ومن أروع مراثي الشعر العربي ،بل هي من عيونه مرثية ابن الرومي في ابنه الأوسط محمد،وهذه القصيدة درة مكنونة من أروع ما قد قيل في رثاء الأبناء،في بكاءهم ،وهي تتفرد بالحزن واللوعة والمرارة الشديدة،والبكاء المر والعويل المحزن،الذي يأخذ بمجامع الأفئدة ويعصر القلوب ويلفها حزنا وكمدا وبكاءً وعويلا...رحم الله ابن الرومي حيث قال:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي**فجودا فقد أودى نظريكما عندي
ألا قاتل الله المنايا ورميها** من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي**فالله كيف اختار واسطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته**وآنست في أفعاله آية الرشد
طواه الردى عني فأضحى مزاره **بعيداً على قرب قريبا على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها**وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد قل بين المهد واللحد لبثه**فلم ينس عهد المهد إذا ضم في اللحد
ألحّ عليه النزف حتى أحاله**إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسه**تساقط در من نظام بلا عقد
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطر له**ولو أنه أقسى من الحجر الصلد
وما سرّني أن بعته بثوابه**ولو أنه التخليد في جنة الخلد
ولا بعته طوعا ولكن غُصبتُه**وليس على ظلم الحوادث من معد
وإني وإن متعت بابنيّ بعده**لذاكره ما حنّت النيب في نجد
وأولا دنا مثل الجوارح أيها**فقدناه كان الفاجع البين الفقد
لكل مكان لا يسد اختلاله**مكان أخيه من جزوع ولا جلد
هل العين بعد السمع تكفي مكانه**أم السمع بعد العين يهدي كما تهدي
لعمري لقد حالت بي الحال بعده**فياليت شعري كيف حالت به بعدي؟
ثكلت سروري كله إذا ثكلته**وأصبحت في لذات عيشي أخا زهد
أريحانة العينين والأنف والحشا**ألا ليت شعري هل تغيرت عن عهدي
كأني مااستمتعت منك بضمة**ولا شمة في ملعب لك أو مهد
أُلامُ لما أبدي عليك من الاسى**وإني لأُخفي منك أضعاف ما أبدي
محمد ماشيءٌ توهم سلوة**لقلبي إلا زاد قلبي من الوجد
أرى أخويك الباقيين كليهما**يكونان للأحزان أورى من الزند
إذا لعبا في ملعب لك لذعا**فؤادي بمثل النار عن غيرما قصد
فما فيهما لي سلوة بل حرارةٌ**يهيجانها دوني واشقى بها وحدي
وأنت وإن أُفردت في دار وحشة**فإني بدار الأنس في وحشة الفرد
عليك سلام الله مني تحية**ومن كل غيث صادق البرق والرعد
رحم الله ابن الرومي وابنه محمد...
ورحم الله كل عزيز لدينا قد مات...وما من أحد إلا قد مات له عزيز...
فرحماك يالله بموتى المسلمين أجمعين...

نصر @nsr_1
محرر في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
شكراً .