مناسبات الأفراح بين القصور والدور ..أين تريد أن يكون زواج ابنتك في الموسم القادم؟

. يوسف بن عبدالله الزامل *

تختلف الشعوب عبر الزمان والمكان في اساليب وانماط اقامة مناسبات افراحها واتراحها، بل قد تتنوع ايضا للشعب الواحد وفي بلاد واحدة هذه الاساليب والانماط، ومع ان العادات والتقاليد لها دور كبير في تحديد الاختيارات وربما فرض احدها عليهم، ولكن يبدو ان مجتمعنا السعودي اخذت تنمو فيه دور الاختيارات الشخصية والمبادرات الفردية التي لا يتلزم فيها ابناء قبيلة واحدة او منطقة معينة او قرية محددة باسلوب عرفي ملزم واحد..وقد برز هذا واضحا في مناسبات الافراح والاعراس، فبعد ان هجر المجتمع لعقود اسلوبه التقليدي البسيط لاقامة الاعراس بشكل بعيد عن التكلف يتلخص في تقديم الشاي والقهوة بعد العصر او العشاء ثم البخور للمهنئين الذين يدعون بصفة شخصية عائلية، لا يكتظ المكان الا لمن يريد حقيقة التهنئة والدعاء وتنتهي المراسم في وقت مبكر وبأقل التكاليف وربما لا يتجاوز الساعة دون سرف ولا تبذير.. وربما جاء من النساء الى بيت العروس بعض من يُجدن النشيد والغناء البريء مع الدف ليظهر النكاح ولترفع البهجة على اهل البيت والحي.. هذا الاسلوب الذي كان يرتاح اليه المجتمع آنذاك ويطمئن الى ادائه كان ايضا متوافقاً تماما مع ما يندب اليه الدين والشرع الذي يقوم ع
ليه المجتمع ولكن بعد النمو المادي للبلاد والطفرة الاقتصادية بدأ المجتمع يرحل عن هذا الاسلوب تدريجيا بزيادة النفقات على الكهرباء والعقود والطعام حتى وصل الى استثمار قصور الافراح التي تتفاوت نفقاتها درجات مختلفة ثم الفنادق والترفع في المأكل والمشرب كماً ونوعا بحيث يتوقع ان تتراوح التكاليف من , 20000إى , 100000ريال او ربما تصل الى بضع مئات الآلاف من الريالات.. وظل مجتمعنا السعودي علي هذا المنوال التضخمي لما يقرب من عقدين او نحوهما من الزمان دون ان يكون لاي خيارات اخرى وضوح او بروز...ولكن ومنذ ما يقرب من عقدين من السنوات اخذ يبرز على السطح تياران جديدان نسبياً في انماط اقامة افراح الاعراس هذان التياران هما اشبه عودة او تراجع عن اسلوب القصور الي اسلوب الدور الذي كان سائداً... هذان التياران اللذان اخذا ينموان بقوة يتلخص اولهما بالاتجاه الي اسلوب الاستراحات التي تكون فيها الدعوات مختصرة علي الاقارب والاصحاب المهمين.. على ان بعض الاستراحات قد تُسخدم احياناً لدعوة عامة كالدعوات في القصور، الا ان تكاليف الاستراحة تظل على الاقل ادنى بكثير من ايجارات القصور، وهذا ما دفع بكثير من اصحاب القصور الى الشكوى وربما المداعاة على
اصحاب هذه الاستراحات الذين يستخدمونها كقصور افراح دون تصريح من الجهات المختصة.. ومع ذلك فكثير من مناسبات الافراح في الاستراحات لا تختصر الايجارات فحسب وانما حتى تكايف اعداد الطعام وكمياته. وربما تراوح اجمالي هذه التكاليف من 5000- 10000ريال.واما التيار الثاني الذي اخذ يبرز وينمو منذ عدة سنوات فيمكن ان يطلق عليه العودة الى القديم او إلى الاصيل، او كما يحلو للغربيين ان يسموه العودة الي القديم مع نوع من التجديد والتطور، وذلك ان نسبة من الزيجات اصبح اولياء الامور فيها اكثر قناعة بان الاجدى ان تكون حفلاتها عائلية او بيتية تقتصر على الاقارب المباشرين او المهمين من الاخوة والاخوات والاعمام والاخوال للزوجين وتكون حفلة بسيطة مختصرة يقدم فيها وليمة العشاء ويتم فيها الدخول بعيدا عن الاضواء وبدون ضوضاء... وتتدنى التكاليف في هذا الاسلوب بحيث لا تتعدى القيمة 2000ريال غالبا.ولا شك ان لكل من التيارات والاساليب الثلاثة مميزات وعيوباً، فعلى سبيل المثال الاسلوب الاول (السائد) من استئجار القصور والفنادق قد يكون من ابرز مزاياه اجتماع كل اطراف الاسرتين بأوسع امتداداتهم مع كل الاصحاب والمعارف، ولكن قد يعاني اصحاب هذا الاسلوب من ا
رتفاع الفواتير والتكاليف مع فقد الخصوصية واتصاف جو هذه المناسبات بالرتابة والروتينية، وكثيرا ما يكون اكثر ما يأنس به المدعو ان يوفق لجليس او صاحب يعرفه مسبقا فيشاطره اطراف الحديث هذا الاسلوب لكي يكون مجديا لابد من أن يصحب حجمه الكبير التطوير في طرق ادارته من حيث الاستقبال وترتيب اماكن الجلوس ومن حيث الترفيه للحاضرين وايناسهم اثناء فترات انتظارهم. وفي اجواء لا تقدر الالتزام بالقيم قد يعمد بعض من يقيم هذه الحفلات الي احضار مطربين للرجال ومطربات للنساء ولكن هذه الحلول غالبا ما يتذمر منها المجتمع لانه يصنفها ضمن الوسائل المحرمة من ناحية والاسراف والتبذير الممقوت من ناحية اخرى، ولكي لا يتجه كثير من الناس اليه تحت مظلة الحاجة الي الترفيه فانه يمكن ان تجري تطويرات لوسائل مشروعة كالدف والاناشيد الاسلامية للاطفال في حفل النساء.واما الاسلوب البيتي او العائلي المختصر على الاقارب المباشرين فأهم مزاياه انخفاض التكاليف المادية والنفسية، وهو اقرب الاساليب الثلاثة الي الفطرة والسنة، واما اكبر ما يمكن الملاحظة عليه فهو ان العروسين قد لا يشعران بالبهجة التي تتولد من ابتهاج الناس بهما وقد لا يتم اظهار واشهار النكاح على الوجه ال
اكمل.هذه الاساليب والتيارات التي استعرضناها وشيء من خصائصها قد نمت وترعرت بشكل تلقائي عفوي دون ان يكون هناك دور يذكر للدراسات او التوعية حول اي من هذه الاساليب، واحقاقا للحق فان بعض الجهود البحثة والإعلامية في هذا المضمار كان يمكن ان يكون لها تأثير كبير نحو تعجيل استخدام بعض هذه الاساليب الجديدة وزيادة الاقتناع بها او طرح مقترحات لتطويرها وتأصيلها وتأسيسها اجتماعياً وعرفياً.ولا شك ان التساؤل الاول يوجه الي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وما هو دورها في مثل هذه المجالات لتطوير المجتمع وتوعيته والمساهمة في توجيهه نحو الافضل والاكمل، ولو تبنت وزارة الشؤون الاجتماعية ندوات وحلقات نقاش او اسست لجاناً للدراسات لامثال هذه القضايا الاجتماعية بحيث يشارك فيها اهل العلم والخبرة والريادة، لتخرج بعدها ومن خلالها مطويات او اشرطة سمعية او احصائيات، ليتولد منها موجة من الوعي والترشيد للقرارات والتفاعلات الاجتماعية. ويمكن في اطار مثل هذه الجهود الاعلامية والتوعية الاستفادة من تجارب الدول الخليجية التي تشابه ظروف المملكة، اذ هناك اساليب مختلفة في بعض الدول الخليجية ربما يمكن اقتباس بعض جوانبها. ويمكن ان يبحث في مثل هذه اللجان
والندوات بعض الجوانب الشرعية المتعلقة بمناسبات الافراح والتي تحتاج الى تحديد المواقف الشرعية منها ليتأسس حولها الموقف الاجتماعي، فمثلاً هل الوليمة التي يقيمها اهل الزوجة او اهل الزوجين تكفي عن الوليمة الواجبة علي الزوج حسب النص النبوي ام لا؟ وهل يكفي المدعوين الحضور الى اجتماع الرجال في بيت والد الزوج عن الاجابة الواجبة لدعوة الوليمة؟ وهل قيام بعض المدعوين في بعض القصور بمغادرة القصر بعد تناول الشاي والقهوة والمباركة قبل العشاء يكفي للقول انهم اجابوا الدعوة الواجب تطبيقها ام لا بد من مشاركتهم في تناول العشاء ولو كان لا يقدم الا في ساعة متأخرة من الليل؟وكثيرة هي القضايا والتساؤلات والمواقف المحيرة للمدعوين ولمن يقيم حفلات الأعراس، والامل ان يكون هنا؛ توجيه جاد من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتطوير البحوث والدراسات واقامة اللقاءات والندوات واللجان لتوجيه وتوعية المجتمع حول هذه التفاعلات الاجتماعية وامثالها كثير، وحتى لا يضطر المجتمع الي اختيار عشوائية او عفوية ربما يصعب تغييرها بعد ان تستقر كعادات شبه ملزمة لفترات زمينة طويلة.

الرياض