الحلقه الثالثه عشر
اسم الله الحميد)
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طلب خاص قبل أن تكمل قراءة المحاضرة، أطلب منك إحضار ورقه وقلم فستحتاج لهما لتحقق الإستفاده الحقة من قراءتك لهذه المحاضرة.
وسنعيش في السطور القادمة مع اسم الله الحميــد.
معنى اسم الله الحميد:
"الحميد" كلمه مشتقه من مادة الحمد، وهو مضاد الذم، فالكامل يُحمد والناقص يُذم، والكامل المطلق هو الله سبحانه وتعالى، فالحميد في أفعاله، في خلقه، في شرعه، في أقواله، هو الله سبحانه وتعالى. فلا حميد في هذا الكون إلا الله سبحانه وتعالى. وكلمة الحمد تطلق للثناء على الكامل.
الفرق بين الشكر والحمد:
- الشكر مرتبه أدنى من الحمد، فأنت تشكر الناس، ولا تحمد إلا الله سبحانه وتعالى.
- الحمد أعم من الشكر، فالحمد أن تثني عليه سبحانه لذاته، وعظمته، وكماله، وجلاله، لكمال عطائه، ولكن الشكر لا يكون إلا مقابل لنعمه بعينها.
و الآن لنعيش سويا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله سبحانه وتعالى، وأستشعر هذه الكلمات وأنت تتذكر كيف أمطر الله تعالى عليك نعمه:
- "اللهم لك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق."
- " يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء يا ربنا ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك."
- "يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك."
- "يا رب كنّا ضعفاء فقويتنا، فلك الحمد. كنا أذله فأعززتنا فلك الحمد. كنا فقراء فأغنيتنا، فلك الحمد. لك الحمد بالإسلام، لك الحمد بالإيمان، لك الحمد بالقرآن، لك الحمد بنعمة الأهل والولد والمال، يا رب لك الحمد كله ولك الشكر كله ولك الملك كله وإليك يرجع الأمر كله."
ونشعر حين سماع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نفس وكل قطرة دم فينا وكل حضن لأولادنا وكل قرش في جيوبنا وكل نظرة عين وكل حركة لسان تريد أن تنطق بحمد الله سبحانه، " ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..." (النحل: 53)، فاللهم لك الحمد عدد الأمطار وورق الأشجار، وعدد من أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، الحمد لله الحميد الذي يُحمد في كل خلقه على ما كل ما فعل.
ولتحضر الآن الورقة والقلم، ولا يهم إذا كانت الورقة صغيره أم كبيره: "وإن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا... " (النحل: 18) فالنعمة الواحدة إن فكرت في أثرها وفضلها فستملأ منها صفحات وصفحات.
ولتكتب الآن في منتصف السطر:
اسم الله الحميــد
" ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ..." (النحل: 53)
ولتستشعر معنى " ومَا بِكُم " فلا شئ في كيانك، في وجودك، حولك إلا وهو نعمه من الله. وسأساعدك في الكتابة بأن أعطيك بعض النقاط التي تذكرك بنعم الله عليك:
§ نعمة الملبس: حين نعيد هذا الملبس الفخم إلى أصله نجد أنه من الله فهو قطن أو صوف أو جلد أو كتان وكل هذا ما آتى إلا من عند الله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرتدي ملابسه يقول: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به بين خلقه." فبدون هذا الملبس أنت عاري، فالحميد هو الذي كسانا، وله سبحانه الحمد.
§ أثاث منزلك: فمهما كان فخما فهو أصله خشب، وأصل الخشب بذره وأمطار من السماء.
§ بيتك وجدرانه: ما هو إلا معادن خرجت من باطن الأرض ليأويك الله الحميد بها.
§ مأكلك: وأصل طعامك هو بذره في الأرض" فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَباً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَباً (27) وعِنَباً وقَضْباً (28) وزَيْتُوناً ونَخْلاً (29) وحَدَائِقَ غُلْباً ( عبس: 24-30 )
§ مشربك: ماذا عن نقطة المياه، فمصر هبة النيل كما يقولون، والنيل هبة من؟؟! النيل هبة الحميد سبحانه وتعالى. هناك قصه تُحكى أن شخص ضل في الصحراء ومن العطش كان يبحث عن الماء وإذا به فجأة يجد كيس معلق على شجره يلمع، فظن أنه الماء فحين أتاه، وجد أن ما به كان ذهباً، فقال: يا مصيبتي هذا ذهب وليس ماء! فما قيمة الذهب بدون الماء، فمن يموت في الصحراء جوعا، يجدونه وقد جرح وجهه عطشاً. فالحمد لله على نعمة الماء.
§ خروج نقطة الماء من جسدك: وهذه نعمه كبيره تستحق الحمد فتخيل أن نقطة الماء التي تدخل جسدك لا تخرج!!!! أتى هارون الرشيد واعظه ابن السماك، فقال له هارون الرشيد عِظني. فقال له: يا أمير المؤمنين كم تدفع من ملكك لو حبست عنك هذا الكوب من الماء؟ فقال له: أدفع نصف ملكي. فقال له ابن السماك: فإن أعطيتك هذا الماء فشربته فحُبس فيك، كم تدفع ليخرج منك؟ فقال له: أدفع نصف ملكي.فقال له: يا أمير المؤمنين، إن ملكاً لا يساوي شربة ماء وخروجها، لملك هين "أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَذِي تَشْرَبُونَ " (الواقعة: 68)
§ الحراسة: يقول الناس: العين عليها حارس. نعم نحن علينا حراسة من الله، ألم تقرأ قوله تعالى: " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ .."(الرعد:11). فهناك ملائكة وظيفتها حمايتك بأمر الله، فإذا جاء قدر الله خلّوا بينك وبين قدر الله، فكم تعرضنا لحوادث كادت لو حدثت أن تقضي علينا!
§ نفسك: أنظر إلى نفسك وأحمد الحميد، وأكتب نعم الله عليك، فكم من نعمه فيك أنت، أنت تبصر وغيرك لا يبصر، أنت تسمع وغيرك أصم، أنت عاقل وغيرك مجنون، أنت تشعر وغيرك لا يشعر، أنت تحب وتُحب وغيرك قاسي. تخيل لو أن الله سبحانه لم يعطينا أعضائنا وترك لنا مهمة شرائها من الكون، فلكنت تذهب لتشتري لولدك أجهزة جسده بعد ولادته، فكم تساوي الكلى والعين لو كنت لتشتريهما؟!
اقرأ قول الله تعالى:" أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِسَاناً وشَفَتَيْنِ (9) وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"
(البلد: 8-10)
§ التنفس: أكتب نعمة التنفس، وتخيل لو جعل الله تعالى مهمة تنفس الرئة لك فأنت من يحركها لتلتقط الأنفاس!! لو كان ذاك يحدث، لكان عملنا الوحيد في حياتنا هو تشغيل رئتنا وتحريكها لالتقاط الأنفاس. أكتب أن الحميد هو الذي يجعل رئتك تتنفس الآن.
§ الروح: أكتب في ورقتك أن الله أنعم عليك بنعمة الروح فما الفرق بينك وبين التماثيل سوى هذه الروح التي أعطاك إياها الحميد سبحانه وتعالى.
§ الإسلام: هل نسيت أن تكتب أعظم نعمه وهي أنك مسلماً؟!
§ رمضان: أليست بنعمه أنك قد بلغت رمضان.
§ السجود لله تعالى.
§ الجنة: هل نسيت أن تكتب الجنة؟! تمر السحابة على أهل الجنة وتقول لهم أرسلني إليكم الحميد سبحانه وتعالى، بأي شئ تحبون أن أمطركم يا أهل الجنة؟
فالحميد هو الذي كسانا وآوانا وأطمعنا وله سبحانه وتعالى الحمد. وتذكر نعم الله الحميد إليك واكتب واكتب واكتب وأملأ الصفحات والصفحات، ولتقل الحمد لله من داخلك بمشاعرك وإحساسك ودموع عينيك وروحك فلا ترددها فقط بلسانك. قل معي الآن الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.
ولتردد معي: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا ربنا من شئ بعد، الحمد لله الذي خلقنا وسوانا، الحمد لله الذي أنعم علينا إذ هدانا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ ولَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً "( الكهف: 1)، الحمد لله الذي يقول في كتابه سبحانه: " الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ..." (فاطر:1) الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات فيستجيب الدعاء لا يشغله سمع عن سمع، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.
وإليك هذا الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم." فاللهــم لك الحمــد.
أخي أما تستحي من شكرك للبشر إذا قدم إليك معروفاً؟! وهذا ليس خطأ، "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، ولكن أما تستحي أن تعطي للخلق مالا تعطي للخالق الحميد سبحانه وتعالى؟!
ولنرى كلمات سيدنا موسى عليه السلام للحميد: فيقول موسى له سبحانه: "يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمه تستحق الشكر؟! فأوحى له الله تعالى أن يا موسى إذا عرفت ذلك فقد شكرتني."
أما تستحي أن الكون كله يسبحه سبحانه وتعالى: " وإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..." (الإسراء: 44) والجن إخواني حين سمعوا" فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" (الرحمن:13) قالوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: "لما لا تقولوا كما قالت الجن؟" قالوا فماذا قالت الجن يا رسول الله؟، قال: لا بشئ من نعمك ربنا نكذب." فالكون كله يسبح حتى الرمال، والجماد والكائنات، وإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..." (الإسراء: 44) أما تستحي من هذه الآية:" إنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وإنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ "(العاديات: 6-7) " فهو يعدد على الله المصائب ولا يذكر النعم.
أما يؤثر فيك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة:" أيها الناس أحبوا الله من كل قلوبكم، أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم." وأوحى الله إلى داوود:" يا داوود حدث الناس بإنعامي وإحساني فإن القلوب جُبٍلَت على حب من أحسن إليها."، والحمد هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن، فغير المؤمن يقف حبيس النعمة فيتمتع بها، أما المؤمن فينتقل من النعمة إلى المُنعم سبحانه وتعالى فيعيش مع الحميد.
ولتنظر: أول مفتاح القرآن: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ" (الفاتحة: 2)، "...ولا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ... " (الزمر: 7) إن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة يحمده عليها، ويشرب الشَربة، فيحمده عليها." والحمد العبادة الوحيدة التي أُمرت بإعلانها:" وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " (الضحى: 11)
وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة تبدأ بالحمد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه للشفاعة:" أسجد تحت العرش وأحمد الله بمحامد لم يحمده بها أحداً من قبل." فلما يحمد الله يقول له الله تعالى:" أرفع رأسك وسل تُعطى وأشفع تُشفع." فيقول: "يا رب إإذن أن يبدأ الحساب". وأول سؤال سيقوله لك سبحانه وتعالى حين تقف بين يديه وحدك فيقول لك سبحانه: "يا فلان ألم أُنعم عليك؟!" فأول الحساب عتاب بالنعم، فتخيل لو كنت تحمد الله على هذه النعم وقلت له سبحانه: يا رب كنت أحمدك، فيقول لك سبحانه: صدقت عبدي.
أخواني الحمد هو المانع من العذاب، ألم تسمع قوله تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إن شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ وكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ( النساء: 147). والحمد إخواني هو ختام الحساب" وتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ..." (الزمر: 75) والحمد لله عند دخول الجنة: " وقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي صَدَقَنَا وعْدَهُ وأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ "( الزمر: 74) ويقال يوم القيامة:" أين الحامدون؟، فيقوم أُناس، فيرفع لهم لواء مكتوب عليه لواء الحمد، فيدخلون الجنة يُشار إليهم هؤلاء الحامدون."
ماذا يعطيك الحميد إذا أكثرت من حمده بلسانك وقلبك؟
"... لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..." (إبراهيم: 7) فحينما تقول أنت الآن الحمد لله تستجلب بها الآن نعمة، ولتلاحظ هنا أن الله تعالى لا يطلب منك أن تشكره لأنه يحتاج لشكرك وإنما ليعطيك المزيد، " مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ( الذاريات: 57) فالله تعالى يدعونا إلى الطموح في الزيادة والطمع فيما عند الله تعالى. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما قال عبد قط الحمد لله إلا وجبت له بها نعمة". يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الحمد لله تملأ الميزان" وذلك يوم "... فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ ( الزلزلة: 7-8)
وذلك يوم يُلقي الكافر نفسه في الميزان ليثُقله، فلا يزن عند الله جناح بعوضه، " فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وزْناً (105) ولكن كلمة الحمد لله تملأ الميزان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن عبدا قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. فعظُمت للملكين، فقال لهم الله تبارك وتعالى: أكتبوها كما قال عبدي وأنا أجزيه بها يوم القيامة."
ولا تنسى في رمضان أن تشكره بالعبادة وقراءة القرآن وعمل الخير، فإن شكرته سبحانه ليزيدك، فقد يزيدك بليلة القدر! أو العتق!
ما أثر تجاهل الحمد؟
عدم حمد الله تعالى على نعمته ينتج عنه التالي:
- قد يسلب النعمة كلياً.
- قد يُضيع حلاوتها
- قد تتحول لنقمة (فيصبح ولدك أو أموالك سبب لتعاستك)
- قد تحدث لك مصيبة تغلب مرارتها على حلاوة النعمة.
كان العرب يطلقون على الشكر كلمة الحافظ، أي الحافظ للنعمة، فالنعمة قيدها الشكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة أحفظي نعم الله، أحسني جوار نعم الله، فإنها قلما كانت عند أهل بيت وتركتهم ثم تعود إليهم."، ولتقرأ قول الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ( إبراهيم: 28) ، وقوله تعالى "ومَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ "( البقرة: 211) فالله إذا أنعم عليك واستخدمت النعمة في المعصية ولم تحمده عليها فالجزاء هو العذاب.
فسلاح إبليس ألا يجعلنا شاكرين:"... ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف: 17) يجعلك الشيطان تبدل النعمة، وتطمع في نعمه ليس في يدك ويجعلك لا تشكر.
ولنرى نماذج ممن عرفوا الحميد سبحانه:
- النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه وكان يراوح بين القدمين، ويقول لعائشة: أفلا أكون عبدا شكورا؟!"، وكان يقول كل ليله "اللهم لك الحمد، أنت مَلك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيّـوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق ولقـاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيـون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق."
- علي بن أبي طالب، وذلك حين قال له شخص كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أصبحت متقلبا في النعم عاجزا عن الشكر.
- يسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخص في الطريق فيقول له كيف أصبحت؟ فيقول له: أصبحت بخير، فيقول له عمر: كيف أصبحت؟ فيقول: بخير، فيكرر عمر السؤال حتى قال له الرجل: أصبحت بخير والحمد لله، فيقول له عمر: هذا ما أردت. فكان يسأل الناس عن أحوالهم ليستنطق الشكر من أفواههم.
- ويقول تعالى عن نوح عليه السلام:" ...إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً " (الإسراء: 3).
- ويقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام " شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وهَدَاهُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(النحل: 121)
كيف تحمد الحميد؟
- أولا: بشكر النعمة باطناً.
- ثانيا: أن تحمد الله باطنا وظاهراُ وهذه درجه أعلى في الحمد، " وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " (الضحى: 11)
ثالثا: أن تشكر الله على نعمه باستخدامها في صلاح الأرض،" اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا " (سبأ: 13) وذلك بتصريف النعم في مرضاة الله، وهذا هو المستوى الأعلى والأحب إلى الله في الحمد.
-

زملكاويه
•

زملكاويه
•
الحلقه الرابعه عشر
(اسم الله الهادي)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعيش اليوم مع اسم من أسماء الله الحسنى: اسم الله الهادي، وهذه الحلقة مكونة من خمس محاور:
· المحور الأول: المقدمة.
· المحور الثاني: معنى اسم الله الهادي.
· المحور الثالث : أنواع الهداية.
· المحور الرابع: كيف هداك أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
· المحور الخامس: مواصفات طريق الهداية.
1ـ المقدمة
عبارة عن أربعة أسئلة :
¤ ماذا تعني كلمة: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) (الفاتحة:6)؟ ولماذا سمي الصراط مستقيم؟
¤ السؤال الثاني: ما معنى هاتان الآيتان : ((قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)) (طـه:49)، ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) (طـه:50)؟ ما معنى هذه الآية التي لابد أنها هزّت فرعون عندما سأل موسى عن ربه فكان جوابه بهذه الآية؟
¤ السؤال الثالث: هل الهداية تقتصر فقط على الإنسان أم هي أيضاً لجميع الكائنات؟
¤ السؤال الرابع والأخير: كيف ترد على من يقول أن الله لم يهده!
2ـ معنى اسم الله الهادي.
كلمة الهداية في اللغة تعني الدلالة على طريق الخير برفق. أن أدلك على الطريق برفق هذه هداية، ولذلك العرب يطلقون على الدليل هادي؛ لأنه يدلك على الطريق الصحيح برفق، يوجد قصة جميلة ستجعلك تفهم معنى الهداية لغوياً، النبي صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته إلى المدينة هرباً من أذى قريش بصحبة سيدنا أبو بكر الصديق، يقابلهم رجل من قبائل العرب يعرف أبو بكر فيسأله عن سيدنا محمد، فيردّ عليه أبو بكر: هذا هاد يهديني الطريق. العربي فهم أن النبي دليل يستعين به أبو بكر ليدله على الطريق. وفي اللغة العربية يهديني الطريق أي يدلني على الطريق، فكلمة هداية لابد أن ترتبط بكلمة طريق وأن أدلك على الطريق برفق. ((.... وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)) (الأحزاب:4). الله الهادي يهدي كل مخلوق إلى طريق الخير، يهدي الكائنات إلى ما يصلح معيشتها في الحياة الدنيا، يهدي الطيور، والأسماك، والحيوانات، والنملة في جحرها، والنحلة في خليتها، يهدي كل مخلوق إلى وظيفته في الحياة، الله الهادي للبشر يهديهم إلى طريق الجنة... الهادي سبحانه وتعالى.
الهدف من هذه الحلقة توجيه ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى للبعيد عن الله، الهادي يدعوك سبحانه وتعالى.
الرسالة الثانية للمتدينين: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)) (محمد:17).
الرسالة الثالثة لكل من يحب أن يعمل عند الهادي فليدعو إلى الله برفق.
3ـ أنواع الهداية: أربعة أنواع
· هداية عامة غرسها الله في كل الكائنات، في الفطرة التي فطرها عليها، إلى وظيفتها في الحياة، إلى ما يصلح معيشتها، كل مخلوق خلقه الله له نصيب من هذه الهداية العامة ((وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)) (الانسان:3).
· هداية إيمان: يدلك على طريقه.
· هداية توفيق لمزيد من الإيمان.. ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً... )) (مريم: الآية76)، ((... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)) (الكهف: من الآية13)
· هداية إلى الجنة.. ((... وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) (لأعراف: الآية43).
فنحن نرد على من يقول إن الله لم يأذن له بالهداية، فنقول لهؤلاء إن في كل واحد منا هداية إيمان مغروسة في فطرتك يوم مولدك، وهناك هداية هي توفيق من الله، ثم هداية إلى الجنة.
الهداية العامة
هداية الكائنات لوظيفتها في الحياة تشعرك بعظمة الله: ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) (طـه:50). لله أوجد كل مخلوق وغرس فيه الهداية بالفطرة، ودله على الوسيلة التي يعيش بها، فكل مخلوق معه هداية طبيعية لوظيفته التي خلق من أجلها. خلقه ودله على الطريق وسأضرب لك مثلاً: كثير من الطيور، يهاجر من جنوب أفريقيا مسيرة 17 ألف كم ويصل إلى بيروت لا يخطىء درجة واحدة، حتى أن علماء الطيور لم يستطيعوا التوصل إلى سر هذا الأمر فاعتقدوا أنه ربما أن هذه الطيور تسير بمحاذاة الشمس، فقاموا بمراقبة الطيور فوجدوا أنها تسير أيضاً في الليل، فقاموا بوضع جهاز لإحدى مجموعات هذه الطيور تقوم بإصدار إشارات كهربائية لرصد إن كان في المخ بوصلة طبيعية، فالطير لو أخطأ ثلاث درجات في مسيرته لابد أنه سيخطىء سيره، فمن الذي هدى هذه الطيور؟ فالعلماء إلى اليوم عاجزين عن تفسير هذه الظاهرة، وأحياناً الإعجاز عن الإدراك إدراك، فتدرك عظمة الله.
فلابد أن موسى هز فرعون عندما قال له: ((..رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))، فالذي فعل هذا مع الكائنات الضعيفة على بساطتها كي تعيش وهى أدنى منك مرتبة أيها الأنسان، فبالعقل والمنطق ألن يهديك أنت أكرم مخلوقاته إلى طريق الجنة؟
أحد العلماء متخصص في علم القنافد يحكي عن مراقبته لقنفد كان يأكل من ثعبان ميت، كان يراه يتوقف ثم يذهب إلى شجرة يأكل من ورقها ثم يعود ويأكل من هذا الثعبان ويعاود الكرة. وعندما قطع العالم هذه الشجرة مات القنفد!! من الذي هدى القنفد أن ورقة الشجرة تعطيه توازن بين لحم الأفعى وبين احتياجات جسمه؟!!
مثال آخر: سمك السلمون، يولد في برك ومستنقعات بجانب مصبات الأنهار في أمريكا الشمالية، يبدأ السلمون الصغير ينمو والأم تقوم على رعايته لمدة سنة، حتى إذا بلغ عامه الأول تموت الأم، ويبدأ هذا السمك الصغير بالخروج من الجدول ثم ينطلق بعد ذلك في رحلة طويلة إلى شواطئ أوروبا حتى سواحل فرنسا في رحلة تصل إلى 3200 كم. يخرج من نهر إلى نهر، يمر بمرتفعات، يسير باتجاه التيار ويصل إلى نفس المكان الذي ولدت فيه أمه؛ لأن مورد رزقه هناك، لو ضل درجة واحدة ينتهي، يُقال أنه أقوى مهاجر في الكون، وأحياناً تكون رحلة العودة في عكس التيار فيبدأ بالقفز ثلاثة أو أربعة أمتار لكي يقاوم الشلالات، حتى يعود إلى مكانه الذي ولد فيه فيضع بيضه فيربيه لمدة سنة وتتكرر العملية، كيف يتم هذا؟!!!
نحن ما زلنا في الهداية العامة ومثال أخر.. النحل واستخراج العسل: ما هي الطريقة التي يقوم بها النحل لاستخراج العسل؟ هل تعلمون أن هناك نحل اسمه النحل المستكشف؟! وظيفته اكتشاف أماكن الرحيق، فيقطع مسافات طويلة، ويقوم بإحضار عينات من هذا الرحيق إلى خليته، ثم إنه يحفظ المسافة جيداً، ودرجة حركة الشمس، ثم يعود إلى الخلية ليتذوق النحل طعم هذه العينة، ثم يقوم بحركات معينة يُعَرِف بها بقية النحل الجهة التي جاء منها بهذ الرحيق، فهل هناك تفسير لهذا؟ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى!!!! ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )) (الأنعام: الآية91). فالذي هدى الكائنات لمعيشتها ألن يهديك أنت؟ فالهادي مثلما هدى هؤلاء هداك أنت والوسائل كثيرة.
4ـ كيف هداك أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
فطرتك التي فطرك الله عليها مغروس فيها الهداية إلى الله، ومحبته، ومعرفته، تقول الآية: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) (الأعراف:172). ماذا تعني هذه الآية؟
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم أخرج من ظهره كل ذريته إلى يوم القيامة.". كل أرواحنا كانت بين يدي الله يوم خلق آدم قبل أن نخلق جميعاً. فالذي غرس في النحلة، وفي السمك غرس في فطرتك معرفة ومحبة الله عزَ وجل.
كل مولود يولد على الفطرة، فكل لحظة تشتاق فيها لله أو تحب أن تعبده جاءت بسبب هذه الذكرى، فهي مغروسة داخلك، كانت موجودة بروحك، في كل لحظة شوق لربنا، كل دمعة عين، كل تسبيحة، كل تحميدة، كل مرة تقول لا إله إلا الله، فالآية تثبت لنا، العهد الذي أخذه عليك يوم خلقت، انسكب فيك مثلما انسكبت الروح داخل الجسد، ومثلما تنسكب الماء في العروق ساعة الإفطار، فهذا المعنى دخل في عروقك، فالذي هدى هذه الكائنات هداك، وإحساسك بمعرفة الله عزّ وجل في كل لحظة في حياتك، الحديث: يؤتى بالرجل من أهل النار يوم القيامة فيقال له: لو كان لك مثل الأرض أكنت تفتدي به هذا اليوم، فيقول نعم، فيقول الله له تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أهون من ذلك يوم أخذت عليك من ذرية آدم، طلبت منك أن لا تشرك بي فأبيت إلاّ أن تشرك بي. حديث رواه مسلم.
الله غرس فيك أيضاً أمر ثان، غرس في فطرتك معرفة الصحيح من الخطأ، ومعرفة طريق الخير من طريق الشر، ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)) (الشمس:7/8). منذ لحظة ولادتك الخير والشر فيك، ولا بد من تصحيح المفهوم الخاطئ عند البعض أن معنى ألهمها فجورها عرفها طريق الفجور وهذا خطأ كبير، والصحيح هو أن الإنسان إذا فجر فإن الله سبحانه يلهمه أن هذا فجور، وإن أقدم على معصية يشعر الإنسان فوراً بأنه أخطأ، وينقبض قلبه ويخجل من نفسه، فيجب أن تدرك هذا المعنى أن الله لم يدعك، فهو دلك على الطريق وكما هدى الكائنات الأخرى هداك ثم قال لك: ((...َمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )) (الكهف: الآية29). فالله غرس في كل مولود من ذرية آدم ومن قبل أن يخلقهم أنهم عباده، وأشهدهم على أنفسهم، هذه الذكرى الجميلة ماثلة في قلب وعقل كل بني آدم حتى يموت، ليس هذا فحسب بل علمنا كيف نفرق بين طريق الخير وطريق الشر.
فالنفس البشرية شديدة الحساسية، وعند حدوث أي خطأ أو معصية تبدأ هذه النفس بإصدار إشارات، كاحمرار في الوجه، وانقباض في القلب، وعند القيام بأي عبادة أو تقوى يظهر عليك الارتياح، وتبتسم، فهذه النفس خلقها الله مستعدة للهداية، فالأصل أن النفس فطرت على الإيمان، ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)) فهذه الآية هي مصدر الهداية في حياتك، ولكن إذا كثرت الذنوب والمعاصي والغفلة وضاعت هذه الفطرة، فالهادي الذي يدلك على الطريق جهز لك ستة وسائل لهدايتك، وأولا الفطرة التي تكلمنا عنها وأكدتها الآية.
الوسيلة الثانية للهداية: الكون
الكون مسجد كبير، معرض تعرف فيه الخالق سبحانه وتعالى، انظر حولك ستجد الله سبحانه، أقرب طريق وأسرع طريق لمعرفة الله يهديك به هو الكون!!! هناك من يعتقد أن الهداية فقط أن تذهب إلى المسجد، ولكن انظر إلى المسجد الكبير: الكون، فإذا أغلقت المساجد لبعض الأوقات فإن مسجد الله الكبير لا يغلق!! فكل الكائنات في الكون مهدية ((...وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) (الاسراء: الآية44) ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... )) (الحديد: من الآية1)
فهو هداك بفطرتك، وبالكون من حولك، هل فكرت في الكون للوصول إلى الله؟ ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)) (يونس:101) .
الوسيلة الثالثة: كتاب الله
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... )) (الاسراء: من الآية9). الجن عندما سمعوا قول الله: ((...إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)) (الاحقاف: من الآية30)
معرفة الله عن طريق كتابه، سأضرب لك مثلاً: إن قمت بزيارة للجامعة، ستشعر بعظمة هذا المكان، ولكن لا بد أن تحصل على كتيب يعرفك بنظام الجامعة، ورئيسها، وأساتذتها، ومناهج الدراسة..... إلخ، فالله سبحانه وتعالى جعل لك طريقين لتصل إليه: العقل والوحي، العقل بالنظر في الكون فتعرف أن الله عظيم، ولكن كيف ستعرف منهجه؟ فيأتي الوحي.. فهو غرس في فطرتك الهداية، ثم أعطاك العقل، فهل نرى التكامل بين العقل والوحي؟ فأنت إن عرفت الله عن طريق الكون فأنت محتاج إلى منهج يكون عن طريق كتاب يهديك إلى الطريق فيتكامل العقل والوحي..
فكيف تقول بعد كل هذا أن الله لم يهدك؟ فهو يهديك أيضاً عن طريق خلقه، لذلك فإن الله يوصي المؤمنين أن أحسن ثواب في الدنيا أن تدعو إلى الله، انظر إلى الآية: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ... )) (فصلت: الآية33). فهل هناك بعد كل هذا حجة لمن هو بعيد عن الله بأن الله لم يأذن؟ فهو أذن لك من قبل أن تخلق، مسكوب في فطرتك مثل الماء ساعة الإفطار(( ...فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) (الروم: الآية30).
الطريق موجود منذ أن خُلقت، ألم يرسل لك القرآن؟ ويرسل لك ناس يسخرهم ويحببهم أن يدعوك.. فأي ثواب إن اختارك الهادي حتى تدل الناس عليه؟ وتلقاه يوم القيامة بذنوبك فيشفع لك أنك كنت تدل الناس عليه. كيف سيكون مقامك؟
الوسيلة الرابعة: الدعوة إلى الله:
ابن القيم يقول: اعلم أن أعلى مقامات العبودية مقام الدعوة إلى الله؛ لأنه مقام الأنبياء، لأنهم يدلون على الله فهم أحباب الله فهم أقرب الناس إلى الله، لأنهم يدلون على الهادي سبحانه وتعالى.
أن تأخذ بيد أحد إلى الله في رمضان، ويكون شكر منك لله بنعمته عليك برمضان تنال بها عتق الله لك من النار((...لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)) (ابراهيم: من الآية7). فالهادي يطلب من عباده أن يأخذوا بأيدي الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لئن يهدي الله بك الله رجلاً خير لك مما طلعت عليك الشمس..
فالله سبحانه سخر لنا كل هذه الوسائل حتى لا يأتي أحد يوم القيامة يقول أنه لم تصل له طرق الهداية، حتى فرعون أمر الله سيدنا موسى أن يدعوه برفق.
حديث النبي: من دل على الخير فله مثل أجر فاعله. فإن اهتدى شخص عن طريقك فكل حسناته في ميزانك يوم القيامة.
هل رأينا كيف أن الهادي يدل الناس عليه؟
يدل عليه بالفطرة التي فطرك عليها، بالقرآن، بالكون، بأناس يهدونك. كذلك يدلك عليه بأفعالك. لو أن أحدنا رجع بذاكرته كيف كانت بداية هدايته، صلاته، أول عمرة قام بها، أفعاله معك كلها هداية، فالبعيد عن الله لابد أن يخجل، وهو يعرض عليك الطريق مراراً وتكراراً، لو وقفت بين يديه وطلبت منه سيهديك، ولكن ابدأ بإزاحة الغبار عن قلبك: ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (المطففين:14). الذنب على الذنب حتى يعمى القلب: ((وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ... )) (الروم: الآية53)
حتى المتدين، لن يتركك الهادي، وستجد آثاراً فورية، وفطرتك ستثبتك على ما أنت عليه، فالهادي لا يترك أحد، فالذي هدى الكائنات الأخرى لن يتركك إن أصررت ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً... )) (محمد:الآية17)
هداية عن طريق أفعاله معك
من لم ينظر إلى الكون، ولم يجد من يأخذ بيده، ولم يقرأ القرآن، وغائب عن فطرته، سأعطيه أمثلة كيف أن الهادي سبحانه وتعالى يأخذه إلى الطريق:
عمر بن الخطاب وكان أحد الصحابة يقول عنه: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب..
انظر كيف تأتي الهداية بالتدريج.. يذكر سيدنا عمر بن الخطاب قصة هدايته بعد إسلامه فيقول: كنت شديداً على المسلمين، وكنت أعذب جاريتي المسلمة هي شديدة الصلابة في الإيمان، وكانت تقول لي: انظر كيف أتعبك الله وثبتني، يقول: فوقع في قلبي شيء. ثم قال: سمعت أن النبي كان يدعو لي: اللهم أعزّ الإسلام بأحد العمرين، فوقع في قلبي شيء. ثم قال: جئت ليلة كنت أشرب فيها الخمر حتى الصباح فبحثت عمن يشرب معي فلم أجدهم.. فقلت أذهب إلى فلان الخمار، فذهبت إليه فلم أجده، فقلت أين أذهب؟ فوقع في قلبي أن اذهب إلى الحرم. فذهبت فإذا بالنبي واقف عند الحرم يصلي وحده فجئت من خلفه دون أن يشعر بي وقلت أستمع ماذا يقول، والنبي يقرأ القرآن، فوقع في قلبي القرآن ثم قلت هذا كاهن، ثم إن النبي لا يراني، فإذا بالآية ((وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ... ))(الحاقة: من الآية42) فيقول عمر: فارتجفت، فقلت: إذاً شاعر فقرأ النبي الآية التي بعدها: ((...وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ )) (الحاقة: من الآية41) يقول فوقع في قلبي يومها الإسلام.
الدعوة بشدة تجعل الشيطان يمنع صاحبه من أن يسمع كلام من يريد أن يهديه، ولكن الدلالة على الخير برفق تأتي بالنتيجة المرجوة.
أحياناً يهديك الهادي سبحانه بإشارة: عبد الله بن مسعود مر بجانب ناس في مجلس خمر، فسمع صوت أحدهم وهو يغني، فيقول لشخص يسير بجانبه ما أجمل هذا الصوت لو كان بالقرآن... فعلم هذا المغني بما قاله ابن مسعود وقال : والله هذه إشارة من الله إليّ، فجرى إلى ابن مسعود وقال له: هل تأذن لي أن أتبعك وأتعلم القرآن!! فصار ممن يُعلمون الناس القرآن عن ابن مسعود.
الله يريدك أن تدخل الجنة، أحياناً يهديك بكلمة، أحد الكفار ذهب إلى مكة وكان ذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فحذره أهل قريش من الإقتراب من سيدنا محمد زاعمين أن النبي معاذ الله فيه مس من الجن، وكان هذا الرجل يعالج من الجن فقرر أن يذهب إلي النبي؛ ليعالجه من المس. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن أخي قل لي مما تشتكي فإني أعالج من الجن وقد علمت أنه قد أصابك جن -انظر إلى دعوة النبي برفق- فقال له النبي نعم فاسمع مني: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.. فقال الرجل أعد عليّ ما قلت، فأعادها عليه. فقال أعد عليَّ ما قلت. فأعادها عليه. فقال له الرجل: ما هذا الدين؟ قال: الإسلام. قال: وماذا يأمر؟ قال: بالصلاة وصلة الرحم. قال: فماذا أفعل لأدخله؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أشهد أن لا إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
أحياناً يهديك برؤية، أو بموقف يضايقك.. تتعرض لأذى فتعود إليه، أحياناً يهديك إن لم يكن بك عناد. عمير بن وهب شديد الكراهية للمسلمين، سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول عنه: خنزير أحب إليّ من عمير بن وهب. بعد غزوة أحد كان عمير بن وهب يجلس مع صفوان بن المعطل في مكة محدثاً إياه أنه لولا أنه عليه ديون وله أولاد لأخذ سيفه ووضع فيه السم وذهب ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من صفوان إلا أن شجعه على الذهاب وقتل النبي بأن ضمن له أن يقوم على رعاية أولاده وأن يفي عنه الدين. فما كان منه إلا إن سم سيفه وذهب متجهاً إلى المدينة ، فيراه سيدنا عمر بن الخطاب فيقول: هذا لم يأت إلا لشر ويمسك به ولكن النبي يقول له: دعه يا عمر.. تعال يا عمير ماالذي أتى بك؟ فيقول: جئت من أجل أخي فهو مأسور عندكم في بدر، فيبتسم له النبي ويقول له: أهذا ما أتى بك يا عمير؟ فقال نعم، قال يا عمير اصدقني القول. قال نعم. قال: لا يا عمير بل جلست أنت وصفوان بن المعطل وحدكما وقلت لولا دين علي وألاد لي لذهبت لمحمد فقتلته. فقال لك: أولادك أولادي ودينك ديني. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله.
فقال عمر: كان قبل أن يسلم خنزيز أحب إلي منه والآن هو أحب إليّ من بعض أولادي.
الهادي.. الهادي.. الهادي..ألم يؤثر كل هذا فيك؟ اذهبوا إلى الهادي.. الهادي جهز لكم الطريق.
رسالة للمتدينين، كلما زدت بعبوديتك له سيزيدك هدى، كلما زدت في العبادة سيقربك منه أكثر، وإن أنت أكثرت من القيام سيجعلك تشعر بحلاوة الإيمان، كلما زدت تقرباً إليه زادك قرباً أكثر وأكثر.. ((...إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً))(الكهف: من الآية13)
أكثروا من العبادة في رمضان، قيام، وعبادة، سيزيدكم وأنتم موقنين، هداية توفيق، والبعيدين عنه تقربوا منه لن يترككم، ويا من تريدون الثواب الكبير خذوا بأيدي الناس إلى الهادي برفق.
لماذا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ أنت لو ركبت مع دليل في الصحراء وأخذك في طريق متعرج، ستشعر بالتعب، لماذا دائماً الله يضيف كلمة المستقيم إلى الصراط؟ لأن الطريق المستقيم طريق سهل خالي من التعرج، ودون تعقيد، وهو طريق الله الهادي.. انظر إلى جماله وسهولته، وأنت لو مشيت في طريقه ستتوافق مع الكون كله الذي يسبح بحمده، ولكن إن مشيت في عكس الاتجاه فأنت ستتصادم مع الكون فستتعب، فهل عرفت لماذا النبي عندما كان يرى القمر ينظر إليه يبتسم ويقول: ربي وربك الله إله خير ورشد؟
الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، طريق قريب غير بعيد، سهل ولا بد أن تصل فيه إلى الهدف. من أجل ذلك النبي في إحدى المرات عندما كان جالساً بين الصحابة قام برسم لوحة إرشادية على الرمل. يقولون: جلس النبي فخط لنا طريقاً مستقيماً وخط بجوار الخط المستقيم خطوط متعرجة وقال هذا صراط الله المستقيم وهذه هي السبل على رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه.
فهل عرفنا لماذا الفاتحة كلها تدور على ((...الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: الآية6)؟ لأن بداية الفاتحة تمجيد لله تبارك وتعالى وذلك لتطلب منه الهداية للصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
ما هي مواصفات الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) (الفاتحة: من الآية 7) فعندما ترددها في صلاتك تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا نوح، والصالحين في حياتك...
حديث جميل جداً يصف النبي به وسائل الهداية:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط سوران في هذه الأسوار أبواب مفتوحة، على الأبواب سُتر مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يدعو يقول: أيها الناس هذا هو الصراط فاسلكوه فإنه مستقيم. وفي الصراط داع كلما همّ رجل أن يدخل في الأبواب يقول له: لا تفتحه فإنك إن فتحته ولجته. -ثم قال النبي- فالصراط هو طريق الله الإسلام، والداع الذي يدعو هو كتاب الله يهدي إلى هذا الطريق والأبواب هي محارم الله، والداع الذي يدعو في الطريق هو الفطرة الواعز الذي جعله الله في ضمير كل مسلم.
إياك أن تفتح إحدى هذه الأبواب فتقع، اثبت على صراط الله، وعلى ما أنت عليه من الهداية في رمضان، وكلنا أصبحنا شاهدين على أنفسنا كيف عرفنا الله.. فاحذر بعد كل هذا أن تقع من على الصراط، إياك أن تفتح الستارة فتجد باباً ينزل بك إلى جهنم، فضميرك هو وازعك يحذرك من الوقوع إن أنت فتحت إحدى هذه الأبواب.
وهذه الأبواب:
باب الزنا: مكتوب عليه فن العشق والحب
باب المال الحرام: مكتوب عليه الفهلوة والشطارة
باب عليه ستارة سوداء مخدرات: مكتوب عليه كن رجل وجرب.
باب العري وكشف العورات: مكتوب عليه الموضة.
النقطة الأخيرة: الصراط المستقيم في الدنيا، هو نفسه الصراط الذي سنجتازه يوم القيامة، طريق واحد ممتد من الدنيا إلى يوم القيامة. يقول النبي: فمنهم من يمر على صراط الآخرة كطرفة العين
ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كراكب الجواد، ومنهم من يمر زحفاً، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من تأخذه خطاطيف الصراط فيتعلق بالصراط. فالصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف وتحته نار جهنم ومظلم. فإن أردت أن تمر عليه كطرفة العين فسر على الصراط المستقيم في الدنيا مثل ما أمرك الله الهادي.. ومن لم يمش على الصراط المستقيم في الدنيا فسيقع من على الصراط في الآخرة ويهوى في نار جهنم سبعين خريفاً.
_____________________________________________________________
(اسم الله الهادي)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعيش اليوم مع اسم من أسماء الله الحسنى: اسم الله الهادي، وهذه الحلقة مكونة من خمس محاور:
· المحور الأول: المقدمة.
· المحور الثاني: معنى اسم الله الهادي.
· المحور الثالث : أنواع الهداية.
· المحور الرابع: كيف هداك أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
· المحور الخامس: مواصفات طريق الهداية.
1ـ المقدمة
عبارة عن أربعة أسئلة :
¤ ماذا تعني كلمة: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) (الفاتحة:6)؟ ولماذا سمي الصراط مستقيم؟
¤ السؤال الثاني: ما معنى هاتان الآيتان : ((قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)) (طـه:49)، ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) (طـه:50)؟ ما معنى هذه الآية التي لابد أنها هزّت فرعون عندما سأل موسى عن ربه فكان جوابه بهذه الآية؟
¤ السؤال الثالث: هل الهداية تقتصر فقط على الإنسان أم هي أيضاً لجميع الكائنات؟
¤ السؤال الرابع والأخير: كيف ترد على من يقول أن الله لم يهده!
2ـ معنى اسم الله الهادي.
كلمة الهداية في اللغة تعني الدلالة على طريق الخير برفق. أن أدلك على الطريق برفق هذه هداية، ولذلك العرب يطلقون على الدليل هادي؛ لأنه يدلك على الطريق الصحيح برفق، يوجد قصة جميلة ستجعلك تفهم معنى الهداية لغوياً، النبي صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته إلى المدينة هرباً من أذى قريش بصحبة سيدنا أبو بكر الصديق، يقابلهم رجل من قبائل العرب يعرف أبو بكر فيسأله عن سيدنا محمد، فيردّ عليه أبو بكر: هذا هاد يهديني الطريق. العربي فهم أن النبي دليل يستعين به أبو بكر ليدله على الطريق. وفي اللغة العربية يهديني الطريق أي يدلني على الطريق، فكلمة هداية لابد أن ترتبط بكلمة طريق وأن أدلك على الطريق برفق. ((.... وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)) (الأحزاب:4). الله الهادي يهدي كل مخلوق إلى طريق الخير، يهدي الكائنات إلى ما يصلح معيشتها في الحياة الدنيا، يهدي الطيور، والأسماك، والحيوانات، والنملة في جحرها، والنحلة في خليتها، يهدي كل مخلوق إلى وظيفته في الحياة، الله الهادي للبشر يهديهم إلى طريق الجنة... الهادي سبحانه وتعالى.
الهدف من هذه الحلقة توجيه ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى للبعيد عن الله، الهادي يدعوك سبحانه وتعالى.
الرسالة الثانية للمتدينين: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)) (محمد:17).
الرسالة الثالثة لكل من يحب أن يعمل عند الهادي فليدعو إلى الله برفق.
3ـ أنواع الهداية: أربعة أنواع
· هداية عامة غرسها الله في كل الكائنات، في الفطرة التي فطرها عليها، إلى وظيفتها في الحياة، إلى ما يصلح معيشتها، كل مخلوق خلقه الله له نصيب من هذه الهداية العامة ((وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)) (الانسان:3).
· هداية إيمان: يدلك على طريقه.
· هداية توفيق لمزيد من الإيمان.. ((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً... )) (مريم: الآية76)، ((... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)) (الكهف: من الآية13)
· هداية إلى الجنة.. ((... وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) (لأعراف: الآية43).
فنحن نرد على من يقول إن الله لم يأذن له بالهداية، فنقول لهؤلاء إن في كل واحد منا هداية إيمان مغروسة في فطرتك يوم مولدك، وهناك هداية هي توفيق من الله، ثم هداية إلى الجنة.
الهداية العامة
هداية الكائنات لوظيفتها في الحياة تشعرك بعظمة الله: ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) (طـه:50). لله أوجد كل مخلوق وغرس فيه الهداية بالفطرة، ودله على الوسيلة التي يعيش بها، فكل مخلوق معه هداية طبيعية لوظيفته التي خلق من أجلها. خلقه ودله على الطريق وسأضرب لك مثلاً: كثير من الطيور، يهاجر من جنوب أفريقيا مسيرة 17 ألف كم ويصل إلى بيروت لا يخطىء درجة واحدة، حتى أن علماء الطيور لم يستطيعوا التوصل إلى سر هذا الأمر فاعتقدوا أنه ربما أن هذه الطيور تسير بمحاذاة الشمس، فقاموا بمراقبة الطيور فوجدوا أنها تسير أيضاً في الليل، فقاموا بوضع جهاز لإحدى مجموعات هذه الطيور تقوم بإصدار إشارات كهربائية لرصد إن كان في المخ بوصلة طبيعية، فالطير لو أخطأ ثلاث درجات في مسيرته لابد أنه سيخطىء سيره، فمن الذي هدى هذه الطيور؟ فالعلماء إلى اليوم عاجزين عن تفسير هذه الظاهرة، وأحياناً الإعجاز عن الإدراك إدراك، فتدرك عظمة الله.
فلابد أن موسى هز فرعون عندما قال له: ((..رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))، فالذي فعل هذا مع الكائنات الضعيفة على بساطتها كي تعيش وهى أدنى منك مرتبة أيها الأنسان، فبالعقل والمنطق ألن يهديك أنت أكرم مخلوقاته إلى طريق الجنة؟
أحد العلماء متخصص في علم القنافد يحكي عن مراقبته لقنفد كان يأكل من ثعبان ميت، كان يراه يتوقف ثم يذهب إلى شجرة يأكل من ورقها ثم يعود ويأكل من هذا الثعبان ويعاود الكرة. وعندما قطع العالم هذه الشجرة مات القنفد!! من الذي هدى القنفد أن ورقة الشجرة تعطيه توازن بين لحم الأفعى وبين احتياجات جسمه؟!!
مثال آخر: سمك السلمون، يولد في برك ومستنقعات بجانب مصبات الأنهار في أمريكا الشمالية، يبدأ السلمون الصغير ينمو والأم تقوم على رعايته لمدة سنة، حتى إذا بلغ عامه الأول تموت الأم، ويبدأ هذا السمك الصغير بالخروج من الجدول ثم ينطلق بعد ذلك في رحلة طويلة إلى شواطئ أوروبا حتى سواحل فرنسا في رحلة تصل إلى 3200 كم. يخرج من نهر إلى نهر، يمر بمرتفعات، يسير باتجاه التيار ويصل إلى نفس المكان الذي ولدت فيه أمه؛ لأن مورد رزقه هناك، لو ضل درجة واحدة ينتهي، يُقال أنه أقوى مهاجر في الكون، وأحياناً تكون رحلة العودة في عكس التيار فيبدأ بالقفز ثلاثة أو أربعة أمتار لكي يقاوم الشلالات، حتى يعود إلى مكانه الذي ولد فيه فيضع بيضه فيربيه لمدة سنة وتتكرر العملية، كيف يتم هذا؟!!!
نحن ما زلنا في الهداية العامة ومثال أخر.. النحل واستخراج العسل: ما هي الطريقة التي يقوم بها النحل لاستخراج العسل؟ هل تعلمون أن هناك نحل اسمه النحل المستكشف؟! وظيفته اكتشاف أماكن الرحيق، فيقطع مسافات طويلة، ويقوم بإحضار عينات من هذا الرحيق إلى خليته، ثم إنه يحفظ المسافة جيداً، ودرجة حركة الشمس، ثم يعود إلى الخلية ليتذوق النحل طعم هذه العينة، ثم يقوم بحركات معينة يُعَرِف بها بقية النحل الجهة التي جاء منها بهذ الرحيق، فهل هناك تفسير لهذا؟ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى!!!! ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )) (الأنعام: الآية91). فالذي هدى الكائنات لمعيشتها ألن يهديك أنت؟ فالهادي مثلما هدى هؤلاء هداك أنت والوسائل كثيرة.
4ـ كيف هداك أنت وما هي وسائل هذه الهداية؟
فطرتك التي فطرك الله عليها مغروس فيها الهداية إلى الله، ومحبته، ومعرفته، تقول الآية: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) (الأعراف:172). ماذا تعني هذه الآية؟
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله آدم أخرج من ظهره كل ذريته إلى يوم القيامة.". كل أرواحنا كانت بين يدي الله يوم خلق آدم قبل أن نخلق جميعاً. فالذي غرس في النحلة، وفي السمك غرس في فطرتك معرفة ومحبة الله عزَ وجل.
كل مولود يولد على الفطرة، فكل لحظة تشتاق فيها لله أو تحب أن تعبده جاءت بسبب هذه الذكرى، فهي مغروسة داخلك، كانت موجودة بروحك، في كل لحظة شوق لربنا، كل دمعة عين، كل تسبيحة، كل تحميدة، كل مرة تقول لا إله إلا الله، فالآية تثبت لنا، العهد الذي أخذه عليك يوم خلقت، انسكب فيك مثلما انسكبت الروح داخل الجسد، ومثلما تنسكب الماء في العروق ساعة الإفطار، فهذا المعنى دخل في عروقك، فالذي هدى هذه الكائنات هداك، وإحساسك بمعرفة الله عزّ وجل في كل لحظة في حياتك، الحديث: يؤتى بالرجل من أهل النار يوم القيامة فيقال له: لو كان لك مثل الأرض أكنت تفتدي به هذا اليوم، فيقول نعم، فيقول الله له تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أهون من ذلك يوم أخذت عليك من ذرية آدم، طلبت منك أن لا تشرك بي فأبيت إلاّ أن تشرك بي. حديث رواه مسلم.
الله غرس فيك أيضاً أمر ثان، غرس في فطرتك معرفة الصحيح من الخطأ، ومعرفة طريق الخير من طريق الشر، ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)) (الشمس:7/8). منذ لحظة ولادتك الخير والشر فيك، ولا بد من تصحيح المفهوم الخاطئ عند البعض أن معنى ألهمها فجورها عرفها طريق الفجور وهذا خطأ كبير، والصحيح هو أن الإنسان إذا فجر فإن الله سبحانه يلهمه أن هذا فجور، وإن أقدم على معصية يشعر الإنسان فوراً بأنه أخطأ، وينقبض قلبه ويخجل من نفسه، فيجب أن تدرك هذا المعنى أن الله لم يدعك، فهو دلك على الطريق وكما هدى الكائنات الأخرى هداك ثم قال لك: ((...َمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )) (الكهف: الآية29). فالله غرس في كل مولود من ذرية آدم ومن قبل أن يخلقهم أنهم عباده، وأشهدهم على أنفسهم، هذه الذكرى الجميلة ماثلة في قلب وعقل كل بني آدم حتى يموت، ليس هذا فحسب بل علمنا كيف نفرق بين طريق الخير وطريق الشر.
فالنفس البشرية شديدة الحساسية، وعند حدوث أي خطأ أو معصية تبدأ هذه النفس بإصدار إشارات، كاحمرار في الوجه، وانقباض في القلب، وعند القيام بأي عبادة أو تقوى يظهر عليك الارتياح، وتبتسم، فهذه النفس خلقها الله مستعدة للهداية، فالأصل أن النفس فطرت على الإيمان، ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)) فهذه الآية هي مصدر الهداية في حياتك، ولكن إذا كثرت الذنوب والمعاصي والغفلة وضاعت هذه الفطرة، فالهادي الذي يدلك على الطريق جهز لك ستة وسائل لهدايتك، وأولا الفطرة التي تكلمنا عنها وأكدتها الآية.
الوسيلة الثانية للهداية: الكون
الكون مسجد كبير، معرض تعرف فيه الخالق سبحانه وتعالى، انظر حولك ستجد الله سبحانه، أقرب طريق وأسرع طريق لمعرفة الله يهديك به هو الكون!!! هناك من يعتقد أن الهداية فقط أن تذهب إلى المسجد، ولكن انظر إلى المسجد الكبير: الكون، فإذا أغلقت المساجد لبعض الأوقات فإن مسجد الله الكبير لا يغلق!! فكل الكائنات في الكون مهدية ((...وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) (الاسراء: الآية44) ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... )) (الحديد: من الآية1)
فهو هداك بفطرتك، وبالكون من حولك، هل فكرت في الكون للوصول إلى الله؟ ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)) (يونس:101) .
الوسيلة الثالثة: كتاب الله
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... )) (الاسراء: من الآية9). الجن عندما سمعوا قول الله: ((...إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)) (الاحقاف: من الآية30)
معرفة الله عن طريق كتابه، سأضرب لك مثلاً: إن قمت بزيارة للجامعة، ستشعر بعظمة هذا المكان، ولكن لا بد أن تحصل على كتيب يعرفك بنظام الجامعة، ورئيسها، وأساتذتها، ومناهج الدراسة..... إلخ، فالله سبحانه وتعالى جعل لك طريقين لتصل إليه: العقل والوحي، العقل بالنظر في الكون فتعرف أن الله عظيم، ولكن كيف ستعرف منهجه؟ فيأتي الوحي.. فهو غرس في فطرتك الهداية، ثم أعطاك العقل، فهل نرى التكامل بين العقل والوحي؟ فأنت إن عرفت الله عن طريق الكون فأنت محتاج إلى منهج يكون عن طريق كتاب يهديك إلى الطريق فيتكامل العقل والوحي..
فكيف تقول بعد كل هذا أن الله لم يهدك؟ فهو يهديك أيضاً عن طريق خلقه، لذلك فإن الله يوصي المؤمنين أن أحسن ثواب في الدنيا أن تدعو إلى الله، انظر إلى الآية: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ... )) (فصلت: الآية33). فهل هناك بعد كل هذا حجة لمن هو بعيد عن الله بأن الله لم يأذن؟ فهو أذن لك من قبل أن تخلق، مسكوب في فطرتك مثل الماء ساعة الإفطار(( ...فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) (الروم: الآية30).
الطريق موجود منذ أن خُلقت، ألم يرسل لك القرآن؟ ويرسل لك ناس يسخرهم ويحببهم أن يدعوك.. فأي ثواب إن اختارك الهادي حتى تدل الناس عليه؟ وتلقاه يوم القيامة بذنوبك فيشفع لك أنك كنت تدل الناس عليه. كيف سيكون مقامك؟
الوسيلة الرابعة: الدعوة إلى الله:
ابن القيم يقول: اعلم أن أعلى مقامات العبودية مقام الدعوة إلى الله؛ لأنه مقام الأنبياء، لأنهم يدلون على الله فهم أحباب الله فهم أقرب الناس إلى الله، لأنهم يدلون على الهادي سبحانه وتعالى.
أن تأخذ بيد أحد إلى الله في رمضان، ويكون شكر منك لله بنعمته عليك برمضان تنال بها عتق الله لك من النار((...لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)) (ابراهيم: من الآية7). فالهادي يطلب من عباده أن يأخذوا بأيدي الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لئن يهدي الله بك الله رجلاً خير لك مما طلعت عليك الشمس..
فالله سبحانه سخر لنا كل هذه الوسائل حتى لا يأتي أحد يوم القيامة يقول أنه لم تصل له طرق الهداية، حتى فرعون أمر الله سيدنا موسى أن يدعوه برفق.
حديث النبي: من دل على الخير فله مثل أجر فاعله. فإن اهتدى شخص عن طريقك فكل حسناته في ميزانك يوم القيامة.
هل رأينا كيف أن الهادي يدل الناس عليه؟
يدل عليه بالفطرة التي فطرك عليها، بالقرآن، بالكون، بأناس يهدونك. كذلك يدلك عليه بأفعالك. لو أن أحدنا رجع بذاكرته كيف كانت بداية هدايته، صلاته، أول عمرة قام بها، أفعاله معك كلها هداية، فالبعيد عن الله لابد أن يخجل، وهو يعرض عليك الطريق مراراً وتكراراً، لو وقفت بين يديه وطلبت منه سيهديك، ولكن ابدأ بإزاحة الغبار عن قلبك: ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (المطففين:14). الذنب على الذنب حتى يعمى القلب: ((وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ... )) (الروم: الآية53)
حتى المتدين، لن يتركك الهادي، وستجد آثاراً فورية، وفطرتك ستثبتك على ما أنت عليه، فالهادي لا يترك أحد، فالذي هدى الكائنات الأخرى لن يتركك إن أصررت ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً... )) (محمد:الآية17)
هداية عن طريق أفعاله معك
من لم ينظر إلى الكون، ولم يجد من يأخذ بيده، ولم يقرأ القرآن، وغائب عن فطرته، سأعطيه أمثلة كيف أن الهادي سبحانه وتعالى يأخذه إلى الطريق:
عمر بن الخطاب وكان أحد الصحابة يقول عنه: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب..
انظر كيف تأتي الهداية بالتدريج.. يذكر سيدنا عمر بن الخطاب قصة هدايته بعد إسلامه فيقول: كنت شديداً على المسلمين، وكنت أعذب جاريتي المسلمة هي شديدة الصلابة في الإيمان، وكانت تقول لي: انظر كيف أتعبك الله وثبتني، يقول: فوقع في قلبي شيء. ثم قال: سمعت أن النبي كان يدعو لي: اللهم أعزّ الإسلام بأحد العمرين، فوقع في قلبي شيء. ثم قال: جئت ليلة كنت أشرب فيها الخمر حتى الصباح فبحثت عمن يشرب معي فلم أجدهم.. فقلت أذهب إلى فلان الخمار، فذهبت إليه فلم أجده، فقلت أين أذهب؟ فوقع في قلبي أن اذهب إلى الحرم. فذهبت فإذا بالنبي واقف عند الحرم يصلي وحده فجئت من خلفه دون أن يشعر بي وقلت أستمع ماذا يقول، والنبي يقرأ القرآن، فوقع في قلبي القرآن ثم قلت هذا كاهن، ثم إن النبي لا يراني، فإذا بالآية ((وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ... ))(الحاقة: من الآية42) فيقول عمر: فارتجفت، فقلت: إذاً شاعر فقرأ النبي الآية التي بعدها: ((...وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ )) (الحاقة: من الآية41) يقول فوقع في قلبي يومها الإسلام.
الدعوة بشدة تجعل الشيطان يمنع صاحبه من أن يسمع كلام من يريد أن يهديه، ولكن الدلالة على الخير برفق تأتي بالنتيجة المرجوة.
أحياناً يهديك الهادي سبحانه بإشارة: عبد الله بن مسعود مر بجانب ناس في مجلس خمر، فسمع صوت أحدهم وهو يغني، فيقول لشخص يسير بجانبه ما أجمل هذا الصوت لو كان بالقرآن... فعلم هذا المغني بما قاله ابن مسعود وقال : والله هذه إشارة من الله إليّ، فجرى إلى ابن مسعود وقال له: هل تأذن لي أن أتبعك وأتعلم القرآن!! فصار ممن يُعلمون الناس القرآن عن ابن مسعود.
الله يريدك أن تدخل الجنة، أحياناً يهديك بكلمة، أحد الكفار ذهب إلى مكة وكان ذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فحذره أهل قريش من الإقتراب من سيدنا محمد زاعمين أن النبي معاذ الله فيه مس من الجن، وكان هذا الرجل يعالج من الجن فقرر أن يذهب إلي النبي؛ ليعالجه من المس. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن أخي قل لي مما تشتكي فإني أعالج من الجن وقد علمت أنه قد أصابك جن -انظر إلى دعوة النبي برفق- فقال له النبي نعم فاسمع مني: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.. فقال الرجل أعد عليّ ما قلت، فأعادها عليه. فقال أعد عليَّ ما قلت. فأعادها عليه. فقال له الرجل: ما هذا الدين؟ قال: الإسلام. قال: وماذا يأمر؟ قال: بالصلاة وصلة الرحم. قال: فماذا أفعل لأدخله؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أشهد أن لا إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
أحياناً يهديك برؤية، أو بموقف يضايقك.. تتعرض لأذى فتعود إليه، أحياناً يهديك إن لم يكن بك عناد. عمير بن وهب شديد الكراهية للمسلمين، سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول عنه: خنزير أحب إليّ من عمير بن وهب. بعد غزوة أحد كان عمير بن وهب يجلس مع صفوان بن المعطل في مكة محدثاً إياه أنه لولا أنه عليه ديون وله أولاد لأخذ سيفه ووضع فيه السم وذهب ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من صفوان إلا أن شجعه على الذهاب وقتل النبي بأن ضمن له أن يقوم على رعاية أولاده وأن يفي عنه الدين. فما كان منه إلا إن سم سيفه وذهب متجهاً إلى المدينة ، فيراه سيدنا عمر بن الخطاب فيقول: هذا لم يأت إلا لشر ويمسك به ولكن النبي يقول له: دعه يا عمر.. تعال يا عمير ماالذي أتى بك؟ فيقول: جئت من أجل أخي فهو مأسور عندكم في بدر، فيبتسم له النبي ويقول له: أهذا ما أتى بك يا عمير؟ فقال نعم، قال يا عمير اصدقني القول. قال نعم. قال: لا يا عمير بل جلست أنت وصفوان بن المعطل وحدكما وقلت لولا دين علي وألاد لي لذهبت لمحمد فقتلته. فقال لك: أولادك أولادي ودينك ديني. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله.
فقال عمر: كان قبل أن يسلم خنزيز أحب إلي منه والآن هو أحب إليّ من بعض أولادي.
الهادي.. الهادي.. الهادي..ألم يؤثر كل هذا فيك؟ اذهبوا إلى الهادي.. الهادي جهز لكم الطريق.
رسالة للمتدينين، كلما زدت بعبوديتك له سيزيدك هدى، كلما زدت في العبادة سيقربك منه أكثر، وإن أنت أكثرت من القيام سيجعلك تشعر بحلاوة الإيمان، كلما زدت تقرباً إليه زادك قرباً أكثر وأكثر.. ((...إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً))(الكهف: من الآية13)
أكثروا من العبادة في رمضان، قيام، وعبادة، سيزيدكم وأنتم موقنين، هداية توفيق، والبعيدين عنه تقربوا منه لن يترككم، ويا من تريدون الثواب الكبير خذوا بأيدي الناس إلى الهادي برفق.
لماذا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ أنت لو ركبت مع دليل في الصحراء وأخذك في طريق متعرج، ستشعر بالتعب، لماذا دائماً الله يضيف كلمة المستقيم إلى الصراط؟ لأن الطريق المستقيم طريق سهل خالي من التعرج، ودون تعقيد، وهو طريق الله الهادي.. انظر إلى جماله وسهولته، وأنت لو مشيت في طريقه ستتوافق مع الكون كله الذي يسبح بحمده، ولكن إن مشيت في عكس الاتجاه فأنت ستتصادم مع الكون فستتعب، فهل عرفت لماذا النبي عندما كان يرى القمر ينظر إليه يبتسم ويقول: ربي وربك الله إله خير ورشد؟
الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، طريق قريب غير بعيد، سهل ولا بد أن تصل فيه إلى الهدف. من أجل ذلك النبي في إحدى المرات عندما كان جالساً بين الصحابة قام برسم لوحة إرشادية على الرمل. يقولون: جلس النبي فخط لنا طريقاً مستقيماً وخط بجوار الخط المستقيم خطوط متعرجة وقال هذا صراط الله المستقيم وهذه هي السبل على رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه.
فهل عرفنا لماذا الفاتحة كلها تدور على ((...الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: الآية6)؟ لأن بداية الفاتحة تمجيد لله تبارك وتعالى وذلك لتطلب منه الهداية للصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
ما هي مواصفات الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) (الفاتحة: من الآية 7) فعندما ترددها في صلاتك تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا نوح، والصالحين في حياتك...
حديث جميل جداً يصف النبي به وسائل الهداية:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط سوران في هذه الأسوار أبواب مفتوحة، على الأبواب سُتر مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يدعو يقول: أيها الناس هذا هو الصراط فاسلكوه فإنه مستقيم. وفي الصراط داع كلما همّ رجل أن يدخل في الأبواب يقول له: لا تفتحه فإنك إن فتحته ولجته. -ثم قال النبي- فالصراط هو طريق الله الإسلام، والداع الذي يدعو هو كتاب الله يهدي إلى هذا الطريق والأبواب هي محارم الله، والداع الذي يدعو في الطريق هو الفطرة الواعز الذي جعله الله في ضمير كل مسلم.
إياك أن تفتح إحدى هذه الأبواب فتقع، اثبت على صراط الله، وعلى ما أنت عليه من الهداية في رمضان، وكلنا أصبحنا شاهدين على أنفسنا كيف عرفنا الله.. فاحذر بعد كل هذا أن تقع من على الصراط، إياك أن تفتح الستارة فتجد باباً ينزل بك إلى جهنم، فضميرك هو وازعك يحذرك من الوقوع إن أنت فتحت إحدى هذه الأبواب.
وهذه الأبواب:
باب الزنا: مكتوب عليه فن العشق والحب
باب المال الحرام: مكتوب عليه الفهلوة والشطارة
باب عليه ستارة سوداء مخدرات: مكتوب عليه كن رجل وجرب.
باب العري وكشف العورات: مكتوب عليه الموضة.
النقطة الأخيرة: الصراط المستقيم في الدنيا، هو نفسه الصراط الذي سنجتازه يوم القيامة، طريق واحد ممتد من الدنيا إلى يوم القيامة. يقول النبي: فمنهم من يمر على صراط الآخرة كطرفة العين
ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كراكب الجواد، ومنهم من يمر زحفاً، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من تأخذه خطاطيف الصراط فيتعلق بالصراط. فالصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف وتحته نار جهنم ومظلم. فإن أردت أن تمر عليه كطرفة العين فسر على الصراط المستقيم في الدنيا مثل ما أمرك الله الهادي.. ومن لم يمش على الصراط المستقيم في الدنيا فسيقع من على الصراط في الآخرة ويهوى في نار جهنم سبعين خريفاً.
_____________________________________________________________


الصفحة الأخيرة
(اسم الله العزيز)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعيش اليوم مع اسم الله العزيز. والله لو استشعرت هذا الاسم وعشت به تسعد سعادة ما بعدها سعادة، وتكون قوياً في حياتك قوة ما بعدها قوة. أنا شخصياً مِن أحب الأدعية إذا دعا لي شخص أن يقول لي: أعزّك الله! وإن أحببت الدعاء لأحد فإني أقول له: أعزّك الله.. اسم الله العزيز.
محاور الحلقة:
اسم الله العزيز له أربعة معانٍ، سنقسم الحلقة في بيانها إلى نصفين كالتالي:
· النصف الأول :
1. مقدمة.
2. شرح لثلاثة معانٍ.
3. مظاهر هذه المعاني الثلاثة في الكون وفي حياتنا.
4. نخرج بالهدف: ماذا نريد من هذه المعاني الثلاثة؟ كيف نحيا بها في حياتنا؟
· النصف الثاني :
1. المعنى الرابع لاسم الله العزيز.
2. نرى ما أثره.
3. كيف نعيش به؟
المقدمة: سؤال
سؤال أوجهه لك في نصف ثانية، وهو محور الحلقة، وكل الحلقة تدور حوله، قد لا تستطيع النوم هذه الليلة حتى تجيب عليه.. السؤال هو: هل أنت عبد العزيز؟! هل أنت مستشعر هذا؟ هل يملأ إحساسك؟ هل أنتَ فخور؟ هل أنتِ فخورة؟ هيا بنا نحيا مع هذا المعنى.
معنى اسم الله العزيز :
سنذكر في هذا الجزء ثلاثة معانٍ، فالعزيز في اللغة له معانٍ كثيرة :
1. العزيز: الذي لا نِدّ له، ".... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .... " (الشورى: 11)، يقول العرب: اختصاص عزيز (غير موجود)، يقولون: خبرة عزيزة (غير موجودة)، يقولون: هذا الموضوع عزيز المنال، ولله المثل الأعلى. الله العزيز لا ند له، لا شريك له، ".... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .... ".
2. العزيز: الغالب الذي لا يُغلَب، فنحن نتكلم عن الله.. أنت عبدُ لِمن؟ اسمع وافرح واستشعر الفخر، هنيئاً لك فأنت عبد العزيز، الغالب الذي لا يُغلب. أنت قد تَغلِب في أمور كثيرة، قد تغلبني في عشرة أمور مثلاً، لكني أتميز عنك بأمر وأغلبك فيه، وبالتالي فأنت لست عزيزاً في كل شيء، والإنسان إذا غُلِبَ لا يُسَمّى عزيزاً بل ذليلاً. القائد قد يَغلِب في عشر معارك، ثم يُهزم في معركة، فلا تكتمل له العزة. إنما الله العزيز لا يُغلب على أمر أبداً، ولا يمكن أن يُغلب في كونه أبداً. يعز الأمة المسكينة لأنه عزيز.. هذا يقين، هذه عقيدة المسلم. أنا أقول هذه الكلمات وأعلم أنك تعرفها، ولكني أريد أن أنتقل من الكلمات إلى الإحساس، من اللفظ إلى المعنى، أن تعيش الإحساس: أنا عبد العزيز.. فهل أنت عبد العزيز؟ اسمع الآية الرائعة: ".... وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " (يوسف: 21) – للأسف لا يعلمون - فلا بد أن نحيا بهذا الاسم، باسمك نحيا يا عزيز.
3. العزيز: الذي يعززك ويمدك بالقوة ليعزك، يعززك ليعزك! هل تذكرون آية سورة يس؟ " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ...." (يس: 14) عزّزناهم لنقويهم لنعزهم، فكان التعزيز بالثالث عزة من العزيز. في القوات المسلحة في الجيش يقولون: تعزيز القوات على الجبهة، أي: إرسال الإمدادات لتقويتهم لينتصروا. فالعزيز الذي يعززك بإمدادات من عنده ليعزك.
هل أنت عبد العزيز؟ هل كنت قبل هذه الحلقة عبد العزيز؟ هل أنت مستشعر العزيز؟ أريدك أن تخرج من هذه الحلقة فخوراً، فرِحاً، قوياً، أنا عبد العزيز، أنا لا أخشى الدنيا ومن عليها.
العزيز في القرآن :
اسم الله العزيز جاء في القرآن حوالي 95 مرة؛ لأنه تقوم عليه أخلاق الأمة. كلنا عرفنا الله التواب، الرزاق، الغفور، الخالق.. لكن من منا عرف الله العزيز؟ من تعبد له باسم العزيز؟ سأظل أكرر هذا السؤال: هل أنت عبد العزيز؟ اسأل نفسك واسترجع حياتك ومواقفك ساعة الشدة، هل أنت راضٍ عن أعمالك للأمة وهي في حالها هذا؟! هل تعمل لها شيئاً؟!
اسم الله العزيز جاء في القرآن مع أربعة أسماء :
الحكيم (47 مرة)، الرحيم (14 مرة)، القوي، العليم. فلماذا هذه الأربعة بالذات؟! لو علمت المعنى لذبت شوقاً وحباً للعزيز سبحانه!
· عزيز رحيم: فهو عزيز لكن برحمة ولله المثل الأعلى، قد يكون الإنسان عزيزاً جداً فيصبح قاسياً غليظاً، لكن الله سبحانه عزيز رحيم.
· عزيز حكيم: فهو عزيز بحكمة ولله المثل الأعلى، فقد يكون الإنسان عزيزاً فتؤدي به عزته إلى التهور أحياناً، فيتصرف بعنف ويفسد. الله سبحانه عزيز حكيم، فكل تصرفاته حكمة.
عزيز عليم، وقوي عزيز: لأن هذه العزة منه سبحانه قائمة على علم وعلى قوة، "....وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " (الحج: 40)، " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " (المجادلة: 21)
مظاهر اسم الله العزيز في الكون وحياتنا:
في الكون:
لنصعد وننظر إلى الكون من الأعلى، من الذي يُمسك هذا الكون؟ كم مجرة فيه؟ يقولون أن عدد نجوم السماء كعدد رمال الصحراء.. كيف لا تصطدم ببعضها؟! وماذا يحدث لو تصادمت؟ الأرض لو اقتربت قليلاً من الشمس لاحترقنا ومتنا، ولو ابتعدت لتاهت في الفضاء الواسع.. كيف لا تسحب الشمس الأرض؟! وكيف لا تبتعد الأرض عنها وتنطلق بعيداً في الكون؟! " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ...." (فاطر: 41) أرأيت العزيز!؟ هناك شيء اسمه قانون الجاذبية، فالشمس تجذب الأرض، لكنها لا تسحبها؛ لأن الأرض تتحرك وتدور، فتقاوم جذب الشمس لها، ثم إن الشمس هناك ما يجذبها، لكنها لا تُسحَب إليه بسبب دورانها الذي يشكل مقاومة لذلك الجذب.. وهكذا. تخيل أن الكون كله ممسوك هكذا !! تجاذب ودوران للحفاظ على المسافات التي تمنع التصادم، ثم تخيل لو أن الله العزيز ترك هذا الأمر!
الأرض تدور في مسار بيضاوي، فإذا اقتربت من الشمس تسارع دورانها لتقاوم جاذبيتها لها، وإن ابتعدت عنها خفّت سرعتها لئلا تخرج في الفضاء الواسع. ولو أنها زادت سرعتها فجأة لاختل توازننا وسقطنا.. لكن سرعتها تزداد تدريجياً، فهل الأرض عاقلة؟! هل هي من تسيّر نفسها وتتحكم بسرعتها؟!
ورد في الأثر أن سيدنا موسى سأل الله تبارك وتعالى: كيف لا تأخذك سِنة ولا نوم؟! فقال له الله تبارك وتعالى: يا موسى، امسك هاتين الزجاجتين وابق واقفاً طوال الليل وأنت تحملهما، لكنه بعد قليل بدأ يغفو، ثم انتبه، ثم غفا.. حتى نام وسقطت منه الزجاجتين وانكسرتا، فقال له الله تبارك وتعالى: لو كانت تأخذني سنة أو نوم لانطبقت السماوات على الأرض.
اخرج إلى مكان مظلم، صحراء أو غيرها، وانظر في السماء، وابكِ حباً للعزيز، قل له: يا عزيز في ملكك، أعز الأمة المسكينة.. ستجد الجواب من قلبك يقول لك: افعل شيئاً أولاً، ستجد العزيز يعزك ويعزّ الأمة.
في حياتنا: العزيز مع إبراهيم ومُحمّد عليهما السلام :
لننظر في قصة سيدنا إبراهيم " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (البقرة: 260) أمره الله بتقطيع الطيور الأربعة، وخلط عظامها وريشها ودمها، ثم يقسمها إلى أربعة أجزاء، ويوزعها على أربعة جبال، ثم يدعوهن.. فعلى الفور عادت الطيور إلى سيرتها الأولى وأتته تسعى كما كانت من قبل. وختم بأن "...اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "! فهل أنت عبد العزيز؟ هل تقول: الحمد لله أني مِلك العزيز ولم يجعلني مِلكاً لغيره؟
ولنشاهد الثلاث معاني للعزيز مع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال ثلاثة أمثلة:
· غزوة بدر: المعركة غير متكافئة. المسلمون عددهم 313، معهم فَرَسان فقط، والباقين مشاة على أرجلهم! الكفار 1000 مقاتل، معهم 300 فرس، والبقية على جِمال! لكن، هل استكمل المسلمون العُدة؟ هل أعدوا العُدة بقدر ما استطاعوا؟ نعم، ليس بإمكانهم أكثر من ذلك، فماذا بقي؟ إلجأ يا رسول الله للعزيز.. " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ...." (الأنفال: 9)، والعزيز سوف يعززك بالإمدادات. ".... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو...." (المدثر: 31) ما هي الإمدادات في بدر؟ " وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " (الفتح: 7) فيا من تظن نفسك ضعيفاً، إن كنت مع العزيز فإن معك جنود السماوات والأرض، فما هي جنود غزوة بدر؟
1. النوم: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ...." (الأنفال: 11) يقول أحد الصحابة: جعلني رسول الله في حراسة الجيش، فوالله سقط السيف من يدي سبع مرات وأنا يغشاني النوم! فأستيقظ فأجد الصحابة نيام أسمع لهم غطيطاً.
2. الرؤيا: " إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ...." (الأنفال: 43)
3. المطر: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ...." (الأنفال: 11) أتعلمون؟ لو أن أحدنا لديه غداً عمل هام، فنام ساعتين ثم قام فاغتسل واستعاد نشاطه.. هذا هو ما حدث لكن في أرض المعركة.
4. كمية المطر: إذ كانت مختلفة عند المؤمنين عنها عند الكفار " إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ...." (الأنفال: 42) لماذا أخبرنا بأماكنهم؟! ينزل المطر عند المؤمنين خفيف فتثبت الأرض إذا مشوا عليها بأرجلهم وتزيدهم سرعة وخفة، وينزل عند الكافرين غزيراً فتوحِل الأرض وتثقل حركتهم بالجمال! أرأيت جنود العزيز؟!
5. الملائكة: " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ " (الأنفال: 9) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ((الله أكبر! أرى جبريل آخذ بعنان فرسه، معه ألف من الملائكة يقودهم))، يقول أحد الصحابة: (هممت أن أقطع رقبة رجل من الكفار، فإذا بها طارت قبل أن أصل إليها!) أحد الملائكة سبقه إليه! هذه جنود العزيز. خسارة يا عبد العزيز ويا أمة العزيز أن لم تعرفوا العزيز! هل يملك جنود السماوات والأرض إلا هو؟!
التعقيب الأخير في سورة الأنفال: " وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (الأنفال: 10)
· غزوة الخندق: جنود مختلفون تماماً.. البرد، والريح! " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا...." (الأحزاب: 9) فالبرد الشديد لن يحتملوه، وسيعودون إلى بلدانهم، والريح كانت تأتي بالحجر من الصحراء فتضرب به خيام قريش، وتأتي إلى قدور طعامهم فتقلبها! وتأتي لأوتاد الخيام فتزيل الرمال من تحتها فتسقط الخيمة!
التعقيب النهائي في الأحزاب: " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا " (الأحزاب: 25) فأين الثقة بالعزيز يا أمة مُحمّد؟
· يوم غار ثور: جنود غريبة جداً.. رموش أعينهم! لم ينظروا للأسفل! فيقول أبو بكر: (يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا) فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما!))، " إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا – لاحظوا كلمة جنود كيف تأتينا باستمرار- وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى – لأنه غالب لا يُغلَب- وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا – لأنه غالب لا يُغلب- وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة: 40)
راجع آيات العزيز في القرآن، ستجد أن وراءها دائماً قوة وعزة وغلبة.
المطلوب : انصر الإسلام، كن عبد العزيز، عِش للإسلام !
عيب عليك!
عيب أن تقول: وما دخلي أنا؟! عيب أن تقول: لا أدري ماذا أفعل! ضع يدك على خدك، لكن انتبه! ستقف بين يدي العزيز يوم القيامة، فيسألك: ألم تقرأ القرآن؟ ألم تعلم أني العزيز؟ لماذا لم تقدم شيئاً؟!
هذه ليست دعوة للعنف أو التهور! قلنا بحكمة: عزيز حكيم، وبرحمة لبلادنا: عزيز رحيم. خطط كيف تقدم شيئاً للأمة، فهو عزيز، لن يتركك. ألم تر كيف انتقم من كل من تحداه؟ ألا تثق بالعزيز؟ فرعون قال: ".... أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن
تَحْتِي...." (الزخرف: 51) فأجرى الله البحر من فوق رأسه! أُهلِكَ بما تحدى به. ألم يقل: ".... أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى " (النازعات: 24) ثم قال وهو يموت: ".... قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ...." (يونس: 90). بينما يوسف عليه السلام عندما اتصل بالعزيز سبحانه وتعالى، دخل قصر عزيز مصر عبد، وخرج منه إلى السجن، ثم رجع إلى نفس القصر بعد سنين وهو عزيز مصر؛ فقد كان مع الله، ودعا وهو في السجن: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ...." (يوسف:39) فقام بدوره تجاه دينه.
المعنى الرابع للعزيز :
العزيز الذي يأبى الذل لعباده، لأنهم عباد العزيز، لأنهم خلقه الذين كرّمهم ورفع رأسهم وعدل قامتهم، وكانت أول كلمة في دينه: لا إله إلا الله.. فلا أعبد غيره، ولا أذل نفسي لغيره، ولا أخضع لغيره، لأنه لا إله إلا الله، لا ذل ولا عبودية إلا لله.
أمثلة للذل لغير الله :
لله المثل الأعلى، لو جاء أبوك يزورك، فوجدك ذليل لزوجتك! تهينك وتتحكم بك، فإنك رغم أنك اعتدت هذا الذل لسنين إلا أنك ستخجل من رؤية أبيك لك على هذه الحال! لو رآك أبوك في عملك ومديرك يهينك وأنت معك الحق، أو رآك وأنت تزوّر بحجة أنك عبد المأمور أو من أجل لقمة العيش! فإنك ستخجل من رؤيته لك بهذا الحال. ألا تخجل أن يراك العزيز وأنت ذليل لأي إنسان؟! ماذا ستقول له يوم القيامة؟ ضابط الشرطة، المدرس الذي يظلم تلميذاً، الزوجة التي ترضى الذل والمهانة بحجة أن ليس لها مأوى آخر ولا مورد للرزق. الشاب الذي تزوج في الغرب من أجل جواز سفر فأهانته زوجته. الفتاة التي تزوجت عرفياً والشاب يذلها بما يمسكه عليها. المذلول لشهوته ذليل أم عزيز؟! فما معنى لا إله إلا الله؟؟ أنك حر من كل شيء إلا الله سبحانه ولا تحكمني الشهوات. يقول النبي ((تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس وانتكس)) سماه عبداً للدرهم، وقال: انتكس أي سيُذل! العبد للشهوة، العبد للمعاصي، لشهوة النساء، لشهوة المال، لشهوة المنصب، ومن ينافق رئيسه لظنه أنه سيعزه، ذليل وهو ينافقه.
العزيز خلقك عزيزاً :
العزيز خلقك – يوم خلقك – عزيزاً، ووضع في فطرتك أنك عزيز، وقال لك أنه لا إله إلا الله حتى تكون عزيزاً. العزيز الذي أقسم بعزته في القرآن: " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ " (الصافات: 180) وأقسم في الأحاديث القدسية: ((وعزتي وجلالي)) ألا توجعك هذه الآية؟؟ " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا...." (النساء: 97) ظالم لنفسه لأنه لم يعرف العزيز، ولكن اسمع آية ستفرحك: " مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا...." (فاطر: 10) لو عشت بهذه الآية لكفاك، فمن يبتغي العزة لن يجدها إلا عند الله، كما أن الشمس مصدر النور للأرض، والنيل مصدر الماء لمصر. لو بحثت عن العزة عند غيره فلن تجدها، لا يمكن، لا في سلطة ولا معصية "....أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا " (النساء: 139) فمصدر العزة في الكون الله العزيز.
فتنـة !
قد يشك البعض في هذا الكلام ويقول: هذا فلان ابتغى العزة بغير طريق الله وها هو في منتهى العزة وله مكانة ويهابه الناس.. أبداً.. لا تصدق! بل هو ذليل، قد يكون مذلولاً في بيته، أو من أولاده... ولكن ذله يخفى عليك، لأنها فتنة. هل أعطيكم دليلاً على هذا؟ عزيز مصر.. لماذا سموه عزيزاً؟ كان من يتقلد منصباً كله رفعة وشأن يسمى العزيز، فهو كان وزير الاقتصاد، والقرآن ذكرها بتلك التسمية كي تفكر هل هو عزيز أم ليس بعزيز، فهو عزيز بمقاييس الدنيا وبمقاييس الناس وباللقب، لكن هل كان فعلاً عزيزاً؟ زوجته تسعى لخيانته وتصرّح بذلك! ".... وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ...." (يوسف: 32) بل وبكل وقاحة: ".... وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ...." (يوسف: 32) ويقول لسيدنا يوسف: " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا...." (يوسف: 29) بحث عن العزة في منصبه، فصار ذليلاً. وامرأته هل هي عزيزة أم ذليلة ؟ أنتِ الملكة وهو العبد، وهو أقوى منك! ".... وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ...." (يوسف: 32)
آخر ملوك الأندلس بكى أثناء خروجه منها، فقالت له أمه: (ابكِ بكاء النساء مُلكاً لم تحفظه حفظ الرجال!).. أحياناً ذل ساعة يكون أصعب من فرحة 20 سنة!
"....وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...." (المنافقون: 8) هذه الآية تكفيك. ما الذي يخرجك عن هؤلاء الثلاثة؟! إن رفضت العزة فقدت معية الله والرسول، ولن تكون من المؤمنين! مسلم نعم، لكنك بعيد وإن بكيت في الصلاة.
سبب ما نحن فيه :
كل الأنبياء أرسلوا إلى أقوامهم بسبب كفرهم، إلا موسى! كان بنو إسرائيل مؤمنين، لكنهم أُشرِبوا الذل واعتادوا عليه، فجاء ليخرجهم من الذل! لأنهم مقهورون. وقصتهم كلها إعادة ناس من الذل للعز! ولذلك جاءت قصتهم كثيراً في القرآن لأن هذه الصفة لو ضاعت فلن يكون هناك إصلاح أو نهضة! ولذلك كان التيه 40 سنة لينشأ جيل جديد لم يتشرب الذل. يقول العلماء أن أحد أسباب اختيار الله للجزيرة العربية لمهد الرسالة أن أهلها كانوا أعزاء؛ ولهذا كانت الهجرة ضرورية كذلك من مكة لئلا يتعرض المسلمون للذل فيتأثر معدنهم.
تاريخنا كله عزة :
· عمر بن الخطاب نحبه لأنه مثال للعزة، يقول ابن مسعود: مازلنا أعزة مذ أسلم عمر.
· أبو بكر الصديق يوم الردة يقول: أينقص الدين وأنا حي؟!
· أسماء بنت أبي بكر وهي شابة صغيرة، يضربها أبو جهل لتخبر عن مكان أبيها يوم غار ثور، فلا ترد. لكن وهي عجوز قبل أن يقتل الحجاج ابنها عبد الله بن الزبير، يقول لها ابنها: يا أمي أخاف أن يمثلوا بجسدي! فترد عليه: وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها! وبعد قتله يأتيها الحجاج يقول: أرأيتِ كيف فعلت بابنك؟ فتقول: نعم! أراك أفسدتَ عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك!
· المعتصم حاكم عزيز في تاريخنا، لمّا صرخت المرأة: " واامعتصماه " أرسل إلى ملك الروم يقول له: أرسل إلي المرأة معززة مكرمة وإلا أرسلت لك جيشاً أوله عندك وآخره عندي! فيرسل له المرأة .
· العز بن عبد السلام عالم عزيز، يقف أمام والي القاهرة ويقول: أيها الأمير، اتقِ الله واعدل في الرعية، فيقول: نعم يا عز، نفعل. فتقول له ابنته: يا أبتِ أما هِبتَه؟ فيقول: يا ابنتي تذكرت عزة الله فصغر في عينَيّ.
· القبطي، رجل عزيز في تاريخنا غير مسلم، سبق ابن عمرو بن العاص، فضربه ابن عمرو بالسوط وقال: أنا ابن الأكرمين، فخرج الشاب من مصر إلى المدينة ليشتكي من ضربة سوط واحد، فنادى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وقال للقبطي: اضرب ابن الأكرمين! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
كيف نحيا باسم العزيز:
1. خطط كيف تخرج من الذل، لا تقبل الذل أبداً . يقول النبي: ((من تضعضع لغني لغِناه فقد ذهب بثلثا دينه))، ((اطلبوا الحاجات بعزة أنفس فإن الأمور تجري بالمقادير)) الأمة ذليلة! خطط كيف تخرجها من ذلها بدون عنف، بل برحمة وبحكمة.
2. عزز الناس. يقول النبي: ((من أُذِلّ عنده مؤمن وهو قادر أن يعزه ولم يفعل، أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة))، فما بالك بمن لا يعزز الإسلام!
3. تذلل للعزيز: اذهب له بذلك يمدّك بعزه، فالله يحب من يذهب إليه بالتذلل. يقول النبي: ((رأيت جبريل يوم أسري بي كالِحلس البالي من خشية الله)). يقول أحد العلماء: طرقت الأبواب إلى الله فوجدتها ملأى، فطرقت باب التذلل إلى الله فلم أجد إلا القليل من الناس.
خاتمة :
فيلسوف روماني قبل سقوط روما بعدة سنوات مشى في النهار وبيده مصباح! فسأله الناس: عمّ تبحث؟ تمسك مصباحاً في النهار! فقال كلمة شهيرة: أبحث عن رجل عزيز! بعد هذا الموقف بخمس سنوات سقطت روما.
الواجب العملي :
اذهب للعزيز وتذلل له، وقل له: سأعمل شيئاً، وإن كنت مذلولاً في أمر فاكتب خطة للتخلص من هذا الذل . يا عبد العزيز، يا أمة العزيز، كونوا عباد العزيز.