قهوة بالبندق
قهوة بالبندق
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان فائدة واستفادة يتأثر بها وتؤثر في جوانب حياته تأثيراً فعالاً حيث يدرك أن كل لحظة في حياته تشهد تغيراً مؤثراً يعود على حياته بالارتقاء في طريق الله. . وعطاء الله .. فياضٌ ممدود لا ينتهي ولا يقف عند حد .. ولقد جعل سبحانه عطاءه يختلف من شخص إلى آخر، ومن شيء إلى آخر بما يسمح به الله ويأذن حتى يأخذ كل إنسان من عطاء الله كل على قدر درجة إيمانه بالله، وحبه لله، وإخلاصه في طريق الله. . وإذا سمحنا لأنفسنا أن نتحدث عن الله، وتركنا لأقلامنا العنان لتسطر عطاء الله، وفتحنا لقلوبنا الطريق لتنبض بحب الله وتلمس حنان الله فستشعر بالرهبة والخشوع والنور يملأ وجداننا والصفاء يحيط بنا ونصل في النهاية إلى العجز .. العجز عن الحديث عن الله .. والعجز عن وصف عطاء الله .. العجز عن التعبير عن فيض الله وعظمة آيات الحب الرباني وروعة لمسات الحنان الإلهي مما يقودنا إلى الإيمان بالله والسجود لله الواحد القهار حامدين شاكرين الله مؤمنين عارفين ذاكرين فضل الله علينا ولولا فضل الله علينا ورحمته لكنا من الخاسرين. . يسجد القلب الإنساني لله الواحد الرحمن، ويلهث وتعلو صوت دقاته التي تنبض بسرعة شديدة متسابقاً مع الزمن في حب الله محاولاً أن يسبق القلم ويقفز فوق السطور، وكأنه يريد أن يحفر بداخله ويحفظ الكلمات التي تهبط عليه خائفاً من فقدانها متمنياً أن يسجل ويثبت المشاعر والأحاسيس التي يتفاعل بها ويهتز لها ويذوب معها سابحاً في إشراقات النور التي هي هبة من عند الله .. وفيضاً من فيوضات عطائه. . والحج هو إحدى العبادات التي تتميز بعطاء يختلف من شخص إلى آخر.. وفيه تتجلى الفيوضات الربانية.. وبه يتغير العبد المؤمن سلوكاً وخلقاً فيمنحه الله عز وجل البركة في حياته هبة ومنحة منه سبحانه. . وللحج خصوصية.. فهو تجمع عقدي فذ ومؤتمر عالمي فريد دعا إليه رب واحد، وحدد دوراته في زمان واحد، ورسم منهجه بكتاب واحد على رسول واحد، واستجاب له المؤمنون بزي واحد وقصد واحد، وفي جلال هذه الوحدة انصهرت الأجناس والألوان واللغات، وذابت العصبيات والبيئات والطبقات، فلا نسب إلا إلى الإسلام ولا حسب إلا في الإيمان. . وتلك خصوصية يحب أن تستغل تعارفاً يربط الشعوب بالمودة وتآلفاً بين الأجناس والتراحم، وحتى يقف كل مسلم على وضع إخوانه في كل بلد وعلى خط دينه في كل إقليم وحينئذ تتعاون الطاقات وتتكامل الإمكانات، يصبح المسلمون كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهناك معنى ذو قيمة يجب أن يستوعبه الحاج في رحلته إلى الأراضي المقدسة وهو: أن الحج رحلة واحدة في الحياة الإيمانية يكفي المسلم أن يقوم بها في العمر مرة واحدة ليترك نعمة المنعم نفسه وقد تساوى مع غيره من عباد الله الذين جاءوا لتلبية نداء الحق: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) (آل عمران:97) فلا يعرف أحد غيره بمقادير وألقاب، فلقد أصبح الخفير بجوار الوزير، الغني مع الفقير، فقد صار الكل سواء في بيت الحق ولا فرق بين أحد وآخر إلا من اتقى وعمل عملاً صالحاً. . فالتقوى هي الميزان .. وهي ما يميز عبد عن آخر بصرف النظر عن لقبه أو مركزه أو حسبه أو نسبه. وللحج فوائد نفسية عظيمة الشأن ودروس مستفادة إذا استفاد منها الإنسان حق الاستفادة مما يؤثر على حياته وسلوكه وأخلاقه وطريقه في هذه الدنيا فينال ثواب الله في الحياة الدنيا والآخرة.. يستطيع أن يحقق لنفسه ولمن حوله الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة، ويصل إلى سر السعادة الكاملة وينعم بالأمن النفسي والسكينة، ويرفرف السلام الروحي أجنحته على قلبه وفؤاده فيهرب الضياع والقلق من حياته ويمن الله عليه بالبركة في كل شيء في حياته فيشعر بالرضا يملأه، والقناعة تحتويه، والسلامة تسكنه. . . ولكن ما هي هذه الدروس التي يتعلمها ويستفيدها الإنسان من رحلة الحج، وما هي الفوائد التي تجلب له كل هذا الخير وهذه المنافع الجميلة؟ . إن زيارة المسلم لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، ولمنازل الوحي، وأماكن البطولات الإسلامية تمد المسلم بطاقة روحية تزيل عنه كرب الحياة وهمومها، وتغمره بشعور عظيم من الأمن والطمأنينة والسعادة. . ويدرب الحج الإنسان على تحمل المشاق والتعب وعلى التواضع حيث يتساوى جميع الناس الغني فيها والفقير، والسيد والمسود والحاكم والمحكوم، وهو يقوي روابط الأخوة في جميع المسلمين من مختلف الأجناس والأمم والطبقات الاجتماعية حيث يجتمعون جميعاً في مكان واحد وزمان واحد يعبدون الله ويبتهلون إليه ويتضرعون. . وفي الحج تدريب للإنسان على ضبط النفس والتحكم في شهواتها واندفاعاتها إذ يتنزه الحاج على الجدل والخصام والشحناء والسباب عن المعاصي وكل ما ينهي الله عنه، وفي ذلك تدريب للإنسان على ضبط النفس وعلى السلوك المهذب، وعلى معاملة الناس بالحسنى وعلى فعل الخير. قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة: 197) . فالحج على هذا الأساس هو جهاد للنفس يجتهد فيه الإنسان حيث يهذب نفسه، ويقاوم أهواءه واندفاعاته، ويدرب نفسه على تحمل المشاق وعلى فعل الخير وحب الناس. . إن الحج فرصة عظيمة للنفس اللاهية، والقلب الغافل، وللإنسان لكي يغير من مألوفات العادات والطباع الرذيلة والمستقبحة ويغسل نفسه من أوحال الرفث والفسوق والعصيان والجدال. . كما أنه باب مفتوح للنفس لكي تعيد حساباتها، وترجع عن غيها، ليعتدل أمرها، وتهجر فسوقها، وعنادها لتدخل في طاعة الله. . وفي عمل الحاج بأمر الله تنزيه لشعائره ومناسكه تعالى فضلاً عن أن طاعة الله تساعد الإنسان على الابتعاد تماماً عن الآثام والخطايا في هذه الفترة الزمنية، الأمر الذي يكسبه عادات جديدة وأخلاقاً طيبة، وفريضة الحج تلعب دوراً عظيماً في التوازن والاعتدال والقسط والقصد والقوامة. . كما أن الحج يفرغ المسلم من الهموم، إذ يقف أمام الله مجرداً عن حظوظ نفسه فيسكن قلبه، ويطمئن بذكر الله كما تفرغ النفس من الهوى عندما تنصرف بالكلية إلى الله وتلتفت عن ما دونه. وكذلك تطالب النفس في الحج بالبذل والإيثار والإنفاق وتنزيه الله بإخلاص النية، وهذا من أفضل ثمرات الحج على النفس. . ويتعلم الإنسان من الحج الصبر والشكر حيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين، فمن الممكن أن يتعرض أثناء الحج إلى الأذى من الغير سواء بالقول أو بالفعل ومن شدة الزحام يتعرض إلى الدفع أو الضرب بالأيدي، ولكي يحصل على مرضاة الله وحتى لا يفسد حجه، عليه ألا يعترض أو يتأفف وأن يصبر على ذلك صبراً جميلاً حباً لله، والصبر على الأذى درجة من درجات الإحسان. . وفي الصبر فائدة عظيمة في تربية النفس وتقوية الشخصية وزيادة قدرة الإنسان على تحمل المشاق. فالصبر هو القوة الدافعة والشحنة الواقية لنا في السلوك فهو يدفعنا إلى العمل الصالح والخير الفاضل ويقينا من الوقوع في حبائل الشيطان فنقع في الإثم والخطأ والعدوان فنضل ونشقى. . إن الصبر هو المعرفة الحقة والمسلك الواقعي الذي إذا اتخذه الإنسان في حياته شعر بقوة كبرى تسري في كيانه كله يستمدها من الله عز وجل وتمنحه الإحساس بأنه في طريق الصبر حباً في الله.. وطاعة له تعالى وطمعاً في رحمته وثوابه حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَبَشّرِ الصَابرين) فيهنأ بالرضا والأمان والاستقرار النفسي وينعم بالسكينة والطمأنينة القلبية فيشعر بالسعادة النفسية والروحية. . ففي الحج جهاد يسعى إليه الإنسان تقرباً إلى الله ولمرضاة الله، ومن صفات الجهاد الصبر والهدوء والحكمة والثبات وقدرة التحكم على الانفعال وكلها مواصفات تتطلب سلوكيات خاصة وأخلاقيات عالية.. وهذا هو ما يتطلبه الحج ومن أخلاقياته وسماته. . وكما يدرب الحج الإنسان على الصبر يدربه أيضاً على الشكر، والصبر برضا يكون مقروناً دائماً بحمد وشكر الله عز وجل في السراء والضراء. ويربط الله سبحانه وتعالى الشكر بالصبر في قوله: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (إبراهيم: 5) والشكر سلوك عظيم ينطوي على إيمان كامل بالله ووحدانيته وقدرته وكماله، وتصديق كامل بنعمة الله وإحسانه المطلق على عبده المؤمن. فالشكر إذن هو ثمرة من ثمرات التقوى والإيمان وسبيل من سبل القرب إلى الله. . ومن أكبر وأجمل لمسات الحنان الإلهي على عبده المؤمن توفيق الله وهدايته سبحانه له كي يشكره ويحمده على نعمه وفضله، وبالرغم من شكر هذا العبد الدائم لله على فضله وإحسانه إلا أنه يشعر ويحس بالعجز عن شكر الله، وأن كل ما يؤديه من أقسام الشكر لله غير كاف وعاجز عن التعبير عن شكره الحقيقي الكامن في فؤاده.. في كيانه كله.. ولقد قيل أن داوود عليه السلام قال: "إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك" فأوحى الله إليه: "الآن قد شكرتني" فإن العجز عن الشكر سلوك طبيعي يحس به العبد المؤمن الشكور لله لأنه يشعر بأن كل شيءيسلكه في الحياة شكراً لله أقل بكثير من حقيقة الشكر التي يجب أن يقدمها ويؤديها لله عز وجل...! . وفي الحقيقة أن حمد الله وشكره من الصفات التي يحرص العبد المؤمن أن يطبع نفسه بها إيماناً منه بأن الإنسان الذي يسير في طريق الله ويتمتع وينعم الله عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، ويشعر بلمسات الحنان الإلهي عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، وفي كل جانب من جوانب حياته فإنه ولابد أن يشكر الله سبحانه وتعالى في كل لحظة. . ولم يكتف العبد المؤمن بشكر الله في السراء ولكن يشكره أيضاً في الضراء ويرى أن الله تلطف معه ويشعر بلمسات تلطفه له فيحمده على هذا التلطف الإلهي وحفظه له من هلاك كان من الممكن أن يودي بحياته لولا تلطف الله به ورحمته عليه ولمسات حنانه له. . ويعرف العبد المحب لله بأن شكر الله لا يكون فقط باللسان والقلب والجوارح وإنما بسلوكه وعمله، فإن فضل الله عليه عظيم وأقل شئ ممكن أن يقدمه شكراً لله هو محافظته على عبادته وحرصه على حمد الله وشكره في كل لحظة ثم سلوكه إلى الله الذي يعتبر نوعاً من أنواع الشكر لله فيجب أن يرتقى بسلوكه ويرتفع فوق الأحداث ويتعامل مع جميع الأمور بما يُرضي الله آملاً في حبه، طامعاً في رحمته، ناشداً رضاه. . ويوجه الله سبحانه وتعالى العبد ذو القلب المحب لله الشاكر له على الدوام إلى طريقه ويهديه إلى سبيله ويجد هذا العبد دون أن يدري أن الله فتح له أبواب في سبيله ليسلكها ويسير في هداها حتى يفوز بثواب الله له ويحمد الله كثيراً على فضله ونعمته الكبرى. (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69) . وفي الحج تتجلى آيات الشكر وحمد الله سبحانه وتعالى حيث يكثر الحاج من حمد الله عز وجل على نعمه وفضله ومن أكبر النعم التي يحرص الحاج فيها على شكر الله نعمة الحج حيث أعانه الله وفتح له باب الدعوة إلى الحج ووفقه وأعانه على الحج. . وعندما يصل الحاج إلى درجة الصبر على الأذى وشكر الله في السراء والضراء يتسم بالهدوء ويشعر بالود مع كل شيء يبدأ يسعى إلى محاولة التحلي بالأخلاق القرآنية والآداب الإسلامية ويجب أن يكون المسلم قدوة في سلوكه ما دام أصبح مقروناً بدين الإسلام. . ويتعلم الإنسان من رحلة الحج الصدق وتشعر أيها الحاج بالراحة والطمأنينة عندما يكون سلوكك قولاً وفعلاً هو الصدق لأنك لا تعبأ بأي شيء.. ولا تهتم ولا تخاف ولا تخشى إلا الله سبحانه وتعالى. . والصدق هو الإخبار عن الشيء بما هو عليه، وإظهاره على حقيقته وهو من الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكتب عند الله صادقاً، صديقاً ويفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى فالعباد المقربون هم العباد الصادقون. . والصدق على الحقيقة هو الفضيلة الأساسية للحياة الإنسانية، ولقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الصدق، وكان الصحابة يؤثرون الصدق مهما كان وراءه من الألم والصعاب لأن الكذب لا يدعم الإنسان ولا يُنشئ الأخلاق، ولا يُقيم الأمم ولا المجتمعات. . والصادق من صدق في أقواله، والصديق من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.. ومن أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119) ويرتبط الصدق دائماً بالإخلاص والصبر ارتباطاً قوياً، وإذا صدق الإنسان في النية والقول والعمل فهو بالتالي سيتمتع بالإخلاص في النية والقول والعمل، والإخلاص والصدق يقودان بلا شك إلى الصبر لأن من صدق أخلص، ومن صدق وأخلص أصبح الصبر صفة ملازمة له حيث أن الصبر يستلزم أن يكون الإنسان صادقاً مخلصاً. . . وفي الحج ينعم الإنسان بالرضا حيث يرضى بكل شيء يأتيه أو يعتريه .. ويصاحب الرضا دائماً الشعور بالسكينة ويحتوى السلام نفس الإنسان ويغلب على جوانحه ويتعجب لماذا كان ينفعل ويثور..؟! لماذا كان يغضب ويترك لانفعالاته الجامحة العنان مما يجعله يؤذي غيره..؟! لماذا كان يعترض.. ويتأفف..؟! لماذا لم يشعر بالألم نحو إخوانه الذين كانوا في حاجة إليه..؟! كيف سولت له نفسه أن يغضب الله ويظلم غيره..؟ لماذا كان حاله عدم الرضا عن أي شيء..! . هنا في الحج، وفي عرفة، وعند طواف بيت الله الحرام، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحاج معنى الرضا وقيمته وحلاوته والرضا لمن يرضى. . ومن الدروس المستفادة الجميلة في رحلة الحج التي يتعلمها الإنسان وتؤثر على جميع جوانب حياته إسقاط التدابير لله.. نعم فلا تدبر لشيء وتسلم نفسك وأمرك لله وحده.. وترضى بكل ما يأتيك من عند الله برضى وحب وقبول، وتصبر على ابتلائه.. وتحمد نعمة فهو سبحانه مالك الأمر وبيده الأمر كله وإليه يرجع كل شيء فأمرك كله منه وإليه. . وكلمة حق تقال أن إسقاط التدابير لله.. سلوك عظيم وصعب ولا يقدر عليه إلا المحبون لله.. وأنت في الحج تهيأت نفسياً وقلبياً وروحياً لأن تسعى في طريق الله فلتحظى بأن تكون ممن يسقطون التدابير لله فتنعم بالرضا والأمان. ولو أعددنا الدروس المستفادة من الحج فلن تكفينا السطور ولا الصفحات ولكن نستطيع أن نحصرها في كلمة واحدة هي طريق إلى الخلق القرآني. . والجدير بالذكر أن كل منا يستفيد من رحلة الحج بأشياء ودروس تؤثر على حياته يختلف عن الآخر كل حسب درجة إيمانه وحبه وإخلاصه لله عز وجل وإني على يقين بأن حب الله هو جوهر الأشياء وكلما ازددت حباً لله.. ازددت إخلاصاً له باحثاً عن الطريق إليه.. ساعياً إلى رضاه. . فكن مع الله عز وجل تكن غنياً عزيزاً.. ومن استغنى بالله عز وجل احتاج إليه كل شيء.. وهذا شيء لا يأتي بالتحلي والتمني ولكن بشيء وقر في القلب، وصدقه العمل. والإخلاص هو أساس العبد المؤمن المحب لله، وهو سر من أسرار الله أودعه قلب من أحبه من عباده. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: 5) . والحج المبرور يصاحبه دائماً الإخلاص هبة ومنحة من الله سبحانه وتعالى. والإخلاص من الدروس العظيمة المستفادة في الحج التي يتعلمها الإنسان ويتخذها مسلكاً في حياته. والإخلاص صفة لازمة في كل عمل يؤديه الحاج في رحلة الحج، ويصبح ضرورة في رحلة عمره الباقية لا يستطيع الاستغناء عنها بعد أن تذوق حلاوتها وقيمتها عند الله وهي هبة من الله فحافظ عليها ولا تضيعها بالأنانية والطمع ومتاع الدنيا والظلم والإساءة للغير. . ويستفيد الحاج من مناسك الحج بوجوب الثقة بالله، وأن على الإنسان أن يسعى قدر جهده وأن يخلص في سعيه ويعرف بأنه في الوقت الذي تتذكر فيه الأسباب تذكر أيضاً المسبب فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل. . ومن الدروس المستفادة في الحج ولها أثر كبير على الإنسان والآخرين "التعاون"، ففي الحج نعرف معنى التعاون وقيمته حيث يتحد الجميع في مساعدة أي حاج يحتاج إلى العون سواء كان مريضاً أو مسناً أو أي امرأة أو أي حاج يحتاج إلى الإرشاد والعون في أي شيء. . وفي التعاون تتجلى أمامنا قيمة الحب والمودة والسلام والبعد عن الكراهية والحقد والغيرة والإخاء وللتعاون أهمية كبرى في نشر الوحدة بين الأجناس والأمم والطبقات مما يخلق جو من الألفة بين الناس. قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2) . ويدرب الحج الإنسان على العفو والصفح الجميل فأنت في الحج تتجاوز عن أخطاء البشر، وترتفع بالعفو إلى درجة من درجات الإحسان. ويعتبر الصفح ـ العفو من أقرب الطرق والسلوكيات التي يسلكها الإنسان في طريقه إلى الله. . كما يدرب الحج الإنسان على كظم الغيظ والصبر على الأذى حيث يتعرض في رحلة الحج من شدة الزحام إلى أفعال كان من الممكن أن ينفعل فيها ويعترض ويتأفف ولكنه حباً لله ومرضاة له وحده يتعلم كيف يكظم غيظه ويصبر على من أذاه. . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من كظم غيظه وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً". ونستفيد من الحج ألا نقول إلا الطيب ولا نعمل إلا الصالح الذي يرضى الله، فالصفح والعفو والكلمة الطيبة أبواب الحب والرحمة والنورانية والشفافية والصفاء. قال الله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (النور: 22) . . ومن أجمل الفضائل التي يتعلمها الحاج في رحلة الحج الإحسان وهو فضيلة كبرى وسلوك إنساني عظيم يسلكه العبد المؤمن في طريقه إلى الله، يتأكد به معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من نقاء النفس وإخلاصها في العمل والعبادة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (الإسراء: 7) . والإحسان في الظاهر يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلف به بأمانة من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل عملاً خيراً، فإنه ينسب إليه هذا الفعل ويلقى من الله أفضل الجزاء وهذا يتأكد من الآية الكريمة : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (الرحمن: 60) . والإحسان إيثار وتضحية، وعطاء وبذل للغير عن رضا، لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختياراً لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه. . وبالإحسان يشعر المؤمن شعوراً ملازماً إن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه وكل ما في الدنيا إنما هو منه وإليه فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة استخارها الله تعالى لفعل الخير وعمل المعروف. . والنفس المتسامحة هي النفس القادرة على توقيع الجزاء والقصاص العادل لكنها تنشد الخير فهي نفس محسنة. . وفي الحج يتنافس الحجاج على أعمال البر والإحسان ويكثر الإحسان في موسم الحج وليس الإحسان فقط بالمال وذبح الذبائح، ولكن الكلمة الطيبة إحسان، والعمل الصالح إحسان، والتعاون إحسان، ومساعدة المريض إحسان، ونصرة المظلوم إحسان، وعون الضعيف إحسان، وخدمة المسن إحسان، والعفو عن الناس إحسان، والتصدق إحسان، والمجاهدة إحسان، والعطاء إحسان. . لابد أن تؤثر فيك رحلة الحج وتعود منها صافياً.. نقياً.. طاهراً حاملاً مسئولية كبرى هي مسئولية حب الله والسعي في طريقه، وتبدأ في تطبيق ما استفدته من هذه الرحلة على نفسك أولاً ثم تدعو به غيرك، وهكذا تكن نموذجاً للإنسان المؤمن الصالح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. . واعرف أن الشيطان لن يتركك وسيفعل قصارى جهده معك ليغريك بمتاع الدنيا وشهواتها، ويزين لك المعصية ويبعدك عن طريق الله. . وإنها فرصتك للتغلب عليه ولتنتصر على نفسك الأمارة بالسوء متسلحاً بحب الله وذكر الله وما تعلمته من رحلة عبادة العمر فترتقي إلى مقام النفس المطمئنة التي يرضى عنها الله والمجاهدة في سبيل الله. . وفي رحلة الحج تكثر لحظات الصفاء حيث يصفو الإنسان ويرتقي بقلبه وينشغل بالله وينعم بحب الله وطريق الله فيصل إلى كل ما يتطلبه طريق الصعود والإرتقاء من التوبة والصدق والصفاء والإخلاص والنقاء والرضا والعفو وكظم الغيظ والصبر والشكر والبر والإحسان والتقوى بما يقربه إلى الله. وتبدأ هذه المشاعر الصافية النورانية توجهه على ما هو خير وفاضل وكريم .. توجهه إلى العفو.. وإلى الكرم.. وإلى الرحمة.. وإلى الارتقاء فوق الأحداث.. وإلى الصبر وإلى الشكر فيحمد الله كثيراً على الهُدى ونعمة الإيمان وغيرها من النعم التي أفاض الله بها عليه. . وختاماً أدعو الله أن يقبل حجنا، ويغفر ذنوبنا سالكين طريقه آملين رضاه.. ناشدين رحمته.. طامعين في حبه.. مجتهدين مجاهدين في سبيله.. راجين لأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وخيراً ساعين إلى أن نتوج أنفسنا بأخلاقيات الحج وآدابه المستمدة من توجيهات الله عز وجل وسلوكيات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. . . .
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان...
WIDTH=400 HEIGHT=350
قهوة بالبندق
قهوة بالبندق
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان فائدة واستفادة يتأثر بها وتؤثر في جوانب حياته تأثيراً فعالاً حيث يدرك أن كل لحظة في حياته تشهد تغيراً مؤثراً يعود على حياته بالارتقاء في طريق الله. . وعطاء الله .. فياضٌ ممدود لا ينتهي ولا يقف عند حد .. ولقد جعل سبحانه عطاءه يختلف من شخص إلى آخر، ومن شيء إلى آخر بما يسمح به الله ويأذن حتى يأخذ كل إنسان من عطاء الله كل على قدر درجة إيمانه بالله، وحبه لله، وإخلاصه في طريق الله. . وإذا سمحنا لأنفسنا أن نتحدث عن الله، وتركنا لأقلامنا العنان لتسطر عطاء الله، وفتحنا لقلوبنا الطريق لتنبض بحب الله وتلمس حنان الله فستشعر بالرهبة والخشوع والنور يملأ وجداننا والصفاء يحيط بنا ونصل في النهاية إلى العجز .. العجز عن الحديث عن الله .. والعجز عن وصف عطاء الله .. العجز عن التعبير عن فيض الله وعظمة آيات الحب الرباني وروعة لمسات الحنان الإلهي مما يقودنا إلى الإيمان بالله والسجود لله الواحد القهار حامدين شاكرين الله مؤمنين عارفين ذاكرين فضل الله علينا ولولا فضل الله علينا ورحمته لكنا من الخاسرين. . يسجد القلب الإنساني لله الواحد الرحمن، ويلهث وتعلو صوت دقاته التي تنبض بسرعة شديدة متسابقاً مع الزمن في حب الله محاولاً أن يسبق القلم ويقفز فوق السطور، وكأنه يريد أن يحفر بداخله ويحفظ الكلمات التي تهبط عليه خائفاً من فقدانها متمنياً أن يسجل ويثبت المشاعر والأحاسيس التي يتفاعل بها ويهتز لها ويذوب معها سابحاً في إشراقات النور التي هي هبة من عند الله .. وفيضاً من فيوضات عطائه. . والحج هو إحدى العبادات التي تتميز بعطاء يختلف من شخص إلى آخر.. وفيه تتجلى الفيوضات الربانية.. وبه يتغير العبد المؤمن سلوكاً وخلقاً فيمنحه الله عز وجل البركة في حياته هبة ومنحة منه سبحانه. . وللحج خصوصية.. فهو تجمع عقدي فذ ومؤتمر عالمي فريد دعا إليه رب واحد، وحدد دوراته في زمان واحد، ورسم منهجه بكتاب واحد على رسول واحد، واستجاب له المؤمنون بزي واحد وقصد واحد، وفي جلال هذه الوحدة انصهرت الأجناس والألوان واللغات، وذابت العصبيات والبيئات والطبقات، فلا نسب إلا إلى الإسلام ولا حسب إلا في الإيمان. . وتلك خصوصية يحب أن تستغل تعارفاً يربط الشعوب بالمودة وتآلفاً بين الأجناس والتراحم، وحتى يقف كل مسلم على وضع إخوانه في كل بلد وعلى خط دينه في كل إقليم وحينئذ تتعاون الطاقات وتتكامل الإمكانات، يصبح المسلمون كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهناك معنى ذو قيمة يجب أن يستوعبه الحاج في رحلته إلى الأراضي المقدسة وهو: أن الحج رحلة واحدة في الحياة الإيمانية يكفي المسلم أن يقوم بها في العمر مرة واحدة ليترك نعمة المنعم نفسه وقد تساوى مع غيره من عباد الله الذين جاءوا لتلبية نداء الحق: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) (آل عمران:97) فلا يعرف أحد غيره بمقادير وألقاب، فلقد أصبح الخفير بجوار الوزير، الغني مع الفقير، فقد صار الكل سواء في بيت الحق ولا فرق بين أحد وآخر إلا من اتقى وعمل عملاً صالحاً. . فالتقوى هي الميزان .. وهي ما يميز عبد عن آخر بصرف النظر عن لقبه أو مركزه أو حسبه أو نسبه. وللحج فوائد نفسية عظيمة الشأن ودروس مستفادة إذا استفاد منها الإنسان حق الاستفادة مما يؤثر على حياته وسلوكه وأخلاقه وطريقه في هذه الدنيا فينال ثواب الله في الحياة الدنيا والآخرة.. يستطيع أن يحقق لنفسه ولمن حوله الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة، ويصل إلى سر السعادة الكاملة وينعم بالأمن النفسي والسكينة، ويرفرف السلام الروحي أجنحته على قلبه وفؤاده فيهرب الضياع والقلق من حياته ويمن الله عليه بالبركة في كل شيء في حياته فيشعر بالرضا يملأه، والقناعة تحتويه، والسلامة تسكنه. . . ولكن ما هي هذه الدروس التي يتعلمها ويستفيدها الإنسان من رحلة الحج، وما هي الفوائد التي تجلب له كل هذا الخير وهذه المنافع الجميلة؟ . إن زيارة المسلم لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، ولمنازل الوحي، وأماكن البطولات الإسلامية تمد المسلم بطاقة روحية تزيل عنه كرب الحياة وهمومها، وتغمره بشعور عظيم من الأمن والطمأنينة والسعادة. . ويدرب الحج الإنسان على تحمل المشاق والتعب وعلى التواضع حيث يتساوى جميع الناس الغني فيها والفقير، والسيد والمسود والحاكم والمحكوم، وهو يقوي روابط الأخوة في جميع المسلمين من مختلف الأجناس والأمم والطبقات الاجتماعية حيث يجتمعون جميعاً في مكان واحد وزمان واحد يعبدون الله ويبتهلون إليه ويتضرعون. . وفي الحج تدريب للإنسان على ضبط النفس والتحكم في شهواتها واندفاعاتها إذ يتنزه الحاج على الجدل والخصام والشحناء والسباب عن المعاصي وكل ما ينهي الله عنه، وفي ذلك تدريب للإنسان على ضبط النفس وعلى السلوك المهذب، وعلى معاملة الناس بالحسنى وعلى فعل الخير. قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة: 197) . فالحج على هذا الأساس هو جهاد للنفس يجتهد فيه الإنسان حيث يهذب نفسه، ويقاوم أهواءه واندفاعاته، ويدرب نفسه على تحمل المشاق وعلى فعل الخير وحب الناس. . إن الحج فرصة عظيمة للنفس اللاهية، والقلب الغافل، وللإنسان لكي يغير من مألوفات العادات والطباع الرذيلة والمستقبحة ويغسل نفسه من أوحال الرفث والفسوق والعصيان والجدال. . كما أنه باب مفتوح للنفس لكي تعيد حساباتها، وترجع عن غيها، ليعتدل أمرها، وتهجر فسوقها، وعنادها لتدخل في طاعة الله. . وفي عمل الحاج بأمر الله تنزيه لشعائره ومناسكه تعالى فضلاً عن أن طاعة الله تساعد الإنسان على الابتعاد تماماً عن الآثام والخطايا في هذه الفترة الزمنية، الأمر الذي يكسبه عادات جديدة وأخلاقاً طيبة، وفريضة الحج تلعب دوراً عظيماً في التوازن والاعتدال والقسط والقصد والقوامة. . كما أن الحج يفرغ المسلم من الهموم، إذ يقف أمام الله مجرداً عن حظوظ نفسه فيسكن قلبه، ويطمئن بذكر الله كما تفرغ النفس من الهوى عندما تنصرف بالكلية إلى الله وتلتفت عن ما دونه. وكذلك تطالب النفس في الحج بالبذل والإيثار والإنفاق وتنزيه الله بإخلاص النية، وهذا من أفضل ثمرات الحج على النفس. . ويتعلم الإنسان من الحج الصبر والشكر حيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين، فمن الممكن أن يتعرض أثناء الحج إلى الأذى من الغير سواء بالقول أو بالفعل ومن شدة الزحام يتعرض إلى الدفع أو الضرب بالأيدي، ولكي يحصل على مرضاة الله وحتى لا يفسد حجه، عليه ألا يعترض أو يتأفف وأن يصبر على ذلك صبراً جميلاً حباً لله، والصبر على الأذى درجة من درجات الإحسان. . وفي الصبر فائدة عظيمة في تربية النفس وتقوية الشخصية وزيادة قدرة الإنسان على تحمل المشاق. فالصبر هو القوة الدافعة والشحنة الواقية لنا في السلوك فهو يدفعنا إلى العمل الصالح والخير الفاضل ويقينا من الوقوع في حبائل الشيطان فنقع في الإثم والخطأ والعدوان فنضل ونشقى. . إن الصبر هو المعرفة الحقة والمسلك الواقعي الذي إذا اتخذه الإنسان في حياته شعر بقوة كبرى تسري في كيانه كله يستمدها من الله عز وجل وتمنحه الإحساس بأنه في طريق الصبر حباً في الله.. وطاعة له تعالى وطمعاً في رحمته وثوابه حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَبَشّرِ الصَابرين) فيهنأ بالرضا والأمان والاستقرار النفسي وينعم بالسكينة والطمأنينة القلبية فيشعر بالسعادة النفسية والروحية. . ففي الحج جهاد يسعى إليه الإنسان تقرباً إلى الله ولمرضاة الله، ومن صفات الجهاد الصبر والهدوء والحكمة والثبات وقدرة التحكم على الانفعال وكلها مواصفات تتطلب سلوكيات خاصة وأخلاقيات عالية.. وهذا هو ما يتطلبه الحج ومن أخلاقياته وسماته. . وكما يدرب الحج الإنسان على الصبر يدربه أيضاً على الشكر، والصبر برضا يكون مقروناً دائماً بحمد وشكر الله عز وجل في السراء والضراء. ويربط الله سبحانه وتعالى الشكر بالصبر في قوله: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (إبراهيم: 5) والشكر سلوك عظيم ينطوي على إيمان كامل بالله ووحدانيته وقدرته وكماله، وتصديق كامل بنعمة الله وإحسانه المطلق على عبده المؤمن. فالشكر إذن هو ثمرة من ثمرات التقوى والإيمان وسبيل من سبل القرب إلى الله. . ومن أكبر وأجمل لمسات الحنان الإلهي على عبده المؤمن توفيق الله وهدايته سبحانه له كي يشكره ويحمده على نعمه وفضله، وبالرغم من شكر هذا العبد الدائم لله على فضله وإحسانه إلا أنه يشعر ويحس بالعجز عن شكر الله، وأن كل ما يؤديه من أقسام الشكر لله غير كاف وعاجز عن التعبير عن شكره الحقيقي الكامن في فؤاده.. في كيانه كله.. ولقد قيل أن داوود عليه السلام قال: "إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك" فأوحى الله إليه: "الآن قد شكرتني" فإن العجز عن الشكر سلوك طبيعي يحس به العبد المؤمن الشكور لله لأنه يشعر بأن كل شيءيسلكه في الحياة شكراً لله أقل بكثير من حقيقة الشكر التي يجب أن يقدمها ويؤديها لله عز وجل...! . وفي الحقيقة أن حمد الله وشكره من الصفات التي يحرص العبد المؤمن أن يطبع نفسه بها إيماناً منه بأن الإنسان الذي يسير في طريق الله ويتمتع وينعم الله عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، ويشعر بلمسات الحنان الإلهي عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، وفي كل جانب من جوانب حياته فإنه ولابد أن يشكر الله سبحانه وتعالى في كل لحظة. . ولم يكتف العبد المؤمن بشكر الله في السراء ولكن يشكره أيضاً في الضراء ويرى أن الله تلطف معه ويشعر بلمسات تلطفه له فيحمده على هذا التلطف الإلهي وحفظه له من هلاك كان من الممكن أن يودي بحياته لولا تلطف الله به ورحمته عليه ولمسات حنانه له. . ويعرف العبد المحب لله بأن شكر الله لا يكون فقط باللسان والقلب والجوارح وإنما بسلوكه وعمله، فإن فضل الله عليه عظيم وأقل شئ ممكن أن يقدمه شكراً لله هو محافظته على عبادته وحرصه على حمد الله وشكره في كل لحظة ثم سلوكه إلى الله الذي يعتبر نوعاً من أنواع الشكر لله فيجب أن يرتقى بسلوكه ويرتفع فوق الأحداث ويتعامل مع جميع الأمور بما يُرضي الله آملاً في حبه، طامعاً في رحمته، ناشداً رضاه. . ويوجه الله سبحانه وتعالى العبد ذو القلب المحب لله الشاكر له على الدوام إلى طريقه ويهديه إلى سبيله ويجد هذا العبد دون أن يدري أن الله فتح له أبواب في سبيله ليسلكها ويسير في هداها حتى يفوز بثواب الله له ويحمد الله كثيراً على فضله ونعمته الكبرى. (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69) . وفي الحج تتجلى آيات الشكر وحمد الله سبحانه وتعالى حيث يكثر الحاج من حمد الله عز وجل على نعمه وفضله ومن أكبر النعم التي يحرص الحاج فيها على شكر الله نعمة الحج حيث أعانه الله وفتح له باب الدعوة إلى الحج ووفقه وأعانه على الحج. . وعندما يصل الحاج إلى درجة الصبر على الأذى وشكر الله في السراء والضراء يتسم بالهدوء ويشعر بالود مع كل شيء يبدأ يسعى إلى محاولة التحلي بالأخلاق القرآنية والآداب الإسلامية ويجب أن يكون المسلم قدوة في سلوكه ما دام أصبح مقروناً بدين الإسلام. . ويتعلم الإنسان من رحلة الحج الصدق وتشعر أيها الحاج بالراحة والطمأنينة عندما يكون سلوكك قولاً وفعلاً هو الصدق لأنك لا تعبأ بأي شيء.. ولا تهتم ولا تخاف ولا تخشى إلا الله سبحانه وتعالى. . والصدق هو الإخبار عن الشيء بما هو عليه، وإظهاره على حقيقته وهو من الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكتب عند الله صادقاً، صديقاً ويفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى فالعباد المقربون هم العباد الصادقون. . والصدق على الحقيقة هو الفضيلة الأساسية للحياة الإنسانية، ولقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الصدق، وكان الصحابة يؤثرون الصدق مهما كان وراءه من الألم والصعاب لأن الكذب لا يدعم الإنسان ولا يُنشئ الأخلاق، ولا يُقيم الأمم ولا المجتمعات. . والصادق من صدق في أقواله، والصديق من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.. ومن أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119) ويرتبط الصدق دائماً بالإخلاص والصبر ارتباطاً قوياً، وإذا صدق الإنسان في النية والقول والعمل فهو بالتالي سيتمتع بالإخلاص في النية والقول والعمل، والإخلاص والصدق يقودان بلا شك إلى الصبر لأن من صدق أخلص، ومن صدق وأخلص أصبح الصبر صفة ملازمة له حيث أن الصبر يستلزم أن يكون الإنسان صادقاً مخلصاً. . . وفي الحج ينعم الإنسان بالرضا حيث يرضى بكل شيء يأتيه أو يعتريه .. ويصاحب الرضا دائماً الشعور بالسكينة ويحتوى السلام نفس الإنسان ويغلب على جوانحه ويتعجب لماذا كان ينفعل ويثور..؟! لماذا كان يغضب ويترك لانفعالاته الجامحة العنان مما يجعله يؤذي غيره..؟! لماذا كان يعترض.. ويتأفف..؟! لماذا لم يشعر بالألم نحو إخوانه الذين كانوا في حاجة إليه..؟! كيف سولت له نفسه أن يغضب الله ويظلم غيره..؟ لماذا كان حاله عدم الرضا عن أي شيء..! . هنا في الحج، وفي عرفة، وعند طواف بيت الله الحرام، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحاج معنى الرضا وقيمته وحلاوته والرضا لمن يرضى. . ومن الدروس المستفادة الجميلة في رحلة الحج التي يتعلمها الإنسان وتؤثر على جميع جوانب حياته إسقاط التدابير لله.. نعم فلا تدبر لشيء وتسلم نفسك وأمرك لله وحده.. وترضى بكل ما يأتيك من عند الله برضى وحب وقبول، وتصبر على ابتلائه.. وتحمد نعمة فهو سبحانه مالك الأمر وبيده الأمر كله وإليه يرجع كل شيء فأمرك كله منه وإليه. . وكلمة حق تقال أن إسقاط التدابير لله.. سلوك عظيم وصعب ولا يقدر عليه إلا المحبون لله.. وأنت في الحج تهيأت نفسياً وقلبياً وروحياً لأن تسعى في طريق الله فلتحظى بأن تكون ممن يسقطون التدابير لله فتنعم بالرضا والأمان. ولو أعددنا الدروس المستفادة من الحج فلن تكفينا السطور ولا الصفحات ولكن نستطيع أن نحصرها في كلمة واحدة هي طريق إلى الخلق القرآني. . والجدير بالذكر أن كل منا يستفيد من رحلة الحج بأشياء ودروس تؤثر على حياته يختلف عن الآخر كل حسب درجة إيمانه وحبه وإخلاصه لله عز وجل وإني على يقين بأن حب الله هو جوهر الأشياء وكلما ازددت حباً لله.. ازددت إخلاصاً له باحثاً عن الطريق إليه.. ساعياً إلى رضاه. . فكن مع الله عز وجل تكن غنياً عزيزاً.. ومن استغنى بالله عز وجل احتاج إليه كل شيء.. وهذا شيء لا يأتي بالتحلي والتمني ولكن بشيء وقر في القلب، وصدقه العمل. والإخلاص هو أساس العبد المؤمن المحب لله، وهو سر من أسرار الله أودعه قلب من أحبه من عباده. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: 5) . والحج المبرور يصاحبه دائماً الإخلاص هبة ومنحة من الله سبحانه وتعالى. والإخلاص من الدروس العظيمة المستفادة في الحج التي يتعلمها الإنسان ويتخذها مسلكاً في حياته. والإخلاص صفة لازمة في كل عمل يؤديه الحاج في رحلة الحج، ويصبح ضرورة في رحلة عمره الباقية لا يستطيع الاستغناء عنها بعد أن تذوق حلاوتها وقيمتها عند الله وهي هبة من الله فحافظ عليها ولا تضيعها بالأنانية والطمع ومتاع الدنيا والظلم والإساءة للغير. . ويستفيد الحاج من مناسك الحج بوجوب الثقة بالله، وأن على الإنسان أن يسعى قدر جهده وأن يخلص في سعيه ويعرف بأنه في الوقت الذي تتذكر فيه الأسباب تذكر أيضاً المسبب فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل. . ومن الدروس المستفادة في الحج ولها أثر كبير على الإنسان والآخرين "التعاون"، ففي الحج نعرف معنى التعاون وقيمته حيث يتحد الجميع في مساعدة أي حاج يحتاج إلى العون سواء كان مريضاً أو مسناً أو أي امرأة أو أي حاج يحتاج إلى الإرشاد والعون في أي شيء. . وفي التعاون تتجلى أمامنا قيمة الحب والمودة والسلام والبعد عن الكراهية والحقد والغيرة والإخاء وللتعاون أهمية كبرى في نشر الوحدة بين الأجناس والأمم والطبقات مما يخلق جو من الألفة بين الناس. قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2) . ويدرب الحج الإنسان على العفو والصفح الجميل فأنت في الحج تتجاوز عن أخطاء البشر، وترتفع بالعفو إلى درجة من درجات الإحسان. ويعتبر الصفح ـ العفو من أقرب الطرق والسلوكيات التي يسلكها الإنسان في طريقه إلى الله. . كما يدرب الحج الإنسان على كظم الغيظ والصبر على الأذى حيث يتعرض في رحلة الحج من شدة الزحام إلى أفعال كان من الممكن أن ينفعل فيها ويعترض ويتأفف ولكنه حباً لله ومرضاة له وحده يتعلم كيف يكظم غيظه ويصبر على من أذاه. . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من كظم غيظه وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً". ونستفيد من الحج ألا نقول إلا الطيب ولا نعمل إلا الصالح الذي يرضى الله، فالصفح والعفو والكلمة الطيبة أبواب الحب والرحمة والنورانية والشفافية والصفاء. قال الله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (النور: 22) . . ومن أجمل الفضائل التي يتعلمها الحاج في رحلة الحج الإحسان وهو فضيلة كبرى وسلوك إنساني عظيم يسلكه العبد المؤمن في طريقه إلى الله، يتأكد به معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من نقاء النفس وإخلاصها في العمل والعبادة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (الإسراء: 7) . والإحسان في الظاهر يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلف به بأمانة من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل عملاً خيراً، فإنه ينسب إليه هذا الفعل ويلقى من الله أفضل الجزاء وهذا يتأكد من الآية الكريمة : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (الرحمن: 60) . والإحسان إيثار وتضحية، وعطاء وبذل للغير عن رضا، لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختياراً لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه. . وبالإحسان يشعر المؤمن شعوراً ملازماً إن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه وكل ما في الدنيا إنما هو منه وإليه فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة استخارها الله تعالى لفعل الخير وعمل المعروف. . والنفس المتسامحة هي النفس القادرة على توقيع الجزاء والقصاص العادل لكنها تنشد الخير فهي نفس محسنة. . وفي الحج يتنافس الحجاج على أعمال البر والإحسان ويكثر الإحسان في موسم الحج وليس الإحسان فقط بالمال وذبح الذبائح، ولكن الكلمة الطيبة إحسان، والعمل الصالح إحسان، والتعاون إحسان، ومساعدة المريض إحسان، ونصرة المظلوم إحسان، وعون الضعيف إحسان، وخدمة المسن إحسان، والعفو عن الناس إحسان، والتصدق إحسان، والمجاهدة إحسان، والعطاء إحسان. . لابد أن تؤثر فيك رحلة الحج وتعود منها صافياً.. نقياً.. طاهراً حاملاً مسئولية كبرى هي مسئولية حب الله والسعي في طريقه، وتبدأ في تطبيق ما استفدته من هذه الرحلة على نفسك أولاً ثم تدعو به غيرك، وهكذا تكن نموذجاً للإنسان المؤمن الصالح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. . واعرف أن الشيطان لن يتركك وسيفعل قصارى جهده معك ليغريك بمتاع الدنيا وشهواتها، ويزين لك المعصية ويبعدك عن طريق الله. . وإنها فرصتك للتغلب عليه ولتنتصر على نفسك الأمارة بالسوء متسلحاً بحب الله وذكر الله وما تعلمته من رحلة عبادة العمر فترتقي إلى مقام النفس المطمئنة التي يرضى عنها الله والمجاهدة في سبيل الله. . وفي رحلة الحج تكثر لحظات الصفاء حيث يصفو الإنسان ويرتقي بقلبه وينشغل بالله وينعم بحب الله وطريق الله فيصل إلى كل ما يتطلبه طريق الصعود والإرتقاء من التوبة والصدق والصفاء والإخلاص والنقاء والرضا والعفو وكظم الغيظ والصبر والشكر والبر والإحسان والتقوى بما يقربه إلى الله. وتبدأ هذه المشاعر الصافية النورانية توجهه على ما هو خير وفاضل وكريم .. توجهه إلى العفو.. وإلى الكرم.. وإلى الرحمة.. وإلى الارتقاء فوق الأحداث.. وإلى الصبر وإلى الشكر فيحمد الله كثيراً على الهُدى ونعمة الإيمان وغيرها من النعم التي أفاض الله بها عليه. . وختاماً أدعو الله أن يقبل حجنا، ويغفر ذنوبنا سالكين طريقه آملين رضاه.. ناشدين رحمته.. طامعين في حبه.. مجتهدين مجاهدين في سبيله.. راجين لأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وخيراً ساعين إلى أن نتوج أنفسنا بأخلاقيات الحج وآدابه المستمدة من توجيهات الله عز وجل وسلوكيات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. . . .
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان...
.

"الإحرام الأبـــــــــــــدي ..! "
ناهـد الخراشي
-بتصرف يسير مني-
.
لاشك أن شعائر ومناسك الحج محدودة ومعروفة لكل حاجة وهي محببة إلى النفس لدرجة أن كل حاجة ستحرص كل الحرص على أن تؤديها بكل الدقة والإخلاص وأن تؤديها على أكمل وجه ولا ينقصها شيء، ولا يشوبها شيء طامعةً في مرضاة الله ومغفرته ورحمته.
.
ورحلة الحج لا تستغرق بشعائرها ومناسكها سوى أياماً معدودات لتعود بعدها الحاجة إلى أعمال الدنيا... ولتواجه السؤال الكبير:

كيف تحافظين على معاني الحج وثوابه؟ .
ويا لها من جملة قد تبدو بسيطة ولكنها عميقة المعنى والأثر..!
نعم فالحج ليس مجرد شعائر وعبادات أديتها وانتهيت منها، إذا كان هذا المقصود فاعلمي أيتها الحاجة إنك قد حججتِ فعلاً إلى أرض الله وفي سبيل الله.
.
ولكن كيف تحجين إلى الله بقية عمرك؟
كيف تعيشين حياتك حاجةً على الدوام؟
هذا السؤال الذي ينبغي أن تعدي نفسك منذ الآن -وقبل حجك- للإجابة عليه.
يجب علينا أن نتعلم كيف يمتد أثر الحج إلى البقية الباقية من عمرنا.
لا نريد بشراً انتهت صلتهم بمعاني الحج بمجرد أن خلعوا ملابس الإحرام. بل نريد أناساً يعيشون معاني الحج وأخلاقه بقية عمرهم... هذا هو الحج الصحيح.. وهذا هو الحج الأبدي الخالد.
.
إن الإجابة على ذلك هو أن يخرج الإنسان من إحرام المظهر إلى إحرام الجوهر ..
كيـــــف؟؟
أنت أيها الحاجة بمجرد أن لبست ملابس الإحرام امتنعتِ عن الكثير من المظاهر الدنيوية السائدة.. امتنعت عن لغو الحديث.. امتنعت عن النظرة المختلسة.. امتنعت عن الغيبة ... عن النميمة... عن الحقد... عن الحسد... عن كل آفات القلب الدنيوي.
.
فاستمري في ذلك بعد خلعك ملابس الإحرام... !
عيشي محرمةً في سلوكك...
عيشي محرمةً في أخلاقياتك...
عيشي محرمةً في لسانك... عيشي محرمةً في قلبك...
ولا بأس عليك عندئذ أن تكون قد خلعت ملابس الإحرام لأنك عندها تنتقلين من إحرام المظهر الزائل إلى إحرام الجوهر الباقي...!
.
هذا هو ما نريده من الحج، وهذا هو ما ينبغي أن ننشده من هذه الرحلة العظيمة...
.
ولكي نساعد أنفسنا على ذلك ينبغي علينا ما يلي:
1. أن يستحضر الإنسان الله دائماً في قلبه حتى وهو مشغول بأعماله الدنيوية فيصبح كل عمل دنيوي مخلصاً لله وتاماً بعون الله..
.
2. أن يداوم العبد على شكر الله على عونه الدائم.. فلا حول ولا قوة إلا بالله... ولا فضل إلا لله أولاً وأخيراً.
.
3. أن يستشعر الإنسان دائماً بأنه لا زال في ملابس الإحرام.. في معية الله..
فما لا ترضي أن تعمليه وأنتِ بملابس الإحرام في كنف الكعبة وبين يدي الله...
حتماً لن ترضي أن تفعليه وأنت أيضاً تستشعرين أنك لا زلت محرمةً ويراقبك الله...
ولما سئل رسول الله مرة عن الإيمان قال صلى الله عليه وسلم:
.
وعن الإحسان قال عليه الصلاة والسلام:
.
والإخلاص سر من أسرار الله استودعه الله قلب من أحبه من عباده...
.
لقد ذهبت أيتها الحاجة. . حاجةً إلى الله مخلصةً في ذلك، فلتعودي كذلك.. في حياتك مخلصةً لله.
بعد الحج...
ستعودين إلى منزلك... فلتتقي الله في أهلك...
علميهم مكارم الأخلاق وأفضلها... علميهم كتاب الله...
حببيهم في الإيمان بالله... علميهم حب الله ودوام ذكره...
علميهم أن المودة والرحمة والألفة والمحبة هي كلها وسائل إلى الله ومن الله...
علميهم كيف يشكرون نعمته بالصلاة والزكاة وصلة الرحم، وعلميهم أن الإنسان مهما طال عمره فهو إلى الله.
.
بعد الحج...
ستعودين إلى عملك... فتذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اتقي الله في عملك وأتقنيه مهما صغر شأنه ..
لأن العمل ليس بحجمه ولكن بإتقانه...
العمل الكبير هو كذلك بمدى إتقانك له ودون ذلك يصبح عديم الفائدة...
عملك أمانة فلتؤديها على أكمل وجه كما أديتِ فريضة الحج... وتذكري أن كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته...
في بيتك راعية، وفي عملك راعية ومسؤولة أمام الله عن رعيتك، وتذكري أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
.
بعد الحج...
ستعودين إلى جيرانك، فتذكري حق الجار عليك من مودة وألفة وحسن الجوار..
وبعد الحج...
ستعودين وقد تحتاجين للسير في شوارع المدينة فتذكري حق الطريق... وآدابه وتذكري أن من الإيمان إماطة الأذى عن الطريق..
.
بعد الحج...
ستعودين إلى والديك فتذكري قول الله سبحانه وتعالى:
{فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً}
(الإسراء: 23)
{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيراً} (الإسراء: 24)
واتقي الله فيهما كما اتقوه فيك...
.
بعد الحج...
ستعودين إلى مخالطة الناس من صديقات وزميلات ومعارف... فليكن عنوانك بينهم مكارم الأخلاق وأفضلها ولتتذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
.
تحلي بالصبر والعفو عند المقدرة وأحسني يحسن الله إليك ولتكوني كما وصف الله المؤمنين في كتابه الحكيم:
{أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح: 29)
.
لن تكفينا صحف الأرض لكي نعد ما يمكن أن نكون عليه بعد الحج ولكننا نلخص ذلك بالقول...
" فلنكن محرمين "
.
ولقد ذهبتِ وأنت حريصة كل الحرص على أن تكوني محسنةً في كل ما تفعلينه...
فلتعودي بعد الحج كذلك بقية حياتك محسنةً خلوقةً... تعبدين الله كأنك ترينه.
هذا هو الحج الحقيقي.. سلوكاً وخلقاً ومعنى.
وهذا هو الحج الأبدي الخالد.
.
فهل تحبين أن يكون حجك كذلك؟

الإجابة بك ومنك وإليك.
.
.
مروج الذهب
مروج الذهب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام

جزاكِ الله خيراً حبيبتي في الله قهوة بالبندق على هذا الملف المميز

وبارك الله فيكِ

وجعله الله في ميزان حسناتك

أختك ومحبتك في الله :- مروج الذهب
قهوة بالبندق
قهوة بالبندق
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان فائدة واستفادة يتأثر بها وتؤثر في جوانب حياته تأثيراً فعالاً حيث يدرك أن كل لحظة في حياته تشهد تغيراً مؤثراً يعود على حياته بالارتقاء في طريق الله. . وعطاء الله .. فياضٌ ممدود لا ينتهي ولا يقف عند حد .. ولقد جعل سبحانه عطاءه يختلف من شخص إلى آخر، ومن شيء إلى آخر بما يسمح به الله ويأذن حتى يأخذ كل إنسان من عطاء الله كل على قدر درجة إيمانه بالله، وحبه لله، وإخلاصه في طريق الله. . وإذا سمحنا لأنفسنا أن نتحدث عن الله، وتركنا لأقلامنا العنان لتسطر عطاء الله، وفتحنا لقلوبنا الطريق لتنبض بحب الله وتلمس حنان الله فستشعر بالرهبة والخشوع والنور يملأ وجداننا والصفاء يحيط بنا ونصل في النهاية إلى العجز .. العجز عن الحديث عن الله .. والعجز عن وصف عطاء الله .. العجز عن التعبير عن فيض الله وعظمة آيات الحب الرباني وروعة لمسات الحنان الإلهي مما يقودنا إلى الإيمان بالله والسجود لله الواحد القهار حامدين شاكرين الله مؤمنين عارفين ذاكرين فضل الله علينا ولولا فضل الله علينا ورحمته لكنا من الخاسرين. . يسجد القلب الإنساني لله الواحد الرحمن، ويلهث وتعلو صوت دقاته التي تنبض بسرعة شديدة متسابقاً مع الزمن في حب الله محاولاً أن يسبق القلم ويقفز فوق السطور، وكأنه يريد أن يحفر بداخله ويحفظ الكلمات التي تهبط عليه خائفاً من فقدانها متمنياً أن يسجل ويثبت المشاعر والأحاسيس التي يتفاعل بها ويهتز لها ويذوب معها سابحاً في إشراقات النور التي هي هبة من عند الله .. وفيضاً من فيوضات عطائه. . والحج هو إحدى العبادات التي تتميز بعطاء يختلف من شخص إلى آخر.. وفيه تتجلى الفيوضات الربانية.. وبه يتغير العبد المؤمن سلوكاً وخلقاً فيمنحه الله عز وجل البركة في حياته هبة ومنحة منه سبحانه. . وللحج خصوصية.. فهو تجمع عقدي فذ ومؤتمر عالمي فريد دعا إليه رب واحد، وحدد دوراته في زمان واحد، ورسم منهجه بكتاب واحد على رسول واحد، واستجاب له المؤمنون بزي واحد وقصد واحد، وفي جلال هذه الوحدة انصهرت الأجناس والألوان واللغات، وذابت العصبيات والبيئات والطبقات، فلا نسب إلا إلى الإسلام ولا حسب إلا في الإيمان. . وتلك خصوصية يحب أن تستغل تعارفاً يربط الشعوب بالمودة وتآلفاً بين الأجناس والتراحم، وحتى يقف كل مسلم على وضع إخوانه في كل بلد وعلى خط دينه في كل إقليم وحينئذ تتعاون الطاقات وتتكامل الإمكانات، يصبح المسلمون كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهناك معنى ذو قيمة يجب أن يستوعبه الحاج في رحلته إلى الأراضي المقدسة وهو: أن الحج رحلة واحدة في الحياة الإيمانية يكفي المسلم أن يقوم بها في العمر مرة واحدة ليترك نعمة المنعم نفسه وقد تساوى مع غيره من عباد الله الذين جاءوا لتلبية نداء الحق: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) (آل عمران:97) فلا يعرف أحد غيره بمقادير وألقاب، فلقد أصبح الخفير بجوار الوزير، الغني مع الفقير، فقد صار الكل سواء في بيت الحق ولا فرق بين أحد وآخر إلا من اتقى وعمل عملاً صالحاً. . فالتقوى هي الميزان .. وهي ما يميز عبد عن آخر بصرف النظر عن لقبه أو مركزه أو حسبه أو نسبه. وللحج فوائد نفسية عظيمة الشأن ودروس مستفادة إذا استفاد منها الإنسان حق الاستفادة مما يؤثر على حياته وسلوكه وأخلاقه وطريقه في هذه الدنيا فينال ثواب الله في الحياة الدنيا والآخرة.. يستطيع أن يحقق لنفسه ولمن حوله الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة، ويصل إلى سر السعادة الكاملة وينعم بالأمن النفسي والسكينة، ويرفرف السلام الروحي أجنحته على قلبه وفؤاده فيهرب الضياع والقلق من حياته ويمن الله عليه بالبركة في كل شيء في حياته فيشعر بالرضا يملأه، والقناعة تحتويه، والسلامة تسكنه. . . ولكن ما هي هذه الدروس التي يتعلمها ويستفيدها الإنسان من رحلة الحج، وما هي الفوائد التي تجلب له كل هذا الخير وهذه المنافع الجميلة؟ . إن زيارة المسلم لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، ولمنازل الوحي، وأماكن البطولات الإسلامية تمد المسلم بطاقة روحية تزيل عنه كرب الحياة وهمومها، وتغمره بشعور عظيم من الأمن والطمأنينة والسعادة. . ويدرب الحج الإنسان على تحمل المشاق والتعب وعلى التواضع حيث يتساوى جميع الناس الغني فيها والفقير، والسيد والمسود والحاكم والمحكوم، وهو يقوي روابط الأخوة في جميع المسلمين من مختلف الأجناس والأمم والطبقات الاجتماعية حيث يجتمعون جميعاً في مكان واحد وزمان واحد يعبدون الله ويبتهلون إليه ويتضرعون. . وفي الحج تدريب للإنسان على ضبط النفس والتحكم في شهواتها واندفاعاتها إذ يتنزه الحاج على الجدل والخصام والشحناء والسباب عن المعاصي وكل ما ينهي الله عنه، وفي ذلك تدريب للإنسان على ضبط النفس وعلى السلوك المهذب، وعلى معاملة الناس بالحسنى وعلى فعل الخير. قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة: 197) . فالحج على هذا الأساس هو جهاد للنفس يجتهد فيه الإنسان حيث يهذب نفسه، ويقاوم أهواءه واندفاعاته، ويدرب نفسه على تحمل المشاق وعلى فعل الخير وحب الناس. . إن الحج فرصة عظيمة للنفس اللاهية، والقلب الغافل، وللإنسان لكي يغير من مألوفات العادات والطباع الرذيلة والمستقبحة ويغسل نفسه من أوحال الرفث والفسوق والعصيان والجدال. . كما أنه باب مفتوح للنفس لكي تعيد حساباتها، وترجع عن غيها، ليعتدل أمرها، وتهجر فسوقها، وعنادها لتدخل في طاعة الله. . وفي عمل الحاج بأمر الله تنزيه لشعائره ومناسكه تعالى فضلاً عن أن طاعة الله تساعد الإنسان على الابتعاد تماماً عن الآثام والخطايا في هذه الفترة الزمنية، الأمر الذي يكسبه عادات جديدة وأخلاقاً طيبة، وفريضة الحج تلعب دوراً عظيماً في التوازن والاعتدال والقسط والقصد والقوامة. . كما أن الحج يفرغ المسلم من الهموم، إذ يقف أمام الله مجرداً عن حظوظ نفسه فيسكن قلبه، ويطمئن بذكر الله كما تفرغ النفس من الهوى عندما تنصرف بالكلية إلى الله وتلتفت عن ما دونه. وكذلك تطالب النفس في الحج بالبذل والإيثار والإنفاق وتنزيه الله بإخلاص النية، وهذا من أفضل ثمرات الحج على النفس. . ويتعلم الإنسان من الحج الصبر والشكر حيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين، فمن الممكن أن يتعرض أثناء الحج إلى الأذى من الغير سواء بالقول أو بالفعل ومن شدة الزحام يتعرض إلى الدفع أو الضرب بالأيدي، ولكي يحصل على مرضاة الله وحتى لا يفسد حجه، عليه ألا يعترض أو يتأفف وأن يصبر على ذلك صبراً جميلاً حباً لله، والصبر على الأذى درجة من درجات الإحسان. . وفي الصبر فائدة عظيمة في تربية النفس وتقوية الشخصية وزيادة قدرة الإنسان على تحمل المشاق. فالصبر هو القوة الدافعة والشحنة الواقية لنا في السلوك فهو يدفعنا إلى العمل الصالح والخير الفاضل ويقينا من الوقوع في حبائل الشيطان فنقع في الإثم والخطأ والعدوان فنضل ونشقى. . إن الصبر هو المعرفة الحقة والمسلك الواقعي الذي إذا اتخذه الإنسان في حياته شعر بقوة كبرى تسري في كيانه كله يستمدها من الله عز وجل وتمنحه الإحساس بأنه في طريق الصبر حباً في الله.. وطاعة له تعالى وطمعاً في رحمته وثوابه حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَبَشّرِ الصَابرين) فيهنأ بالرضا والأمان والاستقرار النفسي وينعم بالسكينة والطمأنينة القلبية فيشعر بالسعادة النفسية والروحية. . ففي الحج جهاد يسعى إليه الإنسان تقرباً إلى الله ولمرضاة الله، ومن صفات الجهاد الصبر والهدوء والحكمة والثبات وقدرة التحكم على الانفعال وكلها مواصفات تتطلب سلوكيات خاصة وأخلاقيات عالية.. وهذا هو ما يتطلبه الحج ومن أخلاقياته وسماته. . وكما يدرب الحج الإنسان على الصبر يدربه أيضاً على الشكر، والصبر برضا يكون مقروناً دائماً بحمد وشكر الله عز وجل في السراء والضراء. ويربط الله سبحانه وتعالى الشكر بالصبر في قوله: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (إبراهيم: 5) والشكر سلوك عظيم ينطوي على إيمان كامل بالله ووحدانيته وقدرته وكماله، وتصديق كامل بنعمة الله وإحسانه المطلق على عبده المؤمن. فالشكر إذن هو ثمرة من ثمرات التقوى والإيمان وسبيل من سبل القرب إلى الله. . ومن أكبر وأجمل لمسات الحنان الإلهي على عبده المؤمن توفيق الله وهدايته سبحانه له كي يشكره ويحمده على نعمه وفضله، وبالرغم من شكر هذا العبد الدائم لله على فضله وإحسانه إلا أنه يشعر ويحس بالعجز عن شكر الله، وأن كل ما يؤديه من أقسام الشكر لله غير كاف وعاجز عن التعبير عن شكره الحقيقي الكامن في فؤاده.. في كيانه كله.. ولقد قيل أن داوود عليه السلام قال: "إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك" فأوحى الله إليه: "الآن قد شكرتني" فإن العجز عن الشكر سلوك طبيعي يحس به العبد المؤمن الشكور لله لأنه يشعر بأن كل شيءيسلكه في الحياة شكراً لله أقل بكثير من حقيقة الشكر التي يجب أن يقدمها ويؤديها لله عز وجل...! . وفي الحقيقة أن حمد الله وشكره من الصفات التي يحرص العبد المؤمن أن يطبع نفسه بها إيماناً منه بأن الإنسان الذي يسير في طريق الله ويتمتع وينعم الله عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، ويشعر بلمسات الحنان الإلهي عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، وفي كل جانب من جوانب حياته فإنه ولابد أن يشكر الله سبحانه وتعالى في كل لحظة. . ولم يكتف العبد المؤمن بشكر الله في السراء ولكن يشكره أيضاً في الضراء ويرى أن الله تلطف معه ويشعر بلمسات تلطفه له فيحمده على هذا التلطف الإلهي وحفظه له من هلاك كان من الممكن أن يودي بحياته لولا تلطف الله به ورحمته عليه ولمسات حنانه له. . ويعرف العبد المحب لله بأن شكر الله لا يكون فقط باللسان والقلب والجوارح وإنما بسلوكه وعمله، فإن فضل الله عليه عظيم وأقل شئ ممكن أن يقدمه شكراً لله هو محافظته على عبادته وحرصه على حمد الله وشكره في كل لحظة ثم سلوكه إلى الله الذي يعتبر نوعاً من أنواع الشكر لله فيجب أن يرتقى بسلوكه ويرتفع فوق الأحداث ويتعامل مع جميع الأمور بما يُرضي الله آملاً في حبه، طامعاً في رحمته، ناشداً رضاه. . ويوجه الله سبحانه وتعالى العبد ذو القلب المحب لله الشاكر له على الدوام إلى طريقه ويهديه إلى سبيله ويجد هذا العبد دون أن يدري أن الله فتح له أبواب في سبيله ليسلكها ويسير في هداها حتى يفوز بثواب الله له ويحمد الله كثيراً على فضله ونعمته الكبرى. (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69) . وفي الحج تتجلى آيات الشكر وحمد الله سبحانه وتعالى حيث يكثر الحاج من حمد الله عز وجل على نعمه وفضله ومن أكبر النعم التي يحرص الحاج فيها على شكر الله نعمة الحج حيث أعانه الله وفتح له باب الدعوة إلى الحج ووفقه وأعانه على الحج. . وعندما يصل الحاج إلى درجة الصبر على الأذى وشكر الله في السراء والضراء يتسم بالهدوء ويشعر بالود مع كل شيء يبدأ يسعى إلى محاولة التحلي بالأخلاق القرآنية والآداب الإسلامية ويجب أن يكون المسلم قدوة في سلوكه ما دام أصبح مقروناً بدين الإسلام. . ويتعلم الإنسان من رحلة الحج الصدق وتشعر أيها الحاج بالراحة والطمأنينة عندما يكون سلوكك قولاً وفعلاً هو الصدق لأنك لا تعبأ بأي شيء.. ولا تهتم ولا تخاف ولا تخشى إلا الله سبحانه وتعالى. . والصدق هو الإخبار عن الشيء بما هو عليه، وإظهاره على حقيقته وهو من الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكتب عند الله صادقاً، صديقاً ويفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى فالعباد المقربون هم العباد الصادقون. . والصدق على الحقيقة هو الفضيلة الأساسية للحياة الإنسانية، ولقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الصدق، وكان الصحابة يؤثرون الصدق مهما كان وراءه من الألم والصعاب لأن الكذب لا يدعم الإنسان ولا يُنشئ الأخلاق، ولا يُقيم الأمم ولا المجتمعات. . والصادق من صدق في أقواله، والصديق من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.. ومن أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119) ويرتبط الصدق دائماً بالإخلاص والصبر ارتباطاً قوياً، وإذا صدق الإنسان في النية والقول والعمل فهو بالتالي سيتمتع بالإخلاص في النية والقول والعمل، والإخلاص والصدق يقودان بلا شك إلى الصبر لأن من صدق أخلص، ومن صدق وأخلص أصبح الصبر صفة ملازمة له حيث أن الصبر يستلزم أن يكون الإنسان صادقاً مخلصاً. . . وفي الحج ينعم الإنسان بالرضا حيث يرضى بكل شيء يأتيه أو يعتريه .. ويصاحب الرضا دائماً الشعور بالسكينة ويحتوى السلام نفس الإنسان ويغلب على جوانحه ويتعجب لماذا كان ينفعل ويثور..؟! لماذا كان يغضب ويترك لانفعالاته الجامحة العنان مما يجعله يؤذي غيره..؟! لماذا كان يعترض.. ويتأفف..؟! لماذا لم يشعر بالألم نحو إخوانه الذين كانوا في حاجة إليه..؟! كيف سولت له نفسه أن يغضب الله ويظلم غيره..؟ لماذا كان حاله عدم الرضا عن أي شيء..! . هنا في الحج، وفي عرفة، وعند طواف بيت الله الحرام، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحاج معنى الرضا وقيمته وحلاوته والرضا لمن يرضى. . ومن الدروس المستفادة الجميلة في رحلة الحج التي يتعلمها الإنسان وتؤثر على جميع جوانب حياته إسقاط التدابير لله.. نعم فلا تدبر لشيء وتسلم نفسك وأمرك لله وحده.. وترضى بكل ما يأتيك من عند الله برضى وحب وقبول، وتصبر على ابتلائه.. وتحمد نعمة فهو سبحانه مالك الأمر وبيده الأمر كله وإليه يرجع كل شيء فأمرك كله منه وإليه. . وكلمة حق تقال أن إسقاط التدابير لله.. سلوك عظيم وصعب ولا يقدر عليه إلا المحبون لله.. وأنت في الحج تهيأت نفسياً وقلبياً وروحياً لأن تسعى في طريق الله فلتحظى بأن تكون ممن يسقطون التدابير لله فتنعم بالرضا والأمان. ولو أعددنا الدروس المستفادة من الحج فلن تكفينا السطور ولا الصفحات ولكن نستطيع أن نحصرها في كلمة واحدة هي طريق إلى الخلق القرآني. . والجدير بالذكر أن كل منا يستفيد من رحلة الحج بأشياء ودروس تؤثر على حياته يختلف عن الآخر كل حسب درجة إيمانه وحبه وإخلاصه لله عز وجل وإني على يقين بأن حب الله هو جوهر الأشياء وكلما ازددت حباً لله.. ازددت إخلاصاً له باحثاً عن الطريق إليه.. ساعياً إلى رضاه. . فكن مع الله عز وجل تكن غنياً عزيزاً.. ومن استغنى بالله عز وجل احتاج إليه كل شيء.. وهذا شيء لا يأتي بالتحلي والتمني ولكن بشيء وقر في القلب، وصدقه العمل. والإخلاص هو أساس العبد المؤمن المحب لله، وهو سر من أسرار الله أودعه قلب من أحبه من عباده. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: 5) . والحج المبرور يصاحبه دائماً الإخلاص هبة ومنحة من الله سبحانه وتعالى. والإخلاص من الدروس العظيمة المستفادة في الحج التي يتعلمها الإنسان ويتخذها مسلكاً في حياته. والإخلاص صفة لازمة في كل عمل يؤديه الحاج في رحلة الحج، ويصبح ضرورة في رحلة عمره الباقية لا يستطيع الاستغناء عنها بعد أن تذوق حلاوتها وقيمتها عند الله وهي هبة من الله فحافظ عليها ولا تضيعها بالأنانية والطمع ومتاع الدنيا والظلم والإساءة للغير. . ويستفيد الحاج من مناسك الحج بوجوب الثقة بالله، وأن على الإنسان أن يسعى قدر جهده وأن يخلص في سعيه ويعرف بأنه في الوقت الذي تتذكر فيه الأسباب تذكر أيضاً المسبب فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل. . ومن الدروس المستفادة في الحج ولها أثر كبير على الإنسان والآخرين "التعاون"، ففي الحج نعرف معنى التعاون وقيمته حيث يتحد الجميع في مساعدة أي حاج يحتاج إلى العون سواء كان مريضاً أو مسناً أو أي امرأة أو أي حاج يحتاج إلى الإرشاد والعون في أي شيء. . وفي التعاون تتجلى أمامنا قيمة الحب والمودة والسلام والبعد عن الكراهية والحقد والغيرة والإخاء وللتعاون أهمية كبرى في نشر الوحدة بين الأجناس والأمم والطبقات مما يخلق جو من الألفة بين الناس. قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2) . ويدرب الحج الإنسان على العفو والصفح الجميل فأنت في الحج تتجاوز عن أخطاء البشر، وترتفع بالعفو إلى درجة من درجات الإحسان. ويعتبر الصفح ـ العفو من أقرب الطرق والسلوكيات التي يسلكها الإنسان في طريقه إلى الله. . كما يدرب الحج الإنسان على كظم الغيظ والصبر على الأذى حيث يتعرض في رحلة الحج من شدة الزحام إلى أفعال كان من الممكن أن ينفعل فيها ويعترض ويتأفف ولكنه حباً لله ومرضاة له وحده يتعلم كيف يكظم غيظه ويصبر على من أذاه. . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من كظم غيظه وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً". ونستفيد من الحج ألا نقول إلا الطيب ولا نعمل إلا الصالح الذي يرضى الله، فالصفح والعفو والكلمة الطيبة أبواب الحب والرحمة والنورانية والشفافية والصفاء. قال الله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (النور: 22) . . ومن أجمل الفضائل التي يتعلمها الحاج في رحلة الحج الإحسان وهو فضيلة كبرى وسلوك إنساني عظيم يسلكه العبد المؤمن في طريقه إلى الله، يتأكد به معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من نقاء النفس وإخلاصها في العمل والعبادة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (الإسراء: 7) . والإحسان في الظاهر يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلف به بأمانة من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل عملاً خيراً، فإنه ينسب إليه هذا الفعل ويلقى من الله أفضل الجزاء وهذا يتأكد من الآية الكريمة : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (الرحمن: 60) . والإحسان إيثار وتضحية، وعطاء وبذل للغير عن رضا، لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختياراً لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه. . وبالإحسان يشعر المؤمن شعوراً ملازماً إن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه وكل ما في الدنيا إنما هو منه وإليه فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة استخارها الله تعالى لفعل الخير وعمل المعروف. . والنفس المتسامحة هي النفس القادرة على توقيع الجزاء والقصاص العادل لكنها تنشد الخير فهي نفس محسنة. . وفي الحج يتنافس الحجاج على أعمال البر والإحسان ويكثر الإحسان في موسم الحج وليس الإحسان فقط بالمال وذبح الذبائح، ولكن الكلمة الطيبة إحسان، والعمل الصالح إحسان، والتعاون إحسان، ومساعدة المريض إحسان، ونصرة المظلوم إحسان، وعون الضعيف إحسان، وخدمة المسن إحسان، والعفو عن الناس إحسان، والتصدق إحسان، والمجاهدة إحسان، والعطاء إحسان. . لابد أن تؤثر فيك رحلة الحج وتعود منها صافياً.. نقياً.. طاهراً حاملاً مسئولية كبرى هي مسئولية حب الله والسعي في طريقه، وتبدأ في تطبيق ما استفدته من هذه الرحلة على نفسك أولاً ثم تدعو به غيرك، وهكذا تكن نموذجاً للإنسان المؤمن الصالح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. . واعرف أن الشيطان لن يتركك وسيفعل قصارى جهده معك ليغريك بمتاع الدنيا وشهواتها، ويزين لك المعصية ويبعدك عن طريق الله. . وإنها فرصتك للتغلب عليه ولتنتصر على نفسك الأمارة بالسوء متسلحاً بحب الله وذكر الله وما تعلمته من رحلة عبادة العمر فترتقي إلى مقام النفس المطمئنة التي يرضى عنها الله والمجاهدة في سبيل الله. . وفي رحلة الحج تكثر لحظات الصفاء حيث يصفو الإنسان ويرتقي بقلبه وينشغل بالله وينعم بحب الله وطريق الله فيصل إلى كل ما يتطلبه طريق الصعود والإرتقاء من التوبة والصدق والصفاء والإخلاص والنقاء والرضا والعفو وكظم الغيظ والصبر والشكر والبر والإحسان والتقوى بما يقربه إلى الله. وتبدأ هذه المشاعر الصافية النورانية توجهه على ما هو خير وفاضل وكريم .. توجهه إلى العفو.. وإلى الكرم.. وإلى الرحمة.. وإلى الارتقاء فوق الأحداث.. وإلى الصبر وإلى الشكر فيحمد الله كثيراً على الهُدى ونعمة الإيمان وغيرها من النعم التي أفاض الله بها عليه. . وختاماً أدعو الله أن يقبل حجنا، ويغفر ذنوبنا سالكين طريقه آملين رضاه.. ناشدين رحمته.. طامعين في حبه.. مجتهدين مجاهدين في سبيله.. راجين لأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وخيراً ساعين إلى أن نتوج أنفسنا بأخلاقيات الحج وآدابه المستمدة من توجيهات الله عز وجل وسلوكيات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. . . .
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان...
مشرفتنا الفاضلة : مروج الذهب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أحبكِ المولى وبارك فيكِ وقبل صالح عملك ورزقك على منحكِ هذا الملف وسام التميز تميزاً ورفعة في العلم والعمل الصالح ومراتب الجنات.. اللهم آمين،،
قهوة بالبندق
قهوة بالبندق
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان فائدة واستفادة يتأثر بها وتؤثر في جوانب حياته تأثيراً فعالاً حيث يدرك أن كل لحظة في حياته تشهد تغيراً مؤثراً يعود على حياته بالارتقاء في طريق الله. . وعطاء الله .. فياضٌ ممدود لا ينتهي ولا يقف عند حد .. ولقد جعل سبحانه عطاءه يختلف من شخص إلى آخر، ومن شيء إلى آخر بما يسمح به الله ويأذن حتى يأخذ كل إنسان من عطاء الله كل على قدر درجة إيمانه بالله، وحبه لله، وإخلاصه في طريق الله. . وإذا سمحنا لأنفسنا أن نتحدث عن الله، وتركنا لأقلامنا العنان لتسطر عطاء الله، وفتحنا لقلوبنا الطريق لتنبض بحب الله وتلمس حنان الله فستشعر بالرهبة والخشوع والنور يملأ وجداننا والصفاء يحيط بنا ونصل في النهاية إلى العجز .. العجز عن الحديث عن الله .. والعجز عن وصف عطاء الله .. العجز عن التعبير عن فيض الله وعظمة آيات الحب الرباني وروعة لمسات الحنان الإلهي مما يقودنا إلى الإيمان بالله والسجود لله الواحد القهار حامدين شاكرين الله مؤمنين عارفين ذاكرين فضل الله علينا ولولا فضل الله علينا ورحمته لكنا من الخاسرين. . يسجد القلب الإنساني لله الواحد الرحمن، ويلهث وتعلو صوت دقاته التي تنبض بسرعة شديدة متسابقاً مع الزمن في حب الله محاولاً أن يسبق القلم ويقفز فوق السطور، وكأنه يريد أن يحفر بداخله ويحفظ الكلمات التي تهبط عليه خائفاً من فقدانها متمنياً أن يسجل ويثبت المشاعر والأحاسيس التي يتفاعل بها ويهتز لها ويذوب معها سابحاً في إشراقات النور التي هي هبة من عند الله .. وفيضاً من فيوضات عطائه. . والحج هو إحدى العبادات التي تتميز بعطاء يختلف من شخص إلى آخر.. وفيه تتجلى الفيوضات الربانية.. وبه يتغير العبد المؤمن سلوكاً وخلقاً فيمنحه الله عز وجل البركة في حياته هبة ومنحة منه سبحانه. . وللحج خصوصية.. فهو تجمع عقدي فذ ومؤتمر عالمي فريد دعا إليه رب واحد، وحدد دوراته في زمان واحد، ورسم منهجه بكتاب واحد على رسول واحد، واستجاب له المؤمنون بزي واحد وقصد واحد، وفي جلال هذه الوحدة انصهرت الأجناس والألوان واللغات، وذابت العصبيات والبيئات والطبقات، فلا نسب إلا إلى الإسلام ولا حسب إلا في الإيمان. . وتلك خصوصية يحب أن تستغل تعارفاً يربط الشعوب بالمودة وتآلفاً بين الأجناس والتراحم، وحتى يقف كل مسلم على وضع إخوانه في كل بلد وعلى خط دينه في كل إقليم وحينئذ تتعاون الطاقات وتتكامل الإمكانات، يصبح المسلمون كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهناك معنى ذو قيمة يجب أن يستوعبه الحاج في رحلته إلى الأراضي المقدسة وهو: أن الحج رحلة واحدة في الحياة الإيمانية يكفي المسلم أن يقوم بها في العمر مرة واحدة ليترك نعمة المنعم نفسه وقد تساوى مع غيره من عباد الله الذين جاءوا لتلبية نداء الحق: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) (آل عمران:97) فلا يعرف أحد غيره بمقادير وألقاب، فلقد أصبح الخفير بجوار الوزير، الغني مع الفقير، فقد صار الكل سواء في بيت الحق ولا فرق بين أحد وآخر إلا من اتقى وعمل عملاً صالحاً. . فالتقوى هي الميزان .. وهي ما يميز عبد عن آخر بصرف النظر عن لقبه أو مركزه أو حسبه أو نسبه. وللحج فوائد نفسية عظيمة الشأن ودروس مستفادة إذا استفاد منها الإنسان حق الاستفادة مما يؤثر على حياته وسلوكه وأخلاقه وطريقه في هذه الدنيا فينال ثواب الله في الحياة الدنيا والآخرة.. يستطيع أن يحقق لنفسه ولمن حوله الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة، ويصل إلى سر السعادة الكاملة وينعم بالأمن النفسي والسكينة، ويرفرف السلام الروحي أجنحته على قلبه وفؤاده فيهرب الضياع والقلق من حياته ويمن الله عليه بالبركة في كل شيء في حياته فيشعر بالرضا يملأه، والقناعة تحتويه، والسلامة تسكنه. . . ولكن ما هي هذه الدروس التي يتعلمها ويستفيدها الإنسان من رحلة الحج، وما هي الفوائد التي تجلب له كل هذا الخير وهذه المنافع الجميلة؟ . إن زيارة المسلم لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، ولمنازل الوحي، وأماكن البطولات الإسلامية تمد المسلم بطاقة روحية تزيل عنه كرب الحياة وهمومها، وتغمره بشعور عظيم من الأمن والطمأنينة والسعادة. . ويدرب الحج الإنسان على تحمل المشاق والتعب وعلى التواضع حيث يتساوى جميع الناس الغني فيها والفقير، والسيد والمسود والحاكم والمحكوم، وهو يقوي روابط الأخوة في جميع المسلمين من مختلف الأجناس والأمم والطبقات الاجتماعية حيث يجتمعون جميعاً في مكان واحد وزمان واحد يعبدون الله ويبتهلون إليه ويتضرعون. . وفي الحج تدريب للإنسان على ضبط النفس والتحكم في شهواتها واندفاعاتها إذ يتنزه الحاج على الجدل والخصام والشحناء والسباب عن المعاصي وكل ما ينهي الله عنه، وفي ذلك تدريب للإنسان على ضبط النفس وعلى السلوك المهذب، وعلى معاملة الناس بالحسنى وعلى فعل الخير. قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة: 197) . فالحج على هذا الأساس هو جهاد للنفس يجتهد فيه الإنسان حيث يهذب نفسه، ويقاوم أهواءه واندفاعاته، ويدرب نفسه على تحمل المشاق وعلى فعل الخير وحب الناس. . إن الحج فرصة عظيمة للنفس اللاهية، والقلب الغافل، وللإنسان لكي يغير من مألوفات العادات والطباع الرذيلة والمستقبحة ويغسل نفسه من أوحال الرفث والفسوق والعصيان والجدال. . كما أنه باب مفتوح للنفس لكي تعيد حساباتها، وترجع عن غيها، ليعتدل أمرها، وتهجر فسوقها، وعنادها لتدخل في طاعة الله. . وفي عمل الحاج بأمر الله تنزيه لشعائره ومناسكه تعالى فضلاً عن أن طاعة الله تساعد الإنسان على الابتعاد تماماً عن الآثام والخطايا في هذه الفترة الزمنية، الأمر الذي يكسبه عادات جديدة وأخلاقاً طيبة، وفريضة الحج تلعب دوراً عظيماً في التوازن والاعتدال والقسط والقصد والقوامة. . كما أن الحج يفرغ المسلم من الهموم، إذ يقف أمام الله مجرداً عن حظوظ نفسه فيسكن قلبه، ويطمئن بذكر الله كما تفرغ النفس من الهوى عندما تنصرف بالكلية إلى الله وتلتفت عن ما دونه. وكذلك تطالب النفس في الحج بالبذل والإيثار والإنفاق وتنزيه الله بإخلاص النية، وهذا من أفضل ثمرات الحج على النفس. . ويتعلم الإنسان من الحج الصبر والشكر حيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين، فمن الممكن أن يتعرض أثناء الحج إلى الأذى من الغير سواء بالقول أو بالفعل ومن شدة الزحام يتعرض إلى الدفع أو الضرب بالأيدي، ولكي يحصل على مرضاة الله وحتى لا يفسد حجه، عليه ألا يعترض أو يتأفف وأن يصبر على ذلك صبراً جميلاً حباً لله، والصبر على الأذى درجة من درجات الإحسان. . وفي الصبر فائدة عظيمة في تربية النفس وتقوية الشخصية وزيادة قدرة الإنسان على تحمل المشاق. فالصبر هو القوة الدافعة والشحنة الواقية لنا في السلوك فهو يدفعنا إلى العمل الصالح والخير الفاضل ويقينا من الوقوع في حبائل الشيطان فنقع في الإثم والخطأ والعدوان فنضل ونشقى. . إن الصبر هو المعرفة الحقة والمسلك الواقعي الذي إذا اتخذه الإنسان في حياته شعر بقوة كبرى تسري في كيانه كله يستمدها من الله عز وجل وتمنحه الإحساس بأنه في طريق الصبر حباً في الله.. وطاعة له تعالى وطمعاً في رحمته وثوابه حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَبَشّرِ الصَابرين) فيهنأ بالرضا والأمان والاستقرار النفسي وينعم بالسكينة والطمأنينة القلبية فيشعر بالسعادة النفسية والروحية. . ففي الحج جهاد يسعى إليه الإنسان تقرباً إلى الله ولمرضاة الله، ومن صفات الجهاد الصبر والهدوء والحكمة والثبات وقدرة التحكم على الانفعال وكلها مواصفات تتطلب سلوكيات خاصة وأخلاقيات عالية.. وهذا هو ما يتطلبه الحج ومن أخلاقياته وسماته. . وكما يدرب الحج الإنسان على الصبر يدربه أيضاً على الشكر، والصبر برضا يكون مقروناً دائماً بحمد وشكر الله عز وجل في السراء والضراء. ويربط الله سبحانه وتعالى الشكر بالصبر في قوله: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (إبراهيم: 5) والشكر سلوك عظيم ينطوي على إيمان كامل بالله ووحدانيته وقدرته وكماله، وتصديق كامل بنعمة الله وإحسانه المطلق على عبده المؤمن. فالشكر إذن هو ثمرة من ثمرات التقوى والإيمان وسبيل من سبل القرب إلى الله. . ومن أكبر وأجمل لمسات الحنان الإلهي على عبده المؤمن توفيق الله وهدايته سبحانه له كي يشكره ويحمده على نعمه وفضله، وبالرغم من شكر هذا العبد الدائم لله على فضله وإحسانه إلا أنه يشعر ويحس بالعجز عن شكر الله، وأن كل ما يؤديه من أقسام الشكر لله غير كاف وعاجز عن التعبير عن شكره الحقيقي الكامن في فؤاده.. في كيانه كله.. ولقد قيل أن داوود عليه السلام قال: "إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك" فأوحى الله إليه: "الآن قد شكرتني" فإن العجز عن الشكر سلوك طبيعي يحس به العبد المؤمن الشكور لله لأنه يشعر بأن كل شيءيسلكه في الحياة شكراً لله أقل بكثير من حقيقة الشكر التي يجب أن يقدمها ويؤديها لله عز وجل...! . وفي الحقيقة أن حمد الله وشكره من الصفات التي يحرص العبد المؤمن أن يطبع نفسه بها إيماناً منه بأن الإنسان الذي يسير في طريق الله ويتمتع وينعم الله عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، ويشعر بلمسات الحنان الإلهي عليه ويشهد بآثار نعمة الله في كل لحظة، وفي كل جانب من جوانب حياته فإنه ولابد أن يشكر الله سبحانه وتعالى في كل لحظة. . ولم يكتف العبد المؤمن بشكر الله في السراء ولكن يشكره أيضاً في الضراء ويرى أن الله تلطف معه ويشعر بلمسات تلطفه له فيحمده على هذا التلطف الإلهي وحفظه له من هلاك كان من الممكن أن يودي بحياته لولا تلطف الله به ورحمته عليه ولمسات حنانه له. . ويعرف العبد المحب لله بأن شكر الله لا يكون فقط باللسان والقلب والجوارح وإنما بسلوكه وعمله، فإن فضل الله عليه عظيم وأقل شئ ممكن أن يقدمه شكراً لله هو محافظته على عبادته وحرصه على حمد الله وشكره في كل لحظة ثم سلوكه إلى الله الذي يعتبر نوعاً من أنواع الشكر لله فيجب أن يرتقى بسلوكه ويرتفع فوق الأحداث ويتعامل مع جميع الأمور بما يُرضي الله آملاً في حبه، طامعاً في رحمته، ناشداً رضاه. . ويوجه الله سبحانه وتعالى العبد ذو القلب المحب لله الشاكر له على الدوام إلى طريقه ويهديه إلى سبيله ويجد هذا العبد دون أن يدري أن الله فتح له أبواب في سبيله ليسلكها ويسير في هداها حتى يفوز بثواب الله له ويحمد الله كثيراً على فضله ونعمته الكبرى. (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69) . وفي الحج تتجلى آيات الشكر وحمد الله سبحانه وتعالى حيث يكثر الحاج من حمد الله عز وجل على نعمه وفضله ومن أكبر النعم التي يحرص الحاج فيها على شكر الله نعمة الحج حيث أعانه الله وفتح له باب الدعوة إلى الحج ووفقه وأعانه على الحج. . وعندما يصل الحاج إلى درجة الصبر على الأذى وشكر الله في السراء والضراء يتسم بالهدوء ويشعر بالود مع كل شيء يبدأ يسعى إلى محاولة التحلي بالأخلاق القرآنية والآداب الإسلامية ويجب أن يكون المسلم قدوة في سلوكه ما دام أصبح مقروناً بدين الإسلام. . ويتعلم الإنسان من رحلة الحج الصدق وتشعر أيها الحاج بالراحة والطمأنينة عندما يكون سلوكك قولاً وفعلاً هو الصدق لأنك لا تعبأ بأي شيء.. ولا تهتم ولا تخاف ولا تخشى إلا الله سبحانه وتعالى. . والصدق هو الإخبار عن الشيء بما هو عليه، وإظهاره على حقيقته وهو من الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكتب عند الله صادقاً، صديقاً ويفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى فالعباد المقربون هم العباد الصادقون. . والصدق على الحقيقة هو الفضيلة الأساسية للحياة الإنسانية، ولقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الصدق، وكان الصحابة يؤثرون الصدق مهما كان وراءه من الألم والصعاب لأن الكذب لا يدعم الإنسان ولا يُنشئ الأخلاق، ولا يُقيم الأمم ولا المجتمعات. . والصادق من صدق في أقواله، والصديق من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله.. ومن أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119) ويرتبط الصدق دائماً بالإخلاص والصبر ارتباطاً قوياً، وإذا صدق الإنسان في النية والقول والعمل فهو بالتالي سيتمتع بالإخلاص في النية والقول والعمل، والإخلاص والصدق يقودان بلا شك إلى الصبر لأن من صدق أخلص، ومن صدق وأخلص أصبح الصبر صفة ملازمة له حيث أن الصبر يستلزم أن يكون الإنسان صادقاً مخلصاً. . . وفي الحج ينعم الإنسان بالرضا حيث يرضى بكل شيء يأتيه أو يعتريه .. ويصاحب الرضا دائماً الشعور بالسكينة ويحتوى السلام نفس الإنسان ويغلب على جوانحه ويتعجب لماذا كان ينفعل ويثور..؟! لماذا كان يغضب ويترك لانفعالاته الجامحة العنان مما يجعله يؤذي غيره..؟! لماذا كان يعترض.. ويتأفف..؟! لماذا لم يشعر بالألم نحو إخوانه الذين كانوا في حاجة إليه..؟! كيف سولت له نفسه أن يغضب الله ويظلم غيره..؟ لماذا كان حاله عدم الرضا عن أي شيء..! . هنا في الحج، وفي عرفة، وعند طواف بيت الله الحرام، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحاج معنى الرضا وقيمته وحلاوته والرضا لمن يرضى. . ومن الدروس المستفادة الجميلة في رحلة الحج التي يتعلمها الإنسان وتؤثر على جميع جوانب حياته إسقاط التدابير لله.. نعم فلا تدبر لشيء وتسلم نفسك وأمرك لله وحده.. وترضى بكل ما يأتيك من عند الله برضى وحب وقبول، وتصبر على ابتلائه.. وتحمد نعمة فهو سبحانه مالك الأمر وبيده الأمر كله وإليه يرجع كل شيء فأمرك كله منه وإليه. . وكلمة حق تقال أن إسقاط التدابير لله.. سلوك عظيم وصعب ولا يقدر عليه إلا المحبون لله.. وأنت في الحج تهيأت نفسياً وقلبياً وروحياً لأن تسعى في طريق الله فلتحظى بأن تكون ممن يسقطون التدابير لله فتنعم بالرضا والأمان. ولو أعددنا الدروس المستفادة من الحج فلن تكفينا السطور ولا الصفحات ولكن نستطيع أن نحصرها في كلمة واحدة هي طريق إلى الخلق القرآني. . والجدير بالذكر أن كل منا يستفيد من رحلة الحج بأشياء ودروس تؤثر على حياته يختلف عن الآخر كل حسب درجة إيمانه وحبه وإخلاصه لله عز وجل وإني على يقين بأن حب الله هو جوهر الأشياء وكلما ازددت حباً لله.. ازددت إخلاصاً له باحثاً عن الطريق إليه.. ساعياً إلى رضاه. . فكن مع الله عز وجل تكن غنياً عزيزاً.. ومن استغنى بالله عز وجل احتاج إليه كل شيء.. وهذا شيء لا يأتي بالتحلي والتمني ولكن بشيء وقر في القلب، وصدقه العمل. والإخلاص هو أساس العبد المؤمن المحب لله، وهو سر من أسرار الله أودعه قلب من أحبه من عباده. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: 5) . والحج المبرور يصاحبه دائماً الإخلاص هبة ومنحة من الله سبحانه وتعالى. والإخلاص من الدروس العظيمة المستفادة في الحج التي يتعلمها الإنسان ويتخذها مسلكاً في حياته. والإخلاص صفة لازمة في كل عمل يؤديه الحاج في رحلة الحج، ويصبح ضرورة في رحلة عمره الباقية لا يستطيع الاستغناء عنها بعد أن تذوق حلاوتها وقيمتها عند الله وهي هبة من الله فحافظ عليها ولا تضيعها بالأنانية والطمع ومتاع الدنيا والظلم والإساءة للغير. . ويستفيد الحاج من مناسك الحج بوجوب الثقة بالله، وأن على الإنسان أن يسعى قدر جهده وأن يخلص في سعيه ويعرف بأنه في الوقت الذي تتذكر فيه الأسباب تذكر أيضاً المسبب فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل. . ومن الدروس المستفادة في الحج ولها أثر كبير على الإنسان والآخرين "التعاون"، ففي الحج نعرف معنى التعاون وقيمته حيث يتحد الجميع في مساعدة أي حاج يحتاج إلى العون سواء كان مريضاً أو مسناً أو أي امرأة أو أي حاج يحتاج إلى الإرشاد والعون في أي شيء. . وفي التعاون تتجلى أمامنا قيمة الحب والمودة والسلام والبعد عن الكراهية والحقد والغيرة والإخاء وللتعاون أهمية كبرى في نشر الوحدة بين الأجناس والأمم والطبقات مما يخلق جو من الألفة بين الناس. قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2) . ويدرب الحج الإنسان على العفو والصفح الجميل فأنت في الحج تتجاوز عن أخطاء البشر، وترتفع بالعفو إلى درجة من درجات الإحسان. ويعتبر الصفح ـ العفو من أقرب الطرق والسلوكيات التي يسلكها الإنسان في طريقه إلى الله. . كما يدرب الحج الإنسان على كظم الغيظ والصبر على الأذى حيث يتعرض في رحلة الحج من شدة الزحام إلى أفعال كان من الممكن أن ينفعل فيها ويعترض ويتأفف ولكنه حباً لله ومرضاة له وحده يتعلم كيف يكظم غيظه ويصبر على من أذاه. . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من كظم غيظه وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً". ونستفيد من الحج ألا نقول إلا الطيب ولا نعمل إلا الصالح الذي يرضى الله، فالصفح والعفو والكلمة الطيبة أبواب الحب والرحمة والنورانية والشفافية والصفاء. قال الله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (النور: 22) . . ومن أجمل الفضائل التي يتعلمها الحاج في رحلة الحج الإحسان وهو فضيلة كبرى وسلوك إنساني عظيم يسلكه العبد المؤمن في طريقه إلى الله، يتأكد به معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من نقاء النفس وإخلاصها في العمل والعبادة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (الإسراء: 7) . والإحسان في الظاهر يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلف به بأمانة من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل عملاً خيراً، فإنه ينسب إليه هذا الفعل ويلقى من الله أفضل الجزاء وهذا يتأكد من الآية الكريمة : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (الرحمن: 60) . والإحسان إيثار وتضحية، وعطاء وبذل للغير عن رضا، لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختياراً لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه. . وبالإحسان يشعر المؤمن شعوراً ملازماً إن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه وكل ما في الدنيا إنما هو منه وإليه فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة استخارها الله تعالى لفعل الخير وعمل المعروف. . والنفس المتسامحة هي النفس القادرة على توقيع الجزاء والقصاص العادل لكنها تنشد الخير فهي نفس محسنة. . وفي الحج يتنافس الحجاج على أعمال البر والإحسان ويكثر الإحسان في موسم الحج وليس الإحسان فقط بالمال وذبح الذبائح، ولكن الكلمة الطيبة إحسان، والعمل الصالح إحسان، والتعاون إحسان، ومساعدة المريض إحسان، ونصرة المظلوم إحسان، وعون الضعيف إحسان، وخدمة المسن إحسان، والعفو عن الناس إحسان، والتصدق إحسان، والمجاهدة إحسان، والعطاء إحسان. . لابد أن تؤثر فيك رحلة الحج وتعود منها صافياً.. نقياً.. طاهراً حاملاً مسئولية كبرى هي مسئولية حب الله والسعي في طريقه، وتبدأ في تطبيق ما استفدته من هذه الرحلة على نفسك أولاً ثم تدعو به غيرك، وهكذا تكن نموذجاً للإنسان المؤمن الصالح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. . واعرف أن الشيطان لن يتركك وسيفعل قصارى جهده معك ليغريك بمتاع الدنيا وشهواتها، ويزين لك المعصية ويبعدك عن طريق الله. . وإنها فرصتك للتغلب عليه ولتنتصر على نفسك الأمارة بالسوء متسلحاً بحب الله وذكر الله وما تعلمته من رحلة عبادة العمر فترتقي إلى مقام النفس المطمئنة التي يرضى عنها الله والمجاهدة في سبيل الله. . وفي رحلة الحج تكثر لحظات الصفاء حيث يصفو الإنسان ويرتقي بقلبه وينشغل بالله وينعم بحب الله وطريق الله فيصل إلى كل ما يتطلبه طريق الصعود والإرتقاء من التوبة والصدق والصفاء والإخلاص والنقاء والرضا والعفو وكظم الغيظ والصبر والشكر والبر والإحسان والتقوى بما يقربه إلى الله. وتبدأ هذه المشاعر الصافية النورانية توجهه على ما هو خير وفاضل وكريم .. توجهه إلى العفو.. وإلى الكرم.. وإلى الرحمة.. وإلى الارتقاء فوق الأحداث.. وإلى الصبر وإلى الشكر فيحمد الله كثيراً على الهُدى ونعمة الإيمان وغيرها من النعم التي أفاض الله بها عليه. . وختاماً أدعو الله أن يقبل حجنا، ويغفر ذنوبنا سالكين طريقه آملين رضاه.. ناشدين رحمته.. طامعين في حبه.. مجتهدين مجاهدين في سبيله.. راجين لأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وخيراً ساعين إلى أن نتوج أنفسنا بأخلاقيات الحج وآدابه المستمدة من توجيهات الله عز وجل وسلوكيات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. . . .
. "الحج .. دروس مستفادة "ناهـد الخراشي . لكل شئ في الحياة أهمية، ولكل عمل يؤديه الإنسان...
WIDTH=600 HEIGHT=450