بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه}.
لاشك أن النفس بطبيعتها محبة للخير، تعمل على التماس السبل التي تسوق لها السعة في الرزق والبركة في العمر والأجر، والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب بهذا الحديث هذه النفس، فيرشد إلى طريق السعة في الرزق وكثرته، وإلى طريق التوفيق في العمل، فيهدي العبد إلى العمل الكثير، ذي الأجر الجزيل، في عمره القليل، ووسيلة بلوغ ذلك كله صلة الرحم.
إخواني صلة الرحم لها عدة فوائد منها:
1- انها سبب لصلة الله كما جا في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة : ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك)) رواه البخاري واللفظ له (5987) ومسلم(2554)
2- صلة الرحم سبب لدخول الجنة في الحديث المتفق عليه عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة ويباعده من النار فقال صلى الله عليه وسلم : (( تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم )) رواه البخاري (1396) ومسلم (13) .
وعن عبدالله بن سلام قال قال صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي 2485 وابن ماجة 3251 وصححه الألباني في الصحيحة ( 569) .
3- صلة الرحم امتثالا لأمر الله تعالى قال جل وعلا : (( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)) ( الرعد 21) .
4- صلة الرحم تدل على الأيمان بالله واليوم الآخر: عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم : ((من كان يؤمن بالله واليومالآخر فليصل رحمه)) رواه البخاري (6138) .
5- صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله: فقد سأل رجل من خثعم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم مه ؟ قال: ثم صلة الرحم، قال: ثم مه ؟ قال : الأمربالمعروف والنهي عن المنكر. قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله ؟قال : الإشراك بالله ، قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، قال: قلت يا رسول الله ثم مه ؟ قال : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)) رواه أبويعلى بإسناد جيد, كما ذكر ذلك المنذري في الترغيب والترهيب 3/336.
6- صلة الرحم تنفيذ لوصية النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر أنه قال (( أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)) مجمع الزوائد 8/154 وقال رواه الطبراني في الصغير والكبير .
ولا يخفى عليك أخي القارئ الحديث الذي فيه قصة أبي سفيان مع هرقل وأن أبا سفيان أجاب هرقل حينما سأله ماذا يأمركم ؟ قال : قلت يقول : (( اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة )) رواه البخاري 7 ومسلم 1773
7- الرحم تشهد للواصل بالوصل يوم القيامة عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم : (( وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وعليه بقطيعة إن كان قطعها)) رواه البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين.
8- صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) رواه البخاري 5986, مسلم 2557.
وقيل : إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق أن يبارك الله في عمر الإنسان ورزقه فيعمل في وقته ما لا يعمله غيره فيه.
وقيل : إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق على حقيقتها فيزيد الله في عمره ويزيد في رزقه ولا يشكل على هذا أن الأجل محدود والرزق مكتوب فكيف يزاد ؟ وذلك لأن الأجل والرزق على نوعين : أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد, ورزق مطلق يعلمه ورزق مقيد, فالمطلق هو ما علمه الله أنه يؤجله إليه أو ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير, والثاني يكون كتبه الله واعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسبالأسباب .
9- صلة الرحم تعجل الثواب وقطيعتها تعجل العقاب, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليس شيءأُطِيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم)) البيهقي في السنن الكبرى 10/62 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/950.
10- صلة الرحم تدفع ميتة السوء عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه)) رواه عبد الله بن أحمد في زوائدهعلى المسند وصححه أحمد شاكر, وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب 3/335, وانظره في مجمع الزوائد 8/152, 153.
11- صلة الرحم أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة, عن عقبة بن عامر أنه قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرته فأخذت بيده وبدرني فأخذ بيدي فقال : (( يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك, ألا ومن أراد أن يمد له في عمره ويبسط في رزقه فليصل ذا رحمه )) الحاكم في المستدرك 4/161 وسكت عنه الذهبي وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3/342.
12- صلة الرحم تثمر الأموال وتعمر الديار عندأحمد ورجاله ثقات عن عائشة رضي الله عنها : (( صلة الرحم وحسن الجوار أو حسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)) رواه أحمد 6/159 , وانظر فتح الباري 10/415 , والترغيب والترهيب 3/337.
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم, قيل وكيفذلك يا رسول الله قال بصلتهم لأرحامهم)) رواه الطبراني وإسناده حسن انظر جمعالزوائد 8/155.
13- صلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل: روى الترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : (( إن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر)) وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/570.
14- أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة : في الحديث المتفق عليه عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة قاطع)) رواه البخاري 5984 ومسلم 2556 قال سفيان بن عيينة أحد الرواة يعني قاطع رحم ( فتح الباري 10/415).
15- أن قاطع الرحم لا يقبل عمله : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم)) رواه أحمد وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/154 رجاله ثقات وصحح إسناده أحمد شاكر.
16- أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم : رواه البخاري في الأدب المفرد قال الطيبي يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرونه عليه, ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس بشؤم التقاطع.
فتح الباري
امل باكر @aml_bakr
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
السؤال : هل من الممكن أن تشرحوا لي هذا الحديث : عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه ، وما معنى (يُنسىء له في أثره) ؟
الجواب :
الحمد لله
روى البخاري (2067) ومسلم (2557) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
البسط في الرزق كثرته ونماؤه وسعته وبركته وزيادته زيادة حقيقية .
واختلفت عبارات العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ) .
فقيل : المعنى : حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ .
وقيل : بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْره , وَالتَّوْفِيق لِلطَّاعَاتِ , وَعِمَارَة أَوْقَاته بِمَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة , وَصِيَانَتهَا عَنْ الضَّيَاع فِي غَيْر ذَلِكَ .
وقيل : معناه : بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وقيل : يُكْتَبُ عُمُرُه مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يُقَالَ : إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا ، فتَكُون الزّيَادَة فِي العُمرِ زيَادَة حَقِيقِيّة .
راجع : "شرح النووي على مسلم" (16 / 114) – "فتح الباري" (4 / 302)
وهذا القول الأخير هو الراجح ، فيكون معنى الحديث : من أحب أن يبسط له في رزقه فيكثر ويوسع عليه ويبارك له فيه ، أو أحب أن يؤخر له في عمره فيطول : فليصل رحمه .
فتكون صلة الرحم سببا شرعيا لبسط الرزق وسعته ، وطول العمر وزيادته ، والتي لولاها لما كان هذا رزقه ، ولا كان هذا عمره – بتقدير الله تعالى وحكمته - .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد" (1 / 24) :
" الحديث على ظاهره ، أي : أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة ، تماماً كالسعادة والشقاوة ، فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد ، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً .
وكما أن الإيمان يزيد وينقص ، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية ، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً " انتهى .
قال الطحاوي رحمه الله :
" يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا ، لما هو دون ذلك ، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا ، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا ، وإن عملت كذا حرمت كذا ، وإن لم تعمله رزقت كذا ، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه " انتهى .
"بيان مشكل الآثار" (7 / 202) .
وقال الحليمي رحمه الله في معناه : " أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا ، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك ، فحمل الزيادة في العمر على هذا " انتهى .
"شعب الإيمان" (6 / 219) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْأَجَلُ أَجَلَانِ " أَجَلٌ مُطْلَقٌ " يَعْلَمُهُ اللَّهُ " وَأَجَلٌ مُقَيَّدٌ " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : " إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا " وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ؛ لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (8 / 517) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" معناه : أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره ، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه .
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه وهو في بطن أمه ؛ لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر وأسبابًا للرزق ، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق ، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب ، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (98 / 1) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً ، وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله في أجله وفي رزقه " انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (54 / 13)
موقع الإسلام سؤال وجواب