بسم الله الرحمن الرحيم
ونصلي ونسلم على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم
الرضا .. ذروة أعمال القلوب كما الجهاد ذروة أعمال الجوارح.. وهي ثمرة من ثمار المحبة ومستراح العارفين
أما الطريق إلى الرضا ... فطريق قريبة جداً، موصلة إلى أجلْ غاية. وما دونها من عقبة إلا أن تستطيع أمتطاء صهوة همة عالية.، وبين جنبيك نفس نزكية ، موطّنة على كل مايرد عليها من الله
يمهد لك الصعود إليها همة عالية.. همة علمك بضعفك وعجزك ورحمته بك، وشفقته وبره بك، وأنجذاب دواعي حبه ورضاه كله إليك..
فطريق الرضا تسيّر العبد وهو مستلقِ على فراشه ليصبح أول الركب بمراحل. وثمرة الرضا : الفرح والسرور بالله جل جلاله.
ومن أتكل على حسن أختيار الله له لم يتمنى غير ما أختاره الله له .. ( الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الرضا ذروة سنام أعمال القلوب .
قال أبوا الدرداء ( ذروة سنام الإيمان الصبر للحكم ، والرضا بالقدر). وبداية الرضا مكتسبة للعبد في أولها فقط. وأولها مقام و آخرها حال .
وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحال : قال: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ رسولا".رواه مسلم.
الرضا بألوهية الرحمن ...هو الرضا بما يأمر به. تتضمن أفراده جل ثناؤه بالمحبة ةالخوف والرجاء والإنابة والتبتل إليه ،وفعل الراضي مع محبوبه هو إنجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه ومنه وبه يأتي الإخلاص في العبادة
والرضا بالربوبية :الرضا بما يقدره عليه. يتضمن الإفراد بالتوكل والثق والإعتماد وكامل الإستعانة . ومنه يكون الرضا بكل ما يفعله محبوبه معه
اما الرضا بنبيه رسولا.. فيضمن كمال الإنقياد للنبي الكامل والتسليم المطلق بحيث يكون أولى به من نفسه
وأما الرضا بدينه الخاتم .. فإنه أن يكون هواه تبعا لما جاء به . ويسلم تسليما. ولو خالف الدنيا ومن فيها والشهوات وجماع مطالبها .
هنا يستوحشك الناس كلهم إلا غرباء عالم التوحيد في الأرض
والصادق هوالذي تذوق هذه الحلاوة كلما مس الإغتراب فهو يزداد أنسا بالله فيقول اللهم زدني أغترابا ويرى عين الوحشة في الأنس بالناس بعيدا عن محبوبه جل وعلا
فالرضا كسب بأسبابه موهوب متأصل في النفس بحقيقته .. فإذا تمكنت من زرع غرس شجرته في قلبك وجوارحك جنيت ثماره أبدا ما أبقاك الله في دنياك وهو آخر مراحل التوكل على الله . وقمتها العالية
إن رسخت النفس في التوكل حصل الرضا ولابد .. لكنها قمة سامقة .. ولصعوبتها لم نؤمر بها إنما ندبنا إليها
ماهي اسباب حصول الرضا ؟
هي بإختصار .. ( أن نلزم ما جعل الله رضاه فيه). سأل يحي بن معاذ .. متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟
فقال : إذا أقام نفسه على أربع أصول يعامل بها ربه. الأول : أن أعطاه قَبل. الثاني : إن منعه رضي. الثالث: إن تركه عبد الرابع : إن دعاه أجاب
ووصف الجنيد الأسباب .. بأنها صحة العلم الواصل للقلب .. فإذا باشر القلب صحة العلم ، أدّاه إلى الرضا
وقال بن عطاء : الرضا سكون القلب إلى قديم أختيار الله للعبد، وأنه أختار له الأفضل ، فيرضى وهورضى بما كان منه جل وعلا
لماذا كان الرضا أهم سمات الهمة العالية لدى العارفين ؟
فالهمة العالية شيمتها الرضا ولذلك أفرغ أصحاب الهمم جهدهم في استعمال الرضا. قال الواسطي أستعمل الرضا جهدك . ولا تدع الرضا يستعملك
فما معنى هذا ؟
معناه: ان تتجاوز لذة الرضا والأنس ومساكنة الأحوال والوقوف عندها، إلى حرصك إن يكون محبوبك راضٍ من رضاك.
اي أن تستعمل الرضا كسبب يوصلك إلى رضوان محبوبك ، ومطالعة حقوقه وهي عقبة لا يجوزها إلا أولو العزائم. ففرق بين من هو راضٍ بمحبوبه ، وبين من هو راضٍ بما يناله من محبوبه من حظوظ نفسه.. ينظر فيما أصابه منه اللطف والرحمة من محبوبه
التفاضل بين الرضا والصبر
الرضا فوق الصبر. كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: ( أما بعد ، فإن الخير كله في الرضا، فإن أستطعت أن ترضى ، وإلا فاصبر.
إن الرضا بالله متعلق بأسمائه وصفاته جل وعلا. وهذه هي المرحلة التي يتذوق فيها العبد حلاوة الإيمان
لأنه لما كانت المحبة التامة ميل القلب بكليه إلى المحبوب ، كان الميل حاملا على الطاعة والتعظيم
وكلما كان الميل أقوى ، كانت الطاعة أتم والتعظيم أوفر.وهذا هو لب الإيمان وروحه
فأي شيء يكون أعلى من أمر يتضمن أن يكون الله سبحانه وتعالى أحب اشياء إلى العبد ، وأولى الأشياء بالتعظيم ، وأحقها بالطاعة.؟ بهذا يتذوق العبد حلاوة الإيمان وويتلذذ بطلاوة الرضا
كيف يكون الرضا بالله وعن الله وبقضاء الله؟
الرضا بالله بلا حرج ولا منازعة ولا أعتراض .. وهو فرض وهو قطب رحى الأعمال
قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلمو تسليماً )
فشرط الإيمان الذي أقسم عليه الجليل . أن يحكم العباد بحكم الله ، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، وحتى يسلموا لحكمه تسليما
هذه هي حقيقة الرضا بحكم الله. التحكيم : يقع في مقام الإسلام . وإنتفاء الحرج : يقع في مقام الإيمان. والتسليم : يقع في مقام الإحسان.
متى خالط القلب بشاشة الإيمان ... أنقلبت النفس الأمارة بالسوء إلى مطمئنة وادعة عندها تتلقى القضاء بكل الرضا
قضاء المحبوب من صحة أو مرض أو فقر أو نازلة ..فيقابلة ليس باللذة.. بل في مقام الشكر على النعم ومعرفة التقصير الحاصل من العبد في جميع لوازم أعماله مع الله
وقد سئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسألك الرضا بعد القضاء ) فقال لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا ، وبعد القضاء هو فعله
الرضا عن الله لها ثلاثة شروط:
الأول : أن تستوي النعمة والبلية عند العبد ..يتكل إلى حسن إختيار الله له.
الثاني : اسقاط كل خصومة له عند الناس مالم تنتهك محارم الله ... فالراضي لا يخاصب ولا يعاتب إلا فيما يختص بحق الله
الثالث: الخلوص من المسألة الإلحاح على الخلق . قال تعالى : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا) قال ابن عباس: إذا كان غداءلا يسأل عن عشاء ، وإن كان عنده عشاء لا يسأل عن غداء
عالي الهمة لا يرضى بغير القمة
وقمة الأعمال الرضا.. لذلك لا يليق بعالي الهمة إلا مقام الرضا.
وجزاء أعمال القلوب ليس لها نهاية .. لا ينتهي تضعيفها . لأن أعمال الجوارح تنتهي إلى آجال تقف عندها ، غربما يكون جزاؤها عند حده ..أما أعمال القلب فهي دائمة ومتصلة
أمثلة من علو همم أهل الرضا
هذا نبي الله إبراهيم عليه السلام : أبتلاه ربه فرضي به ، وابتلاه بذبح أبنه فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالنار فرضي عنه
و سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه: . عندما قدم مكة في آخر عمره وقد كف بصره ، جاءه الناس يهرعون إليه كلا يريده أن يدعوا له ،وهو يجيبهم ويدعو لهم ، وكان مجاب الدعوة . قال عبد الله بن السائب : فأتيته وأنا غلام فقلت يا عم : أنت تدعوللناس فلو دعوت لنفسك ، فرد الله عليك بصرك، فتبسم وقال : يابني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري
عمران بن حصين: عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال : ( أتيت عمران بن حصين يوماً فقلت له : إني لأدع إتيانك فيما أراك فيه ، ولما أراك تلقى . قال : لا تفعل ، فوالله إن أحَبَّه إليّ أحبَّه إلى الله)
وكان عمران قد أستقى بطنه ثلاثين عاما لا يقوم ولا يقعد ، قد نقب له في سرسر من جريد كان عليه موضع لقضاء الحاجة ، فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء ، فجعل يبكي لما يراه من حاله ، فقال : لم تبكي ؟ قال : لأني أراك على هذه الحالة العظيمة . قال لا تبكِ فإن أحبَّه إلى الله أحبَّه إلي
وعمر بن عبد العزيز عندما توفي ودع عبدالله وأخاه سهل بن عبد العزيز ومولاه مزاحم . دخل عليه الربيع بن سبرة فقال عظم الله أجرك ما رأيت أحدا أصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة ، والله ما رأيت مثل إبنك ،كان تقيا ورعا. ولامثل أخاك ولا مولاك
فطأطأ رأسه فقال له رجل معه على الوساد لقد هيجت عليه . قال : ثم رفع رأسه فقال : كيف قلت لي يا ربيع ؟ فأعدت عليه . فقال : لا والذي قضى عليهم . ما أحب أن شيئا كان من ذلك لم يكن
إنهم زمرة من رضي الله عنهم ورضوا عنه ومن لم يرضى بالقضاء فليس لحمقه دواء كما قال ميمون ابن مهران
فلنحذر أن نكون في معاملتنا مع الله مدخولة. ناقصة عن مقام السابقين . أن نوطن أنفسنا في مقام معاملة من عرف أن منعه عطاء وحسن أختيار ، وأن كل بلاءه عافية. والحمد لله.حتى يرضى وإذا رضي وبعد الرضا
إذا أرتحل الكرام إليك يوما *** ليلتمسوك حالا بعد حال
فإن رحالنا حطت لترضى *** بحلمك عن حلول وإرتحال
انخنا في فنائك يا إلهي *** إليك معّرضين بلا إعتلال
فَسُسنا كيف شئت ولا تكلنا *** إلى تدبيرنا يا ذا المعالي
اللهم انك عفوا تحب العفو فاعف عنا أجمعين.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب ونسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان وأجعلنا هداة مهتدين
اللهم ألف بين قلوبنا واصلح ذات أمرنا وأهدنا سبل السلام وأجمعنا في الدار السلام إخوانا على سرر متقابلين برحمتك يا أرحم الراحمين .. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
_____________
أختكم / بنت الرسالة
هذا مقال عن الدكتورة رحمها الله ... وأنظري كيف كان رضاها وصبرها لقضاء الله عز وجل ..
http://saaid.net/daeyat/roqea/28.htm
نوروضياء @norodyaaa
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
الله يرحم الدكتورة خديجة عبدالماجد ( بنت الرساله )
فعلا قصتها مؤثره ..