إلى الجنة

إلى الجنة @al_algn_1

عضوة نشيطة

من تواضع لله رفعه ....

ملتقى الإيمان

التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم، وأصل ترشحهم للنبوة وهداية البشر، وهو خُلُقٍ كريم وخلّة جذابة، تستهوي القلوب وتستثير الإعجاب والتقدير، ولهذا نرى أن الله تعالى أمر نبيه المختارصلى الله عليه وسلم بالتواضع فقال تعالى: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"(1).

وقد أشاد أهل البيت بشرف هذا الخُلُق وشوَّقوا إليه، واعتبروه من كمال المؤمن وزينة خصاله وسبب رفعة الإنسان كما جاء عن الإمام الصادق ?: "إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه".

والمؤمن كما عبّر عنه أمير المؤمنين"نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد".

أول معصية:

وكفى بهذه الفضيلة شرفاً أن أول معصية عصي بها المولى تعالى هي ما يقابلها من الرذيلة وهو "التكبر"، عندما أطل إبليس رافضاً السجود لادم تكبراً واستعلاءً فكانت النتيجة أن حل عليه الغضب الإلهي: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها"(2).

وجزاء التكبر عند الله هو عذاب النار، "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"(1).

وفي هذا رادعٌ للإنسان عن الافتخار والتكبر الذي يقود إلى الهلاك.

وفي خطبة لأمير المؤمنين ? يقول: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا الله من لواقح الكِبْر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخَّص الله في الكِبْر لأحد من عباده لرخَّص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرَّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع".

التواضع:

لو نظرنا إلى أبليس الذي سقط في الامتحان الإلهي وخرج من رحمة الله ليس لأنَّه رفض السجود لله بل لأنَّه استكبر ولم يقبل طاعة الله في ادم، يتضح أن باب الدخول إلى طاعة الله تعالى هو التواضع.

إن الإنسحاق الإنساني أمام عظمة الحق تعالى يجعل الإنسان في مورد الطاعة الدائمة كالملائكة: "ولا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون"(2).

وبذلك تتحقق العبادة التي هي غاية التذلل والخضوع، وإذا أغفل المؤمن عبادة ربه تلاشت في نفسه شِيَم الإيمان فينظر حينها إلى نفسه فيتكبر ويستعلي كما فعل فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".

وكما فعل النمرود الذي تجبر وتمرد حين قال: "أنا أحي وأميت".

ومن هنا نفهم أن التواضع لله والإلتزام بعبادته تحفظ الإنسان ضمن هدف وجوده وتحدد له حجمه ودوره.

وقد جاء في نهج البلاغة على لسان الأمير "حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات: تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً".

فالصلاة والعبادة لهما دور تربوي لتبقي الإنسان في مورد العبودية لله، وهذا الأمر إنَّما يخلق له عزاً بين الناس ويرفع من شأنه كما في الحديث: "من تواضع لله رفعه".

تواضع المؤمن مع نفسه:

إن التواضع خاصية راسخة في نفس الإنسان تصبغ حركة المؤمن وتسمها بسماتها، وهو يظهر في شمائل الرجل وإطراق رأسه، وجلوسه متربعاً أو متكئاً، وفي أقواله حتى في صوته، ويظهر في مشيه وقيامه وجلوسه، وحركاته وسكناته، وفي تعاطيه، وفي سائر تقلباته، ومجمل هذه الصفات جعلها أمير المؤمنين ? في كلمة موجزة فقال في صفات المؤمن: "أوسع شيء صدراً وأذلّ شيء نفساً... نفسه أصلب من الصلد وهو أذل من العبد".

فالمؤمن ذليل في نفسه متواضع مع ذاته لذلك نراه:

ميالاً الى الإرض يتخذها مجلساً وفراشاً.

يلبس ما حَسُنَ وتواضع من الثياب لأن المتقين. "ملبسهم الاقتصاد".

ذلك إن في ارتفاع قيمة الثياب وجودتها خيلاء القلب.

يُسَرُ بحمل متاع أهله وبيته لأنَّه "لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله" أمير المؤمنين?.

وبالجملة فإن تواضع الإنسان مع نفسه مقدمة لتواضعه مع غيره من أصناف الناس الذين يتعامل معهم في المجتمع.



التواضع للوالدين:

هذا التواضع يعتبر من حق الوالدين على الولد، ومن أشكال البر بهما حيث يقول تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"(1).

ويفيد الإنسان أن يتذكر أنَّهما أصل وجوده وسبب بقائه بما تعاهداه من حمل أمه له وتربيتها، وتعب والده لحمايته وصونه، ونستدل على ذلك من خلال الاية المباركة: "كما ربياني صغيراً".

وهذا يوجب لهما حق التواضع والخضوع، واستشعار الذل أمامهما.

ومن مظاهر الأدب والتواضع للوالدين:

أن يقف الإبن عند دخول الأب عليه.

ويسكت عند حديثه ولا يقاطعه.

ويخفض صوته في حضرته لأن رفع الصوت علامة التمرد والتهاون بمقام الوالد.

وفي رواية أن الإمام زين العابدين ? شاهد شخصاً يسير متكئاً على والده فلم يكلمه بقية حياته أبداً.



التواضع للناس:

إن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعاً، ولا يتم التواضع بعد المعرفة والعلم إلا بالعمل ومعاشرة الناس بالحسنى، بحيث يتواضع الإنسان في معاملاته لسائر الخلق الصغير منهم والكبير، ويبين القران لنا جوانب أساسية من التواضع في معاشرة الناس، فيأتي في سورة لقمان: "ولا تصعر خدك للناس"(1).

وعدم الميل بالوجه عنهم إهمالاً واستعلاءً، فمن التواضع الإقبال على الخلق، واستماع حديثهم والاهتمام بهم ولو صغر موقعهم في المجتمع، وقد كان رسول الله يقبل على من يحدثه ولا يرفع يده من يد صاحبه حتى يكون هو الذي يرفعها.

"ولا تمشي في الأرض مرحا"(2)، مِمَّا يدلّ على زهو وخيلاء في النفس.

"من تعظَّم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" رسول الله (ص).

والتصرف الصحيح هو ما جاء في سورة الفرقان: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً"، أي بهدوء واستكانة.

"واغضض من صوتك"(3).

إن رفع الصوت علامة التمرد، وعدم الإحترام لمن نخاطب.



التواضع المذموم:

رغم شدة اهتمام الإسلام بالتواضع، ونهي المؤمنين عن الترفع على غيرهم من الناس إلا أن الله تعالى قد وضع حداً للتواضع بشكلٍ لا يقود إلى الذلة والضعف المهين للإنسان والدين.

فعلى المؤمن أن يبقى عزيزاً في مواجهة الفاسقين والعصاة وأهل الكفر.

"أعزة على الكافرين"(4).

إن خفض الجناح أمام أهل العصيان يعتبر ذلاً ومهانةً لنفس الإنسان وتوهيناً للدين من ناحية أخرى.

وفي إطار وَصفِ أبي سعيد الخدري لرسول الله (ص) قول: "متواضعاً في غير مذلة".

والنبي نفسه يقول: "طوبى لمن تواضع في غير مسكنة".

إن الطريقة الإلهية تقضي بالاعتدال في الخصال والصفات والإفراط بالتواضع في غير محله عاقبته الذل والهوان، كما أن التفريط به يؤدي إلى التكبر.

"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".

كان صلى الله عليه وآله وسلم أشد الناس تواضعاً:

كان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل.

وكان في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقِّع ثوبه، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق.

وكان يجالس الفقراء، ويواكل المساكين.

وما أخذ أحدٌ بيده فيرسل يده حتى يرسلها الاخر.

وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويباديء أصحابه بالمصافحة.

ولم يُرَ، قط ماداً رجليه بين أصحابه.

يُكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته.

ولا يقطع على أحد الحديث.

وكان أكثر الناس تبسُّماً، وأطيبهم نفساً.

يقول أمير المؤمنين ? حول تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ولقد كان يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله، ويرقِّع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويُردف خلفه.

فتأسَّى بنبيِّك الأطيب الأطهر فإن فيه أسوةً لمن تأسَّى، وعزاء لمن تعزَّى، وأحب العباد إلى الله المتأسَّي بنبيّه والمقتصّ لأثره".


كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقّع ثوبه، ويخصف نعله،ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته منالسوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو،ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشفالتمر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائهنصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًاأكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابرهحتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقدوسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين. يتفاضلون عندهبالتقوى.

1- روى البخاري في صحيحه من حديث الأسود قال: سألت عائشة رضيالله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله،فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة". رواه البخاري.

2- وعن أنس بن مالك رضيالله عنه قال: إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق بهحيث شاءت. رواه البخاري3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كان شخصٌأحبُّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لمايعلمون من كراهيته لذلك. رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدبِ المفردِ بأسانيدَصحيحة.

4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة عند موته: "لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد الله ورسوله" رواه البخاري.

5- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير "والإهالة السنخة". رواه أحمد وصححه الألباني ( الإهالة: الدَّسَم الجامد، والسَّنِخة المتغيرة الريح).

6- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسحرؤوسهم. رواه النسائي وصححه الألباني.

7- وكان النبي صلى الله عليه وسلميأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. رواه الحاكم وصححهالألباني.

8- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إليّ أنتواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد" أخرجه مسلم.

9- عن أنس رضي الله عنه قال: "كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُسبَق أو لاتكاد تُسبَق، فجاء أعرابي على قعود له (أي جمل) فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتىعرفه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاوضعه" رواه البخاري
0
374

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️