ومضى عام
عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين
الحمد لله بارِئِ النسمات، والحمد الله مصوِّرِ المخلوقات، والحمد لله فاطر الأرض والسموات، والحمد لله فالقِ الحبِّ والنوى، والحمد لله فالق الإصباح، وجاعلِ الليلِ سكنًا، والحمد لله على ما أسبغ من النِّعم، ودفع من النقم، والحمد لله على ما تفضل من الهبات والعطايا، وعلى ما صرف من البلايا والرزايا، والحمد لله يخفض ويرفع، ويُعطي ويمنع، فله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى، فله الحمد كله، وله الثناء كله، وله المجد كله، كما يحب ربنا ويرضى، وله الحمد ملأ السموات والأرض، وملأ ما يشاء ربنا بعد {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلِّبُ الليل والنهار، ومكوِّرُ النهارِ على الليل، ومكور الليلِ على النهار، يحيي ويميت، وهو الحي الذي لا يموت، وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا، وإليه يرجعون.
وأشهد أن محمدًا ‘ عبده ورسوله، أحيا الله به القلوب الميتة، وأضاء به الطرق المظلمة، وأنقذ به من المسالك المهلكة، فما من خير في الدينا، ولا فضل ولا نعمة، ولا سعة ولا راحة إلا من بركة دعوته، وما من شر وبلاء وقحط وفتنة إلا من الإعراض عن دينه وشرعته.. صلى الله عليه عدد ما مدحه المادحون، وعدد ما ذكره الذاكرون، وعدد نجوم السما، وعدد ما خلق ربنا وبرى.. وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
فهذا قلبُكَ ينبِض بالإرادةِ والحياة، وهذهِ أنفاسُكَ تترددُ في جوفِكِ، وهذه عينُك تُبصِر، وأُذُنُكَ تسمع، ويدُكَ تبْطِشُ، ورِجلُك تَمْشي، وهذه شمسٌ تشرِقْ، وهذا هلال يهِل، وهذا نهارٌ يُضيء، وهذا ليلٌ يظلم، فهل شَعُرْتَ يومًا أن هذه جميعًا تتعاون وتتعاضد لتقودَكَ إلى أجلك المحتوم..
وما هذه الأيامُ إلا مــــــراحــلُ *** يحُثُّ بها حادٍ إلى الموت قاصدُ
وأعجبُ شيءٍ لو تأملتَ أنها *** منازلُ تُطـوى والمُســـافِرُ قــــاعِدُ
تذهبُ بك جوارحُك إلى سوق الغُدوِّ والرواح، في المساء وفي الصباح، فتبيعك بأبخس الأثمان وأزهدها، أو بأغلى الأثمان وأرفعها، فإما أعتقتك، أو أهلتك، عن أبي مالك الأشعريِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الطُّهورُ شطْرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاةُ نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها، أو موبقها)). رواه مسلم (223).
قال الحسن البصري: )ابنَ آدم! إنك تغدو أو تروحُ في طلبِ الأربَاح؛ فليكن هَمُّكَ نفْسَكَ؛ فإنك لن ترَبَح مِثْلها أبدًا(.
كيف انقضى العام ؟!
ما أسرع تصرم الأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، كيف مضى عام بهذه السرعة؟ كنا بالأمس في أول العام، ونحن اليوم في منتهاه، بل قد انقضى ودخل غيره!!
هل ذهبت بركة الأوقات فلم نشعر بتصرِّمها؟!
أم أننا قد أدركنا علامة من علامات الساعة؟! تكون السنة فيها كالشهر؟ فوالله كأن سنيننا شهورٌ.
أم أنها نعمة من نعم الله على عباده، قد وسَّعَ لهم في الرزق، وعافاهم في البدن، وأنعم عليهم بالأمن؛ فلم يشعروا بمضي الأوقات، ولا بتعاقب الليل والنهار؟!
عن عبيد الله بن مُحصِن الأنصاري _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
فهل يشعر بمضي الساعات من سلم من الأسقام؟ وهل يحس بمرور الأيام من كُفِي هم الرزق؟ وهل يُحس بانقضاء الشهور من أمِنِ في ماله ونفسه وعرضه؟
كم من المسلمين يفقدون إحدى هذه الخصال أو كلَّها، فكيف تكون أيامهم، وكيف تمر بهم الساعات، وعلى أي شيء تنقضي الشهور؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمِك, وحياتَك قبل موتِك, وفراغَكَ قبل شُغْلِك, وصِحَّتَك قبل مرضِك, وغِنَاك قبل فقرك))().
وكان ابن عمر يقول: )اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك( رواه البخاري.
سنة كاملة بساعاتها، وأيامها، وشهورها، فكم عملنا فيها من أعمال قد نسيناها، لكنها عند الله محفوظة، وفي صحائف الأعمال مرصودة، وغدًا سنوفاها، يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)}
هل زادت أعمارنا أو نقصت؟!
هل انقضاء الأعوام يزيد في الأعمار أم يُنقصها؟ إن للعمر طرفان، طرفٌ من قِبَل المولِد، وطرفٌ من قِبَل الأجل؛ فكلما انقضى عام ابتعدت عن يوم مولِدِك، واقتربت من يوم نهايتك، وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدِمُ في عُمُرِك و تُنقِصُ من أجلِك.
أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، أو نعلقه على حوائطنا، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدةَ فقط، هكذا عُمْري و عُمْرُك يا أخي؛ مجموعة أيام، ومجموعة ليالي، كلما مضي يوم أو انقضت ليلة نقصت أعمارنا، ونقص رصيد أيامنا في هذا الحياة حتى ينتهي ذلك الرصيد، ثم نغادر هذه الدنيا.
كم يتمنى المرء تمامَ شهرِه! وهو يعلم أن ذلك يُنقص من عُمُرِه؟ كيف يفرح بالدنيا من يومُه يهدِمُ شهْرَه؟ وشهرُه يهدِم سنتَه؟ وسنتُه تهدِم عُمُرَه؟ كيف يفرح من يقودُه عمرُه إلى أجلِه، وتقودُه حياتُه إلى موتِه؟
قال الحسن البصري ’: يا ابن أدم إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
إنـا لنفـرح بالأيـامِ نقـطَعُها *** وكـلُّ يومٍ مضى يُدْني من الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا *** فإنما الرِّبح والخسران في العمل
قال الفضيل بنُ عياضٍ لرجل: كم أتى عليك؟
قال: ستون سنة.
قال: فأنت مُنذ ستين سنة تسير إلى ربك؟! يوشِكُ أن تبلُغ.
فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الفضيل: أتعرف تفسيره؛ تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون!! فمن علِم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع؛ فليعلم أنه موقوف، ومن علِم أنه موقوف؛ فليعلم أنه مسئول، فليُعِدَّ للسؤال جوابا.
فقال الرجل: فما الحيلة؟
قال: يسيرة.
قال: ما هي؟
قال: تحسن فيما بقي يغفرْ لكَ ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخِذتَ بما مضى وما بقي، والأعمالُ بالخواتيم.
ومن لم يزده الســنُّ ما عاشَ عبرةً *** فذاك الذي لا يســتنير بنــــــورِ
عام كامل بين العلم والعمل!!
سنةٌ كاملةٌ من عُمُرِ الإنسان قد طويت، وصحيفةُ عامٍ كامل قد ملئت، ووضعت في رِقٍ، ثم خُتِم وطُبِع، فلن يُكسر إلاّ يومَ القيامة.
كلُّ المخلوقات تنتهي أعمارها، وتُطوى آجالها، وتُمزَّق صحائفها، إلا الإنسان فإنه يبقى متبوعًا بعد رحيله، موقوفًا للجزاء والحساب.
كم آيةً من القرآن حفِظتَها، وعرفتَ تفسيرها، واستمعت إلى كلام أهل العلم فيها، وكم حديثًا عن نبينا صلى الله عليه وسلم قرأته، وشُرِحَ لك معناه، وما فيه من الفقه، وكم قرأت من أحكام الحلال والحرام، وكم قرأت من علم العرب وآدابهم، مما فيه عون على فهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، كم بحثًا بحثته، وكم ورقةً كتبتها، كم ساعةً جلستها في الدرس والبحث، بل كم من الأيام قضيتها في الذهاب والإياب، والجلوس والاستماع، والقراءة والحفظ؟!
فبالله الذي لا إله غيره، ماذا أردت بكل ذلك، ومن أردت؟! هل أردت الله والدار الآخرة؟ هل أردت رفع الجهل عن نفسك وأهلِك؟ هل كان آخرُ عهدك بالآية آخرَ قطرةٍ من الحبر وضعتها على ورقة الاختبار؟ وهل كان آخرُ عهدك بالحديث والفقه والنحو والأدب حين حَصَلت على شهادة تأكل بها؟
إن كنت قد نسيت علمَك والوقت الذي أنفقته فيه، فهو عند الله لم يُنس، وضع في صحائف الأعمال، وقد كتب عليه ما قصده صاحبه، ومن أريد به.
قال صلى الله عليه وسلم : ((القرآن حجة لك أو عليك))، وقال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً (82)} .
قال بعض السلف: ما جالس أحدٌ القرآن فقام عنه سالمًا؛ بل إما أن يربح، أو أن يخسر، ثم تلا هذه الآية.
وقال أبو موسى الأشعري: إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا، وكائن عليكم وزرًا، فاتبِعوا القرآن، ولا يتبِعُكُم القرآن؛ فإنه من اتَّبعَ القرآنَ هَبَطَ به على رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن زَخَّ في قفاه فقذفه في النار.
وكم أتعب مدرس نفسه، واستعد لدرسه، وإفهام طلابه، فكم من الساعات قضينا في إعداد الدروس وإلقائها، وكتابة الأسئلة وتصحيحها؛ فأين هي الآن؟ وهل كانت لنا أو علينا؟
وكم جلس إداري خلف مكتبه، وأنجز من الأعمال، وكتب من الأوراق، فماذا أراد، ومن أراد؟
هل حظنا من علمنا وأعمالنا مال نأخذه؟ أو جاه ندركه؟ أو صيت نرتفع به؟
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه)).
بين الحياة والموت
عامٌ تولى و انصرم، بين مولود ومفقود، وباك وضاحك، كم استبشرنا فيه بمولود فرح به أهله وأقاربه، فمن مهنٍ ومن مهدي، ملأ عليهم بيتهم، وغمرهم بالفرحة والأنس، فهم به فرحون، وعليه خائفون، وبتربيته قائمون.
وكم ودعنا فيه من أحبة، و فقدنا فيه من أعزة، أسلمناهم إلى الردى والبِلى، وتركناهم في مكان موحش مظلم، ووالله كما ودَّعنا فسوف نُودَّعْ، وكما بكينا فسوف يُبكى علينا، وكما حَمَلْنا فسوف نُحمَل، وكما تَركنا أحبتنا فسيتركوننا.
أتيتُ القبورَ فناديتُها ... أين المعظَّمُ والمحتقر!
تفانوا جميعا فما مخبرٌ ... وماتوا جميعا ومات الخبر
قال عمر بن عبد العزيز: إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله على أهلها منها الظَّعَن- أي التحول والانتقال، والسير منها إلى غيرها-، فكم من عامرٍ موثَّقٍ عما قليل يْخرَبُ، وكم من مُقيمٍ مغتبِطٍ عما قليل يظْعَنُ؛ فأحسنوا رحمكم الله منها الرِّحَلة بأحسنِ ما بِحَضْرَتِكُم من النُّقْلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
أهذه هي الدنيا؟!! قد فضحها والله الموت؛ فأي هناء فيها ليس الموت مفسده، وأي نعيم فيها ليس الموت قاطعه؟!
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها *** منازلُكَ الأولى، وفيها الْمُخيَّم
ولكننا سبْيُّ العدوِّ؛ فهل تَرى *** نعودُ إلى أوطانِنا ونسلمُ؟!
وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأَى *** وشطَّتْ به أوطانُهُ فهو مُغْرمُ
وأيُّ اغترابٍ فوقَ غُربتِنا التي *** لها أضحتِ الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ
عام بين اللذة والألم
عامٌ انصرمَ بما فيه من اللذائذ والآلام، عبثَ فيه العابثون، وتلذذ فيه بالشهوات اللاهون، وأخذوا من الدنيا ما يشاؤون.
وأجادَ فيه المخلصون، وتصبروا عن فعل المحرمات، ونهوا النفس عن ارتكاب المنكرات، وخافوا من يوم عبوس قمطرير، ترتج له الأرض، وتتفطر من هوله السموات.
أما الصالحونَ فادخروا أجَلَّ الحسنات، وأما المبطلونَ فكنزوا أقبحَ السيئات، فسوف يرى كلٌ بضاعتَه يوم يُبعثرُ ما في القبور، ويُحصَّلُ ما في الصدور {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الْذين ابْيَضَّتْ وجُوهُهم ففي رَحْمةِ اللهِ هُمْ فيهَا خَالِدُون}.
الطائع تحمل مشقة الطاعة، وصبر على القيام بأمر الله، وصبر عن الحرام، وصبر على قضاء الله وقدره؛ فأين هو اليوم من ذلك التعب والمشقة؟
زال التعب، وذهبت المشقة، وبقي الأجر والفرح والراحة {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} .
وهذا العاصي الذي ركِبَ هواه، وفعل الحرام، وتلذذ بالآثام، أين هو اليوم من تلك اللذة؟! هل يشعر بها؟ هل يستمتع بها؟ ذهبت اللذة والمتعة، وجاء الألم والشقاء {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ (54)}
الطائع طلب الراحة بتعب جسده في طاعة الله فوجدها.
والعاصي طلب الراحة في معصية الله فما وجدها، وإنما وجد التعب والنصب والحزن.
إذا دعتك اللذة والشهوة إلى المعصية فتذكر ما يأتي بعدها من الحسرة والندامة، وارفع رأسك، وانظر ببصرك إلى مستقبلك الحقيقي، إلى الحياة الحقيقية التي خُلقت لها حتى لا تقول كما قال الخاسر يا ليتني قدمت لحياتي، قال الله تعالى {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)}
وإذا أصابك الفتور والضعف، وتثاقَلتْ نفْسُك عن الطاعة؛ فتذكر يومًا تقف فيه بين يدي الله لا ينفعك فيه إلا العمل الصالح، قال الله تعالى {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13)}
لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال: )لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرُّ منه، وفي رواية شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم(.
فهذا الخبر من أعلام النبوة؛ لإخباره ‘ بفساد الأحوال، وذلك من الغيب الذي لا يُعلم بالرأي وإنما يُعلم بالوحي.
والمقصود: لا يأتي زمان إلا والذي بعده أَشَرُّ، مثلُ كثرة الفتن وابتعاد الناس عن معين الشريعة، وانغماسهم في المعاصي كلما مرت السنون والأعوام، وهذا من حيث الأعم الأغلب.
يقول عبد الله بن مسعود: (لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله؛ فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر؛ فعند ذلك يهلكون).
وروي عنه أنه قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر مما كان قبله؛ أما إني لا أعني أميرًا خيرًا من أميرٍ، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفًا, ويجيء قوم يفتون برأيهم).
وروي عنه أنه قال: (وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء, ثم يحدُثُ قومٌ يُفتون في الأمور برأيهم؛ فيثلِمُونَ الإسلامَ ويهدِمُونَه).
ومصداق ذلك قول الرسول ‘ ((إنَّ الله لا يقبِضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ من صدور العِبَاد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناسُ رُؤوسًا جُهالاً فسُئلوا؛ فأفْتَوا بغير علم، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)).
فهل من مشمر عن ساعد الجد في طلب العلم؛ ليكون من خير عباد الله، وأنفعهم للناس، ويحفظ أمته من الهلاك، ويجري له عمله في حياته وبعد موته، ما انتفع الناس بعلمه؟
العام بين العبرة والتهنئة
ذهب جمع من أهل العلم إلى جواز رد التهنئة بالعام الجديد؛ لأنه من العادات التي جرى عليها أمر الناس، وليس المقصود بها التعبد، لكن لا يبتدئ التهنئة به؛ لعدم ورود ذلك عن السلف، ولأن العبرة في الأزمان بالعمل فيها، لا ببلوغها.
لكن هل نهنئ بعضًا بحلول الأعوام، أو نذكِّر بعضًا بحلول الآجال، وقُربِ الرحيل؟!
إن في ذهاب الأعوام موعظةً يجب أن نعتبرها، وأن نسعى سعي المسافر الغريب في البلاد البعيدة يستحث نفسه للرجوع إلى بلده وموطنه، وليس شيء أعظم من العلم المصدَّقِ بالعمل ينقذكم مما أنتم فيه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)} .
اللهم إنا نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا، ونستغفرك مما تبنا إليك منه، ثم عدنا فيه، ونستغفرك مما جعلناه لك على أنفسنا ثم لم نوف لك به، ونستغفرك مما زعمنا أنا أردنا به وجهك فخالط قلوبنا منه ما قد علمت.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه محمد ‘ عبدك ونبيك، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبد ونبيك صلى الله عليه وسلم .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك ما قضيت لنا من قضاء أن تجعل عاقبته رَُشَْدًا.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه، وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه.
اللهم أنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
-------------
رواه الحاكم، وصححه، ورجح بعض أهل العلم إرساله، وأن في سنده عند الحاكم خطًأ. انظر: تعليق محقق جامع العلوم والحكم (718).

tawasul
•

tawasul
•
عامٌ أفل..وعامُ أطل
إشراقة الدعوة
هاهي أيامٌ من أعمارنا تُطوى..
وذنوبٌ قد خلت..لها الجبينُ يندى..
حياءً من الرحمن..فيا ليتها تُمحى..
تسعى كل نفس..ثم تُجزى بما تسعى..
من خُتم له بالخير..
فقد بورك المسعى..
قال الله:
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى..
وأن سعيه سوف يُرى..
ثم يجزاه الجزاء الأوفى..)
فأحسن السعيَّ .. بالجنان تُجزى..
وتُبْ إلى الله من قبل أن تفنى..
فيا حسرة النفس..إذ القبور تُبنى..
وما لها من توبةٍ..عن عذاب الله تُغنيها..
** عامٌ بالأمس مضى..
وعامٌ في اليوم أتى..
وإنَّا لنفرح بالأيام نقطعها..
وكل يومٍ يُدني من الأجلِ..
فهل لنا في ذلك عبرةً وذكرى؟؟
يا مُعتبر..
للآخرة والله خيرٌ من الأولى..
فكن فطناً..( لا تبخس النفس حقها)..
قد مضى ما مضى..
فجدد العزم ..وحُثَّ الخُطى..
..( كل القلوب تظمأ)..
فإياك إن ظمئت..
بالذنب ترويها..!!
واعمل لدارٍ..
رضوان حارسها..
الجارُ أحمد..والرحمن بانيها..
ولا تنسى:
( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا)..
إشراقة الدعوة
هاهي أيامٌ من أعمارنا تُطوى..
وذنوبٌ قد خلت..لها الجبينُ يندى..
حياءً من الرحمن..فيا ليتها تُمحى..
تسعى كل نفس..ثم تُجزى بما تسعى..
من خُتم له بالخير..
فقد بورك المسعى..
قال الله:
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى..
وأن سعيه سوف يُرى..
ثم يجزاه الجزاء الأوفى..)
فأحسن السعيَّ .. بالجنان تُجزى..
وتُبْ إلى الله من قبل أن تفنى..
فيا حسرة النفس..إذ القبور تُبنى..
وما لها من توبةٍ..عن عذاب الله تُغنيها..
** عامٌ بالأمس مضى..
وعامٌ في اليوم أتى..
وإنَّا لنفرح بالأيام نقطعها..
وكل يومٍ يُدني من الأجلِ..
فهل لنا في ذلك عبرةً وذكرى؟؟
يا مُعتبر..
للآخرة والله خيرٌ من الأولى..
فكن فطناً..( لا تبخس النفس حقها)..
قد مضى ما مضى..
فجدد العزم ..وحُثَّ الخُطى..
..( كل القلوب تظمأ)..
فإياك إن ظمئت..
بالذنب ترويها..!!
واعمل لدارٍ..
رضوان حارسها..
الجارُ أحمد..والرحمن بانيها..
ولا تنسى:
( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا)..

tawasul
•
رسالة لم يحملها البريد
زياد بن أحمد بن خمبشي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
فأحمد الله تعالى أولاً على نعمه العظيمة، وآلائه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والتي منها أن جعلنا أبناء أسرةٍ شريفةٍ هي أسرة الشهور القمرية، التي قال عنها الباري جل وعلا ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم).
ثم أحمده على أن جعل نسبنا خير نسب، وامتدادنا خير امتداد جعلها إلى هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حيث أرسى دعائم هذا النسب العريق الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في قصةٍ مشهورة ذكرها أهل التاريخ، وراجع إن شئت كتاب التوبيخ لمن ذم التاريخ للإمام السخاوي.
أخي الكريم العام القادم
أكتب لك رسالتي هذه وأنا في عجلة من أمري، أحزم حقائبي وأجمع أمتعتي، حيث لم يبق لي في هذه الحياة الدنيا إلا لحظات وينادي منادي مناد القافلة أن حان الرحيل، ولم يبق لك مكان بل هو لقادم آخر مكانك هو أنت أيها العام القادم، أكتب لك وأنا مثقل بالذكريات الحلوة والمرة، السعيدة والشقية ومثقل بالتجارب القصيرة والطويلة، الجميلة والقبيحة، فإذا ما علمت هذا فأصغ لي السمع واجمع لي الخاطر لبضع لحظات؛ أعطيك خلاصة سنةٍ كاملة مع بني آدم، وكيف هم مع الأيام واللحظات والساعات، علك أن تنتفع بها وتكون على استعداد لما يحدث، ولا يطول بك العجب ولو كانت أيامك في شهر رجب وما مر بي سيمر بك، والعاقل فيهم من اتعظ بغيره.
إن السعيد له من غيره عظة *** وفي التجارب تحكيم ومعتبر
،أخي بارك الله فيك، أول موعظةٍ أقدمها لك هي سرعة انقضاء أيامك ولياليك وتصرم شهورك وفصولك، فما أن تستفتح بالمحرم، حتى تجد أن شهر ذي الحجة قد آذن بالنزول. وهذا يا أخي هو مصداق حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر عن تقارب الوقت في آخر الزمان، فقال: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار ).
واعلم يا أخي بأن الناس في استقبالك وتوديعك أصناف شتى، فمنهم من يطير فرحاً بمقدمك وبزوغ هلال أول شهرٍ فيك، وسبب فرحهم هو أن أعمارهم قد زادت وسنهم قد على، وما دروا هؤلاء المساكين أن أعمارهم في نقصان، وأن آجالهم في اقتراب، بل ما فقهوا أن هذه الأيام هي حجة عليهم إن لم يستغلوها، ووالله ثم والله إنهم لفي غفلة شديدة وسهوٍ عظيم، فأين هم من قول الشاعر:
إنا لنفرح بالأيـام نقطعـها *** وكل يومٍ مضى يدني من الأجل
بل أين هم من قول الآخر:
نجد سروراً بالهلال إذا بدا *** وما هو إلا السيف للحق ينتضى
إذا قيل تم الشهر فهو كنايةٌ *** وترجمة عن شطر عمر قد انقضى
إن هؤلاء يعمهون في سكرةٍ لا يستيقظون منها إلا وهم في عسكر الموتى، إن الليالي والأيام التي يفرحون بها تؤزهم أزاً إلى آجالهم، قال بعض الحكماء: قد اعتورك الليل والنهار، يدفعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل، حتى يأتيك الموت.
وما هذه الأيام إلا مراحل *** يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها *** مراحل تطوى والمسافر قاعد
هؤلاء ما فهموا أن العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه، وأتمنى يا أخي لو أوصلت لهؤلاء قول ابن رجب رحمه الله : يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك.
هذا يا أخي هو حال صنف من الناس هذه هي نظرتهم، وهذا هو نبؤهم وصنفُ هو النقيض من ذلك، بينهم وبين الصنف الأول كما بين السماء والأرض، وبُعد الحالين كبعد المشرقين
هؤلاء أقل وصف لهم أنهم هم العقلاء الأذكياء، فاسمع لبعض شأنهم وتعرف لحالهم .
هؤلاء رأوا قدومك عليهم وبزوغ هلال أول شهرٍ في سمائهم ما هو إلا منذرُ باقتراب أجلهم ودنو الموت منهم، هم قوم جعلوا نصب أعينهم ( كل نفس ذائقة الموت ) فقالوا البدار البدار قبل أن يحال بيننا والعمل، هم قوم تذكروا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( خيركم من طال عمره وحسن عمله ) قيل: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله.
هم قوم رأوا أن الحياة واحدة، وأن النفس يخرج ولا يعود والعين تطرف ولا تطرف مثلها أبداً، قرأوا فيما قرأوا أن بعض السلف كانوا يتأسفون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عند الموت، بكى يزيد الرقاشي عند موته، وقال أبكي على ما يفوتني، من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى وقال: من يصلي لك يا يزيد بعدك ومن يصوم ومن يتقرب لك بالأعمال الصالحة ؟ ومن يتوب لك من الذنوب السالفة.
وجزع بعضهم عند موتـه وقال: إنما أبكي على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم ، فذلك الذي أبكاني.
أيها العام القادم هؤلاء العقلاء جلسوا مع أنفسهم في مطلع أيامك أو في آخر أيامي فحاسبوا أنفسهم محاسبة شديدة، فترى الواحد منهم يقول لنفسه: ما الذي تركتِهِ لله؟ وهل زاد خشوعك له؟ هل قلَّت عيوبك وزادت حسناتك، كم هي الصلوات التي فاتت عليك كم هي عدد الصلوات التي أدركت فيها تكبيرة الإحرام.
ويحك يا نفس! منذ كذا وكذا وأنت تقولين: غداً غداً أتوب، متى يأتي غداً هذا؟! أعند انتهاء العمر؟! أم إلى أن تزول نعمة الصحة والعافية ؟! أم حين تنقضي مدة الشباب ؟! أو تمرضي مرض الموت ؟! وتقعي في حسرة الفوت ؟!
يا نفس لماذا الكسل والتواني والعجز والتراخي؟ ألا تريدين أن يقال لك ( أدخلوها بسلام آمنين ) ألا تريدين أن يقال لك ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) ألا تريدين أن تقولي (الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) أم تريدين أن تقولي مع من كان حالهم ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) فيُرد عليهم ( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) أم تريدين أن تكوني مع من يقال له توبيخاً في النار ( ذق إنك أنت العزيز الكريم )، يا نفس إنما هي صبر ساعة وتحمدين بعد ذلك العقبى، يا نفس حاسبي نفسك قبل أن تُحاسبي، وزيني أعمالك قبل أن توزني وتزيني للعرض على الله.
أيها العام القادم هؤلاء العقلاء يا أخي نظروا إلى أهل الدنيا يخططون لدنياهم ويضعون لها الأهداف الأساسية والمرحلية هذا وهي منغصة ُ بالكدر والغصص والأقذار والمقام فيها مقام من قال تحت شجرة ثم قام وتركها فقالوا نحن أحق بالتخطيط؛ لأنه عامٌ كاملٌ من عمرنا فشمروا وجدوا واجتهدوا، فكان لهم خطط رئيسة وخطط مرحلية وأهداف كبرى خلال عامهم هذا وأهداف مساعدة، ثم بعد ذلك لجأوا إلى من بيده أزمة الأمور والنواصي والآجال والأرزاق لجأوا إليه؛ لأنه
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
لجأوا إليه وشكوا حالهم، وضعفهم وفقرهم، وأنهم لا حيلة لهم إلا بمدد و معونة منه جل وعلا.
هذا باختصار هو وصف لفريقين من الناس ينتظرانك أيها العام القادم وفي ذكر حالهما غنيةُ عن ذكر غيرهما.
أيها العام القادم أنت بمجموع أيامك ولياليك الثلاثمائة والأربع والخمسون تسمى عاما واحداً، لا تزيد عدد الصلوات المفروضة فيك عن 6018 ركعة، والسنن الرواتب ما بين 3540 ركعة إلى 4248 ركعة، رمضان ُيصام فيك مرةً واحدةً إما ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً، أما العقلاء فرأوا أن من الغبن أن يخرجوا منك بما ذكرت لك من عدد، هذا إن أدركوها، لكنهم سيخرجون من عام واحد بعبادات تساوي أعواماً عديدة، وأعماراً طويلة
وإليك بعض هذه الأعمار المستثمرة:
صلاة سبعة وعشرين عاماً من عامٍ واحدٍ لمن داوم على صلاة الجماعة لمدة سنة كاملة، وصلاة خمسةٍ وعشرين عاماً لمن صلى السنن والرواتب في المنزل في سنةٍ كاملةٍ.
والحج لا يكون إلا مرة واحدة في السنة، ومع ذلك هناك أقوامٌ لم يرضوا أن يخرجوا من هذه السنة إلا بعدد كبير من هذه الفريضة، وذلك لما قاله الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ)) فمن جلس بعد الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين فقط في نهاية كل أسبوع مرة واحدة فكأنه حج إحدى وخمسين سنة، واعتمر إحدى وخمسين عمرة.
أما الصيام فمن الناس من يصوم فيك ثلاثة أيام عن كل شهر؛ لأن هذا صيام الدهر، فإذا ما صاموا ستة أيام من شوال بعد صيامهم رمضان فتلك سنة أخرى، ومن فطَّر ثلاثين صائماً فكأنه أضاف رمضاناً آخر في حسناته، فكيف بمن زاد على ذلك وفطَّر خمسمائة شخص.
والله فضله واسع وعطاؤه لا ينقطع.
هذه بعض الأعمار المستثمرة والأوقات المستفادة من عام واحد فقط أيها العام القادم وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب "كيف تطيل عمرك الإنتاجي" ففيه العجب من هذه الأعمار المستثمرة.
لعلّي أطلت عليك يا أخي كثيراً، ولكن هذه وصية مودع فتصبر بارك الله فيك، فقد بقي القليل جداً واسمح لي يا أخي أن أوجه الخطاب إلى بني آدم، فلهم عليّ حق وواجب أريد أن أؤديه لهم:
إخواني:
يا من تمر عليه سنة بعد سنة وهو مستثقل في نوم الغفلة والسنة. يامن يأتي عليه عام بعد عام وقد غرق في بحر الخطايا فعام. يا من يشاهد الأيات والعبر كلّما توالت عليه الأعوام والشهور، ويسمع الآيات والسور، ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور، ما الحيلة فمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).
إخواني:
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته، وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته، قال الله عز وجل ( أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال، إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم.
يا أبناء العشرين! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟ يا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قربه من العهد فما تأسفتم. يا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم.
إخواني:
إن مدة الشباب قصيرة كمدة زهر الربيع وبهجته ونضارته، فإذا يبس وابيض فقد آن ارتحاله، كما أن الزرع إذا ابيض فقد آن حصاده. قال ميمون بن مهران لجلسائه يا معشر الشيوخ، ما ينتظر بالزرع إذا ابيض؟ قالوا الحصاد، فنظر إلى الشباب، فقال: يا معشر الشباب إن الزرع قد تدركه الأفة قبل أن يستحصد.
إخواني كم يمر من أيامنا، وينقص من أعمارنا، ونحن لا نزال في غفلتنا نسوَّف في التوبة، ونلمح سراب الأمل، وقد قال أبو سليمان الدارني: من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصان.
دخل أبو الوليد أرطاه بن زفر على الخليفة الأموي أبو الوليد عبد الملك بن مروان، وكان هذا الرجل قد عاش حتى عمر وبلغ مئة وثلاثين عاما،ً فقال في حضرة عبد الملك:
رأيت المرء تأكله الليالي *** كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقي المنية حين تأتي *** على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكر حتى *** توفي نذرها بأبي الوليــد
إخواني!
إنه ما من يوم ينشق فجره إلا و يتكلم، ويقول: يا أيها الناس، إني يوم جديد
وإني على ما يعمل في شهيد، وإني لو قد غربت الشمس، لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.
فاغتنموا ممر الساعات، والليالي والأيام، رحمكم الله، عن داود الطائي أنه قال: إنما الليل والنهار مراحل، ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، فاقض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السموات والأرض. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً أو رائحاً إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب، وسكن التراب، ووجه الحساب، غنياً عمّا خلف، فقيراً إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثر مما عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثم رفع رداءه وبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه.
وبعد أيها العام القادم فلعل ما مضى من كلام فيه غنيةٌ لمن اغتنى، وعبرةٌ لمن اعتبر، وكأني بالمداد قد انتهى وبالقلم قد كلّ وملّ، فإن أصبت فمن الله وإن أخطات فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان.
تم الكلام وربنا محمـــود *** وله المكارم و العلى والجــود
ثم الصلاة على النبي محـمدٍ *** ما غرد قمريٌ وأورق عـود
زياد بن أحمد بن خمبشي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
فأحمد الله تعالى أولاً على نعمه العظيمة، وآلائه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والتي منها أن جعلنا أبناء أسرةٍ شريفةٍ هي أسرة الشهور القمرية، التي قال عنها الباري جل وعلا ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم).
ثم أحمده على أن جعل نسبنا خير نسب، وامتدادنا خير امتداد جعلها إلى هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حيث أرسى دعائم هذا النسب العريق الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في قصةٍ مشهورة ذكرها أهل التاريخ، وراجع إن شئت كتاب التوبيخ لمن ذم التاريخ للإمام السخاوي.
أخي الكريم العام القادم
أكتب لك رسالتي هذه وأنا في عجلة من أمري، أحزم حقائبي وأجمع أمتعتي، حيث لم يبق لي في هذه الحياة الدنيا إلا لحظات وينادي منادي مناد القافلة أن حان الرحيل، ولم يبق لك مكان بل هو لقادم آخر مكانك هو أنت أيها العام القادم، أكتب لك وأنا مثقل بالذكريات الحلوة والمرة، السعيدة والشقية ومثقل بالتجارب القصيرة والطويلة، الجميلة والقبيحة، فإذا ما علمت هذا فأصغ لي السمع واجمع لي الخاطر لبضع لحظات؛ أعطيك خلاصة سنةٍ كاملة مع بني آدم، وكيف هم مع الأيام واللحظات والساعات، علك أن تنتفع بها وتكون على استعداد لما يحدث، ولا يطول بك العجب ولو كانت أيامك في شهر رجب وما مر بي سيمر بك، والعاقل فيهم من اتعظ بغيره.
إن السعيد له من غيره عظة *** وفي التجارب تحكيم ومعتبر
،أخي بارك الله فيك، أول موعظةٍ أقدمها لك هي سرعة انقضاء أيامك ولياليك وتصرم شهورك وفصولك، فما أن تستفتح بالمحرم، حتى تجد أن شهر ذي الحجة قد آذن بالنزول. وهذا يا أخي هو مصداق حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر عن تقارب الوقت في آخر الزمان، فقال: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار ).
واعلم يا أخي بأن الناس في استقبالك وتوديعك أصناف شتى، فمنهم من يطير فرحاً بمقدمك وبزوغ هلال أول شهرٍ فيك، وسبب فرحهم هو أن أعمارهم قد زادت وسنهم قد على، وما دروا هؤلاء المساكين أن أعمارهم في نقصان، وأن آجالهم في اقتراب، بل ما فقهوا أن هذه الأيام هي حجة عليهم إن لم يستغلوها، ووالله ثم والله إنهم لفي غفلة شديدة وسهوٍ عظيم، فأين هم من قول الشاعر:
إنا لنفرح بالأيـام نقطعـها *** وكل يومٍ مضى يدني من الأجل
بل أين هم من قول الآخر:
نجد سروراً بالهلال إذا بدا *** وما هو إلا السيف للحق ينتضى
إذا قيل تم الشهر فهو كنايةٌ *** وترجمة عن شطر عمر قد انقضى
إن هؤلاء يعمهون في سكرةٍ لا يستيقظون منها إلا وهم في عسكر الموتى، إن الليالي والأيام التي يفرحون بها تؤزهم أزاً إلى آجالهم، قال بعض الحكماء: قد اعتورك الليل والنهار، يدفعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل، حتى يأتيك الموت.
وما هذه الأيام إلا مراحل *** يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها *** مراحل تطوى والمسافر قاعد
هؤلاء ما فهموا أن العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه، وأتمنى يا أخي لو أوصلت لهؤلاء قول ابن رجب رحمه الله : يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك.
هذا يا أخي هو حال صنف من الناس هذه هي نظرتهم، وهذا هو نبؤهم وصنفُ هو النقيض من ذلك، بينهم وبين الصنف الأول كما بين السماء والأرض، وبُعد الحالين كبعد المشرقين
هؤلاء أقل وصف لهم أنهم هم العقلاء الأذكياء، فاسمع لبعض شأنهم وتعرف لحالهم .
هؤلاء رأوا قدومك عليهم وبزوغ هلال أول شهرٍ في سمائهم ما هو إلا منذرُ باقتراب أجلهم ودنو الموت منهم، هم قوم جعلوا نصب أعينهم ( كل نفس ذائقة الموت ) فقالوا البدار البدار قبل أن يحال بيننا والعمل، هم قوم تذكروا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( خيركم من طال عمره وحسن عمله ) قيل: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله.
هم قوم رأوا أن الحياة واحدة، وأن النفس يخرج ولا يعود والعين تطرف ولا تطرف مثلها أبداً، قرأوا فيما قرأوا أن بعض السلف كانوا يتأسفون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عند الموت، بكى يزيد الرقاشي عند موته، وقال أبكي على ما يفوتني، من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى وقال: من يصلي لك يا يزيد بعدك ومن يصوم ومن يتقرب لك بالأعمال الصالحة ؟ ومن يتوب لك من الذنوب السالفة.
وجزع بعضهم عند موتـه وقال: إنما أبكي على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم ، فذلك الذي أبكاني.
أيها العام القادم هؤلاء العقلاء جلسوا مع أنفسهم في مطلع أيامك أو في آخر أيامي فحاسبوا أنفسهم محاسبة شديدة، فترى الواحد منهم يقول لنفسه: ما الذي تركتِهِ لله؟ وهل زاد خشوعك له؟ هل قلَّت عيوبك وزادت حسناتك، كم هي الصلوات التي فاتت عليك كم هي عدد الصلوات التي أدركت فيها تكبيرة الإحرام.
ويحك يا نفس! منذ كذا وكذا وأنت تقولين: غداً غداً أتوب، متى يأتي غداً هذا؟! أعند انتهاء العمر؟! أم إلى أن تزول نعمة الصحة والعافية ؟! أم حين تنقضي مدة الشباب ؟! أو تمرضي مرض الموت ؟! وتقعي في حسرة الفوت ؟!
يا نفس لماذا الكسل والتواني والعجز والتراخي؟ ألا تريدين أن يقال لك ( أدخلوها بسلام آمنين ) ألا تريدين أن يقال لك ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) ألا تريدين أن تقولي (الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) أم تريدين أن تقولي مع من كان حالهم ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) فيُرد عليهم ( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) أم تريدين أن تكوني مع من يقال له توبيخاً في النار ( ذق إنك أنت العزيز الكريم )، يا نفس إنما هي صبر ساعة وتحمدين بعد ذلك العقبى، يا نفس حاسبي نفسك قبل أن تُحاسبي، وزيني أعمالك قبل أن توزني وتزيني للعرض على الله.
أيها العام القادم هؤلاء العقلاء يا أخي نظروا إلى أهل الدنيا يخططون لدنياهم ويضعون لها الأهداف الأساسية والمرحلية هذا وهي منغصة ُ بالكدر والغصص والأقذار والمقام فيها مقام من قال تحت شجرة ثم قام وتركها فقالوا نحن أحق بالتخطيط؛ لأنه عامٌ كاملٌ من عمرنا فشمروا وجدوا واجتهدوا، فكان لهم خطط رئيسة وخطط مرحلية وأهداف كبرى خلال عامهم هذا وأهداف مساعدة، ثم بعد ذلك لجأوا إلى من بيده أزمة الأمور والنواصي والآجال والأرزاق لجأوا إليه؛ لأنه
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
لجأوا إليه وشكوا حالهم، وضعفهم وفقرهم، وأنهم لا حيلة لهم إلا بمدد و معونة منه جل وعلا.
هذا باختصار هو وصف لفريقين من الناس ينتظرانك أيها العام القادم وفي ذكر حالهما غنيةُ عن ذكر غيرهما.
أيها العام القادم أنت بمجموع أيامك ولياليك الثلاثمائة والأربع والخمسون تسمى عاما واحداً، لا تزيد عدد الصلوات المفروضة فيك عن 6018 ركعة، والسنن الرواتب ما بين 3540 ركعة إلى 4248 ركعة، رمضان ُيصام فيك مرةً واحدةً إما ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً، أما العقلاء فرأوا أن من الغبن أن يخرجوا منك بما ذكرت لك من عدد، هذا إن أدركوها، لكنهم سيخرجون من عام واحد بعبادات تساوي أعواماً عديدة، وأعماراً طويلة
وإليك بعض هذه الأعمار المستثمرة:
صلاة سبعة وعشرين عاماً من عامٍ واحدٍ لمن داوم على صلاة الجماعة لمدة سنة كاملة، وصلاة خمسةٍ وعشرين عاماً لمن صلى السنن والرواتب في المنزل في سنةٍ كاملةٍ.
والحج لا يكون إلا مرة واحدة في السنة، ومع ذلك هناك أقوامٌ لم يرضوا أن يخرجوا من هذه السنة إلا بعدد كبير من هذه الفريضة، وذلك لما قاله الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ)) فمن جلس بعد الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين فقط في نهاية كل أسبوع مرة واحدة فكأنه حج إحدى وخمسين سنة، واعتمر إحدى وخمسين عمرة.
أما الصيام فمن الناس من يصوم فيك ثلاثة أيام عن كل شهر؛ لأن هذا صيام الدهر، فإذا ما صاموا ستة أيام من شوال بعد صيامهم رمضان فتلك سنة أخرى، ومن فطَّر ثلاثين صائماً فكأنه أضاف رمضاناً آخر في حسناته، فكيف بمن زاد على ذلك وفطَّر خمسمائة شخص.
والله فضله واسع وعطاؤه لا ينقطع.
هذه بعض الأعمار المستثمرة والأوقات المستفادة من عام واحد فقط أيها العام القادم وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب "كيف تطيل عمرك الإنتاجي" ففيه العجب من هذه الأعمار المستثمرة.
لعلّي أطلت عليك يا أخي كثيراً، ولكن هذه وصية مودع فتصبر بارك الله فيك، فقد بقي القليل جداً واسمح لي يا أخي أن أوجه الخطاب إلى بني آدم، فلهم عليّ حق وواجب أريد أن أؤديه لهم:
إخواني:
يا من تمر عليه سنة بعد سنة وهو مستثقل في نوم الغفلة والسنة. يامن يأتي عليه عام بعد عام وقد غرق في بحر الخطايا فعام. يا من يشاهد الأيات والعبر كلّما توالت عليه الأعوام والشهور، ويسمع الآيات والسور، ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور، ما الحيلة فمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).
إخواني:
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته، وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته، قال الله عز وجل ( أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال، إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم.
يا أبناء العشرين! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟ يا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قربه من العهد فما تأسفتم. يا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم.
إخواني:
إن مدة الشباب قصيرة كمدة زهر الربيع وبهجته ونضارته، فإذا يبس وابيض فقد آن ارتحاله، كما أن الزرع إذا ابيض فقد آن حصاده. قال ميمون بن مهران لجلسائه يا معشر الشيوخ، ما ينتظر بالزرع إذا ابيض؟ قالوا الحصاد، فنظر إلى الشباب، فقال: يا معشر الشباب إن الزرع قد تدركه الأفة قبل أن يستحصد.
إخواني كم يمر من أيامنا، وينقص من أعمارنا، ونحن لا نزال في غفلتنا نسوَّف في التوبة، ونلمح سراب الأمل، وقد قال أبو سليمان الدارني: من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصان.
دخل أبو الوليد أرطاه بن زفر على الخليفة الأموي أبو الوليد عبد الملك بن مروان، وكان هذا الرجل قد عاش حتى عمر وبلغ مئة وثلاثين عاما،ً فقال في حضرة عبد الملك:
رأيت المرء تأكله الليالي *** كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقي المنية حين تأتي *** على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكر حتى *** توفي نذرها بأبي الوليــد
إخواني!
إنه ما من يوم ينشق فجره إلا و يتكلم، ويقول: يا أيها الناس، إني يوم جديد
وإني على ما يعمل في شهيد، وإني لو قد غربت الشمس، لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.
فاغتنموا ممر الساعات، والليالي والأيام، رحمكم الله، عن داود الطائي أنه قال: إنما الليل والنهار مراحل، ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، فاقض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السموات والأرض. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً أو رائحاً إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب، وسكن التراب، ووجه الحساب، غنياً عمّا خلف، فقيراً إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثر مما عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثم رفع رداءه وبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه.
وبعد أيها العام القادم فلعل ما مضى من كلام فيه غنيةٌ لمن اغتنى، وعبرةٌ لمن اعتبر، وكأني بالمداد قد انتهى وبالقلم قد كلّ وملّ، فإن أصبت فمن الله وإن أخطات فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان.
تم الكلام وربنا محمـــود *** وله المكارم و العلى والجــود
ثم الصلاة على النبي محـمدٍ *** ما غرد قمريٌ وأورق عـود

tawasul
•
وقفات مع نهاية العام
د/ عمرو الشيخ
قبل أيامٍ قلائل انتهى عامك ا المنصرم ..
وطوي سجله وختم عمله ..
و ها أنت على باب عامٍ جديد
الله أعلم بحالك فيه
فهنيئًا لمن أحسن فيما مضى واستقام ..
وويلٌ لمن أساء وارتكب الإجرام ..
- مع كل اقتراب جديد تنمو آمالٌ وتزدهر طموحات
ومع كل موسمٍ يفتح ذراعيه إليك
تفتح أنت صفحة جديدة فى حياتك
فإما أن تزرعَ فيها أزهارًا ورياحين وطيورًا مغردة
وإما أن تحشوها بالإخفاقات والفشل
يقول ابن القيم - رحمه الله -
(( السنة شجرة
والشهور فروعها
والأيام أغصانها
والساعات أوراقها
والأنفاس ثمرها
فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة
ومن كانت فى معصية فثمرته حنظل
وإنما يكون الحصاد يوم المعاد
فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها ))
- ومع ذلك
فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس،
والرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وصبر
لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت ولا تصرفه وفق هواها،
بل هو يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها...
- ونحذرك أن
كل تأخير لإنفاذ منهج تجدّد به حياتك، وتصلح به أعمالك لا يعني إلا إطالة الفترة الكآبية التي تبغي الخلاص منها، وبقاؤك مهزوماً أمام نوازع الهوى والتفريط
فاعزم أمرك واستعن بالله
وابدأ بداية جديدة
- فما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين
وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها
وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلص من هذه الهنات التي تزري به .
أخي الحبيب :-
- ألا تستحق نفسك أن تتعهد شئونها بين الحين والحين لترى ما عراها من اضطراب فتزيله
وما لحقها من إثم فتنفيه عنها مثلما تنفى القمامة عن الساحات الطهور ؟!
- ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غنم أو غرم ؟
وأن نرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات وهزها العراك الدائب على ظهر الأرض في تلك الدنيا المائجة ؟ ..
- إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته على الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك
ومن ثم نرى ضرورة العمل الدائم لتنظيم النفس وإحكام الرقابة عليها
والله عز وجل يهيب بالبشر - قبيل كل صباح - أن يجددوا حياتهم مع كل نهار مقبل .
فبعد أن يستريح الأنام من عناء الأمس الذاهب وعندما يتحركون في فرشهم ليواجهوا مع تحرك الفلك يومهم الجديد .
في هذه الآونة الفاصلة تستطيع أن تسال :
كم تعثر العالم في سيره ؟ .
كم مال مع الأثرة ؟.
كم اقترف من دنية ؟.
كم أضلته حيرته فبات محتاجا إلى المحبة والحنان ؟.
في هذه اللحظة يستطيع كل امرئ أن يجدد حياته وان يعيد بناء نفسه من جديد على أشعة من الأمل والتوفيق واليقظة
إنها لحظة إدبار الليل وإقبال النهار
وعلى أطلال الماضي القريب أو البعيد يمكنك أن تنهض لتبني مستقبلك .
ولا تؤودنك كثرة الخطايا فلو كانت ركاما اسود كزبد البحر ما بالى الله عز وجل بالتعفية عليها
إن أنت اتجهت إليه قصدا وانطلقت إليه ركضا .
إن فرحته بعودتكم إليه فوق كل وصف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله افرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في ارض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومه فاستيقظ وقد ذهبت راحلته !! فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال : ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت ... فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله اشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته " .
ألا يبهرك هذا الترحاب الغامر ؟!
أترى سرورا يعدل هذه البهجة الخالصة ؟!
وطبيعي أن تكون هذه التوبة نقلة كاملة من حياة إلى حياة وفاصلا قائما بين عهدين متمايزين كما يفصل بين الظلام والضياء.
فليست هذه العودة زورة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف .
وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم وقوة التحمل وطول الجلد كـلا كـلا .
إن هذه العودة الظافرة التي يفرح الله بها هي انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية وانطلاقه من قيود الهوى والجحود ثم استقراره في مرحلة أخرى من الإيمان والإحسان والنضج والاهتداء .
هذه هي العودة التي يقول الله تعالى في صاحبها " : واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "
إنها حياة تجددت بعد بلى ونقلة حاسمة غيرت معالم النفس كما تتغير الأرض الموات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصبات . إن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلاً حميداً ولا مسلكاً مجيداً .
بل إنه لا يدل على كمال أو قبول فان القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء .
والله عز وجل يصف بعض المطرودين من ساحته فيقول " :أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا و أكدي "
فالأشرار قد تمر بضمائرهم فترات صحو قليل ثم تعود بعد ذلك إلى سباتها .
ولا يسمى ذلك اهتداء
إن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبة النصوح .
إن البعد عن الله لن يثمر إلا علقماً ومواهب الذكاء والقوة والجمال والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب عندما تعرى عن توفيق الله وتحرم من بركته .
إن كلمات شيخنا الغزالى – رحمه الله - لهى قطرات ندية..
تتهادى على صفحات الفؤاد.. فتنعشه وتروي ظمأه ..
لتعيد له نبض الحياة من جديد ...
نعم والله ..
قد آن الأوان لأن يلتفت المرء إلى كوامنه
ويشمر ساعد الجد...
يلملم أوراقه التي بعثرتها يد المعاصي
ويزيل عن قلبه الركامات التي أثقلته
وعطلته عن السير إلى مولاه ..
ليتنا نمعن النظر .. ونعمق التفكر ...
نسعى إلى إصلاح ظاهرنا وننسى
أننا بقلوبنا لا بأجسادنا نحاسب ..
كم من سيئة بدأت تتأصل وتنشر جذورها في القلب ونحن لا ندري
وكم من حسنة تنتظر من يمدها بماء الطاعة لتورق و تثمر ونحن في قصور ..
فليس أجمل من الحديث عن التجديد للعهد مع الله
من أجل أن نشد من عزم الحادي .. إلى جنات النعيم
وعلى طريق تجديد الحياة إشارات :-
* اربأ بنفسك:-
يقول الشاعر
عليك نفسك فتش عن معايبها
وخل عن عثرات الناس للناس
نعم انشغل بنفسك
اترك الناس لرب الناس
وارق بعقلك وحكمتك ورسمك
فتفكر في مستقبلك ويومك وأمسك..
هل أعددت شخصك لغدك ؟؟
هل فيما لا يفيد تضيع وقتك ؟؟
هل لازلت متخاذلا بسبب ما في يوم ما قد حصل لك ؟؟
إذاً..
اربأ بنفسك الآن
واصح من نومتك
فالوقت لن يتوقف حتى انتهاء غفوتك
والعمر يجري وأنت لا تدري
فاجعل من نفسك الآن من يقيل عثرتك
كمل نقائصك
وادعم مميزاتك وخصائصك
اسأل نفسك :
ما هو هدفي في هذه الحياة ؟؟
ضع نصب عينيك هدفا عاليا تطمح إليه
واسع في سبيله وابذل الغالي والنفيس للوصول إليه
وما ألذ لحظات النجاح
على النفس تنسكب
و بها الروح ترتوي
وكأنها ماء قراح
* فلتحيى يومك :-
اليوم !
ماذا عملت اليوم ؟
هل أنت ممن كان خاملا واستراح ؟
أم تركت الحبل على الغارب ولم تأبه بما جاء وما راح ؟
وقضيت وقتك لاهيا ساهيا ؟
لم تعرف للوقت قيمة
ولم تعِ ما قيل في الحكمة القديمة..
الوقت كالذهب..إن لم تدركه ذهب
فأدرك اللحظة قبل الدقيقة
والدقيقة قبل الساعة
واجعل يومك ملئ
بالخير والعمل الصالح النافع المفيد
* و لا تجتر مرارة الماضي
فالأمس جميل..
جميل بكل هفواته وزلاته
ومواقفه وحكاياته
لماذا ؟؟
لأننا نجد فيه العبرة
ونكتسب من خلاله الخبرة
فالحياة تجارب
ونحن نجرب فنتعلم
وبتجاربنا نتقدم
فتقدم فيها وكأنك محارب
وفي عينيك يبرق نور النصر
قوياً , طموحاً , متفائلاً وبنظرتك ثاقب
وليست العبرة بنقص البدايات ولكن العبرة بكمال النهايات
إذاً..
لا داعي لأن تظل تجربة بائسة عالقة في أذهاننا إلى الأبد
فقط علينا أن نستخلص منها المفيد
ونتقي ما كان سببًا في الوقوع في شراكها
لأنه لن يتضرر ولن يستفيد غيرنا أحد
* ولا تنس الزاد :-
نَمِ شخصيتك بأركانها الأربعة:
الروح.. بالعبادة والاستقامة
النفس.. بالتزكية والتهذيب
العقل.. بالتفكر والتأمل
الجسم.. بالرياضة التدريب
* كن صلدا :-
لا تحطمك أمور تافهة
واجعل من كل عقبة حجر تصعد به درجة
إلى المعالي الوارفة
* غذ عقلك وقلبك :-
بالقراءة والاطلاع املأ عقلك لئلا يدخله ما ساء وما سلب
وبذكر الله أشغل قلبك لئلا يصبح كالبيت الخرب
* وأتقن السحر الحلال :-
أرسل ابتسامتك من داخلك
وكن بشوشا لكل من قابلك
فالابتسامة سر السعادة
فلا تحرم نفسك , فالخير لك
* و احرص على الجوهر :-
اهتم بآخرتك تصلح لك دنياك
واهتم بمخبرك يصلح لك مظهرك
وامسك عليك لسانك فهو شر بلاياك
و أطلقه في ما ينفعك عاجله و آجله يسرك
* و كن طموحاً :-
لتحصل على الأفضل..فكر فقط في الأفضل
وابذل الغالي والنفيس وعلى نفسك لا تبخل
ولا يكفي لذلك رغبة فقط..بل عزيمة واستعداد
فبكل ما في وسعك ابدأ الآن ولا تؤجل
* واقتد بحاتم :-
عود نفسك البذل
فهو طريق ستر العيوب
وحاذر أبواب البخل
وببذر حلو الكلام كن دءوب
* و اختر طريقك :-
إذا كنت في طريق فلاح
فالله سيجزيك
والله سيعطيك
والله سيرضيك بفوز ونجاح
* وما أجمل أن نبدأ البداية الجديدة ونحن نهمس فى أذنك أن :-
ابتسم للحياة ،
واستنشق عبير العز ،
وتحرر من أسر الكآبة والسآمة ،
وتوشح وشاح العزم ، و اسم بنفسك في المعالي؛
وعــش يومك ......
نــعــم عش يومك لا تجعل التفكير في الماضي إلا محفزاً لك في الاستزادة من الخير وذلك بأن تعلم
أن التوبة تجبّ ما قبلها ، وأن الله يبدّل سيئات التائبين المؤمنين المصلحين حسـنــــات .
فانزع عنك أردية الكسل
ومزق أسمال الإحباط
وانهض من غفوتك
وانهض مبكرا لتستمتع بشروق الشمس وزقزقة العصافير
وكن فى انتظار اليوم لا يكن اليوم فى انتظارك
انطلق بروح جديدة ، روح التفاؤل والتحدي،
واعلم أن مدار الأمر كله ينصب في خشية الله ،
وأن النجاح والتوفيق بيد الله ،
فبادر بدعاء الله بأن يوفقك في هذه الفرصة ،
ويزيدك تقي وهدىً ونجاحاً وإنجازاً،
و الحق بسفينة النجاة ،
وكن نجما في سماء التائبين المنيبين المخبتين.
صاحبكم فى هذه الرحلة
د/ عمرو الشيخ ..
- المدير التنفيذي لمؤسسة نور للتنمية البشرية -
د/ عمرو الشيخ
قبل أيامٍ قلائل انتهى عامك ا المنصرم ..
وطوي سجله وختم عمله ..
و ها أنت على باب عامٍ جديد
الله أعلم بحالك فيه
فهنيئًا لمن أحسن فيما مضى واستقام ..
وويلٌ لمن أساء وارتكب الإجرام ..
- مع كل اقتراب جديد تنمو آمالٌ وتزدهر طموحات
ومع كل موسمٍ يفتح ذراعيه إليك
تفتح أنت صفحة جديدة فى حياتك
فإما أن تزرعَ فيها أزهارًا ورياحين وطيورًا مغردة
وإما أن تحشوها بالإخفاقات والفشل
يقول ابن القيم - رحمه الله -
(( السنة شجرة
والشهور فروعها
والأيام أغصانها
والساعات أوراقها
والأنفاس ثمرها
فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثمرة شجرته طيبة
ومن كانت فى معصية فثمرته حنظل
وإنما يكون الحصاد يوم المعاد
فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها ))
- ومع ذلك
فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس،
والرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وصبر
لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت ولا تصرفه وفق هواها،
بل هو يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها...
- ونحذرك أن
كل تأخير لإنفاذ منهج تجدّد به حياتك، وتصلح به أعمالك لا يعني إلا إطالة الفترة الكآبية التي تبغي الخلاص منها، وبقاؤك مهزوماً أمام نوازع الهوى والتفريط
فاعزم أمرك واستعن بالله
وابدأ بداية جديدة
- فما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين
وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها
وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلص من هذه الهنات التي تزري به .
أخي الحبيب :-
- ألا تستحق نفسك أن تتعهد شئونها بين الحين والحين لترى ما عراها من اضطراب فتزيله
وما لحقها من إثم فتنفيه عنها مثلما تنفى القمامة عن الساحات الطهور ؟!
- ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غنم أو غرم ؟
وأن نرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات وهزها العراك الدائب على ظهر الأرض في تلك الدنيا المائجة ؟ ..
- إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته على الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك
ومن ثم نرى ضرورة العمل الدائم لتنظيم النفس وإحكام الرقابة عليها
والله عز وجل يهيب بالبشر - قبيل كل صباح - أن يجددوا حياتهم مع كل نهار مقبل .
فبعد أن يستريح الأنام من عناء الأمس الذاهب وعندما يتحركون في فرشهم ليواجهوا مع تحرك الفلك يومهم الجديد .
في هذه الآونة الفاصلة تستطيع أن تسال :
كم تعثر العالم في سيره ؟ .
كم مال مع الأثرة ؟.
كم اقترف من دنية ؟.
كم أضلته حيرته فبات محتاجا إلى المحبة والحنان ؟.
في هذه اللحظة يستطيع كل امرئ أن يجدد حياته وان يعيد بناء نفسه من جديد على أشعة من الأمل والتوفيق واليقظة
إنها لحظة إدبار الليل وإقبال النهار
وعلى أطلال الماضي القريب أو البعيد يمكنك أن تنهض لتبني مستقبلك .
ولا تؤودنك كثرة الخطايا فلو كانت ركاما اسود كزبد البحر ما بالى الله عز وجل بالتعفية عليها
إن أنت اتجهت إليه قصدا وانطلقت إليه ركضا .
إن فرحته بعودتكم إليه فوق كل وصف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله افرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في ارض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومه فاستيقظ وقد ذهبت راحلته !! فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال : ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت ... فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله اشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته " .
ألا يبهرك هذا الترحاب الغامر ؟!
أترى سرورا يعدل هذه البهجة الخالصة ؟!
وطبيعي أن تكون هذه التوبة نقلة كاملة من حياة إلى حياة وفاصلا قائما بين عهدين متمايزين كما يفصل بين الظلام والضياء.
فليست هذه العودة زورة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف .
وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم وقوة التحمل وطول الجلد كـلا كـلا .
إن هذه العودة الظافرة التي يفرح الله بها هي انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية وانطلاقه من قيود الهوى والجحود ثم استقراره في مرحلة أخرى من الإيمان والإحسان والنضج والاهتداء .
هذه هي العودة التي يقول الله تعالى في صاحبها " : واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "
إنها حياة تجددت بعد بلى ونقلة حاسمة غيرت معالم النفس كما تتغير الأرض الموات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصبات . إن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلاً حميداً ولا مسلكاً مجيداً .
بل إنه لا يدل على كمال أو قبول فان القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء .
والله عز وجل يصف بعض المطرودين من ساحته فيقول " :أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا و أكدي "
فالأشرار قد تمر بضمائرهم فترات صحو قليل ثم تعود بعد ذلك إلى سباتها .
ولا يسمى ذلك اهتداء
إن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبة النصوح .
إن البعد عن الله لن يثمر إلا علقماً ومواهب الذكاء والقوة والجمال والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب عندما تعرى عن توفيق الله وتحرم من بركته .
إن كلمات شيخنا الغزالى – رحمه الله - لهى قطرات ندية..
تتهادى على صفحات الفؤاد.. فتنعشه وتروي ظمأه ..
لتعيد له نبض الحياة من جديد ...
نعم والله ..
قد آن الأوان لأن يلتفت المرء إلى كوامنه
ويشمر ساعد الجد...
يلملم أوراقه التي بعثرتها يد المعاصي
ويزيل عن قلبه الركامات التي أثقلته
وعطلته عن السير إلى مولاه ..
ليتنا نمعن النظر .. ونعمق التفكر ...
نسعى إلى إصلاح ظاهرنا وننسى
أننا بقلوبنا لا بأجسادنا نحاسب ..
كم من سيئة بدأت تتأصل وتنشر جذورها في القلب ونحن لا ندري
وكم من حسنة تنتظر من يمدها بماء الطاعة لتورق و تثمر ونحن في قصور ..
فليس أجمل من الحديث عن التجديد للعهد مع الله
من أجل أن نشد من عزم الحادي .. إلى جنات النعيم
وعلى طريق تجديد الحياة إشارات :-
* اربأ بنفسك:-
يقول الشاعر
عليك نفسك فتش عن معايبها
وخل عن عثرات الناس للناس
نعم انشغل بنفسك
اترك الناس لرب الناس
وارق بعقلك وحكمتك ورسمك
فتفكر في مستقبلك ويومك وأمسك..
هل أعددت شخصك لغدك ؟؟
هل فيما لا يفيد تضيع وقتك ؟؟
هل لازلت متخاذلا بسبب ما في يوم ما قد حصل لك ؟؟
إذاً..
اربأ بنفسك الآن
واصح من نومتك
فالوقت لن يتوقف حتى انتهاء غفوتك
والعمر يجري وأنت لا تدري
فاجعل من نفسك الآن من يقيل عثرتك
كمل نقائصك
وادعم مميزاتك وخصائصك
اسأل نفسك :
ما هو هدفي في هذه الحياة ؟؟
ضع نصب عينيك هدفا عاليا تطمح إليه
واسع في سبيله وابذل الغالي والنفيس للوصول إليه
وما ألذ لحظات النجاح
على النفس تنسكب
و بها الروح ترتوي
وكأنها ماء قراح
* فلتحيى يومك :-
اليوم !
ماذا عملت اليوم ؟
هل أنت ممن كان خاملا واستراح ؟
أم تركت الحبل على الغارب ولم تأبه بما جاء وما راح ؟
وقضيت وقتك لاهيا ساهيا ؟
لم تعرف للوقت قيمة
ولم تعِ ما قيل في الحكمة القديمة..
الوقت كالذهب..إن لم تدركه ذهب
فأدرك اللحظة قبل الدقيقة
والدقيقة قبل الساعة
واجعل يومك ملئ
بالخير والعمل الصالح النافع المفيد
* و لا تجتر مرارة الماضي
فالأمس جميل..
جميل بكل هفواته وزلاته
ومواقفه وحكاياته
لماذا ؟؟
لأننا نجد فيه العبرة
ونكتسب من خلاله الخبرة
فالحياة تجارب
ونحن نجرب فنتعلم
وبتجاربنا نتقدم
فتقدم فيها وكأنك محارب
وفي عينيك يبرق نور النصر
قوياً , طموحاً , متفائلاً وبنظرتك ثاقب
وليست العبرة بنقص البدايات ولكن العبرة بكمال النهايات
إذاً..
لا داعي لأن تظل تجربة بائسة عالقة في أذهاننا إلى الأبد
فقط علينا أن نستخلص منها المفيد
ونتقي ما كان سببًا في الوقوع في شراكها
لأنه لن يتضرر ولن يستفيد غيرنا أحد
* ولا تنس الزاد :-
نَمِ شخصيتك بأركانها الأربعة:
الروح.. بالعبادة والاستقامة
النفس.. بالتزكية والتهذيب
العقل.. بالتفكر والتأمل
الجسم.. بالرياضة التدريب
* كن صلدا :-
لا تحطمك أمور تافهة
واجعل من كل عقبة حجر تصعد به درجة
إلى المعالي الوارفة
* غذ عقلك وقلبك :-
بالقراءة والاطلاع املأ عقلك لئلا يدخله ما ساء وما سلب
وبذكر الله أشغل قلبك لئلا يصبح كالبيت الخرب
* وأتقن السحر الحلال :-
أرسل ابتسامتك من داخلك
وكن بشوشا لكل من قابلك
فالابتسامة سر السعادة
فلا تحرم نفسك , فالخير لك
* و احرص على الجوهر :-
اهتم بآخرتك تصلح لك دنياك
واهتم بمخبرك يصلح لك مظهرك
وامسك عليك لسانك فهو شر بلاياك
و أطلقه في ما ينفعك عاجله و آجله يسرك
* و كن طموحاً :-
لتحصل على الأفضل..فكر فقط في الأفضل
وابذل الغالي والنفيس وعلى نفسك لا تبخل
ولا يكفي لذلك رغبة فقط..بل عزيمة واستعداد
فبكل ما في وسعك ابدأ الآن ولا تؤجل
* واقتد بحاتم :-
عود نفسك البذل
فهو طريق ستر العيوب
وحاذر أبواب البخل
وببذر حلو الكلام كن دءوب
* و اختر طريقك :-
إذا كنت في طريق فلاح
فالله سيجزيك
والله سيعطيك
والله سيرضيك بفوز ونجاح
* وما أجمل أن نبدأ البداية الجديدة ونحن نهمس فى أذنك أن :-
ابتسم للحياة ،
واستنشق عبير العز ،
وتحرر من أسر الكآبة والسآمة ،
وتوشح وشاح العزم ، و اسم بنفسك في المعالي؛
وعــش يومك ......
نــعــم عش يومك لا تجعل التفكير في الماضي إلا محفزاً لك في الاستزادة من الخير وذلك بأن تعلم
أن التوبة تجبّ ما قبلها ، وأن الله يبدّل سيئات التائبين المؤمنين المصلحين حسـنــــات .
فانزع عنك أردية الكسل
ومزق أسمال الإحباط
وانهض من غفوتك
وانهض مبكرا لتستمتع بشروق الشمس وزقزقة العصافير
وكن فى انتظار اليوم لا يكن اليوم فى انتظارك
انطلق بروح جديدة ، روح التفاؤل والتحدي،
واعلم أن مدار الأمر كله ينصب في خشية الله ،
وأن النجاح والتوفيق بيد الله ،
فبادر بدعاء الله بأن يوفقك في هذه الفرصة ،
ويزيدك تقي وهدىً ونجاحاً وإنجازاً،
و الحق بسفينة النجاة ،
وكن نجما في سماء التائبين المنيبين المخبتين.
صاحبكم فى هذه الرحلة
د/ عمرو الشيخ ..
- المدير التنفيذي لمؤسسة نور للتنمية البشرية -
الصفحة الأخيرة
إبراهيم بن محمد بن سليمان السعوي
من البدهيات أنه عند غروب شمس آخر يوم من شهر ذي الحجة يمضي عام بكامل ما ستودع به من عمل ، ويستقبلنا عام آخر ، فيعتاد الواحد منا باسترجاع الذاكرة إلى الوراء بتذكر غروب شمس أخر يوم من العام الماضي وسرعة مضي هذا العام ، ونبدأ نسمع ونقرأ الحث على ختام العام بالاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس ، وفتح صفحة جديدة ، والتفكر بسرعة انقضاء الأيام والسنين ، وأدبياتنا ، وطروحاتنا يغلب عليها طرح هذا الموضوع ؛ إلا أن ثمت موضوع له من الأهمية بمكان لا يقل عن ذلكم الموضوع ، ألا وهو الوقوف والتمعن عند قوله تعالى : " وأنذر عشيرتك الأقربين " ، وقوله : " ويسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ....." ، ووصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لرجل من بني تميم لما قال له يا رسول الله : إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك ، وتعرف حق السائل والجار والمسكين " . وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما قال له : أنبئني بأمر إذا عملته دخلت الجنة ، قال : " أفش السلام ، وأطعم الطعام ، وصل الأرحام ، وصل والناس نيام ؛ تدخل الجنة بسلام " .
فقريبك يأخي أياً كانت جهته ما هو نصيبه من دعوتك ، فهل هو أحد الذين تحرص على أن توصلهم إلى بر الأمان ؟ وهل سبق أن وصل لأذناه من همساتك اللاتي تشعر بحرقتك وحرصك ؟ وهل هو من ضمن جدول زيارتك التفقدية للحال والتودد ، وإظهار الإهتمام ؟
وفي ذات يوم لما قمت بزيارتك ،ودار الحديث عن بعض شيء من دعوتك وتوعيتك للمجتمع ناولتني عدة أوراق مجدولة بأسماء من تقوم بدعوتهم ،وتوزيع أشرطة وكتيبات عليهم ؛ فرأيت أسماء من شرق المدينة وغربها ، وهذا تشكر عليه ، لكنني لما قلبتها يمنة ويسرة لكي أراء بعض أسماء أقاربك من هو بحاجة للدعوة ، وإيصال الشريط الإسلامي له أكثر من بعض الأسماء المدرجة بقائمة ورقتك ، ومنزله في طرف حيك فهل سيكون من ضمن قائمة الأسماء الجديدة في العام القادم بعدما نقوم بمساءلت أنفسنا أين نحن من قوله تعالى : " وأنذر عشيرتك الأقربين " ؟ !. وفي ذات يوم يأخي أوقفتك لما رأيتك تخرج من منزل إلى منزل لقوة الود الذي بيننا فسألتك سؤال تعجب عن هذه الزيارة لأنه ليس هناك قرابة تربط بينكم ؛ فأجبتني بعد شدة إلحاح أن هؤلاء كثير ما نفقدهم في المسجد لاسيما في صلاة الفجر ؛ فغبطة أقربائك ؛ لأن ما رأيته من حرص ولين الجانب مع جارك الذي لا يربط بينكما رابط القرابة ، فمن البديهي الذي يكون بينك وبينه رابط القرابة سيجد منك أشد حرص ، وأحسن تعامل حين دعوته !ومما خلد في ذاكرتي وشغل تفكير دوماً ، وأحب أن أبوح به لا سيما عندما تسقط آخر ورقة من شجرة عام ونترقب أول ورقة من عام آخر ؛ أنه في ذات يوم لما كنت متكئ على أريكتي وبين يدي مجموعة من التقارير المالية السنوية : ما بين جمعية بر أو جمعية تحفبيظ القرآن ، أو صندق خير أو .....فلفت نظري اسم أحد من بسط الله عليه من الرزق في مجموعة من هذه التقارير وقد ساهم فيها ما بين قطعة أرض ، أو حافلة ، أو تحمل مصاريف سنة كاملة أو ......... واسم آخر من نفس العائلة المباركة في أحد التقارير أنه أكثر من تبرع سيولة ، وذهبت الأيام واسم هذان الشخصان مازال متعلقان في ذاكرتي ، ويكونان أمامي عندما أسير بجانب أحد المؤسسات الخيرية ، وفي يوم من الأيام يجمعن مجلس بأحد أقارب صاحبيّ ، ودار الحديث بيني وبينه ، وعقارب الساعة تأخذ دورتها دورة تلو الأخرى ، ونحن لا نشعر بذلك لأن الحديث الذي يدور بينا بعضه يجر بعضاً ، وانتهى بنا الحديث إلى حالة أفراد عائلته المالية ، ونسبة الشباب الذين لم يتشرفوا بالدخول إلى عالم الزوجية ، وكم هو رأس مال صندوق عائلتكم ، وذكرته بما وهبه الله لكم من أصحاب رؤوس الأموال ، وأن خيركم امتدّ إلى الغير .... فطأطأ رأسه وفهم ماذا أعني ، وبدأ يتمتم تارة ويسمعني تارة آخرى بحسرة وندم ؛ ومما حفظت من كلامه : ويا من أغناه الله هناك أقرباء لك بحاجة إلى مال الله الذي بين يديك فهم مما ذكرهم الله في قوله : " ويسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين". وودعني وهو يكرر نريد ثلث ما أنفقته على الغير ، وفي كل خير . فآلمني حاله ، وأنساني لذة مجلسنا . ! فيا من بسط الله له من الرزق ألا فَتْحت صفحة تبرع لأقاربك جديدة مع بداية فجر عام جديد ، مع عدم نسيان فقراء الأمة .
وأستودعكم الله على أمل أن نلتقي معكم وقد وصل خيرنا ، وبرنا ، وصدقتنا ، ودعوتنا .... إلى أقاربنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوكم
إبراهيم بن محمد بن سليمان السعوي