من دوائر العفو المهمة جدا ما ذكره القرآن وهو يخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) هذه الدائرة تحدثنا عن ضرورة عفو القائد بالنسبة للمحكومين , أن يعفو الغني عن الفقير, أن يعفو القوي عن الضعيف , أن يعفو الدائن عن المدين ,أن يعفو الحاكم عن المحكوم, النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : " اللهم من ولي من أمور أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به , ومن ولي من أمور أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه" يحكى في كتب التاريخ والأدب أن الخليفة العباسي _المأمون _ من شرفة قصر فرأى رجل بيده فحمة وهو يكتب على القصر , فأمر بعض خدمه أن يذهب إلى الرجل فينظر ماذا كتب؟ ثم يقبض عليه , فذهب الخادم مسرعا , ثم جاء إلى الرجل فوجده قد كتب بيتا من الشعر بالفحمة على قصر الحاكم, قال له ماذا تفعل؟ قال كتبت هذا البيت قرأ الخادم بيت الشعر وإذا يقول
يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم متى يعشش في أركانك البوم
يدعو على قصر الحاكم بالخراب , طبعا لا يحلم أو يفكر أحد منا أن يقترب من قصر الحاكم فضلا على أن نكتب عليه, متى يعشش البوم في أركان مكان ما؟ سنة الله في خلقه إن كان هناك ظلم , يقول تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) ويقول جل جلاله (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ , فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) فكان يحس هذا الرجل بالظلم , وكان يتوقع أن يعشش البوم حقيقة في أركان هذا القصر, الشؤم واللؤم معروف ,
يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم متى يعشش في أركانك البوم
فنظر إليه الخادم وقال له: أجب أمير المؤمنين , هيا معي, فقال له: سألتك بالله لا تذهب بي إليه (رعب يملأ قلوب الفقراء ) , فقال له الخادم لابد, فلما مكث في يد المأمون قال له المأمون بعد أن علم ماذا كتب قال له : ويحك ماذا حملك على هذا؟ قال يا أمير المؤمنين: إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال, ومن الحلي والحلل ومن الطعام والشراب والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي و يعجز عنه فهمي, وإني قد مررت به الآن وأنا في غاية الجوع والفاقة, فوقفت مفكرا في أمريء , وقلت في نفسي هذا القصر عامر عالي , وأنا جائع , لا فائدة لي منه فلو كان خرابا ومررت به لا أعدم رخامة أو خشبة أو مسمارا أبيعه و أتقوت به , يا أمير المؤمنين ألا بلغك كما قال الشاعر قال ماذا قال؟ , قال الشاعر
إذا لم يكن للمرئ في دولة امرئ نصيب ولا حظ تمنى زوالها
وما ذاك عن بغض لهم غير انه يرجى سواها فهو يهوى انتقالها
متى ينتمي الإنسان فينا للحاكم والحكومة , عندما ينال حقه , لكن عندما يفقد حقه و يظلم لا يحس بانتماء , لكن الحاكم الذي كان قريب عهد بالإسلام عفا عنه , وبالمناسبة بعض الغربيين وأتباع الغربيين يتهم الإسلام بأنه حكم فردي ,لا يعرف حرية الفكر والرأي , لكننا إذا عدنا إلى تاريخنا نجد أن هذا الكلام كلام غير صحيح , فالمأمون على ما كان في عصره من هفوات إلا انه استمع للرجل , وقد كتب على حائط قصره يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم متى يعشش في أركانك البوم
وناقشه وعندما استمع إليه , قال لخادمه أعطيه ألف درهم , عفا عنه , العفو عند المقدرة , ثم نظر للرجل وقال له هذا لك كل سنة مادام قصرنا هذا عامرا بأهله مسرورا بدولتنا , نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق , أن يطهر جبهتنا الداخلية من الشح و التعصب و المغالاة و أن يضع في قلوبنا العفو و التسامح و المحبة و الألفة.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
( شمس الجنوب )
•
بـاركـ الله فـيــك واثـابـكـ
الصفحة الأخيرة