من اسباب الكرم البدوي

الأسرة والمجتمع

سمعت حديثاً منذ ساعتين أثار اهتمامي ولازلت أفكر فيه .
لدينا في المهجع أربعة من البدو , , مهنتهم الرئيسية رعي الأغنام و الجمال , عاشوا طوال حياتهم في هذه الصحراء المترامية يتنقلون في أرجائها من مكان لآخر طلباً للمرعى و الماء , قبض عليهم واعتقلوا وجيء بهم إلى السجن الصحراوي بتهمة مساعدة بعض المطلوبين على الفرار إلى دولة مجاورة , وعندما يسألون هنا عن ذلك يعبسون قليلاً ويجيب كبيرهم المدعو " شنيور " :
- و الله يا أخوي .. تهمة باطلة .. نحن بدو بديرة الله .. جام " أتوا " جماعة علينا .. و على عادة العرب .. رحبنا بهم , ضيفناهم من الميسور , بعدين يا خوي سألونا ع الدرب .. دليناهم , هاي فيها شيء يا خوي ؟! وبعدين يقولون لنا .. انتو عملاء .. و انتو جواسيس ! عجيبة و الله يا خوي ! عجيبة .
اليوم بعد أن سرد شنيور هذه القصة للمرة الألف تشعب الحديث كثيراً وكان كله منصباً على البدو وحياة البدو , سأله أحد أبناء المدينة من الذين لم يعرفوا في حياتهم كلها سوى ثلاثة أمكنة " البيت , الدكان , الجامع " عما إذا كان صحيحاً ما يقال عن الكرم البدوي , وعن أسبابه ومسبباته , وختم سؤاله قائلاً بتعجب :
- وكيف يا أخ شنيور .. إذا اجاك ضيف وما كان عندك غير غنمة وحدة , صحيح أنك تذبحها وتطبخها لتقدمها له ؟.. وليش هذا الشيء ؟ ايه .. عمره وانشاء الله ما بياكل ! .. انشاء الله يأكل سم .
- له .. له .. له .. يا خوي ما يصير تحجي هيج " تتكلم هكذا " .
مضى شنيور في مداخلة طويلة يشرح ويعلل ويفسر , كنت أنصت إليه قسراً لأنه جالس بالقرب من فراشي , لكنه بعد قليل شد اهتمامي بفكرة !.
قال شينور ما معناه :
- أن للكرم البدوي أسباباً عديدة , عدد عدة أسباب , لكنه قال إن أهم الاسباب هي أن البدوي يحب ضيفه .. يعشقه !.. وهذا بسبب أن البدوي يبقى أياماً وأسابيعاً وشهوراً يعيش في هذه البراري بين الكثبان الرملية و الأتربة و الغبار في وحدة مطلقة , لذلك وفي حالات كثيرة نرى البدوي يحادث أغنامه أو جماله !.. يكون في المرعى لا يسمعه أحد , ولأنه يحب أغنامه فإنه يجرى حديثاً معها , ولا بأس أن تتخلل هذه الحديث بعض الشتائم الموجهة إلى الأغنام المشاغبة , و البدوي عندما يصل إلى درجة أن يجري حديثاً مع الغنم .. يكون هذا دليلاً إلى أن حاجته إلى الأنس , إلى المؤانسة .. إلى الاجتماع مع أي انسان , قد بلغت مداها الأقصى , في هذا الوقت إذا حضر الضيف فسيجد حتماً شخصاً متلهفاً يغدق عليه الكثير الكثير من آيات الترحيب و المحبة , يقدم له أفضل ما عنده من كل شيء .. وهذا من حيث لا يدري مكافأة له على مجيئه , وإغراءً له للبقاء أطول مدة ممكنة .
" يبدوا أن العزلة تعلم الحكمة , هذا البدوي فيلسوف حكيم !.. شكراً لك يا شينور , لقد أزلت من نفسي قلقاً مبهماً كان يقض مضجعي .. قد كانت عزلتي في المهجع أسوأ من عزلة أي بدوي في الصحراء
رواية القوقعة
مصطفى خليفة
7
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

امنيياتي الجميلة1
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
لا قريتها كلها مع عدة روايات
لكن توقفت عندها كثير وعن كمية الظلم والبشاعة التي تعرض لها الكاتب ورفاقه بالسجن الصحراوي بسبب انشطتهم ضد الديكتاتور
الصراحة رغم انها رواية سوداوية الا انه هذا الكاتب عبقري جدا
امنيياتي الجميلة1
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
الله يسلمك
امنيياتي الجميلة1
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
الصراحة انا ما احب هذا النوع ابدا من الروايات
اتجه بعض الاحيان للروايات البوليسية
طلعت بوجهي صدفة هذا المسيحي اعتقله الرئيس السوري عام ١٩٨٠ بتهمة انه متشدد رغم انه كان ملحد وحولوه لسجن صحراوي وقعد ببيئة دمار بين ناس متطرفين بالسجن وقسوة الشرطة عليهم انظلم ١٤ سنة الين طلع
وفي رواية ثانية لواحد مصري بعد يروري تفاصيل سجنه عند امن الدولة المصري
الصراحة قريتهم وندمت على هول البشاعة الموجودة بالروايتين