـذي بـه الإله أرْسلا * رسْـلَـه يـدعون إلـيه أولا وأنــزل الـكتابَ والـتبيانا * مـن أجـله وفـرَّق الفرقانا وكـلف الله الرسولَ المـجتبى * قـتالَ مـن عنه تولى وأبى حـتى يكونَ الدينُ خـالصاً له * سـراً وجـهراً دقَّـه وجـلَّه وهـكـذا أمـته قـد كـلفوا * بذا وفي نص الكتاب وصفوا وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيناً أهمية توحيد العبادة: " وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها كما قال الله - تعالى - : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56]. وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [الأعراف: 59]. إلى أن قال - رحمه الله -: " وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال - تعالى - : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) [الأنبياء: 19 - 20]. وذم المستكبرين عنها بقوله : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر: 60]. ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال - تعالى - : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ) [الإنسان: 6] وقال : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) [الفرقان: 63] ". وقال رحمه الله في موطن آخر: "واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً - ليس له نظير فيقاس عليه، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة. فإن حقيقةَ العبدِ قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا يطمئن بالدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته، ولابد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه، ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرورٌ بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ - غير منعمٍ ولا ملتذٍ له، بل قد يؤذيه اتصالُه به، ووجوده عنده، ويضره ذلك. وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت، وأينما كان فهو معه، ولهذا قال إمامنا إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - : ( لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ) [الأنعام: 76]. وكان أعظم آية في القرآن الكريم : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) [البقرة: 255] ". وقال - رحمه الله - : " فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله - سبحانه - ومن عبد غير الله - وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا، ونوع من اللذة - فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم ". وقال - رحمه الله -: " واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه ". وقال : " فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثرُ مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار بالاستقراء. وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثرُ من نفعه؛ فصارت المخلوقات وبالاً عليه، إلا ما كان لله وفي الله؛ فإنه كمال وجمال للعبد. وهذا معنى ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ". وقال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا النوع: " وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها، وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجنَّ والإنسَ لأجله، وخلق المخلوقات، وشرع الشرائعَ لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر بحق من حقوقه، أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين ". ومما يدل على أهميته أن قبول الأعمال متوقف عليه، وأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد فكلها تدخل فيه؛ فمن اعتقده فهو معتقد لغيره من الربوبية والأسماء والصفات، ومن اكتفى بغيره دونه لم يدخل في دين الإسلام.أسمــاؤه الأخـــرى توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها: 1- توحيد الألوهية - كما مر - وسمي بذلك،...
أدلـة توحيـد الألوهيـة
لقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة، وتنوعت دلالتها في وجوب إفراد الله بالعبادة؛ّ َفتارة تأتي نصوص الكتاب آمرةً بتوحيد الله أمراً مباشراً، وتارة تأتي مبينةً الغاية من خلق الجن والإنس، وتارة تأتي موضحةً الهدف من إسال الرسل وإنزال الكتب، وتارة تأتي محذرةً من مخالفته، وتارة تأتي لبيان ثواب من عمل به في الدنيا والآخرة، وتارة لبيان عقوبة من تركه، وتخلى عنه، أو ناوأه، وحارب أهله.
فمن تلك الأدلة من الكتاب والسنة على وجود إفراد الله بالعبادة قوله - تعالى - : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وقوله : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ، وقوله : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) ، وقوله : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ، وقوله : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) ، وقوله : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) ، وقوله : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) ، وقوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، وقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) وقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن معاذ - رضي الله عنه - قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال لي: " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟.
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.
قلت: أفلا أبشر الناس؟.
قال: لا تبشرهم فيتكلوا ".
أركان توحيد الألوهية
توحيد الألوهية يقوم على أركان ثلاثة هي:
1- توحيد الإخلاص: ويسمى توحيد المراد، فلا يكون للعبد مرادٌ غير مراد واحد وهو الله - سبحانه وتعالى - فلا يزاحمه مرادٌ آخر.
2- توحيد الصدق: ويسمى توحيد إرادة العبد، وذلك بأن يبذل جهده وطاقته في عبادة ربه.
3- توحيد الطريق: وهو المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن القيم - رحمه الله - :
فلواحدٍ كن واحداً في واحدٍ * أعني سبيل الحق والإيمان
فقوله: ( فلواحدٍ ): أي لله، وهذا هو توحيد المراد.
وقوله: ( كن واحداً ): في عزمك، وصدقك، وإرادتك، وهذا هو توحيد الإرادة.
وقوله ( في واحد ): هو متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو طريق الحق والإيمان، فهذا هو توحيد الطريق.
والأدلة على هذه الأركان الثلاثة كثيرة، فمن أدلة الإخلاص قوله - تعالى - : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ودليل الصدق قوله - تعالى - : ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً ) ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، ودليل المتابعة قوله - تعالى - : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) .
فمن اجتمعت له هذه الثلاثة نال كل كمال وسعادة وفلاح، ولا ينقص كمال العبد إلا بنقص واحد من هذه الأشياء.
تعريف العبادة لغةً، واصطلاحاً
تعريف العبادة لغةً: هي التذلل والخضوع فيقال بعير معبد أي مذلل، وطريق معبد أي مذلل، ذللته الأقدام.
ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته المشهورة يصف ناقته:
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت * وظيفاً وظيفاً فوق مور معبد
فقوله: فوق مور معبد: أي فوق طريق مذلل من كثرة السير عليه، فالمور هو الطريق.
تعريف العبادة في الاصطلاح: عرفت العبادة في الاصطلاح بعدة تعريفات، ومنها ما يلي:
1- عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بأنها: " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ".
2- وعرفها ابن القيم بأنها: " كمال المحبة مع كمال الذل ".
وقال في النونية:
وعبادة الرحمن غاية حبه * مع ذل عابده هما قطبان
3- وعرفها الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - بعدة تعريفات منها قوله:
" العبادة روحُها وحقيقتُها تحقيقُ الحبِّ والخضوع لله؛ فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما - فليست عبادة؛ فإن حقيقتها الذل والانكسار لله، ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها ".
4- وعرفها بتعريف ثانٍ فقال: " العبادة والعبودية لله اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد، وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، فكل ما يقرب إلى الله من الأفعال، والتروك فهو عبادة، ولهذا كان تارك المعصية لله متعبداً متقرباً إلى ربه بذلك ".
ومما ينبغي التنبيه عليه أن العبادة تطلق إطلاقين:
1- الفعل الذي هو التَّعَبُّد.
2- المفعول وهو المُتَعَبَّدُ به أو القربة.
مثال ذلك الصلاة ففعلها عبادة وهو التعبد، وهي نفسها عبادة وهي المتعبد به.
فعلى الإطلاق الثاني تُعَرَّف العبادة بتعريف شيخ الإسلام، وعلى الإطلاق الأول تُعَرَّف بالتعريف الثاني والثالث.
أما التعريف الرابع الذي هو تعريف ابن سعدي فإنه يشمل الإطلاقين الفعل والمفعول.
ومن التعريفات لها أيضاً " الأعمال الصالحة الإرادية التي تُؤَدَّى لله - تعالى - ويفرد بها ".
وهذا يشمل الإطلاقين أيضاً.
الفرق بين العبادة وتوحيد العبادة
الفرق بينهما ظاهر؛ فالعبادة هي ذات القربة أو فعلها.
أما توحيدها فصرفها لله وحده لا شريك له.
متى تقبل العبادة ؟
لا تقبل العبادة إلا إذا توفر فيها شرطان:
1- الإخلاص لله.
2- المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، كما قال - تعالى - : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .
وذلك تحقيق الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله؛ ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه، وفي الثانية : أن محمداً هو رسوله المبلغ عنه؛ فعلينا أن نصدق خبره، ونطيع أمره ".
فمن أراد عبادة الله فلابد له من توفر الشرطين ولسان حاله يقول : ( إياك أريد بما تريد ).
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - في قوله - تعالى - : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .
قال: أخلصه وأصوبه.
قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فإذا فُقِد الشرطان أو أحدُهما بطلت العبادة.
وتوضيح ذلك بالمثال الآتي: لو أن شخصاً صلى لغير الله وعلى صفة غير الصفة التي علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لردت عبادته، لماذا؟.
لأنه فقد الشرطين معاً.
كذلك لو صلى كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي؛ بحيث أتى بصفة الصلاة كاملة، ولكنها صرفها لغير الله لبطلت عبادته، لماذا؟.
لأنه فقد الإخلاص، والله سبحانه يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) وقال : ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
كذلك لو صلى لله ولكن على صفة غير الصفة التي علمنا إياها الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ بحيث ابتدع صفة من عنده بطلت عبادته؛ لأنه فقد المتابعة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث المتفق عليه : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
أي مردود، والجار والمجرور في قوله "عليه" متعلق بمحذوف تقديره (حاكماً أو مهيمناً).
وفي رواية أخرى للحديث " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
وهذان الشرطان - في الحقيقة - متلازمان؛ فإن من الإخلاص لله أن تتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعُه - عليه الصلاة والسلام - مستلزم للإخلاص
أهمية الإخلاص والمتابعة
مما يدل على أهمية الإخلاص والمتابعة اللذين هما شرطا قبول العبادة مايلي:
1- أن الله أمر بإخلاص العبادة له، قال - تعالى - : ( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
2- أن الله - تعالى - اختص نفسه بالتشريع، فهو حقه وحده، ومن تَعَبَّد الله بغير ما شرع فقد شارك الله - عز وجل - في تشريعه، قال - تعالى - : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) .
وقال : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) .
3- أن الله أنكر على من يشرع من عند نفسه، قال - تعالى - : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) .
4- أن الله أكمل لنا الدين، ورضيه لنا، قال - تعالى - : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ) .
فالابتداع في الدين إنما هو في الحقيقة استدراك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - واتهام للدين بالنقص.
5- أنه لو جاز للناس أن يتعبدوا بما شاءوا، كيفما شاءوا - لأصبح لكل إنسان طريقتُه الخاصة بالعبادة، ولأصبحت حياةُ الناس جحيماً لا يطاق؛ إذ يسود التناحر والتنافر؛ لاختلاف الأذواق، مما يؤدي إلى الشقاق والافتراق؛ والاتباعُ وترك الابتداع أعظمُ سببٍ للائتلاف والاجتماع.
6- لو جاز للناس أن يعبدوا الله بما شاءوا كيفما شاءوا - لترتَّب على ذلك عدم حاجة الناس إلى الرسل، ولا يقول بهذا عاقل
أركـــان العبـــــادة
للعبادة ثلاثة أركان، هي:
1- الحب 2- الخوف 3- الرجاء
وجعلها بعض أهل العلم أربعة: الحب، والتعظيم، والخوف، والرجاء.
ولا تعارض بين الأمرين؛ فإن الرجاء ينشأ من الحب، فلا يرجو الإنسان إلا من يحب، وكذلك الخوف ينشأ من التعظيم، فلا يخاف الإنسان إلا من عظيم.
وقد أثنى الله على أهل الخوف والرجاء من النبيين والمرسلين فقال : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) .
ومدح القائمين بذلك من سائر عباده، فقال : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) ، وقال : ( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) ، وقال : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) .
كما أمر - عز وجل - باستحضار ذلك وقصْدِه فقال : ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .
هذه هي عبادة الأنبياء والمرسلين، وعباد الله المؤمنين، فمن ذا الذي هو أحسن منهم؟ وأكمل من هديهم؟ وهل تقبل دعواه؟!!
الجواب: لا، فالخوف والرجاء متلازمان؛ فكلاهما بريد الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فلو سألت من لا يزني من المؤمنين - مثلاً - مع قدرته على الزنا: لم لا تزني؟ لبادر بقوله: إني أخاف الله، وأرجو ثوابه.
ولو سألت المصلي لِمَ تصلي؟ لقال: خوفاً من الله وطمعاً في ثوابه، وهكذا...
فغير الله قد يُحَبُّ ولكن لا يُخاف منه، وقد يُخاف منه ولكن لا يُحب.
أما الله - عز وجل - فيجتمع الأمران في حقه؛ فيُخاف ويحب، فلابد للمؤمن - إذاً - من الجمع بين الحب، والخوف، والرجاء، والتعظيم.
أما العبادة بالحب وحده فلا تكفي، وليست صحيحة؛ لأنها لا تتضمن تعظيماً لله، ولا خشيةً منه؛ إذ إن صاحبها يجعل الله - سبحانه - بمنزلة الوالد والصديق، فلا يتورع من اقتراف المحرمات، بل يستهين بها بحجة أن الحبيب لا يعذب حبيبه، كما قالت اليهود والنصارى : ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ، وكما يقول غلاة الصوفية: نحن نعبد الله لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه، إنما نعبد الله حباً له كما عبر بذلك كثير منهم كرابعة العدوية التي تقول:
أحـبك حـبين حـبَّ الهوى * وحـبَّاً لأنـك أهـلٌ لـذاكا
فـأما الـذي هو حب الهوى * فـشغلي بذكرك عمن سواكا
وأمـا الـذي أنـت أهل لته * فكشفك لي الحجبَ حتى أراكا
وكما قال ابن عربي:
أدين بدين الحب أنى توجهت * ركائبه فالحب ديني وإيماني
ولا شك أن هذا مسلك باطل، وطريقة فاسدة، لها آثار وخيمة منها الأمن من مكر الله، وغايته الخروج من الملة؛ فالذي يتمادى في التفريط والخطايا ويرجو رحمة ربه بلا عمل يقع في الغرور، والأماني الباطلة، والرجاء الكاذب.
كذلك العبادة بالخوف وحده، دون الحب والرجاء ليست صحيحة، بل هي باطلة فاسدة، وهي طريقة الخوارج الذين لا يجعلون تعبدهم لله مقروناً بالمحبة، فلا يجدون للعبادة لذة، ولا إليها رغبة، فتكون منزلة الخالق عندهم كمنزلة سلطان جائر، أو ملك ظالم، وهذا مما يورث اليأس أو القنوط من رحمة الله، وغايته الكفر بالله، وإساءة الظن به، قال - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني ".
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل وفاته بثلاث: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل - ".
وحسن الظن هو الباعث على العمل؛ الذي يلزم منه تحري الإجابة عند الدعاء، والقبول عند التوبة، والمغفرةِ عند الاستغفار والإثابةِ عند العمل.
أما ظن المغفرة والإجابة والإثابة مع الإصرار على الذنوب والتقصير في العمل - فليس من حسن الظن في شيء، بل هو سَفهٌ وجهل وغرور.
فلابد للعابد أن يكون الله أحبَّ إليه من كل شيء، وأن يكون الله أعظمَ عنده من كل شيء؛ فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً، وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله؛ فإنك إذا خفته فررت إليه، فالخائف من الله هارب إليه قال - تعالى - : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) .
وهناك مقولة مشهورة عند السلف، وهي قولهم، من عَبَدَ الله بالحب وحده - فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء، ومن عبده بالخوف، والرجاء، والحب، فهو مؤمن موحد.
لقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة، وتنوعت دلالتها في وجوب إفراد الله بالعبادة؛ّ َفتارة تأتي نصوص الكتاب آمرةً بتوحيد الله أمراً مباشراً، وتارة تأتي مبينةً الغاية من خلق الجن والإنس، وتارة تأتي موضحةً الهدف من إسال الرسل وإنزال الكتب، وتارة تأتي محذرةً من مخالفته، وتارة تأتي لبيان ثواب من عمل به في الدنيا والآخرة، وتارة لبيان عقوبة من تركه، وتخلى عنه، أو ناوأه، وحارب أهله.
فمن تلك الأدلة من الكتاب والسنة على وجود إفراد الله بالعبادة قوله - تعالى - : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وقوله : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ، وقوله : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) ، وقوله : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ، وقوله : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) ، وقوله : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) ، وقوله : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) ، وقوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، وقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) وقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن معاذ - رضي الله عنه - قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال لي: " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟.
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.
قلت: أفلا أبشر الناس؟.
قال: لا تبشرهم فيتكلوا ".
أركان توحيد الألوهية
توحيد الألوهية يقوم على أركان ثلاثة هي:
1- توحيد الإخلاص: ويسمى توحيد المراد، فلا يكون للعبد مرادٌ غير مراد واحد وهو الله - سبحانه وتعالى - فلا يزاحمه مرادٌ آخر.
2- توحيد الصدق: ويسمى توحيد إرادة العبد، وذلك بأن يبذل جهده وطاقته في عبادة ربه.
3- توحيد الطريق: وهو المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن القيم - رحمه الله - :
فلواحدٍ كن واحداً في واحدٍ * أعني سبيل الحق والإيمان
فقوله: ( فلواحدٍ ): أي لله، وهذا هو توحيد المراد.
وقوله: ( كن واحداً ): في عزمك، وصدقك، وإرادتك، وهذا هو توحيد الإرادة.
وقوله ( في واحد ): هو متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو طريق الحق والإيمان، فهذا هو توحيد الطريق.
والأدلة على هذه الأركان الثلاثة كثيرة، فمن أدلة الإخلاص قوله - تعالى - : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ودليل الصدق قوله - تعالى - : ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً ) ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، ودليل المتابعة قوله - تعالى - : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) .
فمن اجتمعت له هذه الثلاثة نال كل كمال وسعادة وفلاح، ولا ينقص كمال العبد إلا بنقص واحد من هذه الأشياء.
تعريف العبادة لغةً، واصطلاحاً
تعريف العبادة لغةً: هي التذلل والخضوع فيقال بعير معبد أي مذلل، وطريق معبد أي مذلل، ذللته الأقدام.
ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته المشهورة يصف ناقته:
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت * وظيفاً وظيفاً فوق مور معبد
فقوله: فوق مور معبد: أي فوق طريق مذلل من كثرة السير عليه، فالمور هو الطريق.
تعريف العبادة في الاصطلاح: عرفت العبادة في الاصطلاح بعدة تعريفات، ومنها ما يلي:
1- عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بأنها: " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ".
2- وعرفها ابن القيم بأنها: " كمال المحبة مع كمال الذل ".
وقال في النونية:
وعبادة الرحمن غاية حبه * مع ذل عابده هما قطبان
3- وعرفها الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - بعدة تعريفات منها قوله:
" العبادة روحُها وحقيقتُها تحقيقُ الحبِّ والخضوع لله؛ فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما - فليست عبادة؛ فإن حقيقتها الذل والانكسار لله، ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها ".
4- وعرفها بتعريف ثانٍ فقال: " العبادة والعبودية لله اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد، وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، فكل ما يقرب إلى الله من الأفعال، والتروك فهو عبادة، ولهذا كان تارك المعصية لله متعبداً متقرباً إلى ربه بذلك ".
ومما ينبغي التنبيه عليه أن العبادة تطلق إطلاقين:
1- الفعل الذي هو التَّعَبُّد.
2- المفعول وهو المُتَعَبَّدُ به أو القربة.
مثال ذلك الصلاة ففعلها عبادة وهو التعبد، وهي نفسها عبادة وهي المتعبد به.
فعلى الإطلاق الثاني تُعَرَّف العبادة بتعريف شيخ الإسلام، وعلى الإطلاق الأول تُعَرَّف بالتعريف الثاني والثالث.
أما التعريف الرابع الذي هو تعريف ابن سعدي فإنه يشمل الإطلاقين الفعل والمفعول.
ومن التعريفات لها أيضاً " الأعمال الصالحة الإرادية التي تُؤَدَّى لله - تعالى - ويفرد بها ".
وهذا يشمل الإطلاقين أيضاً.
الفرق بين العبادة وتوحيد العبادة
الفرق بينهما ظاهر؛ فالعبادة هي ذات القربة أو فعلها.
أما توحيدها فصرفها لله وحده لا شريك له.
متى تقبل العبادة ؟
لا تقبل العبادة إلا إذا توفر فيها شرطان:
1- الإخلاص لله.
2- المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، كما قال - تعالى - : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .
وذلك تحقيق الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله؛ ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه، وفي الثانية : أن محمداً هو رسوله المبلغ عنه؛ فعلينا أن نصدق خبره، ونطيع أمره ".
فمن أراد عبادة الله فلابد له من توفر الشرطين ولسان حاله يقول : ( إياك أريد بما تريد ).
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - في قوله - تعالى - : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .
قال: أخلصه وأصوبه.
قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فإذا فُقِد الشرطان أو أحدُهما بطلت العبادة.
وتوضيح ذلك بالمثال الآتي: لو أن شخصاً صلى لغير الله وعلى صفة غير الصفة التي علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لردت عبادته، لماذا؟.
لأنه فقد الشرطين معاً.
كذلك لو صلى كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي؛ بحيث أتى بصفة الصلاة كاملة، ولكنها صرفها لغير الله لبطلت عبادته، لماذا؟.
لأنه فقد الإخلاص، والله سبحانه يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) وقال : ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
كذلك لو صلى لله ولكن على صفة غير الصفة التي علمنا إياها الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ بحيث ابتدع صفة من عنده بطلت عبادته؛ لأنه فقد المتابعة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث المتفق عليه : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
أي مردود، والجار والمجرور في قوله "عليه" متعلق بمحذوف تقديره (حاكماً أو مهيمناً).
وفي رواية أخرى للحديث " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
وهذان الشرطان - في الحقيقة - متلازمان؛ فإن من الإخلاص لله أن تتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعُه - عليه الصلاة والسلام - مستلزم للإخلاص
أهمية الإخلاص والمتابعة
مما يدل على أهمية الإخلاص والمتابعة اللذين هما شرطا قبول العبادة مايلي:
1- أن الله أمر بإخلاص العبادة له، قال - تعالى - : ( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
2- أن الله - تعالى - اختص نفسه بالتشريع، فهو حقه وحده، ومن تَعَبَّد الله بغير ما شرع فقد شارك الله - عز وجل - في تشريعه، قال - تعالى - : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) .
وقال : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) .
3- أن الله أنكر على من يشرع من عند نفسه، قال - تعالى - : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) .
4- أن الله أكمل لنا الدين، ورضيه لنا، قال - تعالى - : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ) .
فالابتداع في الدين إنما هو في الحقيقة استدراك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - واتهام للدين بالنقص.
5- أنه لو جاز للناس أن يتعبدوا بما شاءوا، كيفما شاءوا - لأصبح لكل إنسان طريقتُه الخاصة بالعبادة، ولأصبحت حياةُ الناس جحيماً لا يطاق؛ إذ يسود التناحر والتنافر؛ لاختلاف الأذواق، مما يؤدي إلى الشقاق والافتراق؛ والاتباعُ وترك الابتداع أعظمُ سببٍ للائتلاف والاجتماع.
6- لو جاز للناس أن يعبدوا الله بما شاءوا كيفما شاءوا - لترتَّب على ذلك عدم حاجة الناس إلى الرسل، ولا يقول بهذا عاقل
أركـــان العبـــــادة
للعبادة ثلاثة أركان، هي:
1- الحب 2- الخوف 3- الرجاء
وجعلها بعض أهل العلم أربعة: الحب، والتعظيم، والخوف، والرجاء.
ولا تعارض بين الأمرين؛ فإن الرجاء ينشأ من الحب، فلا يرجو الإنسان إلا من يحب، وكذلك الخوف ينشأ من التعظيم، فلا يخاف الإنسان إلا من عظيم.
وقد أثنى الله على أهل الخوف والرجاء من النبيين والمرسلين فقال : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) .
ومدح القائمين بذلك من سائر عباده، فقال : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) ، وقال : ( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) ، وقال : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) .
كما أمر - عز وجل - باستحضار ذلك وقصْدِه فقال : ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .
هذه هي عبادة الأنبياء والمرسلين، وعباد الله المؤمنين، فمن ذا الذي هو أحسن منهم؟ وأكمل من هديهم؟ وهل تقبل دعواه؟!!
الجواب: لا، فالخوف والرجاء متلازمان؛ فكلاهما بريد الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فلو سألت من لا يزني من المؤمنين - مثلاً - مع قدرته على الزنا: لم لا تزني؟ لبادر بقوله: إني أخاف الله، وأرجو ثوابه.
ولو سألت المصلي لِمَ تصلي؟ لقال: خوفاً من الله وطمعاً في ثوابه، وهكذا...
فغير الله قد يُحَبُّ ولكن لا يُخاف منه، وقد يُخاف منه ولكن لا يُحب.
أما الله - عز وجل - فيجتمع الأمران في حقه؛ فيُخاف ويحب، فلابد للمؤمن - إذاً - من الجمع بين الحب، والخوف، والرجاء، والتعظيم.
أما العبادة بالحب وحده فلا تكفي، وليست صحيحة؛ لأنها لا تتضمن تعظيماً لله، ولا خشيةً منه؛ إذ إن صاحبها يجعل الله - سبحانه - بمنزلة الوالد والصديق، فلا يتورع من اقتراف المحرمات، بل يستهين بها بحجة أن الحبيب لا يعذب حبيبه، كما قالت اليهود والنصارى : ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ، وكما يقول غلاة الصوفية: نحن نعبد الله لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه، إنما نعبد الله حباً له كما عبر بذلك كثير منهم كرابعة العدوية التي تقول:
أحـبك حـبين حـبَّ الهوى * وحـبَّاً لأنـك أهـلٌ لـذاكا
فـأما الـذي هو حب الهوى * فـشغلي بذكرك عمن سواكا
وأمـا الـذي أنـت أهل لته * فكشفك لي الحجبَ حتى أراكا
وكما قال ابن عربي:
أدين بدين الحب أنى توجهت * ركائبه فالحب ديني وإيماني
ولا شك أن هذا مسلك باطل، وطريقة فاسدة، لها آثار وخيمة منها الأمن من مكر الله، وغايته الخروج من الملة؛ فالذي يتمادى في التفريط والخطايا ويرجو رحمة ربه بلا عمل يقع في الغرور، والأماني الباطلة، والرجاء الكاذب.
كذلك العبادة بالخوف وحده، دون الحب والرجاء ليست صحيحة، بل هي باطلة فاسدة، وهي طريقة الخوارج الذين لا يجعلون تعبدهم لله مقروناً بالمحبة، فلا يجدون للعبادة لذة، ولا إليها رغبة، فتكون منزلة الخالق عندهم كمنزلة سلطان جائر، أو ملك ظالم، وهذا مما يورث اليأس أو القنوط من رحمة الله، وغايته الكفر بالله، وإساءة الظن به، قال - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني ".
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل وفاته بثلاث: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل - ".
وحسن الظن هو الباعث على العمل؛ الذي يلزم منه تحري الإجابة عند الدعاء، والقبول عند التوبة، والمغفرةِ عند الاستغفار والإثابةِ عند العمل.
أما ظن المغفرة والإجابة والإثابة مع الإصرار على الذنوب والتقصير في العمل - فليس من حسن الظن في شيء، بل هو سَفهٌ وجهل وغرور.
فلابد للعابد أن يكون الله أحبَّ إليه من كل شيء، وأن يكون الله أعظمَ عنده من كل شيء؛ فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً، وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله؛ فإنك إذا خفته فررت إليه، فالخائف من الله هارب إليه قال - تعالى - : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) .
وهناك مقولة مشهورة عند السلف، وهي قولهم، من عَبَدَ الله بالحب وحده - فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء، ومن عبده بالخوف، والرجاء، والحب، فهو مؤمن موحد.

الصفحة الأخيرة
عرف العلماء توحيد الألوهية بتعريفات متقاربة، إلا أن بعضها قد يكون أطول من بعض، فمن تلك التعريفات مايلي:
1- هو إفراد الله بأفعال العباد.
2- هو إفراد الله بالعبادة.
3- هو إفراد الله - تعالى - بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة، والباطنة، قولاً، وعملاً، ونفي العبادة عن كل من سوى الله - تعالى - كائناً من كان.
4- وعرفه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله - بتعريف جامع ذكر فيه حد هذا التعريف، وتفسيره، وأركانه، فقال: " فأما حدُّه، وتفسيره، وأركانه - فهو أن يعلم، ويعترف على وجه العلم، واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله - تعالى -.
فإذا عرف ذلك واعترف به حقَّاً أفرده بالعبادة كلها؛ الظاهرة، والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله، وحقوق خلقه.
ويقوم بأصول الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشره لله.
لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربِّه، وطلب ثوابه، متابعاً في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة، وأعماله وأفعاله ما شرعه الله ورسوله، وأخلاقه، وآدابه الاقتداءُ بنبيه - صلى الله عليه وسلم - في هديه، وسمته، وكل أحواله.
قال الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - عن هذا النوع في منظومته سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد:
هـذا وثاني نوعي التوحيد * إفرادُ ربِّ العرش عن نديد
أن تـعبد الله إلـهاً واحداً * مـعترفاً بحقه لا جاحدا