مملكة الحــــــــــب

الأدب النبطي والفصيح

جلست زينب ترمـــي أتعاب النهارمن على قلبها الكبير , أخذت كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي لتقرأ ماتبقى فيه من صفحات أمسكت بالقلم لتدون السطور المهمة ,غرق ذهنها في بحور العلم أصطادت جواهر الحكمة من أفواه الأسماك المتوحشة , فصاح هاتفها الذي أزعج فكرها وصاحت طفلتها زهراء تريد الحنان وفي الوقت ذاته دخل زوجها مرهق من عمل كادح ...

أغلقت الكتاب وردت على الهاتف بعجل واحتضنت طفلتها وحيت زوجها

وسارت الى تحضير وجبة الغداء .....

وبعد شاي الظهيرة جلست وهي تزفرالأرهاق من جسدها , وأمسكت كتاب تهافت التهافت لأبن رشد لتطلع على الرأي المخالف للغزالي وتزدهر

خزينة فكرها ... ولكن سرعان ماجاءها أبنها الأكبر ليقطع خلوتها ويذكرها بحفل تخرجه بعد غد ؛؛؛ خرج ليدخل أبنها الصغير وهو في حالة من الكآبة

أحست بسوء وجدانه رمت الكتاب واحتضنته وسألته :

ــــ مابك حبيبي ؟؟ هل حدث لك سوء في المدرسة ؟؟

قال وفي عينيه خجل وانكسار :

ــــ نعم ... يا أمـــي حدث لي مثلما يحدث كل مرة ...

عرفت زينب بذكاء الأمومة مايشكي منه فلذة كبدها , أعتدلت في جلستها ووضعت يدها على كتف أبنها وقالت :

ـــــ نور عيني ... نحن نسعــى لوضع قاعدة صحية لهذه الأسرة من دون مخلفات الغرب الطاغي الذي يسعــى لشغل عقول الشباب بتوافه الأمور... وأنت لاتعلم بأن هذه الألومبية الصغيرة التي تجلب مئات القنوات تجلب معها ثقافات الدول التي تنتمـــي لها ....

قاطعها بأدب قائلا:

ـــــ ولكن ياأمي لطالما سمعتك تتحدثين مع أبي عن حوار الحضارات ومزج الثقافات المختلفة ...

بادرته قائله :

ـــــ لاشك في ذلك ياحبيبي ... ولكن هناك سلبيات كثيرة تحملها هذه الثـقافة لاتستطيع أنت بقلة خبرتك في الحياة أن تتجنبها ... وهنا يأتي دورنا أنا وأبيك ... نبني روحك بالتقوى والفكر الجيد لتخرج الى عولمة العصر برؤية أخلاقية متينه ..

نظر اليها برهه يفكر بصمت ومن ثم أستطرد قائلا :

ـــــ ولكن يا أمـي نحن بحاجة الى مقعد الأختيار كي تكون شخصيتنا مبنيه على الأقتناع بالخير ؛؛؛؛

أبتسمت زينب أبتسامتها الجميلة وقالت:

ـــــ الطفولة ياحبيبي ليست مرحلة للأختيار , الطفل بحاجة الى خبرة الوالدين , يتغذى من عقلهم قبل عاطفتهم

أنت ياحبيبي أفضل من الأولاد المحيطين بك أنت تنتمي الى أسرة يملأها الحب أنظر الى أبيك كيف يعاملكم ويبني مستقبلكم

بجهده الذهني والجسدي ... أتعلم ماذا يحمل هذا الجهاز بداخله ؟ يحمل برامج أطفال كلها عنف وكأن الحياة تسير بقوة السلاح وتحطيم الأخرين , برامج تسلية مبتذلة تخلو من الأحتشام والأفادة السليمة , برامج ثقافية سطحية ..... وأنت تمتلك مايغنيك عن الرفاهية التلفزيونية.

أجابها قائلا :

ـــــ ولكن هناك قنوات دينية بحته ذات ثـقة ..

قاطعته زينب :

ــــــ وهل أنت بحاجة لها ... فمكتبتنا غنية بأنواع الكتب التي تعطيك المتعة والمعرفة وترضي فضول مستويات العقول المختلفة ...

بقـــى صامتا .... فاحتضنته أمه زينب وهي تقول :

ـــــ لاتحزن ياحبيبي عندما ترى الأخرين يمتلكون هذا الجهاز وأنت لا .. بل تذكر دومــــا أن الحياة الدنيا لعب ولهو والأنسان الذي يريد الفوز والفلاح يأخذ منها مايرضي الله ... الله الذي تحبه يابني وتتواصل به كل وقت .. ولاتظن أننا سنعرضك للحرمان يوما مـــا .. كثير من الناس يمتلكون التكنلوجيا دون وعـــي فيدفعون ثمن تحضرهم بغباء التطور ..

وقف وقبل أمه وذهب عن حنانها يفكر في منطقها .... وتنفست هي الصعداء ممسكه الكتاب الذي هربت منه الى روحها الذي يكبر يوما بعد يوم ويصطدم بالمجتمع الخارجي المليء بالهوامش ....

تذكرت موعد أعداد وجبة العشاء , تركت الكتاب مرة ثانية وغابت عن فكر ابن رشد ... الى .... مشاغل الأمومة .. الأمومة الحقة التى تحرمنا من الأصدقاء والموهبة لنعطي أبنائنا الحياة كــــي لا تأخذهم الدنيا الى سجنها .. الأمومة التي كلفها الله بصناعة الإنسان بينما يصنع الأب الأبنية والأراضي .

دخلت زينب غرفة ولدها الأكبر لترى أن كان يحتاج الى خدمة لم تجده ولكنها وجدت كتاب عنوانه مملكة الحب من تأليف أبنها , تعجبت وفتحت الصفحة الأولى وبدأت تقرأ :

ـــــ أهدي هذا الكتاب الى من صنعت لي مملكة كلها من الحب

وحرمـــت نفسها من المجتمع لتخرجني الى المجتمع

وانشغلت عن العلم لتدفعني الى العلم ...

أنها أمــــي الشفافة العظيمة ..

وأشكر أبي لأنه أختارها لتكون رفيقة حنونة وأم صالحة

أحتضنت الكتاب وأذرفت دمعها ــــــ دخل عليها أبنها فاكتشف أن أمه علمت بالمفاجأه التى حضرها لها ليوم تخرجه من الجامعة ليقدمه لها هدية ثمرة تربيتها وأن كان لايساوي ما أعطته أبدا .. ألتـفـتت اليه مبتسمة بينما مسح ابنها الدمع من عينيها وهو يقول :

ــــــ اننا نحبك كثيرا وأن أشغلـتـنا الذات عنك أحيانا , فنحن لانتصور الحياة من دون عينيك أنت... أنت .. مملكة الحب .
0
480

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️