
مقطع من محاضرة ( فاجعة الفجر )
للشيخ صالح المغامسي حفظه الله
إن هدي الأنبياء الأعظم في القيام بالعبادات،
والصلوات ذروة العبادات،
و صلاة الفجر ذروة الصلوات وتاجها،
أفردها الله جل وعلا في القرآن ذكراً
فقال جل جلاله:
( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا )
.
فجعل الله جل وعلا الفرائض الأربع يتبع بعضها بعضاً،
وأفرد صلاة الفجر لوحدها زماناً وأثراً،
فصلاة الفجر أحد أعظم الأسباب في رؤية وجه الله تبارك وتعالى،
وليس للمؤمنين غاية أعظم من أن يروا وجه ربهم تبارك وتعالى،
أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى القمر ليلة البدر
فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك لأصحابه:
إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته،
فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا.
ثم تلا صلوات الله وسلامه عليه:
( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا )
) ،
قال العلماء من المفسرين وغيرهم:
(قبل طلوع الشمس) أي: صلاة الفجر،
و(قبل غروبها) أي: صلاة العصر.
وصلاة الفجر المحافظة عليها جماعة في مساجد المسلمين للرجال بعض دلالة على البراءة من النفاق،
قال عليه الصلاة والسلام:
(ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)،
فصلاة الفجر مع أخواتها مما يؤدى في الظلمة تكسب المؤمن نوراً تاماً في عرصات يوم القيامة،
يوم يكون المؤمن أحوج ما يكون إلى النور،
قال عليه الصلاة والسلام:
(بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)
صلاة الفجر سبب الكينونة في ذمة الله
يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:
(من صلى الفجر فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمت).
إن أعظم ما يقف به المؤمن على هدي محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم
أن النبي عليه الصلاة والسلام مات وهو محافظ على هذه الصلاة وغيرها أعظم محافظة،
حتى إنه قال في السنة القبلية التي قبلها:
(ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)،
وإن من أعجب العجب أن يفقد الإنسان حياءه من ربه جل وعلا
فيسهر على لهو محرم أو يمكث على الفساد أياً كانت صوره الليل كله حتى إذا دنا الفجر نام،
فإذا أصبح لعمله أو تجارته أو غير ذلك خرج يرجو الرزق ولا رزق إلا من الله،
ويرجو أن يأمن العواقب ولا حافظ إلا الله،
ويرجو أن يوفق ويسدد فيما يقول ويفعل والمسدد والموفق والمعطي والمانع الله،
فيطلب ما عند الله وقد عصاه من قبل وفرط في أعظم فرائضه،
يقول الله تبارك وتعالى:
( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ *
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ *
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
.
إن من أعظم دلائل النجاح وأسباب الفلاح أن يؤدي الإنسان -إن كان رجلاً- صلاة الفجر في جماعة مع المسلمين،
وأن تؤديها المرأة أو الفتاة في وقتها في بيتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً،
فأداء صلاة الفجر نوع من السكينة والاطمئنان وأمان،
ويقع بها المؤمن في ذمة الله،
وليس المراد بأن يكون المؤمن في ذمة الله أنه لا يصيبه أذى،
فهذا لا يمكن أن يثبت عقلاً ولا نقلاً،
فإن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الفجر يوم أحد ومع ذلك كسرت رباعيته وشج رأسه وأدمي عليه الصلاة والسلام،
ولكن المقصود أن الإنسان إذا بقي يبقى على خير وعافية، وإن قبض يقبض وقد كان في ذمة رب العالمين جل جلاله،
والله تبارك وتعالى خير الحافظين.
وكل سبب أدى إلى المحافظة عليها يجب أن يسعى المؤمن إليه،
وكل سبب أعاق عنها أو حرم منها أو منعها فيجب على المؤمن أن ينأى بنفسه عنه؛
لأنه لا جمع بين الاثنين، فلا يمكن أن يتم الأمران،
فالله تبارك وتعالى خلق الناس منهم مؤمن ومنهم كافر،
وبين لعباده النجدين،
وأداء صلاة الفجر جماعة من أعظم أسباب التوفيق.
..
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا
وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
جزاك الله خير