أم شماء

أم شماء @am_shmaaa

رحيق الصحة

مكاتب "اللياقة" تكافح البدانة

الصحة واللياقة

يعكف معماريو بريطانيا اليوم على تصميم جيل جديد من مباني المكاتب القائمة على فلسفة الحفاظ على الصحة والتي ترفع لواء الرشاقة، وذلك في خضم تيار عام ينشد كبح جماح طوفان البدانة الذي اكتسح دول العالم الثرية، لا سيما في أمريكا وأوروبا الشرقية. وتشجع هذه العمائر الجديدة المستخدمين والموظفين على حيازة قدر أكبر من الصحة بجعلهم يضطرون إلى المشي أثناء ساعات عملهم.



وتأتي هذه الموجة المعمارية التجديدية كردّ ثوري يناطح ثقافة التسمر بالكرسي والمكوث ساعات طويلة في المكان ذاته من دون أن يبرحه المرء إلا وهو يقفل عائداً إلى بيته. ولتحقيق هذا الهدف الذي أعيا تحقيقه الأوساط الطبية والصحية لجأ القائمون على هذا المشروع المبتكر إلى جعل صالات الاجتماعات، والمقاصف ومواقف السيارات بعيدة بمسافة لا بأس بها عن مكاتب الموظفين بحيث يضطر العاملون في مجمعات المكاتب إلى بذل جهد أكبر وحرق المزيد من الطاقة في طريقهم إلى هذه المرافق.

وصرفت في هذا المشروع عناية خاصة إلى إقناع الناس في هذه المجمعات ليستخدموا السلام وذلك بتوفير مناظر خلاّبة تحفّ بها، في حين أبعدت المصاعد الكهربائية عن متناول هؤلاء العاملين، وصممت في بعض المباني لتخدم طابقاً واحداً من كل ثلاثة.

وقد بدأ هذا الاتجاه المعماري في أمريكا أولاً، إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى بريطانيا في الآونة الراهنة وذلك بعد ما تم إنجازه مؤخراً من إعادة تصميم أحد أهم تجمعات المكاتب في لندن. ويشتمل مشروع تجديد مركز “برودجيت” في العاصمة البريطانية والذي يكلف 35 مليون جنيه استرليني على بيوت سلالم كبيرة فسيحة في ردهات بدل أن تكون في ممرات رأسية كبيوت المصاعد، التي صممت لتقوم في مكان بعيد نسبياً.

ويقول لاري اولتمانز، مهندس التصاميم المشارك في مكتب “إس.أو.إم” المعماري الذي أشرف على المشروع: “إنها فلسفة جديدة وسياسة في التصميم تتوخى مراعاة الجوانب الصحية وتنشد قدراً أكبر من اللياقة والرشاقة للناس، وتصبو لإقامة بيئة تتناغم إلى أقصى حدّ ممكن مع مقتضيات الصحة العامة. فهي تشجع على المشي من دون أن تنفر الناس منه وتجعله يبدو عملاً شاقاً. ويمكن للمرء، بفضل براعة التصميم، أن يصعد دوراً كاملاً من دون أن يلحظ ذلك أو يحسّ بالتعب”.

وجاء التركيز على العاملين في مجمعات المكاتب واستهدافهم في غمرة تنامي القلق بشأن الارتفاع المريع في معدلات البدانة. ويقول وليام دونالدسون، كبير المسؤولين الطبيين، وكان يتحدث أوائل الشهر الحالي في حفل شبابي: “إنني أهيب بالشباب خاصة بألا يتوانوا عن ممارسة الرياضة لثلاثين دقيقة يومياً ولمدة خمسة أيام في الأسبوع لتحسين صحتهم”.

وقد قاد خمول نمط الحياة في أوساط الفئات العمرية الأصغر سناً إلى تنامي المخاوف من تدهور الإنتاجية في أوساط الجماعات التي تلج ميدان العمل. وحسب المنظور الصحي الجديد، يُطلب إلى الإنسان العادي، أو يُوصى بالأحرى، بأن يمشي عشرة آلاف خطوة يومياً للحفاظ على الحد الأدنى من اللياقة. إلا أن فئة قليلة من العاملين في وظائف مكتبية تقتضي ساعات طويلة من الجلوس على الكراسي تستطيع تدبر أمر السير لمسافة تُقدر بنحو خمسة آلاف خطوة.

ويقول لين الموند مدير عام المركز الوطني للصحة والنشاط البدني التابع للمؤسسة البريطانية للقلب: “إن مسير عشر دقائق فقط يمكن أن يقطع المرء خلاله ألف خطوة، لذا فإن المبادرات من مثل تشجيع استخدام الأدراج بدل المصاعد يمكن أن يدفع جهود مكافحة البدانة”.

إلا أن اتجاه جعل مجمعات المكاتب أكثر مواءمة لمتطلبات اللياقة والصحة العامة نشأ أول ما نشأ في الولايات المتحدة في زمننا المعاصر وقطع شوطاً في هذا المضمار.

وقد أطلق المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض التابع للحكومة مبادرة لتشجيع الموظفين والعاملين في المكاتب على أن يكونوا “أصدقاء للسلالم والأدراج”، وألا يركنوا إلى دعة الحياة المتطورة تقنياً ويدمنوا استخدام ثمراتها من مصاعد وأحزمة متحركة وغيرها. وتلك الشركات التي لا تستطيع تكبد مصاريف إقامة مبانٍ ومرافق جديدة توصي بأن تقوم بتجديد سلالم وأدراج السلامة والطوارئ والحريق الرطبة التي تنخرها العفونة.

وفي أحد الإعلانات التلفزيونية التي أطلقها مؤخراً وزير صحة الولايات المتحدة تومي تومبسون يظهر أحد المستخدمين وهو يسلم لفافتين من دهون كُتب عليهما “لمسة الحب” وقد عثر عليهما بالقرب من درج العمارة في مركز للتسوق. وتقول الموظفة في قسم المفقودات: “كثير من الناس يفقدونها وهم يصعدون السلالم بدل المصاعد”.

واشتملت المبادرات في بعض مباني المكاتب على مصاعد “تخطي المواقف”، التي لا تتوقف إلا كل ثلاثة طوابق لتحمل مستخدميها على بذل شيء من الجهد وصرف المزيد من الطاقة وبالتالي اكتساب لياقة أفضل، إلا أن هناك مصعداً واحداً على الأقل في كل مبنى لا يزال يتوقف عند كل طابق من طوابق العمارة وذلك مراعاة لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين من العاملين والمراجعين.

وفي بريطانيا، حرص المعماريون في المقر الإداري العام لشركة جلاسكو سميث كلاين الصيدلانية في بوكسبريدج غربي لندن على أن يضمنوا العديد من “ملامح اللياقة” وسماتها، بما فيها جعل موقع المقهى في الركن القصي من المبنى بحيث يضطر بعض العاملين فيه إلى قطع نحو ربع ميل جيئة وذهاباً وهم يرتادون المقهى أو المطعم المجاور لتناول الغداء.

وقال بوب هيلبر رئيس مؤسسة “هيلبر المعمارية” التي تولّت تصميم مبنى جلاسكو سميث كلاين: إن المصاعد كانت “شراً لا بد منه” في البرج الذي يشمخ بسبعة عشر طابقاً، إلا أن السلالم في زوايا المبنى التي تطل على الحديقة “أكثر إمتاعاً وإدخالاً للبهجة” إلى نفوس مستخدميها الذين يستغنون عن المصاعد.

وقالت جاكلين كير، كبيرة الباحثين في سجل ميونيخ لمرض السرطان، التي ألقت مؤخراً محاضرة علمية عن استخدام السلالم في الجمعية الملكية للطب: إن أساليب تشجيع الرياضة بهدف الحفاظ على اللياقة والرشاقة تتضمن تثبيت لافتات كبيرة أدنى المصاعد تشجع المستخدمين على استعمال السلالم. وإضافة إلى ذلك يجب تجزئة السلالم وإعادة تصميمها بحيث لا تتكون كل وحدة منها من أكثر من تسع درجات في كل مجموعة لجعلها تبدو أقل كآبة وتثبيطاً. إلا أن هناك فريقاً من الخبراء لا تروق لهم فكرة السعي لجعل المباني أكثر ملاءمة لاعتبارات اللياقة. وقال جيمس وود هيوسين البروفيسور المحاضر في علوم التنبؤ والابتكارات في جامعة دو مونت فورت، إنه تنبغي زيادة عدد المصاعد لمساعدة الفئة الكبيرة من الشعب التي بلغت مرحلة الشيخوخة وأعدادها آخذة في الازدياد، ولمساعدة المستعجلين. وقال أيضاً: “إن تصميم المباني للحدّ من استشراء البدانة إنما هو مسؤولية اجتماعية أخرى تُلقى على عاتق المعماريين الذين ليس من شأنهم وليس من صلب عملهم تغيير سلوكيات البشر، بل يتمثل واجبهم في تشييد مبانٍ عظيمة ورخيصة في آن واحد”.

وكانت المخاوف التي أثارتها الأوساط الطبية من تفشي البدانة هي التي حفزت إطلاق المبادرات الرسمية الرامية لمكافحة استفحال هذه الظاهرة وذلك بعد أن دقّ الأطباء ناقوس الخطر لارتباط البدانة بأمراض خطيرة مثل القلب والجلطات الدموية والسكري التي تنجم عن الإفراط في الطعام وقلّة الحركة وتضاؤل النشاط البدني الذي يقوم به الموظفون بشكل خاص، وانتشار ظاهرة زيادة الوزن حتى بين صغار السن.

وإذا استمرت الحال على ما هي عليه وبأنماط المعيشة السائدة، فإن ثلث البريطانيين من البالغين يُتوقع أن يكونوا من البدينين بحلول عام ،2020 مقارنة بنحو 20% حالياً. وتشير التقارير إلى أن ثلاثة أرباع الرجال وثلثي النساء في بريطانيا يعانون إما من زيادة الوزن أو من البدانة.



منقووول
0
401

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️