ثانياً: يحرم عليه إتيان الحائض
ويحرم على الرجل إتيان المرأة أثناء الحيض لقوله تعالى :
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ( البقرة 222 )
1)وأخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال :
" أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي r النبي r فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ}
فقال رسول الله اصنعوا كل شيء إلا النكاح
فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله حتى ظننا أن قد وجد عليهما(1) فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي r فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما "
2)وعند أصحاب السنن :
" من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ".
3 وفي صحيح مسلم أن النبي r قال :
" اصنعوا كل شيء إلا النكاح "
قال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 21 / 624 )
ووطء النفساء كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة .
قال الشوكاني في ( فتح القدير )
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين .
وقوله تعالى : {قُلْ هُوَ أَذًى} قيل هو شيء تتأذى به المرأة .
وفسره القرطبي وغيره : برائحة الدم ( دم الحيض ) .
وقال السيد رشيد رضا ( رحمه الله ) في قوله تعالى {قُلْ هُوَ أَذًى}
أخذه على ظاهره مقرر في الطب فلا حاجة إلى العدول عنه ، ويعني به الضرر الجسماني ، قال :
لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة أخرى وهي إفراز الدم المعروف .
وجاء في تفسير المراغي
قد اثبت الطب الحديث أن الوقاع في زمن الحيض يحدث الأضرار الآتية :
1- ألآم أعضاء التناسل في الأنثى وربما أحدث التهابات في الرحم وفي المبيض أو في الحوض تضر صحتها ضرراً بليغاً وربما أدى ذلك إلى تلف المبيض وأحدث العقم .
2- إن دخول مواد الحيض في عضو التناسل عند الرجل قد يحدث التهاباً صديدياً يشبه السيلان وربما امتد ذلك إلى الخصيتين فآذاهما ونشأ عن ذلك عقم الرجل ، وقد يصاب بالزهري إذا كانت جراثيمه في دم المرأة .
- وعلى الجملة فقرابها في هذه المدة قد يحدث العقم في الذكر أو في الأنثى ويؤدي إلى التهاب أعضاء التناسل فتضعف صحتها ، ولذلك أجمع علماء الدين والطب على وجوب الابتعاد عن المرأة في هذه المدة وليس لنا إلا أن نقول صدق ربنا وصدق رسوله r .
أسئلة ومسائل خاصة بالجماع أثناء الحيض
س1 هل هناك كفارة على من جامع زوجته وهي حائض في فرجها ؟
ج1 قال النووي في شرح مسلم ( 3 / 204 )
لو اعتقد مسلم حِلَّ جماع الحائض في فرجها ( صار كافراً مرتداً )
ولو فعله إنسان غير معتقد حِله :
- فإن كان ناسياً أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة .
- وإن وطئها عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة وتجب عليه التوبة .
لكن هل تجب عليه كفارة ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
×القول الأول : قول الإمام أحمد وفيه أن من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه كفارة وهي أن يتصدق بدينار أو نصف دينار للحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس عن النبي r : في الذي يأتي امرأته وهي حائض أنه قال :
" يتصدق بدينار أو نصف دينار " (1)
وقال أبو داود في المسائل
" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ، قال : ما أحسن حديث ( وذكر الحديث )
قلت : وتذهب إليه ، قال : نعم إنما هو كفارة
قلت : فدينار أو نصف دينار(2) ، قال : كيف شاء ".
قال الألباني ( رحمه الله )
ولعل التخير بين الدينار ونصف الدينار يعود إلى حال المتصدق من اليسار أو الضيق ، كما خرجت بذلك بعض روايات الحديث وإن كان مسنده ضعيفاً ... والله أعلم .
- ومثله في الضعف الرواية التي تفرق بين إتيانها في الدم وإتيانها بعد الطهر ولم تغتسل .
- وقال بعض أهل العلم : يُخرج دينار إذا كان الدم كثير ، والنصف دينار إذا كان قليلاً .
القول الثاني : قول الجمهور
وذهبوا إلى أن من جامع زوجته في أثناء حيضها في فرجها فليس عليه كفارة ، وذلك لأن حديث ابن عباس السابق في وجوب الكفارة إنما هو ضعيف على الراجح والأصل في أموال المسلمين الحرمة فلا يحل مال مسلم إلا بنهي .
س2 هل يجوز استعمال الواقي الذكري من أجل جماع المرأة وقت حيضها ؟
ج2 لا يجوز ذلك ، فإن هذا محرم لعموم النهي عن جماعها في حيضها .
س3 هل على المرأة الحائض شيء إذا أرغمها زوجها على الجماع ؟
ج3 بداية ينبغي أن نعلم أن على المرأة الحائض أن تمتنع من زوجها إذا أراد جماعها
لكن إذا غلبت على أمرها فلا شيء عليها وتستغفر الله (1) .
س4 ما يحل للزوج من زوجته الحائض ؟
ج4 اختلف أهل العلم في هذه المسألة أيضاً على قولين :
×القول الأول :
أنه يحل للرجل أن يستمتع بجسد امرأته الحائض ما عدا ما بين السرة إلى الركبة وهو مذهب أكثر العلماء وحجتهم :
1) ما أخرجه مسلم عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت :
" كان إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها ".
2) وفي رواية هي عند أبو داود في الصحيحة عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت :
" كان رسول الله r يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها وقال مرة يباشرها ".
قال في النهاية
أراد بالمباشرة الملامسة وأصله لمس بشرة الرجل بشرة المرأة وقد ترد بمعني الوطء في الفرج وخارجاً عنه ، والثاني هو المراد هنا كما لا يخفى .
ثانياً: يحرم عليه إتيان الحائض
ويحرم على الرجل إتيان المرأة أثناء الحيض لقوله تعالى...
يحل للرجل أن يستمتع بجسد امرأته الحائض كله إلا الفرج فقط ، يعني ما عدا الإيلاج في الفرج
( وهو الراجح ) وهو مذهب الثوري وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن والطحاوي من الحنفية ، وأصبغ من المالكية ، وأحد القولين للشافعية واختاره ابن المنذر والنووي ( فتح الباري 1 / 404)
وهو مذهب ابن حزم كذلك وحجتهم ودليلهم :
1- ما أخرجه الإمام مسلم عن أنس t أنه قال :
" لما نزل قوله تعالى : {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} قال النبي r : اصنعوا كل شيء إلا الجماع
وفي رواية : غير النكاح أو إلا النكاح(1) ".
2- وعند ابن سعد عن الصهباء بنت كريم قالت :
" قلت لعائشة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع ".
3- وعند أبي داود بسند صحيح عن عكرمة عن بعض أزواج النبي r قالت :
" أن النبي r كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً ثم صنع ما أراد ".
4- وأخرج الطبري في التفسير ( 4/ 278 ) بسند صحيح عن مسروق قال :
" قلت لعائشة : إني أريد أن أسألك عن شيء وأني أستحي ، فقالت : إنما أنا أمُّك وأنت ابني
فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ ، قالت : له كل شيء إلا فرجها ".
ولا شك أن عائشة ( رضي الله عنها ) من أعلم الناس بحكم هذه المسألة لأنها زوجة النبي r .
س5 متى يجوز إتيانها إذا طهرت ؟
ج5 اختلف أيضاً أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
×القول الأول
أن الحائض إذا طهرت فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها ، وهو مذهب ابن حزم ورواه عن عطاء وقتادة وهو مذهب الأوزاعي أيضاً .
×القول الثاني ( وهو قول الجمهور )
إذا طهرت المرأة من الحيض فلا يحل لزوجها أن يجامعها إلا إذا اغتسلت ( وهو الراجح )
فقد قال تعالى : {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}
قال مجاهد كما في ( مصنف عبد الرزاق والبيهقي بسند صحيح )
{حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} : أي إذا اغتسلت ، ولا تحل لزوجها حتى تغتسل .
وقال السعدي ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية
{حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} : أي ينقطع دمهن فإذا انقطع الدم زال المنع الموجود وقت جريانه الذي كان كله شرطان
( انقطاع الدم ، والاغتسال منه )
فلما انقطع الدم زال الشرط الأول وبقي الثاني
فلهذا قال : {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}: أي اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله أي في القبل لا في الدبر لأنه محل الحرث وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض ، وأن انقطاع الدم شرط لصحته ولما كان هذا المنع لطفاً منه تعالى بعباده وصيانة عن الأدى
قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } أي من ذنوبهم على الدوام ، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أي المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث .
س6 هل يجوز جماع المستحاضة ؟
ج6 نعم يجوز جماع المُستحاضة ، ولكن ما هي المُستحاضة ؟
هي جريان الدم في فرج المرأة في غير أوانه
- وما الدليل على جواز ذلك ؟
دليل ذلك ما أخرجه مسلم من حديث عائشة ( رضي الله عنها ) قالت :
" جاءت فاطمة بنت أبي جحش إلى النبي r فقالت : يا رسول الله إني أُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟
فقال r : لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ".
قال الإمام الشافعي ( رحمه الله ) في الأم ( 1 / 50 )
لما أمر الله تعالى باعتزال الحيّض وأباحهن بعد الطهر والتطهير ودلت السنة على أن المُستحاضة تصلي دلَّ ذلك على أن لزوج المُستحاضة إصابتها ( إن شاء الله تعالى )
لأن الله أمر باعتزالهن وهنَّ غير طواهر وأباح أن يؤتين طواهر .
- وفي سنن أي داود عن عكرمة قال :
" كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها ".
قال الشوكاني
ولم يرد في ذلك شرع يقتضي المنع منه .
وجاء في المجموع ( 2 / 372 ) ، والمغني ( 1 / 339 )
أنه يجوز للمستحاضة أن يجامعها زوجها ما دام في غير وقت الحيض وإن كان الدم جارياً وهو قول أكثر العلماء .
ثالثا : نشر أسرار الفراش الزوجيه إلا لمصلحه شرعيه
ويحرم على الزوج وكذلك على الزوجة نشر ما يكون بينهما من أسرار الاستمتاع .
1)فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله r :
" إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ".
قال الإمام النووي ( رحمه الله ) كما في ( شرح مسلم 3 / 610 )
في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه ، ولقد مدح الله المؤمنات بقوله :
{َالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } ( النساء 34 )
2)وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح بشواهده عن أسماء بنت يزيد :
" أنها كانت عند رسول الله r والرجال والنساء قعود عنده فقال: لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فأرم القوم فقلت: أي والله يا رسول الله إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون قال:-فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".
وأقبح من هذا أن يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع كلاهما أو يباشرها أو يقبلها أمام الناس وهذا التحريم حتى ولو كان الذي يسمع كلامهما زوجة له أخرى .
فقد قال ابن قدامة في المغني
أن الحسن قال في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع :
كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي .
- ولكن يجوز نشر مثل ذلك وهذه الأسرار لمصلحة شرعية :
فهؤلاء هن زوجات النبي r يذكرن هديه r في معاشرته وتقبيله ومباشرته لهن وذلك كله لرجحان المصلحة من ذكره .
- بل أبلغ من ذلك الذي مر معنا وهو عند مسلم من حديث عائشة :
" أن رجلاً سأل رسول الله r عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليه من غسل ؟
وعائشة جالسة فقال رسول الله : إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ".
فدل ذلك على جواز ذكر ما يدور بين الرجل والمرأة من أسرار الجماع للمصلحة الشرعية الراجحة
- وهذا ما فهمه الإمام النسائي فذكر هذا الحديث في عشرة النساء من السنن الكبرى وبوب له :
( الرخصة في أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين زوجته ) .