ملف شامل عن رمضان

ملتقى الإيمان

إن الحمدلله نحمده ونستعين به ونستهديه وله الحمد والثناء كله ،، هدية بسيطه واتمنى تعجبكم هي ملف كامل شامل عن رمضان،، الشهر الذي باقي

على قدومه ايام معدودات فهاهو شعبان قد بدأ بالمضي رويدا رويدا وهاهو شهر رمضان يقدم علينا برائحته الزكيه فوالله ان لرمضان رائحه عبقه تزكي

النفوس قبل الانوف ،، اتمنى بهذا الملف اكون افدتكم ،،واما تكمله الملف
لكم شكري وفائق محبتي..

اخوكم المحبه لكم جميعا في الله

أسير العيون

فهرس الملف ،،،

:: كيف نستقبل شهر رمضان المبارك
:: كيف نستقبل رمضان؟

:: رسالة شهر رمضان

:: فضل قيام الليل
:: اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات
:: من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم التربوية

:: سبعون مسألة في الصيام
:: صيام المرآة وصلاتها وقت الحيض
:: زكاة الفطر

:: صوم المرأة
:: أمور لا يفطر بها الصائم
:: أمور يفطر بها الصائم

:: رؤية ليلة القدر

:: فلنجعل من رمضان هذه السنة شيئا مختلفا


:: عشر وقفات للنساء في رمضان
:: إلى من أدركت رمضان


في استقبال رمضان

:: من أخطاء الصائمين والقائمين
:: نصائح رمضانية
:: فلنجعل رمضان السنة شيئا مختلفا

في فضائل رمضان
:: نداء رمضان..يا باغي الخير أقبل
:: فضل قيام ليالي رمضان
:: خصائص شهر رمضان

لمن أدرك رمضان
:: تحية رمضان
:: فضل قيام رمضان

فقه الصيام
:: إثبات هلال رمضان في بلد غير إسلامية
:: صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم
:: حكم من عجز عن الصوم لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه
:: صوم المريض
:: صوم الكبير
:: حقيقة الصيام وحكمه
:: صوم المسافر


في العشر الأواخر من رمضان
:: فضل العشر الأواخر من رمضان
:: العيد آدابه وأحكامه


وسائل وطرق دعوية في رمضان
:: أفكار دعوية لشهر رمضان المبارك


المرأة في رمضان
:: برنامج عملي للمرأة في رمضان
:: 25 فتوى للنساء
:: للصغار فقط .. في رمضان

الملف
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7

كيف نستقبل شهر رمضان المبارك ؟

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه , كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم , كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب , وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن , كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام , كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان , وكانت غزوة فتح مكة في عشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجا وأصبحت مكة دار إسلام .

فليس شهر رمضان شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكرم , وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور , وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات.

ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات , وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )

وصدق الله العظيم إذ يقول( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره عملا بقول الله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أي حتى تموت وقوله تعالى قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا لا تقليدا وتبعية للآخرين , وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم لنفوز بالمغفرة والعتق من النار ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل وتعجيل الفطر إذا تحققنا غروب الشمس والزيادة في أعمال الخير وأن يقول الصائم إذا شتم "إني صائم" فلا يسب من سبه ولا يقابل السيئة بمثلها بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن ليتم صومه ويقبل عمله , يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحا وابتغي به وجهه , والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح وهي قيام رمضان اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وخلفائه الراشدين واحتسابا للأجر والثواب المرتب عليها قال - صلى الله عليه وسلم - من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه. وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة لحديث أبي ذر الذي رواه أحمد والترمذي وصححه .

وأن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعا للسنة وطلبا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر - ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر - وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها وتنزل الملائكة والروح فيها , وهي الليلة التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه , وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان فينبغي للمسلم أن يجتهد في كل ليلة منها بالصلاة والتوبة والذكر والدعاء والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار لعل الله أن يتقبل منا ويتوب علينا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار ووالدينا والمسلمين , وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وشد مئزره وأيقظ أهله ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة , وشد المئزر فسر باعتزال النساء وفسر بالتشمير في العبادة.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان والمعتكف ممنوع من قرب النساء.

وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره بتدبر وتفكر ليكون حجة له عند ربه وشفيعا له يوم القيامة وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى

وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره ليفوزوا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده رواه مسلم.

وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فاغفر له" , حتى يطلع الفجر رواه مسلم في صحيحه.

وورد الحث على الدعاء في حال الصيام وعند الإفطار وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر أو حين يفطر وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة , فما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة القاصرة , والمتعدية ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته وخصوصا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن وهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.

وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة فإنك مسئول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها.

تنظيم الوقت

ويسرني أن أتحف القارئ الكريم برسم خطة مختصرة لتنظيم أوقات هذا الشهر الكريم , ولعلها أن يقاس عليها ما سواها من شهور الحياة القصيرة فينبغي للمسلم إذا صلى الفجر أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن الكريم وأذكار الصباح ويذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها بحوالي ربع ساعة أي بعد خروج وقت النهي يصلي ركعتين أو ما شاء الله ليفوز بأجر حجة وعمرة تامة كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه.

ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام أسوة حسنة فقد كانوا إذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله تعالى حتى تطلع الشمس , ويلاحظ أن المسلم إذا جلس في مصلاه لا يزال في صلاة وعبادة كما وردت السنة بذلك وبعد ذلك ينام إلى وقت العمل ثم يذهب إلى عمله ولا ينسى مراقبة الله تعالى وذكره في جميع أوقاته وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة , والذي ليس عنده عمل من الأفضل له أن ينام بعد الظهر ليرتاح وليستعين به على قيام الليل فيكون نومه عبادة.

وبعد صلاة العصر يقرأ أذكار المساء وما تيسر من القرآن الكريم وبعد المغرب وقت للعشاء والراحة وبعد ذلك يصلي العشاء والتراويح وبعد صلاة التراويح يقضي حوائجه الضرورية لحياته اليومية المنوطة به لمدة ساعتين تقريبا ثم ينام إلى أن يحين وقت السحور فيقوم ويذكر الله ويتوضأ ويصلي ما كتب له ثم يشغل نقسه فبل السحور وبعده بذكر الله والدعاء والاستغفار والتوبة إلى أن يحين وقت صلاة الفجر.

والخلاصة أنه ينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يراقب الله تعالى في جميع أوقاته في سره وعلانيته وأن يلهج بذكر الله تعالى قائما وقاعدا وعلى جنبه كما وصف الله المؤمنين بذلك , ومن علامات القبول لزوم تقوى الله عز وجل لقوله تعالى إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

عبد الله بن جار الله الجار الله
رسالة شهر رمضان

خالد الحمودي

الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وبعد

فهذه نصائح وتوجيهات موجزة مفيدة تتعلق بشهر رمضان وما يندب فيه من الأعمال، وما يلاحظ على الكثير من المسلمين فيه من الخلل والنقص، وإرشادات إلى الخيرات التي ينبغي للمسلم الناصح لنفسه أن يسابق إليها، حتى يحظى بالعزة والتمكين، ويغفر الله له ما تقدم من ذنبه. وقد كتبها أخونا الشاب: خالد الحمودي أحد طلبة العلم المعروفين بحب الخير والنصيحة للمسلمين، وفقه الله تعالى وشفاه، وعافانا وإياه. فينبغي للمسلم التأمل فيها والحرص على تطبيقها حسب القدرة.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

كتبه: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

عضو الإفتاء /18شعبان 1416هـ

أخي المسلم.. أختي المسلمة:

سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

أبعث إليكم هذه الرسالة محملة بالأشواق والتحيات العطرة، أزفها إليكم من قلب أحبكم في الله، نسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته، وبمناسبة قدوم شهر رمضان أقدم لكم هذه النصيحة هدية متواضعة.. وما أتيت فيها بجديد، ولكن هي موعظة وذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

أرجو أن تقبلوها بصدر رحب وتبادلوني النصح والدعاء، حفظكم الله ورعاكم، وسدد على طريق الخير خطاكم.

أولاً: لقد خص الله رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها:


1- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

2- تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.

3- يزين الله في كل يوم جنته ويقول: " يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ثم يصيروا إليك "

4- تصفد فيه الشياطين.

5- تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار.

6- فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.

7- يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.

8- لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة في رمضان.

فيا أخي الكريم ويا أختي الكريمة :

شهر هذه خصائصه وفضائله بأي شئ نستقبله ؟ بالانشغال واللهو وطول السهر،أو نتضجر من قدومه ويثقل علينا، نعوذ بالله من ذلك كله. ولكن.. العبد الصالح يستقبله بالتوبة النصوح والعزيمة الصادقة. سائلين الله الإعانة على حسن عبادته.

ثانياً: الأعمال الصالحة التي تجب أو تتأكد في رمضان:

الصوم:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" كل عمل آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ( أخرجه البخاري ومسلم )

لا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم:" من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ( أخرجه البخاري )

وقال صلى الله عليه وسلّم:" الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم " ( أخرجه البخاري ومسلم )

فإذا صمت يا عبد الله فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء كما روى ذلك عن جابر.

القيام:

قال صلى الله عليه وسلّم:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (رواه البخاري ومسلم )

وهذا تنبيه نهم، ينبغي لك أخي المسلم أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين، فقد قال صلى الله عليه وسلّم:" من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة "(رواه أهل السنن )

الصدقة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد قال صلى الله عليه وسلّم " أفضل الصدقة صدقة في رمضان " ( أخرجه الترمذي)

ولها أبواب وصور كثيرة منها:

أ ـ إطعام الطعام:

قال تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا * إنا نخاف من يومنا يوماً عبوساً قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنةً وحريرا ) ( الإنسان:8-12)

فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام، ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم " ( الترمذي بسند حسن )

وكان من السلف من يطعم إخوانه وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن مبارك.

قال أبو السوار العدوي: كان رجا لمن بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه.

وعبادة إطعام الطعام … ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم، فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة:" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا " ( رواه مسلم )، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين، واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك.

ب - تفطير الصائمين:

قال صلى الله عليه وسلم:" من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء "( أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني )

الاجتهاد في قراءة القرآن:

* احرص أخري في الله على قراءة القرآن بتدبر وخشوع، فقد كان السلف رحمهم الله يتأثرون بكلام الله عز وجل. أخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت (أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون ) بكى أهل الصفة حتى جرحت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يلج النار من بكى من خشية الله " ( رواه الترمذي والنسائي )

الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة ( الفجر ) جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ( أخرجه مسلم ). وأخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " ( صححه الألباني ) هذا في كل يوم فكيف بأيام رمضان ؟

الاعتكاف:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام،فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً ( أخرجه البخاري)

العمرة في رمضان:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" عمرة في رمضان تعدل حجة " ( أخرجه البخاري ومسلم)

تحري ليلة القدر:

قال تعالى( إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر ) ( القدر:1-3) قال صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ( أخرجه البخاري ومسلم ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وهي في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من لياليه أحرى،وفي الصحيح عن عائشة قالت: " يا رسول الله أن وافقت ليلة القدر ماذا أقول ؟ قال: قولي " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
9
808

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

شاهي مزبوط
شاهي مزبوط
الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار:
أخي الكريم … أخي المبارك

أيام وليالي رمضان أزمنة فاضلة فاغتنمها بالإكثار من الذكر والدعاء وخاصة في أوقات الإجابة ومنها:

عند الإفطار، فللصائم عند إفطاره دعوة لا ترد.

ثلث الليل الأخير: حين ينزل ربنا تبارك وتعالى ويقول " هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ " ( البخاري ومسلم ).

الاستغفار بالأسحار، قال تعالى(وبالأسحار هم يستغفرون ) ( الذاريات:18).

تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة، وأحراها آخر ساعة من نهار يوم الجمعة.

ملاحظات ومخالفات يجب تجنبها:

جعل الليل نهاراً والنهار ليلاً.

النوم عن بعض الصلوات المكتوبة.

الإسراف في المأكل والمشرب.

التلثم والعصبية الزائدة أثناء القيادة.

إضاعة الأوقات.

تبكير السحور والنوم عن صلاة الفجر.

قيادة السيارة بسرعة جنونية قبيل موعد الإفطار.

عدم تأدية صلاة التراويح كاملة.

افتراش الأرصفة واجتماع الشباب على معصية الله.

الاجتماع مع زملاء العمل وقت الدوام وتجريح الصيام بالغيبة والنميمة.

انشغال المرأة غالب وقتها بالمطبخ والأسواق.

أخيراً.. أخي:

أظن أني قد أطلت عليك.. وأنا أحثك على اغتنام الوقت.. ولكن أتأذن لي أن نعرج سوياً على أمر مهم.. بل هو مهم جداً ؟ أتدري ما هو ؟ إنه الإخلاص.. نعم الإخلاص.. فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب ! أعاذنا الله وإياك من ذلك.. ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على هذه القضية بقوله: " إيماناً واحتساباً ". فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في القول والعمل وفي السر والعلن.

فيا راعي الخير أقبل ويا راعي الشر أقصر

فاغتنم أخي فرصة العمر … فالعمر محدوداً أما تفكرت.. أين الذين صاموا معنا رمضان الماضي ؟ منهم من اختطفه ملك الموت.. ومنهم من مرض فلم يقو على الصيام والقيام.. فاحمد الله أخي في الله وتزود ما دمت في زمن الإمهال، وخير الزاد التقوى.

اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه، واجعلنا فيه من المقبولين، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، آمين.

ثالثاً: الأدعية والأذكار:

يسأل كثير من الناس عن الأدعية التي تقال في صلاة التهجد والقيام، وذلك لإطالة الركوع والسجود فيها ؛ فوجدت رسالة قيمة للأخ الشيخ: رياض الحقيل، رأيت أن أوردها كما ذكر ـ جزاه الله خيراً ـ وقد تضمنت بعض الأدعية النبوية التي تقال في الركوع والسجود والجلسة بين السجدتين وغيرها، ليسهل على المصلين حفظها وترديد بعضها في صلاة القيام والتهجد.. وخاصة في ليالي العشر الأواخر التي يطيل فيها المصلون الركوع والسجود بين يدي رب العالمين، نسأل الله القبول.

وقد يكون البعض لا يعرف هذه الأذكار.. أو يصعب عليه جمعها.. أو يدعو بما لم يثبت.. والأولى الاقتصار على ما ثبت ليحصل لك أجر المتابعة والاقتداء.

أولاً: أذكار الركوع:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" أما الركوع فعظموا فيه الرب " ( رواه مسلم ): فنقول " سبحان ربي العظيم ( ثلاثاً أو أكثر من ذلك )".. أو سبحان ربي العظيم وبحمده ( ثلاثاً).

ثم تتخير من هذه الأذكار ما شئت وتنوع، فهذه تارة وتلك تارة:

" سبحانك اللهم بينا وبحمدك، اللهم اغفر لي "

" اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي ( وعظامي ) وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين ". وفي رواية " وعليك توكلت، أنت ربي خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين "

" سبوح قدوس رب الملائكة والروح "

" سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ".

ثانياً: بعد الرفع من الركوع: فنقول:" ربنا ولك الحمد. وتارة: لك الحمد. وتارة: اللهم ربنا لك الحمد.. أو اللهم ربنا ولك الحمد ".

ثم تتخير من هذه الأدعية ما شئت:

" وبنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ( أو مباركاً عليه ) كما يحب ربنا ويرضى "

أو تزيد:" ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعده، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك " أو " لربي الحمد..لربي المجد " تكررها كثيراً.

أو تزيد:" اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ".

ثالثاً: أذكار السجود:

قال عليه الصلاة والسلام: " وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ـ أي حريُ وجدير ـ أن يستجاب لكم " ( رواه مسلم )

وقال صلى الله عليه وسلّم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فيه "( رواه مسلم )

فنقول: سبحان ربي الأعلى ( ثلاثاً ) أو تكررها كثيراً أو: سبحان ربي الأعلى وبحمده ( ثلاثاً).

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وصوره، فأحسن صوره، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين.

اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.

سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك عليّ، هذي يدي وما جنيت على نفسي.

سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة

سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت.

اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت.. اللهم اجعل في قلبي نوراً، واجعل من تحتي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، واجعل أمامي نوراً، وعظم لي نوراً.

اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

اللهم اغفر ما أسررت وما أعلنت.

رابعاً: أذكار الجلسة بين السجدتين:

رب اغفر لي.. رب أغفر لي.. رب أغفر لي..

أو تزيد كما في رواية أخرى يقويها الشيخ الألباني: اللهم رب اغفر لي، وارحمني واجبرني، وارفعني واهدني، وعافني وارزقني.

خامساً: أذكار سجود التلاوة:
سبحان ربي الأعلى.

سجد وجهي للذي خلقني وشق سمعه وبصره بحوله وقوته.

اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً،واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.

سادساً: إذا انتهيت من صلاة الوتر فيستحب أن تقول:

سبحان الملك القدوس (ثلاثاً ) وترفع بها صوتك..

ثم أوصيك أخي الحبيب.. أختي المسلمة:

بالإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والدعاء، والابتهال والتضرع إلى الله جل وعلا بأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يجمع كلمتهم على الحق، كما تدعو لنفسك وأهلك وللمسلمين بخيري الدنيا والآخرة.

كما أوصيك أن تكثر من قول " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " وخاصة في ليالي الوتر من العشر الأواخر، كما علم النبي صلى الله عليه وسلّم عائشة رضي الله عنها أن تدعو بهذا في ليلة القدر.

وختاماً أخي الحبيب.. أختي المسلمة:

* لا بد من استحضار معاني هذه الأدعية والأذكار والتدبر لها عند ذكرها فـ " إن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " ( السلسلة الصحيحة للألباني ).

* وكذا عليك استحضار النية والخشوع عند ذكرها.. لعل الله أن ينفعنا ويرفعنا بذكره ودعائه.

* وقبل الوداع أطلب منك أخي الحبيب.. أختي المسلمة.. ألا تنسوا من أعد هذه الرسالة ومن كتبها ونقلها لكم بدعوة خالصة من القلب.. تقبل الله منا ومنكم.. وإلى لقاء.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم في الله الراجي عفو ربه..

خالد بن عبد الله الحمودي.

ملاحظة:

جميع الأحاديث التي أوردناها ثابتة إن شاء الله.. صححها الشيخ الألباني أو حسنها، أو صححها الأرناؤوط حفظهم الله.

* المراجع: (الأذكار للنووي، صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم، صحيح الكلم الطيب، صحيح الترمذي، صحيح ابن ماجة، أبي داود، جامع الأصول لأبن الأثير بتحقيق الأرناؤوط ج 4، وصحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم والهلالي وغيرها).

* تنبيه: الأذكار والأدعية التي ذكرناها ليست جميعها خاصة بصلاة القيام في رمضان، بل هي لكل صلاة، فلينتبه لهذا !!
شاهي مزبوط
شاهي مزبوط
فضل قيام الليل

قيام الليل سُنة مؤكدة , وقربة معظمة في سائر العام , فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه , والتوجيه إليه , والترغيب فيه , ببيان عظم شأنه وجزالة الثواب عليه , وأنه شأن أولياء الله , وخاصة من عباده الذين قال الله في مدحهم والثناء عليهم : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

فقد مدح الله أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى : إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ووصفهم في موضع آخر , بقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إلى أن قال : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا

وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك . قال تعالى : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ

وقد وصف المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات - منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ

فصلاة الليل لها شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال , وما فيه صلاح الأحوال والمآل قال تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إلى قوله : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا

وثبت في صحيح مسلم عن النبي , صلى الله عليه وسلم , قال : أفضل الصلاة بعد المكتوبة - يعني الفريضة - صلاة الليل وفي حديث عمرو بن عبسة قال صلى الله عليه وسلم : أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر , فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ولأبي داود عنه - رضي الله عنه - قال : أي الليل أسمع - يعني أحرى بإجابة الدعاء - قال , صلى الله عليه وسلم : جوف الليل الآخر فصل ما شئت , فإن الصلاة فيه مشهودة مكتوبة وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا , حين يبقى ثلث الليل الآخر . فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ ! من يسألني فأعطيه ؟ ! من يستغفرني فأغفر له ؟ !

وفي صحيح مسلم , عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قال : من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه , وهي كل ليلة وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي , صلى الله عليه وسلم , قال : من تعار من الليل - يعني استيقظ يلهج بذكر الله - فقال : لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد , وهو على كل شيء قدير . الحمد لله , وسبحان الله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم ! اغفر لي , أو دعا , استجيب له . فإن توضأ وصلى قبلت صلاته

وأخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة غرفا , يرى ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها , أعدها الله لمن ألان الكلام , وأطعم الطعام , وتابع الصيام , وصلى بالليل والناس نيام

وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين , ما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم : فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

وجاء في السنة الصحيحة , ما يفيد أن قيام الليل من أسباب النجاة من الفتن , والسلامة من دخول النار. ففي البخاري وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي , صلى الله عليه وسلم , استيقظ ليلة فقال : سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتنة ؟ ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ ! من يوقظ صواحب الحجرات ؟ ! وفي ذلك تنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن .

وفي قصة رؤيا ابن عمر قال : "فرأيت كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار , فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذا لها قرنان - يعني كقرني البئر - وإذا فيها أناس قد عرفتهم , فجعلت أقول أعوذ بالله من النار , قال : فلقينا ملك آخر . فقال : لم ترع " فقصصتها على حفصة , فقصتها حفصة على النبي , صلى الله عليه وسلم , فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل , فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا

وأخرج الحاكم وصححه , ووافقه الذهبي عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قال : عليكم بقيام الليل , فإنه دأب الصالحين قبلكم , وقربة لكم إلى ربكم , ومكفرة للسيئات , ومنهاة عن الإثم
فتلخص مما سبق أن قيام الليل:

أ - من أسباب ولاية الله ومحبته .

ب - ومن أسباب ذهاب الخوف والحزن , وتوالي البشارات بألوان التكريم والأجر العظيم .

جـ - وأنه من سمات الصالحين , في كل زمان ومكان .

د - وهو من أعظم الأمور المعينة على مصالح الدنيا والآخرة ومن أسباب تحصيلها والفوز بأعلى مطالبها .

هـ - وأن صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة وقربة إلى الرب ومكفرة للسيئات .

و - وأنه من أسباب إجابة الدعاء , والفوز بالمطلوب المحبوب والسلامة من المكروه المرهوب ومغفرة سائر الذنوب .

ز- وأنه نجاة من الفتن , وعصمة من الهلكة , ومنهاة عن الإثم .

حـ - وأنه من موجبات النجاة من النار , والفوز بأعالي الجنان.

من رسالة تذكرة الصوام لعبد الله بن صالح القصير
شاهي مزبوط
شاهي مزبوط
اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات قبل الندم عليها

عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ). وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا ، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيء جهازه للرحيل: قال تعالى : ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول( مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ) .

ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال لهم : من ذا الذي يبني على موج البحر داراً ، تلكم الدنيا ، فلا تتخذوها قراراً . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن الدنيا قد أرتحلت مدبرة ،وإن الآخرة قد أرتحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل .

قال بعض الحكماء: عجب ممن الدنيا مولية عنه، والآخرة مقبلة، إليه يشتغل بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.

وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم،كتب الله عليها الفناء ، وكتب على آهلها منها الظعن، فاحسنوا ـ رحمكم الله ـ منها الرحلة بأحسن ما بحضراتكم من المقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

حال المؤمن في الدنيا
وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطناً، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين : إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو ليله ونهاره، يسير إلى بلد الإقامة ، فلهذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا عبى أحد هذين الحالين :

فأحدهما: أن ينزل المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة، لكن في بلد غربة ، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة ، لب قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه : قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لأنه لما خلق آدم أسكن هو وزوجته الجنة ، ثم أهبطا منها، ووعدا الرجوع إليها ، وصالح ذريتهما، فالمؤمن أبداً يحن إلى وطنه الأول.

فحي على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم

وقد زعموا أن الغريب إذا نأى *** وشطت به أوطانه فهو مغرم

وأي اغتراب فوق غربتها التي *** لها أضحت الأعداء فينا تحكم
كان عطاء السلمي يقول في دعائه : اللهم ارحم في الدنيا غربتي ، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غداً بين يديك .

وما أحسن قول يحي بن معاذ الرازي : الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين.

الحال الثاني : أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم البتة ، وإنما هو سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به السفر إلى آخر ه ، وهو الموت ، ومن كانت هذه حاله في الدنيا، فهمته تحصيل الزاد للسفر، وليس له همة في الاستكثار من متاع الدنيا، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب.

قيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت. قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم ورحله إلى الآخرة ؟

الحث على اغتنام أوقات العمر

وقال الحسن: إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك.

وقال ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار، وحتى يسلمانك إلى الآخرة .

قال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ينتهي ذلك بهم إلى آخر سسفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها ، فافعل ،فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بغتك.

وكتب بعض السلف إلى أخ : يا أخي يخيل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تساق مع ذلك سوقاً حثيثاً ، الموت موجه إليك ، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك ، فليس بكار عليك.

سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد للإنسان من حمل عدة

ولا سيما إن خاف صولة قاهر

قال بعض الحكماء : كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره ، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله ، وتقوده حياته إلى موته .

وقال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل : فما الحيلة ؟قال يسيرة، قال: ما هي؟ قال : تحسن فيما بقي غفر لك ما مضى ، فإنك إن أسأت،أخذت بما مضى وبما بقي.

قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإن لم يسر ، وفي هذا قال بعضهم :

وما هذه الأيام إلا مراحل *** يحث بها داع إلى الموت قاصد

وأعجب شيء ـ لو تأملت ـ أنها *** منازل تطوى والمسافر قاعد

قال الحسن: لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الأجال . وكتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد، فقد أحيط بك من كل جانب، وأعلم أنه يسار بك قي كل يوم وليلة، فأحذر الله والمقام بين يديه ، ولن يكون آخر عهدك به، والسلام.

نسير إلى الآجال في كل لحظة وأيامنا تطوى وهن مواحل *** ولم أر مثل الموت حقاً كأنه

إذا ما تخطفه الأماني باطل *** وما أقبح التقريط الصبا

فكيف به والشيب للرأس شامل *** ترحل من الدنيا بزاد من التقى

فعمرك أيام وهن قلائل *** ذم طول الأمل والحث على تقصيره

وأما وصية ابن عمر وضي الله عنهما، فهي مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح، وإذا أصبح لم ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك ، قال المروزي : قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد ـ أيّ شيء الزهد في الدنيا ؟ قال : قصر الأمل ، من إذا أصبح، قال: لا أمسي.وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله ، فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها، فكان هذا دأبه إذا أراد النوم، وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب، فليفعل، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا، ويصبح في أهل الآخرة .

وقال عون بن عبد الله : ما أنزل الموت كنه منزلته من عدّ غداً من أجله، وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها ، وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صل صلاة مودع ) روى عن أبي الدرداء والحسن أنهما قالا : ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك . ومما أنشد بعض السلف .

إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل

الحث على استغلال أيام العمر في الأعمال الصالحة

قوله : ( وخذ من صحتك لسقمك ، ومن حياتك لموتك ) ، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وقد روي معنى هذه الوصية عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثيرمن الناس : الصحة والفراغ ) ، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) .

وقال غنيم بن قيس : كنا نتوسط في أول الإسلام : ابن آدم اعمل في فراغك قبل شغلك، وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك وفي دنياك لآخرتك ، وفي حياتك لموتك.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان،أو الدجال، أو الدابة، وخاصة أحدكم ، أو أمر العامة ) .

وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل، كما قال تعالى : (يوم يأتي بعص آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) .

عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيماها خيراً : طلوع الشمس من مغربها، والدجال ، ودابة الأرض ).

فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل لا يقدر عليها ويحال بينه وبينها ، إما بمرض أو موت ، أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل.

قال أبو حازم : إن بضاعة الآخرة كاسدة ويوشك أن تنفق، فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليها، يتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل ، فلا تنفعه الأمنية.

قال تعالى : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون *واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من قبل أن يأتيكم العذاب تغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) .

وقال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعما صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) .

اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة

كم صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته
شاهي مزبوط
شاهي مزبوط
من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم التربوية


1 - التربية بالقصة:
إن القصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس، ومن هنا جاءت القصة كثيراً في القرآن، وأخبر تبارك وتعالى عن شأن كتابه فقال:{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى} وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : { واقصص القصص لعلهم يتفكرون } ولهذا فقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج واستخدم هذا الأسلوب .
شاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - وهو خباب بن الأرت رضي الله عنه ـ يبلغ به الأذى والشدة كل مبلغ فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم شاكياً له ما أصابه فيقول رضي الله عنه :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت :ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: « لقد كان كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد مادون عظامه من لحم أوعصب، مايصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله »
وحفظت لنا السنة النبوية العديد من المواقف التي يحكي فيها النبي صلى الله عليه وسلم قصة من القصص، فمن ذلك: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، وقصة الذي قتل مائة نفس، وقصة الأعمى والأبرص والأقرع، وقصة أصحاب الأخدود... وغيرها كثير.
2 - التربية بالموعظة:
للموعظة أثرها البالغ في النفوس، لذا فلم يكن المربي الأول صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يغيب عنه هذا الأمر أو يهمله فقد كان كما وصفه أحد أصحابه وهو ابن مسعود -رضي الله عنه-:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا»
ويحكي أحد أصحابه وهو العرباض بن سارية -رضي الله عنه- عن موعظة وعظها إياهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ » وحتى تترك الموعظة أثرها ينبغي أن تكون تخولاً ، وألا تكون بصفة دائمة .
عن أبي وائل قال كان عبدالله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا
3 - الجمع بين الترغيب والترهيب:

النفس البشرية فيها إقبال وإدبار، وفيها شرّة وفترة، ومن ثم كان المنهج التربوي الإسلامي يتعامل مع هذه النفس بكل هذه الاعتبارات، ومن ذلك الجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف.
عن أنس -رضي الله عنه- قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط:«قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين .
ومن أحاديث الرجاء والترغيب ما حدث به أبو ذر -رضي الله عنه- قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:«ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:«وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:«وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر .
وعن هريرة -رضي الله عنه- قال كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة -والربيع الجدول- فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أبو هريرة؟» فقلت: نعم يارسول الله، قال:«ما شأنك؟» قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال:«يا أبا هريرة» -وأعطاني نعليه- قال:«اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة»…الحديث. والمتأمل في الواقع يلحظ أننا كثيراً ما نعتني بالترهيب ونركز عليه، وهو أمر مطلوب والنفوس تحتاج إليه، لكن لابد أن يضاف لذلك الترغيب، من خلال الترغيب في نعيم الجنة وثوابها، وسعادة الدنيا لمن استقام على طاعة الله، وذكر محاسن الإسلام وأثر تطبيقه على الناس، وقد استخدم القرآن الكريم هذا المسلك فقال تعالى:{ ولو أن أهل القرى …} {ولو أنهم أقاموا التوراة …} .

4 - الإقناع العقلي:

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: «ادنه» فدنا منه قريباً قال: فجلس قال : « أتحبه لأمك ؟ » قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: « ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم» قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال:«أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم» قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
إن هذا الشاب قد جاء والغريزة تتوقد في نفسه، مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء، ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم علناً أمام أصحابه، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم المربي المعلم لديه جانباً لم يدركه فيه أصحابه فما هو؟
لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان قليل الورع عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان بل كان يمارس ما يريد سراً، فأدرك صلى الله عليه وسلم هذا الجانب الخير فيه، فما ذا كانت النتيجة : «فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»

5 - استخدام الحوار والنقاش:
وخير مثال على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في غزوة حنين بعد قسمته للغنائم، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، فبلغه أنهم وجدوا في أنفسهم، فدعاهم صلى الله عليه وسلم ، وكان بينهم وبينه هذا الحوار الذي يرويه عبدالله بن زيد -رضي الله عنه- فيقول: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: »يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟« كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: »ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟« قال كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن قال:» لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض« ففي هذا الموقف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الحوار معهم، فوجه لهم سؤالاً وانتظر منهم الإجابة، بل حين لم يجيبوا لقنهم الإجابة قائلاً : (ولو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدقتم …) .
6 - الإغلاظ والعقوبة:

وقد يُغلظ صلى الله عليه وسلم على من وقع في خطأ أو يعاقبه:
فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً من يومئذ فقال:» أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة« .
وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال:»اعرف وكاءها -أو قال: وعاءها وعفاصها- ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه« قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه -أو قال احمر وجهه- فقال:» وما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر فذرها حتى يلقاها ربها« قال: فضالة الغنم؟ قال:» لك أو لأخيك أو للذئب« .
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذين الحديثين » باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى مايكره«.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال:»يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده« فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه
إلا أن ذلك لم يكن هديه الراتب صلى الله عليه وسلم فقد كان الرفق هو الهدي الراتب له صلى الله عليه وسلم ، لكن حين يقتضي المقام الإغلاظ يغلظ صلى الله عليه وسلم ، ومن الأدلة على ذلك:
1- أن الله سبحانه وتعالى وصفه بالرفق واللين أو بما يؤدي إلى ذلك قال تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} فوصفه باللين وقال تعالى : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} ولا أدل على وصفه عليه الصلاة والسلام من وصف الله له فهو العليم به سبحانه .
2- وصف أصحابه له :
فقد وصفه معاوية بن الحكم -رضي الله عنه- بقوله :فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني .
3- أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالرفق فهو القدوة في ذلك وهو الذي نزل عليه {لم تقولون مالاتفعلون} فهو أقرب الناس الى تطبيقه وامتثاله، وحينما أرسل معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال لهما : »يسرا ولاتعسرا وبشرا ولاتنفرا« .
4- ثناؤه صلى الله عليه وسلم على الرفق، ومن ذلك في قوله:»ماكان الرفق في شيئ إلا زانه ولانزع من شيئ إلا شانه« وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة :»إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله« رواه البخاري (6024) ومسلم (2165) ] وفي رواية:»إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه« .
وفي حديث جرير -رضي الله عنه- »من يحرم الرفق يحرم الخير« ويعطي على الرفق مالايعطي على العنف ) .
5- سيرته العملية في التعامل مع أصحابه فقد كان متمثلاً الرفق في كل شيئ ومن ذلك :
أ) قصة الأعرابي الذي بال في المسجد والقصة مشهورة.
ب) قصة عباد بن شرحبيل - رضي الله عنه - يرويها فيقول: أصابنا عام مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطا من حيطانها فأخذت سنبلا ففركته وأكلته وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال للرجل:» ما أطعمته إذ كان جائعا -أو ساغبا- ولا علمته إذ كان جاهلا« فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فرد إليه ثوبه وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق .
ج)قصة سلمة بن صخر الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقا من أن أصيب منها في ليلتي فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، قال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، قال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا فأمض في حكم الله فإني صابر لذلك، قال:» أعتق رقبة« قال: فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها، قال:» صم شهرين« قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال:» فأطعم ستين مسكينا« قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء، قال:» اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك« قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إلي .


7 - الهجر:
واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الهجر في موقف مشهور في السيرة، حين تخلف كعب بن مالك -رضي الله عنه- وأصحابه عن غزوة تبوك، فهجرهم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لايكلمهم أحد أكثر من شهر حتى تاب الله تبارك وتعالى عليهم.
إلا أن استخدام هذا الأسلوب لم يكن هدياً دائماً له صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أن رجلاً كان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم … والمناط في ذلك هو تحقيقه للمصلحة، فمتى كان الهجر مصلحة وردع للمهجور شرع ذلك وإن كان فيه مفسدة وصد له حرم هجره .
8 - استخدام التوجيه غير المباشر:

ويتمثل التوجيه غير المباشر في أمور منها:
أ - كونه صلى الله عليه وسلم يقول مابال أقوام، دون أن يخصص أحداً بعينه، ومن ذلك قوله في قصة بريرة فعن عائشة -رضي الله عنها- فقالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي فلما جاء رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ذكرته ذلك قال النبي صلى اللهم عليه وسلم ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله صلى اللهم عليه وسلم على المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط
وحديث أنس -رضي الله عنه- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال :«ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
ب - وأحياناً يثني على صفة في الشخص ويحثه على عمل بطريقة غير مباشرة، ومن ذلك مارواه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي بالليل» قال سالم: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلاً .
ج - وأحياناً يأمر أصحابه بما يريد قوله للرجل، عن أنس بن مالك أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه فلما خرج قال:» لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه«
د - وأحياناً يخاطب غيره وهو يسمع، عن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني لست بمجنون

9 - استثمار المواقف والفرص:
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه يوماً وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته ضمته فقال صلى الله عليه وسلم :«أترون هذه طارحة ولدها في النار» قالوا: لا، قال:«والله لايلقي حبيبه في النار؟» .
فلا يستوي أثر المعاني حين تربط بصور محسوسة، مع عرضها في صورة مجردة جافة.
إن المواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقف يقع التعليم موقعه المناسب، ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة في الذاكرة، تستعصي على النسيان.
والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن وخوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه صلى الله عليه وسلم أصحابه عند القبر.
عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا… ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وقتنته.
ب ـ وقد يكون وقد يكون موقف مصيبة إذا أمر حل بالإنسان، فيستثمر ذلك في ربطه بالله تبارك وتعالى.
عن زيد بن أرقم قال أصابني رمد فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال فلما برأت خرجت، قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟» قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال:«لو كانت عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك»
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم مثل هذا الموقف لتقرير قضية مهمة لها شأنها وأثرها كما فعل حين دعائه للمريض بهذا الدعاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جاء الرجل يعود مريضا قال: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا ويمشي لك إلى الصلاة»
إنه يوصي المسلم بعظم مهمته وشأنه وعلو دوره في الحياة، فهو بين أن يتقدم بعبادة خالصة لله ، أو يساهم في نصرة دين الله والذب عنه .
ج ـ وقد يكون الموقف ظاهرة كونية مجردة، لكنه صلى الله عليه وسلم يستثمره ليربطه بهذا المعنى عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال:«إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}
دـ وقد يكون الموقف مثيراً، يستثير العاطفة والمشاعر كما في حديث أنس السابق في قصة المرأة .

10 - التشجيع والثناء:

سأله أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ يوماً :من أسعد الناس بشفاعتك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم «لقد ظننت أن لايسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث» . فتخيل معي أخي القاريء موقف أبي هريرة، وهو يسمع هذا الثناء، وهذه الشهادة من أستاذ الأساتذة، وشيخ المشايخ صلى الله عليه وسلم .بحرصه على العلم، بل وتفوقه على الكثير من أقرانه. وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعاً لمزيد من الحرص والاجتهاد والعناية.
وحين سأل أبيَ بن كعب: «أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟» فقال أبي:آية الكرسي. قال له صلى الله عليه وسلم «ليهنك العلم أبا المنذر» ".
إن الأمر قد لايعدو كلمة ثناء، أو عبارة تشجيع، تنقل الطالب مواقع ومراتب في سلم الحرص والاجتهاد. والنفس أياً كان شأنها تميل إلى الرغبة في الشعور بالإنجاز. ويدفعها ثناء الناس -المنضبط- خطوات أكثر.
والتشجيع والثناء حث للآخرين، ودعوة غير مباشرة لهم لأن يسلكوا هذا الرجل الذي توجه الثناء له.

موقع المربي
الشيخ محمد الدويش
شاهي مزبوط
شاهي مزبوط
سبعون مسألة في الصيام

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :

فإن الله قد امتن على عباده بمواسم الخيرات ، فيها تضاعف الحسنات ، وتُمحى السيئات ، وتُرفع الدرجات ، تتوجه فيها نفوس المؤمنين إلى مولاها ، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها . وإنما خلق الله الخلق لعبادته فقال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، ومن أعظم العبادات الصيام الذي فرضه الله على العباد، فقال : ( كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، ورغبهم فيه فقال : ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) ، وأرشدهم إلى شكره على فرضه بقوله : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) ، وحببّه إليهم وخفّفه عليهم لئلا تستثقل النفوس ترك العادات وهجر المألوفات ، فقال عزّ وجلّ: ( أياما معدودات ) ، ورحمهم ونأى بهم عن الحرج والضرر ، فقال سبحانه : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، فلا عجب أن تُقبل قلوب المؤمنين في هذا الشهر على ربهم الرحيم يخافونه من فوقهم ويرجون ثوابه والفوز العظيم .

ولما كان قدر هذه العبادة عظيما كان لابدّ من تعلّم الأحكام المتعلقة بشهر الصيام ليعرف المسلم ما هو واجب فيفعله ، وما هو حرام فيجتنبه ، وما هو مباح فلا يضيّق على نفسه بالامتناع عنه .
وهذه الرسالة تتضمن خلاصات في أحكام الصيام وآدابه وسننه كتبتها باختصار عسى الله أن ينفعني بها وإخواني المسلمين والحمد لله رب العالمين

تعريف الصيام

1- الصوم لغة : ا
لإمساك ، وشرعا الإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية .

حكم الصيام

2- أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض ، والدليل من الكتاب قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، و من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : بُني الإسلام على خمس : وذكر منها صوم رمضان رواه البخاري فتح 1/49 ومن أفطر شيئا من رمضان بغير عذر فقد أتى كبيرة عظيمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا التي رآها : " حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما ، قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يُفطرون قبل تحلّة صومهم " أي قبل وقت الإفطار صحيح الترغيب 1/420. قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى : وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان من غير عذر أنه شرّ من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكّون في إسلامه ، ويظنّون به الزندقة والانحلال . وقال شيخ الإسلام رحمه الله : إذا أفطر في رمضان مستحلا لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالا له وجب قتله ، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان . مجموع الفتاوى 25/265

فضل الصيام

3- فضل الصيام عظيم ومما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة : أن الصيام قد اختصه الله لنفسه وأنه يجزي به فيضاعف أجر صاحبه بلا حساب لحديث : " إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " البخاري فتح رقم 1904 صحيح الترغيب 1/407 ، وأن الصوم لا عِدل له النسائي 4/165 وهو في صحيح الترغيب 1/413 ، وأن دعوة الصائم لا تُردّ رواه البيهقي 3/345 وهو في السلسلة الصحيحة 1797 ، وأن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه رواه مسلم 2/807 ، وأن الصيام يشفع " للعبد يوم القيامة يقول : أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه " رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده : المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب 1/411 ، وأن " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " مسلم 2/807 ، وأن " الصوم جُنّة وحصن حصين من النار " رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880 ، وأنّ " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " رواه مسلم 2/808 ، وأنّ " من صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنّة " رواه أحمد 5/391 وهو في صحيح الترغيب 1/412 . وأنّ في الجنة بابا " يُقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد " البخاري فتح رقم 1797 .

وأما رمضان فإنه ركن الإسلام وقد أُنزل فيه القرآن ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، و " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " رواه البخاري الفتح رقم 3277 ، وصيامه يعدل صيام عشرة أشهر أنظر مسند أحمد 5/280 وصحيح الترغيب 1/421 ، و " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري فتح رقم 37 ، و "لله عزّ وجلّ عند كلّ فطر عتقاء " رواه أحمد 5/256 وهو في صحيح الترغيب 1/419 .

من فوائد الصيام

4- في الصيام حكم وفوائد كثيرة مدارها على التقوى التي ذكرها الله عز وجل في قوله : " لعلكم تتقون " ، وبيان ذلك : أن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى وخوفا من عقابه فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام .

وأن الإنسان إذا جاع بطنه اندفع جوع كثير من حواسه ، فإذا شبع بطنه جاع لسانه وعينه ويده وفرجه ، فالصيام يؤدي إلى قهر الشيطان وكسر الشهوة وحفظ الجوارح .

وأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع أحس بحال الفقراء فرحمهم وأعطاهم ما يسدّ جوعتهم ، إذ ليس الخبر كالمعاينة ، ولا يعلم الراكب مشقة الراجل إلا إذا ترجّل .

وأن الصيام يربي الإرادة على اجتناب الهوى والبعد عن المعاصي ، إذ فيه قهر للطبع وفطم للنفس عن مألوفاتها . وفيه كذلك اعتياد النظام ودقة المواعيد مما يعالج فوضى الكثيرين لو عقلوا .

وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين ، فتصوم الأمة وتُفطر في شهر واحد .

وفيه فرصة عظيمة للدعاة إلى الله سبحانه فهذه أفئدة الناس تهوي إلى المساجد ومنهم من يدخله لأول مرة ومنهم من لم يدخله منذ زمن بعيد وهم في حال رقّة نادرة ، فلا بدّ من انتهاز الفرصة بالمواعظ المرقِّقة والدروس المناسبة والكلمات النافعة مع التعاون على البرّ والتقوى . وعلى الداعية أن لا ينشغل بالآخرين كليّا وينسى نفسه فيكون كالفتيلة تضيء للناس وتُحرق نفسها .

5- آداب الصيام وسننه
ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ، فمن ذلك :

الحرص على السحور وتأخيره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " رواه البخاري فتح 4/139 ، فهو الغداء المبارك ، وفيه مخالفة لأهل الكتاب ، و " نِعمَ سحور المؤمن التمر " رواه أبو داود رقم 2345 وهو في صحيح الترغيب 1/448

تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر رواه البخاري فتح 4/198 ، وأن يفطر على ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء ." رواه الترمذي 3/79 وغيره وقال حديث حسن غريب وصححه في الإرواء برقم 922 ، ويقول بعد إفطاره ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود 2/765 وحسن الدار قطني إسناده 2/185 البعد عن الرفث لقوله صلى الله عليه وسلم " .. إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث .. " رواه البخاري الفتح رقم 1904 والرفث هو الوقوع في المعاصي ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . " البخاري الفتح رقم 1903 ، وينبغي أن يجتنب الصائم جميع المحرمات كالغيبة والفحش والكذب ، فربما ذهبت بأجر صيامه كله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع . " رواه ابن ماجه 1/539 وهو في صحيح الترغيب 1/453

ومما أذهب الحسنات وجلب السيئات الانشغال بالفوازير والمسلسلات ، والأفلام والمباريات ، والجلسات الفارغات ، والتسكع في الطرقات ، مع الأشرار ومضيعي الأوقات ، وكثرة اللهو بالسيارات ، وازدحام الأرصفة والطرقات ، حتى صار شهر التهجد والذكر والعبادة ـ عند كثير من الناس ـ شهر نوم بالنهار لئلا يحصل الإحساس بالجوع ، ويضيع من جرّاء ذلك ما يضيع من الصلوات ، ويفوت ما يفوت من الجماعات ، ثم لهو بالليل وانغماس في الشهوات ، وبعضهم يستقبل الشهر بالضجر لما سيفوته من الملذات ، وبعضهم يسافر في رمضان إلى بلاد الكفار للتمتع بالإجازات !! وحتى المساجد لم تخل من المنكرات من خروج النساء متبرجات متعطرات ، وحتى بيت الله الحرام لم يسلم من كثير من هذه الآفات ، وبعضهم يجعل الشهر موسما للتسول وهو غير محتاج ، وبعضهم يلهو فيه بما يضرّ كالألعاب النارية والمفرقعات ، وبعضهم ينشغل بالصفق في الأسواق والتطواف على المحلات ، وبعضهن بالخياطة وتتبع الموضات ، وتنزل البضائع الجديدة والأزياء الحديثة في العشر الأواخر الفاضلات لتشغل الناس عن تحصيل الأجور والحسنات .

* أن لا يصخب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ، إني صائم " رواه البخاري وغيره الفتح رقم 1894 ، فواحدة تذكيرا لنفسه ، والأخرى تذكيرا لخصمه . والناظر في أخلاق عدد من الصائمين يجد خلاف هذا الخُلق الكريم فيجب ضبط النفس ، وكذلك استعمال السكينة وهذا ما ترى عكسه في سرعات السائقين الجنونية عند أذان المغرب.

* عدم الإكثار من الطعام ، لحديث " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنٍ .. " رواه الترمذي رقم 2380 وقال هذا حديث حسن صحيح ، والعاقل إنما يريد أن يأكل ليحيا لا أن يحيا ليأكل ، وإن خير المطاعم ما استخدمت وشرها ما خُدمت . وقد انغمس الناس في صنع أنواع الطعام ، وتفننوا في الأطباق حتى ذهب ذلك بوقت ربات البيوت والخادمات ، وأشغلهن عن العبادة ، وصار ما ينفق من الأموال في ثمن الأطعمة أضعاف ما يُنفق في العادة ، وأصبح الشهر شهر التخمة والسمنة وأمراض المعدة . يأكلون أكل المنهومين ، ويشربون شرب الهيم ، فإذا قاموا إلى صلاة التراويح قاموا كسالى ، وبعضهم يخرج بعد أول ركعتين .

* الجود بالعلم والمال والجاه والبدن والخُلُق ، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس { بالخير } ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " . رواه البخاري الفتح رقم 6 فكيف بأناس استبدلوا الجود بالبخل والنشاط في الطاعات بالكسل والخمول فلا يتقنون الأعمال ولا يحسنون المعاملة متذرعين بالصيام .

والجمع بين الصيام والإطعام من أسباب دخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام " رواه أحمد 5/343 وابن خزيمة رقم 2137 وقال الألباني في تعليقه : إسناده حسن لغيره ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من فطّر صائما كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء . " رواه الترمذي 3/171 وهو في صحيح الترغيب 1/451 قال شيخ الإسلام رحمه الله : والمراد بتفطيره أن يُشبعه . الاختيارات الفقهية ص : 109

وقد آثر عدد من السلف ـ رحمهم الله ـ الفقراءَ على أنفسهم بطعام إفطارهم ، منهم : عبد الله بن عمر ، ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل وغيرهم . وكان عبد الله بن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين .

ومما ينبغي فعله في الشهر العظيم

* تهيئة الأجواء والنفوس للعبادة ، والإسراع إلى التوبة والإنابة ، والفرح بدخول الشهر ، وإتقان الصيام ، والخشوع في التراويح ، وعدم الفتور في العشر الأواسط ، وتحري ليلة القدر ، ومواصلة ختمة بعد ختمة مع التباكي والتدبر ، وعمرة في رمضان تعدل حجة ، والصدقة في الزمان الفاضل مضاعفة ، والاعتكاف في رمضان مؤكد .

* لا بأس بالتهنئة بدخول الشهر ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويحثّهم على الاعتناء به فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجلّ عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب السماء ، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم ، وتغلّ فيه مردة الشياطين ، فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم " رواه النسائي 4/129 وهو في صحيح الترغيب 1/490

من أحكام الصيام

6- من الصيام ما يجب التتابع فيه كصوم رمضان والصوم في كفارة القتل الخطأ وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان وكذلك من نذر صوما متتابعا لزمه .

ومن الصيام ما لايلزم فيه التتابع كقضاء رمضان وصيام عشرة أيام لمن لم يجد الهدي والصوم في كفارة اليمين( عند الجمهور ) وصوم الفدية في محظورات الإحرام( على الراجح ) وكذلك صوم النذر المطلق لمن لم ينو التتابع .

7- صيام التطوع يجبر نقص صيام الفريضة ، ومن أمثلته عاشوراء وعرفة وأيام البيض والاثنين والخميس وست من شوال والإكثار من الصيام في محرم وشعبان .

8- جاء النهي عن إفراد الجمعة بالصوم البخاري فتح الباري برقم 1985 وعن صيام السبت في غير الفريضة رواه الترمذي 3/111 وحسنه والمقصود إفراده دون سبب ، وعن صوم الدهر ، وعن الوصال في الصوم ، وهو أن يواصل يومين أو أكثر دون إفطار بينهما .

ويحرم صيام يومي العيد وأيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله ، ويجوز لمن لم يجد الهدي أن يصومها بمنى .

ثبوت دخول الشهر

9- يثبت دخول شهر رمضان برؤية هلاله أو بإتمام شعبان ثلاثين يوما ، ويجب على من رأى الهلال أو بلغه الخبر من ثقة أن يصوم .

وأما العمل بالحسابات في دخول الشهر فبدعة ، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم نصّ في المسألة : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " ، فإذا أخبر المسلم البالغ العاقل الموثوق بخبره لأمانته وبصره أنه رأى الهلال بعينه عُمل بخبره .

على من يجب الصوم

10- ويجب الصيام على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع كالحيض والنفاس .

و يحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة : ـ إنزال المني باحتلام أو غيره ، ـ نبات شعر العانة الخشن حول القُبُل ، ـ إتمام خمس عشرة سنة . وتزيد الأنثى أمرا رابعا وهو الحيض فيجب عليها الصيام ولو حاضت قبل سنّ العاشرة .

11- يؤمر الصبي بالصيام لسبع إن أطاقه "وذكر بعض أهل العلم أنه " يُضرب على تركه لعشر كالصلاة انظر المغني 3/90 . وأجر الصيام للصبي، ولوالديه أجر التربية والدلالة على الخير ، عن الرُبيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت في صيام عاشوراء لما فُرض : كنا نصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار . البخاري فتح رقم 1960 وبعض الناس يتساهل في أمر أبنائه وبناته بالصيام ، بل ربما صام الولد متحمّسا وهو يُطيق فأمره أبوه أو أمه بالإفطار شفقة عليه بزعمهما ، وما علموا أنّ الشفقة الحقيقية بتعاهده بالصيام ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شِداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون ) . وينبغي الاعتناء بصيام البنت في أول بلوغها ، فربما تصوم إذا جاءها الدم خجلا ثم لا تقضي .

12- إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أثناء النهار لزمهم الإمساك بقية اليوم لأنهم صاروا من أهل الوجوب ، ولا يلزمهم قضاء ما فات من الشهر ، لأنهم لم يكونوا من أهل الوجوب في ذلك الوقت .

13- المجنون مرفوع عنه القلم ، فإن كان يجنّ أحيانا ويُفيق أحيانا لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه . وإن جنّ في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أغمي عليه بمرض أو غيره لأنه نوى الصيام وهو عاقل . مجالس شهر رمضان ابن عثيمين ص : 28 ومثله في الحكم المصروع .

14- من مات أثناء الشهر فليس عليه ولا على أوليائه شيء فيما تبقى من الشهر .

15- من جهل فرض الصوم في رمضان أو جهل تحريم الطعام أو الوطء فجمهور العلماء على عذره إن كان يُعذر مثله ، كحديث العهد بالإسلام والمسلم في دار الحرب ومن نشأ بين الكفار . أما من كان بين المسلمين ويمكنه السؤال والتعلم فليس بمعذور .

المسافر

16- يُشترط للفطر في السفر : أن يكون سفرا مسافة أو عرفا ( على الخلاف المعروف بين أهل العلم ) ، وأن يُجاوز البلد وما اتصل به من بناء وقد منع الجمهور من الإفطار قبل مغادرة البلد وقالوا إن السفر لم يتحقق بعد بل هو مقيم وشاهد وقد قال تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد . أما إذا كان في البلد فله أحكام الحاضرين ولذلك لا يقصر الصلاة . ، وأن لا يكون سفره سفر معصية ( عند الجمهور) ، وأن لا يكون قصد بسفره التحيّل على الفطر .

17- يجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادرا على الصيام أم عاجزا وسواء شقّ عليه الصوم أم لم يشقّ ، بحيث لو كان مسافرا في الظلّ والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر مجموع الفتاوى 25/210

18- من عزم على السفر في رمضان فإنه لا ينوي الفطر حتى يسافر لأنه قد يعرض له ما يمنعه من سفره تفسير القرطبي 2/278

ولا يُفطر المسافر إلا بعد خروجه ومفارقة بيوت قريته العامرة_( المأهولة ) ، فإذا انفصل عن بنيان البلد أفطر ، وكذا إذا أقلعت به الطائرة وفارقت البنيان ، وإذا كان المطار خارج بلدته أفطر فيه ، أما إذا كان المطار في البلد أو ملاصقا لها فإنه لا يُفطر فيه لأنه لا يزال في البلد.

19- إذا غربت الشمس فأفطر على الأرض ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس لم يلزمه الإمساك لأنه أتمّ صيام يومه كاملا فلا سبيل إلى إعادته للعبادة بعد فراغه منها . وإذا أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس وأراد إتمام صيام ذلك اليوم في السفر فلا يُفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه من الجوّ ، ولا يجوز للطيار أن يهبط إلى مستوى لا تُرى فيه الشمس لأجل الإفطار لأنه تحايل لكن إن نزل لمصلحة الطيران فاختفى قرص الشمس أفطر . من فتاوى الشيخ ابن باز مشافهة

20- من وصل إلى بلد ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام وجب عليه الصيام عند جمهور أهل العلم فالذي يسافر للدراسة في الخارج أشهرا أو سنوات فالجمهور ومنهم الأئمة الأربعة أنه في حكم المقيم يلزمه الصوم والإتمام .

وإذا مرّ المسافر ببلد غير بلده فليس عليه أن يمسك إلا إذا كانت إقامته فيها أكثر من أربعة أيام فإنه يصوم لأنه في حكم المقيمين أنظر فتاوى الدعوة ابن باز 977

21- من ابتدأ الصيام وهو مقيم ثم سافر أثناء النهار جاز له الفطر لأن الله جعل مطلق السفر سببا للرخصة بقوله تعالى : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر ) .

22- ويجوز أن يُفطر مَن عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه كالبريد الذي يُسافر في مصالح المسلمين ( وأصحاب سيارات الأجرة والطيارين والموظفين ولو كان سفرهم يوميا وعليهم القضاء ) وكذلك الملاّح الذي له مكان في البرّ يسكنه فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرا فهذا لا يقصر ولا يفطر . والبدو الرحّل إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى جاز لهم الفطر والقصر وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يُفطروا ولم يقصروا وإن كانوا يتتبعون المراعي أنظر مجموع فتاوى ابن تيمية 25/213

23- إذا قدم المسافر في أثناء النهار ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء مجموع الفتاوى 25/212 والأحوط له أن يمسك مراعاة لحرمة الشهر ، لكن عليه القضاء أمسك أو لم يمسك .

24- إذا ابتدأ الصيام في بلد ثم سافر إلى بلد صاموا قبلهم أو بعدهم فإن حكمه حكم من سافر إليهم فلا يفطر إلا بإفطارهم ولو زاد عن ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم " الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تُفطرون " ، وإن نقص صومه عن تسعة وعشرين يوما فعليه إكماله بعد العيد إلى تسعة وعشرين يوما لأن الشهر الهجري لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما . من فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز : فتاوى الصيام :دار الوطن ص: 15-16

المريض

25- كل مرض خرج به الإنسان عن حدّ الصحة يجوز أن يُفطر به ، والأصل في ذلك قول الله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . أما الشيء الخفيف كالسعال والصداع فلا يجوز الفطر بسببه .

وإذا ثبت بالطب أو علم الشخص من عادته وتجربته أو غلب على ظنّه أن الصيام يجلب له المرض أو يزيده أو يؤخر البرء يجوز له أن يُفطر بل يُكره له الصيام . وإذا كان المرض مطبقا فلا يجب على المريض أن ينوي الصوم بالليل ولو كان يُحتمل أن يُصبح صحيحا لأن العبرة بالحال الحاضرة.

26- إن كان الصوم يسبب له الإغماء أفطر وقضى الفتاوى 25/217 ، وإذا أغمي عليه أثناء النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح ما دام أصبح صائما ، وإذا طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه . أما قضاء المغمى عليه فهو واجب عند جمهور العلماء مهما طالت مدة الإغماء المغني مع الشرح الكبير 1/412، 3/32 ، والموسوعة الفقهية الكويتية 5/268 ، وأفتى بعض أهل العلم بأن من أغمي عليه أو وضعوا له منوّما أو مخدرا لمصلحته فغاب عن الوعي فإن كان ثلاثة أيام فأقلّ يقضي قياسا على النائم وإن كان أكثر لا يقضي قياسا على المجنون من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة

27- ومن أرهقه جوع مفرط أو عطش شديد فخاف على نفسه الهلاك أو ذهاب بعض الحواسّ بغلبة الظن لا الوهم أفطر وقضى لأن حفظ النفس واجب ، ولا يجوز الفطر لمجرد الشدة المحتملة أو التعب أو خوف المرض متوهما ، وأصحاب المهن الشاقة لا يجوز لهم الفطر وعليهم نية الصيام بالليل ، فإن كان يضرهم ترك الصنعة وخشوا على أنفسهم التلف أثناء النهار ، أو لحق بهم مشقة عظيمة اضطرتهم إلى الإفطار فإنهم يُفطرون بما يدفع المشقة ثمّ يُمسكون إلى الغروب ويقضون بعد ذلك ، وعلى العامل في المهن الشّاقة كأفران صهر المعادن وغيرها إذا كان لا يستطيع تحمّل الصيام أن يحاول جعل عمله بالليل أو يأخذ إجازة أثناء شهر رمضان ولو بدون مرتّب فإن لم يتيسّر ذلك بحث عن عمل آخر يُمكنه فيه الجمع بين الواجبين الديني والدنيوي ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب : فتاوى اللجنة الدائمة 10/233،235 . وليست امتحانات الطلاب عذرا يبيح الفطر في رمضان ، ولا تجوز طاعة الوالدين في الإفطار لأجل الامتحان لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق : فتاوى اللجنة الدائمة 10/241

28- المريض الذي يُرجى بُرؤه ينتظر الشفاء ثم يقضي ولا يُجزئه الإطعام ، والمريض مرضا مزمنا لا يُرجى برؤه وكذا الكبير العاجز يُطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من قوت البلد ( وذلك يعادل كيلو ونصف تقريبا من الرز ) ، ويجوز أن يجمع الفدية فيطعم المساكين في آخر الشهر ويجوز أن يطعم مسكينا كلّ يوم ، ويجب إخراجها طعاما لنصّ الآية ولا يُجزئ إعطاؤها إلى المسكين نقودا فتاوى اللجنة الدائمة 10/198 ، ويُمكن أن يوكّل ثقة أو جهة خيرية موثوقة لشراء الطعام وتوزيعه نيابة عنه .

والمريض الذي أفطر من رمضان وينتظر الشفاء ليقضي ثم علم أن مرضه مزمن فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطره من فتاوى الشيخ ابن عثيمين ومن كان ينتظر الشفاء من مرض يُرجى برؤه فمات فليس عليه ولا على أوليائه شيء . ومن كان مرضه يُعتبر مزمنا فأفطر وأطعم ثم مع تقدّم الطبّ وُجد له علاج فاستعمله وشفي لا يلزمه شيء عما مضى لأنّه فعل ما وجب عليه في حينه . فتاوى اللجنة الدائمة 10/195

29- من مرض ثمّ شفي وتمكن من القضاء فلم يقض حتى مات أُخرج من ماله طعام مسكين عن كل يوم . وإن رغب أحد أقاربه أن يصوم عنه فيصحّ ذلك ، لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليّه " .من فتاوى اللجنة الدائمة مجلة الدعوة 806

الكبير والعاجز والهرم

30